تكالبت عوامل عدة في السودان، منها المرض والدول الغربية والمجاورة، لتضع مثلث المأساة والحرب الذي يتخذ من اقليم دارفور قاعدة، ويلتقي ضلعاه في تشاد، على سطح صفيح ساخن من جديد، لكن هذه المرة باعلان صريح للحرب بين تشاد والسودان.
فمنذ ان بدأت المعارضة التشادية عمليات عسكرية في الحدود المشتركة بين البلدين كنقطة انطلاق تكر منها على مدن تشادية ومن ثم تفر الى مدن سودانية، وكشف عن مرض الرئيس التشادي ادريس ديبي الذي شهدت فترة حكمه استقرارا نسبيا في بلد تسيطر عليه العرقية والقبلية، ومنذ بدأت مباركة خفية من دول غربية منها فرنسا والولايات المتحدة وأخرى مجاورة مثل ليبيا والسودان لقائد التمرد الجديد في تشاد محمد نور، اشتعل المثلث الذي تنفخ فيه عمليات عسكرية وعمليات نهب واسعة في اقليم دارفور المنكوب.
استيقظت -أمس- الخرطوم التي تتجمل هذه الايام استعدادا لاستقبال مؤتمر القمة الافريقية في الشهر المقبل، على انفتاح جبهة جديدة بعد ان سدت جبهات عديدة، مثل اريتريا واثيوبيا واوغندا، ونجحت في استقطاب وحشد تأييد واسع لاحتضان قمتين مهمتين على الصعيدين العربي والافريقي حيث تستضيف ايضا في شهر مارس/ آذار المقبل القمة العربية، لتبدأ مواجهة مهدد حقيقي هو الحرب مع تشاد.
والملف التشادي الذي ظل على مر العهود السياسية في البلدين خميرة عكننة، بسبب التداخل القبلي والحدودي، افلح الطرفان في وضعه تحت الطاولة خلال ازمة دارفور المستفحلة طوال نحو ثلاث سنوات، بل ذهب التشاديون الى تسجيل أسمائهم ضمن فريق الوساطة الافريقي في العاصمة النيجيرية أبوجا، لنزع فتيل الاقتتال بين الحركات المسلحة الدارفورية والقوات الحكومية، إلا أن عوامل كثيرة قادت الى اشعال المثلث المشترك بين البلدين منها اجندة غربية ودولية واقليمية،فضلا عن تشابك قبلي بين السلطة الحاكمة في تشاد والحركات المسلحة في دارفور.
ويعتقد مراقبون أن زيارة الرئيس ادريس ديبي الى فرنسا قبل اسابيع والتي اكتشف فيها اصابته بمرض خطير عجلت بتسارع الاحداث في تشاد الى جانب ان ديبي استعان بقبيلة الزغاوة التي ينتسب اليها، وكذلك لجم الفصيل المسلح في دارفور بالسودان جماح المعارضة المسلحة في بلاده، دفع الاخيرة التي ينتسب قائدها الى قبيلة القرعان المنقسمة بين البلدين الى الاستعانة بقبيلته، لتزداد وتيرة المواجهات المسلحة، الأمر الذي دفع الاتحاد الافريقي لإرسال وفد الى العاصمتين التشادية والسودانية انجمينا والخرطوم لإجراء مشاورات ترمي إلى تهدئة الأوضاع، ونزع فتيل التوتر بين البلدين.
ومع ان مصادر دبلوماسية توقعت صعوبات امام وفد الوساطة، وتوقعت فشله، حتى قبل ان ينهي مهمته في الخرطوم، استناداً الى عوامل كثيرة بعيدة عن الاتحاد الافريقي منها الايادي الخفية التي دفعت تشاد الى تقديم شكوى لمجلس الأمن في حق السودان المثخن أصلا بثلاثة قرارات دولية خلال العام، إلا أن مسؤولا سودانيا بدا واثقا من ان التصعيد التشادي سيتراجع قبل نهاية الاسبوع الحالي. وقال عضو الوفد الحكومي للتفاوض مع مسلحي دارفور نجيب الخير عبد الوهاب: إن الأزمة بين البلدين ستجد الحلول والمعالجات المناسبة في إطار اجتماعات القمة الخماسية المرتقب عقدها في ليبيا في الشهر المقبل.
وقال: رغم الأحداث التي شهدتها الحدود بين البلدين فقد ظلت الوساطة التشادية في أبوجا، ولجنة الرقابة المشتركة التي مقرها في انجمينا تلعبان دورا إيجابيا في محادثات أبوجا أكثر من أي وقت مضى، مؤكدا أن الرؤساء في القمة الخماسية سيجدون الحلول والمعالجات المناسبة، لكن الوسيط التشادي في مفاوضات ابوجا قاطع جلسة اللجنة الأمنية أمس الاول باعتبار أن بلاده في “حالة حرب” مع السودان.
وحسب مصدر في السفارة السودانية في تشاد، فإن الازمة الحالية تستمد زخمها من وسائل الاعلام، باعتبار ما يجري على الارض يخالف التضخيم ولا يستقيم مع وجود الرئيس ادريس ديبي في مدينة أدر ثلاثة ايام متتالية، عاد منها مساء أول أمس، بعد ان سيطرت قواته على كل المدينة، وقال المصدر ل”الخليج” هاتفيا: ان الاحداث في تشاد لا ترقى الى مستوى ما تورده اجهزة الاعلام، وان هناك تصعيدا إعلاميا وسياسيا مقصودا من جهة الحكومة التشادية لاحراج السودان، وهي تتحرك كواجهة لجهات اخرى تسعى وراء الهدف نفسه، فضلا عن تضامن خفي بين قيادة الحكومة التشادية التي تنتسب الى قبيلة الزغاوة وحركة المتمردين التي تفاوض الحكومة السودانية في ابوجا حالياً.
وأكدت الخرطوم رسمياً في نفيها الاتهامات التشادية بشدة في بيان لوزارة الخارجية أن الحكومة التشادية تعاني من أزمة داخلية تبحث لها عن “شماعة” وهي غير قادرة على معالجة أوضاعها الداخلية، مما جعلها تعلق مشكلاتها على السودان، أكدت على حقها في الرد والدفاع عن اراضيها “التي تستبيحها الجماعات التشادية المسلحة” والوقوف بقوة امام عودة اقليم دارفور الى المربع الاول الذي يعتقد ان الحكومة والحركات المسلحة تجاوزتاه وتنتظران الوصول الى اتفاق مع مشارف العام المقبل. وتشير اصابع الاتهام ايضا الى دور ليبي في الازمة التشادية السودانية، لكن الرئيس الليبي معمر القذافي انتهز فرصة مخاطبة وفد سوداني كبير يزور طرابلس للتحذير من التدخل والاحتلال الكامل لدارفور. وأشار القذافي إلى خطورة تصعيد العداء بين السودان وتشاد، وتساءل عن المصلحة في تصعيد التوتر بين البلدين، وقال انه إذا انهار أو تصدع النظام في تشاد فسينعكس هذا سلبا على كل دول الجوار الإفريقي لتشادہدارفو