اخبار سودانية
أخر الاخبار من السودان

بشري الفاضل:لم تأسرني التجربة الروسية ولا الواقعية الإشتراكية بنسختها الستالينية

سودانيزاونلاين.كوم
sudaneseonline.com
22/12/2005 10:24 م

ميني ندوة: شارك فيها عيسي الحلو, ضياء الدين بلال , محمد عبد المنعم , احمد مكنات

لا يخفي علي أحد القيمة الأدبية الكبيرة للدكتور بشري الفاضل القاص والشاعر، مثلما لا يمكن أن ينسي المهتمون بالكتابة الإبداعية الدوي الهائل الذي أثارته قصصه الأولي (حملة عبد القيوم الإنتقامية، وحكاية البنت التي طارت عصافيره)، والجدل النقدي الثر الذي أثارته، والدراسات النقدية التي ذهبت إلي القول بأن الفاضل أحد رواد المدرسة الأدبية الروسية الشهيرة (الواقعية الإشتراكية) وهو يعد من الجيل الوسيط بين كتاب القصة السودانيين.

ألقت تقلبات البلاد بالقاص في أحد المغتربات، وفي موسم عودة الطيور المهاجرة يحلو الأنس مع المبدعين، وتحلو مشاركتهم أفكارهم للإقتراب من إضافات أو خصومات الغربة لهم أو عليهم.

خلاصة القول أن الرأي العام انتهزت زيارته لها وأجبرته علي الجلوس علي كرسي (فضفضة) كان القصد أن تكون الخلاصة حواراً تنشره الصحيفة، لكن مآلات الجلسة أفضت إلي ما يشبه الندوة التي تحدث فيها القاص عن تجربته الكتابية، ولحظة الكتابة، وأين وصل الأن ..

ـ ميني ندوة: شارك فيها عيسي الحلو، ضياء الدين بلال، محمد عبد المنعم، أحمد مكنات

* عيسي الحلو: مرت تجربتك القصصية بأطوار عديدة، ويعرف الناس قصة (حكاية البنت التي طارت عصافيره)، لأنها جسدت صراعاً عنيفاً بين السياسي والإجتماعي، كل الناس يعرفونها حتي الذين لا علاقة لهم بالأدب، وربما يمكن وصفها بأنها أصبحت أسطورة المواطن العادي، نريد أن نعرف أين وصل بشري الفاضل الآن؟

ـ بشري الفاضل: أول قصة نشرت لي هي (حملة عبد القيوم الإنتقامية) في نوفمبر 1978م، وحكاية البنت التي طارت عصافيرها هي القصة الثانية التي نشرت لي أو بالأحري هي ثالث قصة أكتبها، بعد نشرها مباشرة أرسل لي أحد الأصدقاء وكان طالباً بجامعة الخرطوم رسالة يقول فيها إنني كاتب كبير فقلت له إنني مازلت مبتدئاً. كنت وقتها أدرس اللغة الروسية بجامعة سان بطرسبيرج (جامعة لينينغراد سابقاً).

ذهبت إلي هناك لدراسة الأدب الروسي فوجدت أن المدارس الأدبية كانت تحنطه في المدرسة الواقعية الإشتراكية بنسختها الستالينية، فأرسلت إلي أصدقائي وقلت لهم إن التجربة الروسية لم تأسرني، وغيرت وجهتي من دراسة الأدب لدراسة اللغة الروسية لأنهم كانوا لا يسمحون بدراسة الأدب إلا وفق رؤيتهم له.

وعندما عدت للسودان في العام 1985م كتبت بعض القصص التي تهتم ببعض المعالجات للمشاكل الإجتماعية، لكني الآن أناقش في قصصي التي أكتبها والتي قد لا أنشرها، موضوعات خارج القضايا الإجتماعية، بل تناقش قضايا تتعلق بوجود الإنسان، وتطرح الأسئلة التي ظلت تطرح طوال تاريخ الإنسانية كسؤال ما هو الحب، وعلي رغم غلظ الأسئلة لكن الكتابة بدأت تأخذ هذا الشكل دون أن أعي بها، مثلما يفعل الكثير من الكتاب كالأستاذ علي المك الذي كان يكتب قصصاً عن الحب، وماركيز الذي يكتب عن العزلة، هذه الأسئلة يسعي كل الكتاب الإجابة عليها لكن هيهات..

في مدينة جدة السعودية كنت أتأمل في كيفية القص، وكيف تأتي القصة، وعندي تجربة كتابة تأملية حدثت هناك، في ذات يوم وأثناء متابعتي لمباراة في كرة القدم العالمية التي أحبها، قام اللاعب الهولندي صاحب الكرات القوية (كولمان) بتصويب كرة قوية جداً وأثناء متابعتي لمسير الكرة تولدت عندي فكرة الإبعاد، فحاولت أسر اللحظة وكتابة قصة عن (الإبعاد)، كان إبعاد الكرة مجرد باعث للحظة، فاقتنصت الفكرة وقلت سأكتب عنها قصة.

أنا لا أكتب في البياض بل أنا ضد الفكر النقدي التي يتحدث عن بياض الورق المخيف، ففي منطقة الورقة والقلم حسب تصوري لا تكتب القصة ولا الشعر، فالأشياء عندي تحدث في لحظة ذاتية جداً هي ذات اللحظة التي يسميها البعض (الإرزام)، واللحظة التي سماها الدكتور عبدالله الطيب (إنشطار الذات)، وتحدث عنها محمود درويش في حديثه عن تجربته الشعرية.

أثناء المرحلة التي أسميها "أسر لحظة كتابة القصة" المستوحاة من كرة (كولمان)، لم تكن لدي شخصيات، ولم يكن لدي موضوع للكتابة سوي خواطر غامضة عن الإبعاد، وهي فكرة ضمن السياق الإجتماعي يمكن أن تقود إلي كلام عن التهميش، وحين حاولت الكتابة عرفت إني سأكتب عن شخصية إسمها الماحي، لأن الشرط الذي وضعت فيه الفكرة كان لازماً للبطل أن يكون (ماحياً) لثقافته ولوجوده، لأن إبعد تماماً، بعدها تشكلت القصة وتم إعدادها لاحقاً.

من جانب آخر أنا مهتم جداً بمسألة الزمن، وأتعامل معها من بذات التفاصيل التي أهتم بها العالم الفيزيائي (هوبكنز)، ماذا حدث في الثواني الأولي التي أعقبت ما سماه (الإنفجار الكبير)، وكيف تكونت الأجرام السماوية أنا مهتم جداً بهذه الفكرة، في لحظة التوليد هذه حدث الإبعاد، وليس عندي سوي ههمات عن كتابة نص قصصي عن الإبعاد، بدقائق تلت لحظة التوليد كان لدي إسم لبطل هو الماحي، بعدها كتبت عن مجموعة شباب من بينهم (هذا الماحي) يعيشون في منطقة ما أو مدينة ما كقطيع يذهبون إلي السينما، والمقاهي، وغيرها، في مرحلة معينة من مراحل تطور السودان، شخصية الماحي كانت شخصية محبوبة جداً بين الشلة، لكنها فجأة إختفت دون أن يعرف احد عنها شيئاً ..

* ـ مقاطعة ـ أحمد يونس: قصة الماحي هذه أليست عودة لمرحلة البنت التي طارت عصافيرها، مرحلة الصدام المروع حسب مصطلح أستاذ عيسي الحلو بين الإجتماعي والإبداعي ..

ـ حكاية البنت التي طارت عصافيرها ساقت الشعرية فيها القص كنت أكتب فيها أجزاء شعرية، مثل: (كان النوار أخضر لا كعادة أيام الضي، كنت ملتوياً بالبهجة كعمامة إعرابي يزور المدينة للمرة الثانية)، ثم تكونت القصة لاحقاً ولا أدري كيف كانت العودة التي تكلمت عنها ..

* أحسست أن ثمة إختفاء له مدوله الإجتماعي، بل السياسي ما عددته عودة لمرحلة الإصطدام بين الإجتماعي والإبداعي، بعد سردك الذي قدمته عن الإنتقالة كأنك غادرت ثم عدت مرة أخري لذات المكان!

* يتدخل ضياء الدين: هنالك صعوبة في الإمساك بمقولة شخصية والتأكيد عليها وسوقها لتعبير أرادة الدكتور للتعبير عن متغير جديد لأننا مازلنا في في مرحلة المعرفة!

ـ بشري الفاضل: نعم كل (الحكي) سيولد هاهنا، قضايا السودانيين معقدة جداً، أسئلة كيف تفكر، وكيف تكتب، سبق أن رفضتها بحدة الكاتبة (فيرجينا وولف)، لأن في الطريق إلي البحر يمكن أن تكون هنالك مليون فكرة خطرت علي الكاتب..

* ضياء الدين: أنا أعني جانب تخلق الفكرة وكتابتها ..

ـ بشري الفاضل: كما قلت لك في لحظة ضربة الكرة تولد إسم الشخصية لأني أكتب عن الإبعاد، ولا أدري كيف فكرت أن تكون محوا للأشياء التي فكرت فيها، الفكرة كأنما بينكم في الصحيفة محرر مميز وفجأة يضرب عن كل شئ، أنا متأثر بالفكرة التي درسناها في الجامعة علي يد الأستاذ علي عبد الله عباس والتي تدور حول عن شخص إسمه (باث) في أمريكا في المرحلة التي أصابت كل المجتمع الأمريكي بإحباط وباث قام بالإضراب عن أن يكون كاتباً لمحامي، ورفض دخول المكتب أو الكتابة وظل واقفاً إلي الحائط إلي أن مات.

الفكرة كانت في التسعينات من القرن الماضي لكني لم أنشطها إلا متأخرة، وما حدث أن كل المجموعة التي كانت تحيط بالماحي ذهبت إلي حفل عرس في مدينة نائية هي مدينة (الثغر)، وفي منتصف الطريق وجدوا شخصية تقف علي الطريق شعرها كثيف، وتحمل عوداً، ويمكنني الإستمرار في وصف هذه الشخصية لأعطي ملامح شخصية بجاوية، كل أصدقاء الماحي مروا عليه وركزوا علي ملامح هذا الشخص دون أن يتوقفوا، لكنهم بعد مسير أكثر من ثلاثة كيلومترات أوقفوا الشاحنة التي تقلهم ويقودها أحدهم، وأجمعوا علي أن الشخص الذي كان واقفاً في الطريق هو الماحي، فقرروا الرجوع، وبدأوا يتساءلون عن كيفية عدم معرفتهم له لأنهم بعد تلك اللحظة تذكروا التفاصيل الدقيقة التي تقول أن هذا الشخص هو الماحي.

* ضياء الدين: هذه الشخوص الماورائية في الأدب السوداني (الحنين) عند الطيب صالح كمثال، هل هي محاولة لنقل أفكار لا يتحملها الواقع اليومي بالنسبة للكاتب؟

ـ بشري الفاضل: أنا أحترم جداً تجربة الطيب صالح وعيسي الحلو يعرف كيف كانت مناقشاتنا عنها في تلك الفترة، ومن الآراء التي كنت أقولها أن المكان غير مؤسس، فـ (ود حامد) منطقة متخيلة، أما في الخرطوم فكنت أقول أن بعض الكاتبين يكتبون عن شخصيات في بري أو في أم درمان أو عن السكة حديد لتعيين ملامح الشخصية، وكنت أري بضرورة وجود أمكنة متخيلة كود حامد..

* ضياء الدين: هل هي أمكنة موازية؟

ـ بشري الفاضل: كان النقاد يسألونني لماذا تكتب عن الواقع الغرائبي مع إن الواقع السوداني أكثر غرائبية من كل تخييل، لماذا تكتب فانتازيا مع أن غرائبية الواقع أقوي من الفانتازيا، وأظن أنهم محقون في زعمهم هذا، لآن ما كتبنا عنه وشخصية مثل شخصية الماحي يمكن أن تجد في الواقع نسخاً عديدة منها بكل سهولة.

أنا لا أقصد بالطبع الشخصية ببعدها الإجتماعي، بل أقصد ما يجعل شخصية مثل شخصية الماحي بكل الحب المحيط بها تأخذ قراراً كقرار الإبتعاد، هذه الفكرة لابد من مناقشتها وجودياً، فأشياء كثيرة يمكن أن تلتبس، وأنا أعرف كاتبين في السودان تركوا الكتابة وذهبوا إلي بيوتهم! ما أقصد هو دراسة الظاهرة، كيف يضع الكاتب قلمه ويذهب إلي بيته هكذا، لذا تجب دراسة اللحظة التي تخلق فيها العمل القصصي، والتي قد لا أعيها جيداً، بدأت بدراسة موضوع اللحظة، فذهبت لطبيب نساء وولادة وقلت له أريد أن أعرف ما يحدث لحظة الصرخة، لحظة الميلاد، لحظة الألم الشديد عند المرأة، لأعرف ما يحدث قبل اللحظة التي يسميها الفيزيائيون الإنفجار الكبير، فقال لي أن في هذه المرحلة تحدث لحظة تذكر مؤلمة تتذكر فيها المرأة كل ما أختزنته ذاكرة الألم عندها، وهنا أشير إلي وصف دستوفسكي للإعدام في روايته (الأبله) لأنه عاشها شخصياً لأن (الديسمبريين) حكموا عليهم بالإعدام وقاموا بعصب عيونهم، وفي لحظات ترقب الإعدام فهو ككاتب تخيل الموقف وبعدها أعاد كتابته، وبعد العفو عنه لم يستطع نسيان إمكان تنفيذ الإعدام عليه في أية لحظة، ولأنه عاش اللحظة لذلك قام بتوصيفها توصيفاً دقيقاً في الأبله.

هذا الوصف الذي حدث في الأبله، ولحظة الطلق عند المرأة، تبينان كيف يتخلق الجنين في أول الخلق، ولذلك قلت أن ثمة (رعب فيزيولوجي) يجب الإهتمام به في النقد الأدبي، حقيقة أنا مؤمن بالتقاط هذه اللحظة ثم يأتي بعد ذلك أمر توظيفها سياسياً وأجتماعياً .. في الكتابة فإن لحظة التخلق الأولي هي المنطقة التي يدور حولها الإبداع.

وقد وصف ماركيز مثل هذه اللحظة وصف الحب العزلة، في (حكاية موت معلن)، فالحب والعزلة هي الموجة الأثيرة لدي غابرييل غارسيا ماركيز، ويمكننا البحث عن شئ كهذا في تجربة القاص عيسي الحلو ودون أن نكون ملخصين مبتسرين من (ريش الببغاء) إلي الآن والبحث عن الأشياء الوجودية فيها.

* مداخلة من عبد المنعم: أنا أعتقد أن بشري قرأ خطأ قرأت نصوصه وفسرت علي مرحلة سياسية معينة وحاول من قرأها إيجاد مفاتيح لها خلال الفترة المايوية، وتم تقييمه ككاتب واقعي إشتراكي، أنا أعتقد أن بشري كاتب واقعي لكنه يهتم بالأدبية أو الشعرية، ومن هنا تأتي غرائبية الكتابة عند بشري، وهي التي دفعته لكتابة (أزرق يمامة) الرجل الذي يستطيع الرؤية من بري حتي الأبيض، هذه الغرائبية هي منطلق بشري في الكتابة.

نواصل

اقرا اخر الاخبار السودانية على سودانيز اون لاين http://www.sudaneseonline.com............ للمزيد من الاخبار

للمزيد من هذه التحليلات الاخبارية للمزيد من هذه البيانات و المنشورات
الأخبار المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع


| اغانى سودانية | آراء حرة و مقالات | ارشيف الاخبار لعام 2004 | المنبر العام| دليل الخريجين | | مكتبة الراحل على المك | مواضيع توثيقية و متميزة | أرشيف المنبر العام للنصف الاول من عام 2005

الصفحة الرئيسية| دليل الاحباب |English Forum| مكتبة الاستاذ محمود محمد طه | مكتبة الراحل المقيم الاستاذ الخاتم عدلان | مواقع سودانية| آراء حرة و مقالات سودانية| مكتبة الراحل مصطفى سيد احمد


Copyright 2000-2006
Sudan IT Inc All rights reserved