التفاؤل الكبير الذي احدثه تولي طه لقيادة وفد التفاوض الحكومي في ابوجا، بدا واضحا في كثير من تصرفات واحاديث قيادات الحركات المسلحة بابوجا، ونما احساس كبير لدى الاطراف بان العملية التفاوضية شارفت على خواتيمها. رغم ان احداً لا يستطيع ان يتكهن بكيف ومتى تكون النهايات. المراقبون يشيرون الى ان الحكومة اولت طه ملف دارفور لقطع الطريق امام القوات الدولية التي حزمت حقائبها وتنوي الدخول الى دارفور، فتسوية الملف في ابوجا يعني ان دارفور بامكانها استقبال قوات حفظ سلام بدلا من جنود مدججين بالسلاح والعتاد.
ان مطالبة الحركات بطه للدخول وتسوية الازمة جاء من خلال خبرته التي اكتسبها في نيفاشا، ولكن مابين نيفاشا وابوجا كثيراً من المد والجزر، ففي نيفاشا كانت الحكومة تفاوض حركة واحدة بقائد واحد يتمتع بكارزمية عالية في اتخاذ مايراه مناسبا من قرارات التي يلتزم بها مفاوضوه، الا ان طه في ابوجا يجد نفسه امام اربع حركات، ثلاث منها بموقف تفاوضي مشترك، واخرى بموقف تفاوضي منفرد، ويختلف بعضها عن الآخر في الفكر والتوجهات بل وان بعضها بحسب ذات المراقبين يرتبط بمصالح مع جهات اخرى خارج اطار دارفور.
الحركات المسلحة ترى ان المرحلة الحالية مرحلة القرارات السياسية من جانب الحكومة، وتقول انها ليس لديها ما تقدمه للحكومة مقارنة بما أُرتكب من جرائم تجاه اهل دارفور، الا انها - أي الحركات المسلحة - سرعان ما كشفت عن مواقفها التفاوضية النهائية وذلك من خلال حديث عبد الجبار دوسة كبير مفاوضي حركة تحرير السودان جناح مناوي، الذي قال (السلام الذي بدأ مرقّعاً كملابس الزاهدين لن يحتمل جسداً يتلهف للحرير، وما زال جسد نظام الإنقاذ منعّماً بما يبدو أنه لا يحتمل رقع الدمورية والخيش التي تشكل هذه الجلابية، فقد تجاوزنا تفصيل جلابية ناصعة البياض عنواناً للسلام المتمازج، حيث كان ذلك ممكناً في نيفاشا بإستيعاب دارفور والشرق والتجمع الوطني وغيره، بيد أنه لا فائدة من التباكي على ما فات. الوضع الراهن في حاجه إلى تعامل واقعي، وأول علامات الواقعية هي أن السلام لا يمكن أن يتمثل في حمامة مقصوصة الجناحين. جناحا حمامة سلام دارفور هما نائب رئيس جمهوريه وإقليم، وإذا جاء نائب رئيس الجمهورية إلى أبوجا دون ذلك، فهذا يعني أننا جميعاً سنبقى نركض خلف السلام المتمثل في حمامة مقصوصة الجناحين دون أن ندركها).
هذا الحديث يعني ان دوسة تمسك بالمشاركة في مؤسسة الرئاسة، ويطالب بالاقليم، اي كأنه تنازل عن المطالبة بوالي الخرطوم وقضية الحدود والتعويضات وغيرها من القضايا الخلافية في الترتيبات الامنية. فنائب الرئيس الذي تتمسك به الحركات، استهدت دوافعه من تجربة الحركة الشعبية التي جاءت بقرنق نائبا للرئيس حتى تتاح له الفرصة ليكون مشرفا علي اتفاقية السلام .فالحكومة منحت الحركات مساعدا خاصا بصلاحيات واسعة الا انها رفضت ذلك وتمسكت بنائب الرئيس، ويبدو ان ما تردد عن خلافات في تطبيق الاتفاقية بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية رغم وجود سلفاكير نائبا للرئيس جعل الحركات المسلحة تقول ان (المساعد ستكون خلافاته اكبر). ومعروف ان اتفاقية نيفاشا والدستور الانتقالي الحالي لم يقرا نائبين للرئيس الا ان قرنق عقب توقيع الاتفاق طلب ان يكون طه بجواره لادراكه مفاصل الاتفاق، اذن مشاركة الحركات المسلحة في مؤسسة الرئاسة تتطلب موافقة الحركة الشعبية، التي كانت تأمل - الحركات - ان يكون دور الحركة الشعبية اكبر مما هو عليه الآن، واستشارة الحركة الشعبية في هذا الامر بدأت واضحة وبصورة جلية من خلال الزيارة التي قام بها طه الى جوبا ومقابلته سلفاكير قبل التوجه الى ابوجا يعتقد المراقبون ان طه قد بحث مع سلفاكير بجوبا معالجة كافة القضايا بما فيها قضية نائب الرئيس.
طه ليس امامه اوراق كثيرة يقلبها , فالدكتور مجذوب الخليفة اجرى له كل (المسوحات) المطلوبة ولم تتبق سوى القرارات السياسية الشجاعة كما قال احمد حسين المتحدث باسم العدل والمساواة، ولكن هذه القرارات يجب ان تأتي من الطرفين بنسب قد تختلف من طرف لآخر ولكن لابد منها حتى تحسم قضية شغلت الرأي العام المحلي والاقليمي والدولي كثيرا. والحركات المسلحة عليها ان تدرك ان الحكومة بهذا الوفد الرفيع في ابوجا قد كسبت اهم لاعب اساسي في (الميدان) وهو المجتمع الدولي الذي يؤكد بلا شك ان الحكومة اثبتت جديتها بسعيها للتوصل لسلام , بغض النظر عما يحمل طه في جعبته. فأي تعثر رغم انه غير وارد سيجعل الحركات المسلحة محرجة امام المجتمع الدولي, وربما يتحول شكل القضية وسبل معالجتها الى منابر اخرى ليست فيها مائدة مستديرة يتحلق حولها الوسطاء والشركاء والمسهلون واطراف النزاع. اذن هل يوقف طه زحف القوات الدولية الى دارفور ويحقق السلام في دارفور، ام يجعل الحركات المسلحة التي ظلت تنادي به طيلة الفترات السابقة في مواجهة مع المجتمع الدولي الذي هدد الاطراف اكثر من مرة بانه سيرفع قائمة لمجلس الامن يحدد فيها من اسماهم بمعوقي السلام وتحقيق الرفاهية لاهل دارفور؟