• ذكر السيد وزير المالية والاقتصاد ان ميزانية 2006م تستند إلي ثلاثة أهداف وموجهات هي :-
(1) برنامج الولاية الرئاسية الثانية (2) البرنامج الاقتصادي متوسط المدى والملامح العامة لاستراتيجية محاربة الفقر (3) اتفاقية السلام الشامل والدستور الانتقالي القومي . هذه الموجهات والبرامج تعنى عملياً استمرار السياسات الاقتصادية لنخبة الإنقاذ دون أي تغيير جدي فيها . فبرنامج الولاية الرئاسية الثانية لا علاقة له بالوضعية السياسية الراهنة في البلاد وانما يرتبط بالفترة التي كانت نخبة الإنقاذ تنفرد فيها بحكم البلاد ، والبرنامج الاقتصادي متوسط المدى واستراتيجية محاربة الفقر أيضاً لا علاقة له بالوضعية السياسية الراهنة التي تستند على اتفاقية السلام الشامل مع الحركة الشعبية واتفاق القاهرة مع التجمع الوطني والاتفاقيات المتوقعة مع حركات دارفور ومنبر الشرق وقوى سياسية أخري . ويعنى ذلك أن هذه الموجهات ترتبط بسياسات نخبة الإنقاذ السارية طوال ال 16 عاماً الماضية.. صحيح أن وزير المالية أشار إلي اتفاقية السلام الشامل والدستور الانتقالي القومي ، ولكن في إطار الموجهات الأخرى . ومع ذلك تجاهل تماماً اتفاقية القاهرة مع التجمع الوطني والاتفاقيات المتوقعة مع قوى أخري وتجاهل أيضاً خطة أوسلو ( خطة الجام ) التي أعدتها البعثة المشتركة بين الحكومة والحركة وأجازها مؤتمر المانحين في أوسلو في أبريل الماضي . وهذه الخطة ، مع تحفظنا على طريقة أعدادها وإطارها العام ، أصبحت جزءاً أساسياً من وثائق مرحلة السلام واعادة الأعمار والبناء . وتجاهل هذه الخطة والاتفاقيات المشار إليها في أول ميزانية بعد توقيع اتفاقية السلام يعنى التهرب من الالتزام بها وبالتالي فرض البرنامج الاقتصادي لسلطة الإنقاذ كأمر واقع . وهذا لا يمكن قبوله . وحزب البعث السوداني يرى أن سودان ما بعد السلام يحتاج إلي خطة اسعافية سريعة تركز على المناطق المتأثرة بالحرب والحاجات الأساسية للسكان ( لمدة عامين ) وخطة متوسطة المدى (4 سنوات ) تعمل على إعادة أعمار وبناء السودان بشكل عام والجنوب والمناطق المهمشة والأكثر تخلفاً بشكل خاص . وذلك من خلال مراجعة خطة أوسلو واعادة مناقشتها في مؤتمر اقتصادي قومي ، شبيه بمؤتمر 1986م تشارك فيه كل القوى السياسية والاجتماعية بما في ذاك رجال الأعمال والنقابات وتنظيمات المجتمع المدني . وبناء على ذلك كان الأفضل تأجيل أعداد وتقديم الميزانية لحين تكوين المفوضيات خاصة مفوضية تخصيص ومراقبة الإيرادات القومية ( كونت الأسبوع الماضي ولم تشارك في أعداد الميزانية ) وذلك بالإضافة إلي استكمال مفاوضات ابوجا ومنبر الشرق ومشاركة كافة القوى في أعداد خطة الإنقاذ الاقتصادي والتنمية حنى تأتى الميزانية مستندة إلي خطة اقتصادية محددة ومعبرة عن المرحلة الجديدة التي تدخلها بلادنا . ولكن الحكومة ، أو على الأصح نخبة الإنقاذ المسيطرة ، استعجلت أعداد وتقديم الميزانية بهدف فرضها كأمر واقع . ولهذا السبب جاءت تقليدية في تبويبها وفى مصادر إيراداتها ومجالات أنفاقها وسياساتها الاقتصادية المرتبطة بسياسة التحرير والخصخصة والتمكين ، كما سيتضح . وهى أيضاً تقوم على افتراضات غير حقيقية تقول بنمو الناتج المحلى الإجمالي بحوالي 10 % مقابل 8 % في العام الماضي . وهو افتراض لا يسنده الواقع المعاش الذي يشير إلي أن النشاط الوحيد الذي شهد نمواً كبيراً هو قطاع إنتاج البترول. ونقول الإحصاءات بتراجع قطاعات الإنتاج ( الزراعة والصناعة ) وانتعاش قطاعات النشاط التجاري والطفيلي طوال السنوات السابقة . وينعكس ذلك في ارتفاع الأسعار والغلاء وتفشى البطالة واتساع دائرة الفقر وتراجع موقف الصادرات الزراعية والصناعية ومن ثم استمرار العجز في الميزان التجاري ( 1,2 مليار دولار عام 2005م ) وذلك رغم تصاعد عائدات البترول في الأعوام الأخيرة . والواقع أن نخبة الإنقاذ وسياساتها لا علاقة لها أصلاً بهذه القضايا وانما تتركز فقط على مصالح الفئات البيروقراطية والطفيلية المرتبطة بها من خلال السيطرة على جهاز الدولة . وهذا ما تعكسه حقيقة أرقام ميزانية 2006م
• الإيرادات العامة مليار دينار :-
* يمكن تلخيص إيرادات الميزانية الجديدة في الجدول التالي ( مليار دينار )
2005 2006 % %
1/ الإيرادات الضريبية 467,4 676,0 32,9 %
2/ الرسوم المصلحة 018,6 25,0
3/ الإيرادات القومية 789,0 1,008,4 50,2 %
المؤسسات العامة 0042,0 0,065,0{
الاستثمارات الحكومية 16,0 0,018,0{ 6,2 %
أخري - 0,17,0
عائدات البترول 706,0 0908,4 440 %
4/ إجمالي الإيرادات الذاتية 1,275,0 1,709,4
5/ التمويل المتاح 166,0 345,8 16,9 %
قروض ومنح 95,0 167,8
تمويل داخلي 71,0 178,0
6/ أجمالي الإيرادات العامة (4+5) 1,441,0 2,055,2 100 %
هذا الجدول يعكس أن الإيرادات الحكومية لا تزال تعتمد على مصادر تقليدية تشكل الضرائب المباشرة وغير المباشرة حوالي 32,9 % منها ( الضرائب الغير مباشرة تشكل 80% من الإيرادات الضريبية ) وتشكل عائدات البترول حوالي 44 % مقارنة ب 48 % في العام الماضي . وهذا يشير إلي تزايد الاعتماد على البترول مع استمرار الضرائب كمصدر أساسي للإيرادات . وعائدات البترول هي عائدات ريعية لا علاقة لها بهيكل الإنتاج الوطني ، والمشكلة أن هذه العائدات الضخمة والمتزايدة ظلت لغزاً طوال السنوات السابقة ولا أحد يعرف حجمها الحقيقي ، وهل ما يظهر في الميزانية يمثل كل العائدات أم انه يمثل جزءاً فقط ؟ وما هو نصيب الحكومة من أجمالي عائدات البترول ؟ وهناك أيضاً المعادن الأخرى ( الذهب ) هذه الأسئلة تحتاج إلي إجابات واضحة تعكس حقيقة الواقع ، خاصة بعد توقيع اتفاقية السلام وصدور الدستور الانتقالى . ولكن الميزانية لم تفصح عن ذلك. والجدول يعكس أيضاً ضعف مساهمة مؤسسات القطاع العام والاستثمارات الحكومية ( حوالي 5 % فقط في أجمالي الإيرادات ) وهى مساهمة تتناسب مع حجم استثمارات هذه المؤسسات ولا مع دورها التاريخي في دعم الميزانية العامة حتى سبعينات القرن الماضي . ويرجع ذلك ، بشكل رئيسي، إلي سياسات الدولة في إهمال هذه المؤسسات الأمر الذي أدي إلي انهيار معظمها ( مشروع الجزيرة ، السكة حديد ، المصانع الحكومية ، جامعة الخرطوم كأمثلة فقط ) وأيضاً لسياسات خصخصة المؤسسات الحكومية والمربحة منها بشكل خاص لمصلحة فئات طفيلية مرتبطة بالنخبة الحاكمة . ونشير هنا إلي أن الإيرادات الضريبية المضمنة في الميزانية لا تستبعد فرض ضرائب جديدة خلال العام ، كما جرت العادة ، وكما تشير إلي ذلك معلومات حول زيادة أسعار البترول تداولتها المجالس و الصحف قبيل تقديم الميزانية ، ومع ذلك فهي لا تشمل كل أشكال الضرائب التي يعانى منها المواطنون. فهناك ضرائب متعددة ومتنوعة تفرضها بعض الوزارات والولايات والمعتمديات حتى وصلت إلي العاملين في النشاطات الهامشية . ولذلك اصبح الناس سصفون دولة الإنقاذ بأنها دولة جباية وليست دولة رعاية وخدمات وفى الجانب الأخرى هناك التمويل من البنك المركزي (8 % ) وهو أيضاً مصدر تقليدي في إيرادات الدولة ولا يجده قانون بحكم ارتباط البنك بوزارة المالية . ونأمل أن تساعد إدارة البنك الجديدة في التقليل من الاعتماد على هذا المصدر . وهناك أيضاً القروض المنح الخارجية ( 8,9 % حسب الميزانية ) ولكن الواقع يقول أن هذا المصدر يساهم بأكثر من ذلك . فهناك خطة أوسلو التي يساهم المانحون بحوالي 57 % من تمويلها ( حوالي 4,5 مليا دولار ) وهناك تطور العلاقات مع مؤسسات التمويل الدولية التي أصبحت تشرف على برنامج الإصلاح الاقتصادي منذ عام 2000م. المذكرة التفسيرية للميزانية تشير إلي أن تدفقات القروض والمنح في عام 2006م تصل إلي 746 مليار دولار بحة معظمها للجنوب والمناطق الثلاث والحكومة المركزيه . ووهى مبالغ ضخمة تعكس اتساع الاهتمام الدولي والإقليمي بالأزمة السودانية . ولكن هذا الاهتمام سيتبدد إذا لم يجد اهتماماً وطنياً موازياً عالياً ويقظاً يستهدف تعبئة اكبر قدر من الفائض الاقتصادي في البلاد والحل العادل والعاجل لمشكلة دارفور والشرق ومشاركة القوى السياسية الأخرى ومعالجة الجوانب الأخرى في الأزمة السودانية وفى مقدمتها قضايا التحول الديمقراطي والوحدة الوطنية والتنمية الشاملة والمتوازنة . وفى هذا المجال يمكن طرح مقترحات عديدة .
• إلي أين تتجه هذه الإيرادات ؟
في جانب الاتفاق الحكومي تعتمد الميزانية أيضاً نفس تبويبها التقليدي ، مع إضافة باب ثاني وثالث لتحويلات الجنوب والولايات الشمالية والباب الأول للحكومة المركزية . وذلك تمشياً مع مقتضيات اتفاقية السلام الشامل . ويمكن تلخيص الاتفاق الحكومي في الجدول التالي ( مليار دينار )
1) الانفاق الحكومي الجاري 922,8 100% 58,4 % 44,2 %
- الفصل الأول 418,3 45,2 %
-الفصل الثاني 504,5 54,8 %
2) تحويلات الجنوب 319,4 20,3 % 15,3 %
3) تحويلات الولايات الشمالية 336,2 21,3% 16,1%
4) أجمالي الأنفاق الجاري 15784
5) انفاق التنمية 506,8 24,4 %
- المشروعات القومية 365,2
- التنمية الولائية 141,6
6) أجمالي الأنفاق العام(4+ 5 ) 2,085,2 100%
هذه الأرقام توضح بشكل عام إلي أين يتجه الأنفاق الحكومي العام . وفى هذا الإطار يمكننا طرح الملاحظات التالية :-
(1) أن الحكومة المركزية ( الاتحادية ) لا تزال تستحوذ على معظم الاتفاق الحكومي . فهي تسيطر على 59 % من أجمالي الأنفاق الحكومي الجاري وحوالي 60 % من أجمالي الأنفاق العام ( الأنفاق الجاري وانفاق التنمية ) بينما تسيطر حكومة الجنوب والولايات الشمالية على حوالي 20 % و 21% من الاتفاق الجاري وحوالي 15 % و 16 % من الأنفاق العام على التوالي .
وهذه الأرقام تثير تساؤلا مشروعاً عن أسباب هذا الأنفاق الكبير ، لانه لا يتناسب مع شروط الحكم الفيدرالي في الشمال ولا مع الحكم الذاتي الكامل في الجنوب ونقل معظم الخدمات والصلاحيات من المركز إلي الأقاليم . فلماذا تضخمت نفقات الحكومة المركزية ؟ ضعف مخصصات الولايات الشمالية يرجع إلي تبعيتها للحكومة الاتحادية ( باعتبارها حكومة للشمال أيضاً ) وبالتالي إلي عدم رغبة الحكومة في نقل صلاحيات ومخصصات اكثر لهذه الولايات . وهذه مشكلة تسببت حتى الآن في تفجر مشكلة دارفور والشرق وجبال النوبة والنيل الأزرق . أما ضعف مخصصات حكومة الجنوب فيرجع إلي حقيقة عائدات البترول المنتج في الجنوب وطريقة حسابها . ومع ذلك فان هذا الضعف سوف يثير تساؤلات أوسع .وتركيز معظم الاتفاق الحكومي في المركز سوف يعمل فقط على أضعاف الثقة في الالتزام بتنفيذ اتفاقية السلام الشامل والاتفاقيات المكملة ، خاصة اتفاقية القاهرة ، وفى تجربة الحكم الفيدرالي في شكلها المحدّد في الدستور الانتقالي . وقد يعنى ذلك إصرار دوائر محدّدة وسط نخبة الإنقاذ على مقاومة أي تغيير جوهري في تركيبة الحكم القائمة حتى الآن . وتلك مشكلة سياسية يجب مواجهتها بقوة .
(2) ومع ضخامة الأنفاق الحكومي في المركز نلاحظ أن الفصل الأول (المرتبات والأجور ) يستحوذ على حوالي 45 % من أجمالي الانفاق الجاري للحكومة الاتحادية . وهذا يعكس تضخم جهاز الدولة في المركز رغم انف اتفاقية السلام والحكم الفيدرالي . وإذا وضعنا في الاعتبار ضعف مرتبات غالبية العاملين في الدولة ( الحد الأدنى للأجور حوالي 12,500 دينار ارتفع إلي 15,000 دينار في الميزانية الجديدة ) نصل إلي أن
معظم مخصصات هذا الفصل تستحوذ عليها الفئات العليا في جهاز الدولة خاصة العناصر المرتبطة بالنخبة الحاكمة وحزبها .وهناك أيضاً مرتبات ومخصصات الجهاز التنفيذي والسياسي ( قيادات الحزب الحاكم ) وتتضح مفارقات الأجور والمرتبات بين الوزرات والوحدات الحكومية في الجدول التالي( مليون دينار ) :-
- قطاع الأجهزة السيادية 31,382 - وزارة الصحة 12,600
- الدفاع والأمن والشرطة 260,574 - القطاع الاجتماعي 1,906
- رئاسة الجمهورية 17,672 - الزراعة 6,000
- وزارة الخارجية 9,812 - النقل والطرق 0,172
- رئاسة مجلس الوزراء 1,340 - التعليم العالي 12,256
- جهاز الأمن الوطني 38,000 - هيئة المياه 0,138
- منظمة الشهيد 0,580 - التربية والتعليم 1,161
- العلوم والتقانة 3,886
هذه النماذج تعكس أين تتجه معظم مخصصات الأجور والمرتبات في أجهزة الحكومة الاتحادية .والمهم هنا أن هذا الاتفاق لا يرتبط بالإنتاج والتنمية بشكل مباشر ولا بالخدمات التي نقلت إلي الحكومات الولائية .
(3) أما الفصل الثاني فيشمل المجالات التالية ( مليار دينار ) :-
- أجمالي الفصل الثاني 504,5 100%
- تسيير الوزارات والوحدات 127,8 25%
- البنود الممركزة 337,4 65%
- الدعم الاجتماعي العام 39,3 10 %
هذه الأرقام لا تحتاج إلي توضيح . فقد ظل الفصل الثاني على الدوام ، يمثل اكبر بالوعات الأنفاق الحكومي . أذ انه يشكل 55 % من أجمالي الاتفاق الجاري للحكومة الاتحادية . وهو يعادل تقريباً اتفاق التنمية المركزية والولائية ( الولايات الشمالية ) والواضح أن البنود الممركزة تستحوذ على معظم أنفاقه(65% ) بينما يستحوذ الدعم الاجتماعي على 10 % ) فقط وتسيير الوزرات والوحدات الحكومية على 25 % . والأنفاق في هذا الفصل يتركز في تسيير جهاز الدولة الاتحادي . وحتى في هذا الإطار يمكننا ملاحظة مفارقات صارخة في نفقات تسيير بعض المؤسسات الحكومية ، كما في الجدول التالي ( مليون دينار )
- قطاع الأجهزة السيادية 14,507 - الصحة 8,407
- الدفاع والأمن والشرطة 73,165 - التعليم العالي 9,075
- وزارة الاستثمار 0,558 - العلوم والتقانة 3,954
- الأمن الوطني 6,000 - التربية والتعليم 2,853
- الرعاية الاجتماعية 0,281
أما البنود الممركز فأنها ، حسب المذكرة التفسيرية الميزانية ، تشمل مصروفات يصعب تجزئتها وتضمينها في تسيير الوزات والوحدات الحكومية . ولذلك تشمل خليطاً من المصروفات العامة . ونفقات هذا البند تعادل تحويلات الولايات الشمالية جميعها وتفوق تحويلات حكومة الجنوب وتقترب من أنفاق التنمية القومية . وكل ذلك يعكس مفارقة واضحة ويثير تساؤلات مشروعة حول طبيعة هذا الاتفاق . ويمكن الإشارة إلي بعض هذه المفارقات في الجدول التالي :-
- الوفود والمؤتمرات 6,000 - احتياطي الأمن الغذائي 13,000
- الضيافة الرسمية 5,500 - دعم الكهرباء 19,260
- تذاكر سفر الإجازة 1,000 - الدعم الصحي 7,625
- احتياطي الطوارى 70,000 - مكافحة الآفات القومية 1,900
- احلال العربات 3,100 - ترقية خدمات الصادر 1,200
- دعم الإذاعة والتلفزيون 6,000 - الخطة القومية للتدريب 1,800
- صندوق رعاية الطلاب 7,000 - دعم الأدوية المنقذة 4,915
هذه النماذج تكفى لمعرفة طبيعة هذه ( البنود الممركزة ) وما تتضمنه من مفارقات صارخة . ويبدو أن الميزانية لا تعكس كل الانفاق الجاري للحكومة الاتحادية. فهناك الصرف خارج الميزانية والصرف على الحزب الحاكم الذي عقد عدة مؤتمرات قطاعية ومؤتمراً عاماً وصلت تكلفتها إلي عدة مليارات . وذلك رغم بداية تنفيذ اتفاقية السلام الشامل وتكوين حكومة الوحدة الوطنية والتبشير بتحول ديمقراطي واسع .
(4) هناك بالطبع تحويلات حكومة الجنوب وحكومات الولايات الشمالية ، وهى تحويلات الانفاق الجاري وليست للتنمية . وبذلك يبلغ أجمالي الانفاق الحكومي الجاري 1,578 مليار دينار أي ما يعادل حوالي 76,6 % من أجمالي الإيرادات الحكومية ( 2,0558مليار ) ويوفر حوالي 476,8 مليار فقط للتنمية القومية والولائية . وعند إضافة مصروفات التنمية تحقق الميزانية عجزاً قدره حوالي 30,000 مليون دينار . وهذا يعنى أن الانفاق الجاري ، وبالذات انفاق الحكومة المركزية ، يقوم بتبديد قدر كبير من الفائض الاقتصادي في البلاد ويوجهه للصرف على مجالات استهلاكيه لا علاقة لها بالتنمية والإنتاج رغم ضجيج الشعارات والأرقام المضللة . وهذا التوجه لا يأتى من فراغ وانما يرتبط بسياسات نخبة الإنقاذ وبرنامجها الاقتصادي والاجتماعي المستند إلي سياسات التحرير والخصخصة والتمكين منذ عام 1989م .وقد اثبت الواقع فشله . ومع بداية تنفيذ اتفاقية السلام الشامل واتفاق القاهرة نحتاج إلي سياسة اقتصادية جديدة تتلاءم مع الوضعية السياسية الجديدة التي دخلتها بلادنا باتفاقية السلام الشامل واتفاق القاهرة والاتفاقيات المتوقعة الأخرى . ولكن الميزانية تجاهلت ذلك تماماً وعملت على تكريس الواقع الراهن كما هو .
• خلاصة :-
يرى حزب البعث العربي الاشتراكي السوداني أن ميزانية 2006م ميزانية تقليدية لا تتناسب مع الظروف الحرجة التي تمر بها بلادنا ولا مع الوضعية السياسية التي دشنها توقيع اتفاقية السلام الشامل واتفاق القاهرة . فهي تعتمد ، بشكل أساسي ، على الضرائب غير المباشرة التي تتحمل عباها جماهير الشعب وعلى عائدات البترول . والمشكلة أن هذه العائدات الضخمة والمتزايدة تستخدم في أنفاق جارى لا علاقة له بالإنتاج والتنمية . إذ أن إيرادات الدولة ، التي تعادل 28 % من أجمالي الناتج المحلى ، لا تزال تتجه للصرف على جهاز الدولة في المركز والولايات ، ولا يترك أي فائض فعلى للتنمية والخدمات الأساسية ،. وفى تقديرنا انه يمكن البحث عن مصادر حقيقية للإيرادات الحكومية يتمثل أهمها في الضرائب المباشرة على المصارف والمليارديرات الجدد وفى أرباح مؤسسات القطاع العام مع العمل على إعادة تأهيلها وإيقاف عمليات الخصخصة الجارية فيها منذ عام 1990م دون أي أسس تراعى ضرورات دور الدولة في النشاط الاقتصادي وحقوقها في مؤسساتها . وفى جانب المصروفات هناك إمكانيات واسعة لتخفيض الانفاق الحكومي ويشمل ذلك تقليص حجم الأجهزة السيادية وخاصة في رئاسة الجمهورية ومجلس الوزراء . وكذلك تقليص حجم الحكومة المركزية ليتناسب مع مهامها الفعلية في نظام فيدرالي . وذلك بالإضافة إلي العودة لنظام الأقاليم ( الجنوب ، الأوسط ، الشرق ، كردفان ، دارفور ، الشمال والخرطوم كعاصمة قومية ) وهناك أيضا ضرورة للمحافظة على حرمة المال العام ومحاربة الفساد واسترداد الأموال المنهوبة ،. وهذا يتطلب الالتزام بالميزانية العامة وعدم السماح بالخروج عليها بأي حال من الأحوال . ويتطلب أيضاً تكوين مفوضية لمكافحة الفساد بعد أن أصبح السودان يتصدر الدول العربية في هذا المجال .وفوق كل هذا وذاك هناك ضرورة للإسراع بحل مشكلة درافور والشرق حلاً عاجلاً وعادلاً وكذلك رفع الضرر ورد المظالم من خلال عدالة انتقالية واسعة والإسراع في خطوات التحول الديمقراطي لانه لا تنمية حقيقية دون ديمقراطية حقيقية ،كما أثبتت تجاربنا مع الأنظمة العسكرية الديكتاتورية ، رغم تشدقها بشعارات التنمية ومحاربة الفساد وغيرها . وفى هذا الإطار نرى أن سودان ما بعد السلام يحتاج إلي خطة اسعافية سريعة تركز على الجنوب والمناطق المتأثرة بالحرب والحاجات الأساسية للسكان ، وخطة متوسطة المدى تعمل على إعادة أعمار وبناء السودان بشكل عام والمناطق المهمشة والأكثر تخلفاً بشكل خاص ،. وذلك من خلال مؤتمر اقتصادي قومي ، شبيه بمؤتمر 1986م ، لمراجعة خطة أوسلو واعادة مناقشتها ، بمشاركة كافة القوى السياسية والاجتماعية بما في ذلك رجدال الأعمال والنقابات وتنظيمات المجتمع المدني ، وصولاً إلي تصور مشترك حول أولويات مرحلة ما بعد السلام واعادة بناء سودان ديمقراطي موحد . ومن خلال ذلك يمكن الاستفادة القصوى من الاهتمام الدولي والإقليمي الواسع باستقرار البلاد وتنميتها وذلك لان هذا الاهتمام قد يتبدد إذا لم يجد اهتماماً وطنياً موازياً وأرادة وطنية موحدة وفعالة .
يحيى محمد الحسين
محمد وداعة الله محمد عثمان
أعضاء الهيئة التشريعية القومية
المجلس الوطني عن حزب البعث السوداني
الخرطوم 13/12/2005م