الأمر الآخر أن تصريح بن لادن وضع «حماس» في موقع صعب، وهو ينافح عنها. كما أقحم نفسه في أزمة دارفور، وبالطبع فتنظيم «القاعدة» يحلم بأي أزمة، حتى لو كانت من صنع أيدينا لينفخ بها، ويقتات منها، ويعيش عليها.
والاستشهادات الأخيرة دليل آخر على أن أسامة بن لادن قارئ بليد للتاريخ، ولاعب رديء في حقل السياسة. لكن بن لادن يبدع في التحريض، وهذا فنه. ومن هنا تبرز نقطة هي الأخطر في خطابه تم تجاهلها، في معرض التحليلات التي شاهدتها في الإعلام الغربي والعربي بعد بث الشريط على قناة بن لادن المفضلة، ألا وهي التحريض على المفكرين العرب، والكتاب الليبراليين، الذين وصفهم بن لادن بـ«المستهزئين في الدين».
ومن نهج «القاعدة»، ومنذ اختفاء قياداتها، ما عدا عن وسائل الإعلام، يبدو أن الحديث تحريض واضح وصريح على المفكرين، وحملة الأقلام، وكل من يجهر بالقول ضد التنظيم. وهذا الأمر ليس بالجديد فسبق أن حصلت الأجهزة الأمنية السعودية على قوائم بأسماء صحافيين وكتاب مع بعض المنتمين للتنظيم في السعودية.
ولكن الجديد هذه المرة أن حديث أسامة بن لادن يبدو تحريضا صريحا. وسبق أن رأينا سيناريو اغتيال أصحاب الرأي إبان موجة الإرهاب التي ضربت مصر في مطلع التسعينات، وذهبت ضحيتها أسماء كبيرة، بل وكانت هناك محاولات لاغتيال رموز مثل نجيب محفوظ.
بن لادن يحرض على الليبراليين، والإعلام، وعلى المطالبين بتغيير المناهج. وبكل بساطة يكون تعريف زعيم «القاعدة» لليبراليين أنهم كل من يخالفه الرأي ويختلف معه. أي انه يواصل تقسيم العالم، وما ينطوي تحته إلى فسطاطين، بل وأكثر.
خطورة هذا التهديد انه يأتي متسقا مع حملات تتكرر كل يوم في منتديات الانترنت الأصولية، أو قل مطابخ الحقد، وليت من يكتبونها أشباح تكتب بأسماء مستعارة، وحسب، بل هناك من هم على الكادر الوظيفي في بعض المراكز السعودية، ويرددون نفس كلام بن لادن، ونفس تحريضه على مواقع الانترنت, والأنكا أنهم يهاجمون نفس الوزراء السعوديين الذين حرض عليهم بن لادن في خطابه الأخير.
تخوينٌ، واتهامٌ بالعمالة، والصهيونية لمجرد الاختلاف معهم في الرأي. والآن جاء زعيم «القاعدة» ليجهر بهذا القول، والذي يبدو انه إشارة انطلاق. وهنا لا بد من أن يكون للأجهزة الأمنية موقف صريح وواضح ضد المحرضين، تحسبا لما هو قادم.