زعيم المؤتمر الشعبي واصل إفتاءاته وشكك في «عذاب الجسد» في القبر وظهور الدجال
الخرطوم: إسماعيل آدم
أفتت مجموعات دينية ودعاة سودانيون بتكفير الدكتور حسن الترابي، زعيم المؤتمر الشعبي المعارض، مطالبة بالحجر عليه اذا رفض العودة عن افكار اطلقها اخيرا حول «امامة المرأة، وزواجها من الكتابي» واخرى اثارت جدلا واسعا، لكن اكثر من 80 شخصية سياسية ومفكرين رفعوا مذكرة لرئاسة الجمهورية ترفض «محاكمة الفكر وتنامي ظاهرة التكفير»، في مشهد دفاع عن الترابى.
اما الاخير فقد مضى في مسلسل فتاويه المثيرة مشككا في محاضرة جديدة قدمها بجامعة الخرطوم في حقيقة «عذاب الجسد في القبر» و«علامات الساعة المعروفة» مثل ظهور الدجال ودابة الارض، وقال ان «الساعة تأتي بغتة حسب الآيات القرآنية»، كما دافع بقوة عن فتاويه المعلنة اخيرا، في تحد واضح لخصومه.
وشكك الترابي في المحاضرة التي حضرها الالاف من الطلاب وعلماء الدين مساء اول من امس في «الناسخ والمنسوخ في القرآن». ووجه الترابي انتقادات عنيفة لمن اطلق عليهم فقهاء السلف، وقال ان من بينهم «من هو صالح ومن هو طالح»، ونعتهم بانهم حولوا الشورى من صيغتها الالزامية الى «صيغة مطلقة» لا تتيح إلا طاعة الحاكم وولي الامر وانهم عبروا العهد الى الدستور ارضاء للغرب من دون ان ينزلوا الدساتير التي اتوا بها لارض الواقع وانها مجرد «اوراق» لا تنفذ، يحتمي بها السلطان والجبروت. وقال «إن الشيوعيين أفضل لنا من هؤلاء».
وكفرت الرابطة الشرعية للعلماء والدعاة بالسودان، الترابى، وقالت في بيان وزعته على نطاق واسع في الخرطوم «ان الترابي كافر مرتد يجب ان يتوب عن جميع تلك الاقوال ويعلن توبته على الملء مفصلة ويتبرأ عن كل ما صدر منه امام اهل العلم».
واضاف البيان «ينبغي لولاة الامر ان يستتيبوه فان رفض يجب ان ينفذ فيه حد الشرع حماية لجانب الدين وان يحجروا عليه وعلى كتبه وان يمنع من المقابلات». وطالب الشيخ الامين الحاج رئيس الرابطة الشرعية للعلماء والدعاة بالسودان الرئيس عمر البشير بتشكيل محكمة خاصة اسوة بالتي شكلها الرئيس السابق جعفر نميري لمحاكمة محمود محمد طه زعيم الفكر الجمهوري، معتبراً ما جاء به الترابي من فتاوى اشد خطورة مما كان يردده محمود محمد طه. وابدى رئيس لجنة الدعوة بالرابطة الشيخ محمد عبد الكريم استعداد الرابطة التام الى مناظره الترابي امام الملء في اي مكان وزمان يختار.
وقال بيان للرابطة الشرعية نسخة منه «ان الترابي ظل منذ الستينات يردد اقوالاً شاذة وافكاراً ضالة يفترى فيها الكذب على الله ورسوله «ص» ودينه تصب كلها في معين واحد هو السعي الى تبديل الدين وتطويعه حتى يساير ما عليه الكفار اليوم ذلك عندما عزل من السلطة التي يهواها فجن جنونه وابدى ما كان يخفيه من قبل تزلفاً للكفار وخطباً لود الاسياد» وفصل البيان اربعة عشر سبباً أوجبت صدور فتوى تكفيره.
وقالت المجموعة في مؤتمر صحافي امس انها بصدد تقديم طعن دستوري في المادة 126 من القانون الجنائي باعتبارها متعارضة مع حرية التفكير ومع اصول القرآن وميثاق حقوق الانسان ودستور البلاد.
واعلنت المجموعة عزمها على التنسيق مع القوى السياسية والمجتمع المدني لاتخاذ موقف جماعي رافض لأي اتجاه لتقديم الدكتور حسن الترابي للمحاكمة بشأن فتاويه الأخيرة. وانبرت مجموعة من القيادات السياسية والاكاديمية والثقافية لتحذر من مغبة محاكمة الترابي على خلفية الفتوى التي اصدرها مجمع الفقه الاسلامي بخروجه عن اجماع المسلمين، ونبهت المجموعة التي تمثل مختلف التيارات والمدارس الفكرية السياسية الى ان دعاوى التكفير تورث المجتمع الفتن في وقت تحتاج البلاد الى اطفاء الحرائق التي تشتعل في اطرافها.
ورفضت المجموعة في مذكرة تعتزم رفعها لرئيس الجمهورية بشدة محاكمة الفكر وادانة الضمائر لافتة الى ما اسمته بمآلاتها الظلامية التي من شأنها الدفع بالبلاد الى الهاوية ومستنقع الفتنة، وطالبت المذكرة الممهورة بتوقيعات ممثلي الاحزاب المختلفة وعدد من قادة المجتمع المدني بالغاء المادة «126» من القانون التي تتحدث عن معاقبة المروجين للردة باعتبارها تتناقض مع حرية الفكر والتعبير وحقوق الانسان، مشيرين الى ان دعاوى التكفير لا تمثل في حقيقتها مرجعية قطعية في الدين ولا ملزمة للدولة أو المجتمع. وذكرت المذكرة ان الدستور الانتقالي ينص على حرية التفكير والتعبير، ودعت رئيس الجمهورية الى العمل من اجل قطع الطريق امام الفتنة مهددة باتخاذ موقف جماعي قوي حال اصرار السلطات على تقديم الترابي للمحاكمة. وقال كمال الجزولي ان سياسيين ومثقفين وصحافيين ومهنيين استشعروا ان موضوع التكفير يمكن ان يهوي بالبلاد الى قاع سحيق فتجمعوا لصياغة وتوقيع مذكرة عاجلة الى رئيس الجمهورية، واضاف: لدينا اعتراضات على فتاوى الترابي، لكن نرفض التكفير وتحريض الجمهور ضده، واكد الجزولي ضرورة معالجة الاختلافات بالفكر، والرأي والرأي الآخر.
واستهل الترابي محاضرته التي القاها في جامعة الخرطوم اول من امس تحت عنوان «التجديد في الفكر الديني» بسرد عن تطور الفكر الديني منذ أبو البشر آدم عليه السلام، وقال ان الله سبحانه وتعالى، «حجب الغيب» عن ادم ووعده بتنزله عليه تباعاً في رسالات سماوية، وقال ان صحف إبراهيم يبقى منها جزء في بعض قيم الهندوسية والبوذية التي يطلق عليها (براهمانزي)، ولدى شعبة من شعاب ذريته، أما الشعبة الأخرى وهم أبناء نبي الله اسماعيل الذين نزل عليهم القرآن وكانوا قبل نزوله يعلمون «بعض الدين» فكانوا يعبدون الملائكة باعتبارهم «بنات الله» ويجسدونهم في أصنامهم كمناة والعزى، وكانوا يستوردون بعض الآلهة.
وقال ان الديانات الكتابية منذ ابراهيم تعاقب بعدها الأنبياء يصدقون من سبقهم ويصوبون الانحرافات ويبشرون بمن يأتي بعدهم، وقال الترابي إن كتاب موسى كان موجهاً لأهله بني اسرائيل ولفرعون لكنهم بعد أن تمكنوا في الأرض ونالوا ما يتمنونه من السلطان، ركبوا شيطان السلطة فافسدوا في الأرض، ثم تعاقب الأنبياء كل يجدد لحين نزول نبي الله عيسي صاحب الكتاب الثاني، الذي جاء بعد أن تحولت شرائع بني اسرائيل لمجرد نصوص بلا روح ليعيد لها الروح وليجدد بعض الشرائع.
ومضى الترابى الى القول ان تدهوراً حدث بفعل الصراعات على السلطات ما جعل الدين المسيحي مادياً حتى جاء الكتاب الخاتم، وقبل مجيئه بسنين كان المسيح قد اختفى وتوفاه الله، مجدداً فتواه السابقة بعدم نزوله مرة اخرى، وقال ساخراً انهم يفسرون مفردة «توفاه الله» القرآنية بـ«رفعه»، وأنه بمجئ الكتاب الخاتم قال الله للناس لا نبي بعد الرسول، وأن التجديد يتولاه الناس حسب التحديات التي تواجههم، والتي تفرض عليهم إخراج ذات القيم بصور جديدة.
وقدم الترابي تفسيرا لأسباب دعوة الغرب لفصل الدين عن الدولة بقوله «أظلمت الأرض وساد الطغيان باسم الدين، ومرت على البشرية عهود مظلمة بسبب سيطرة رجال الدين وتحالفهم مع الاقطاع والملكية، وكان كل منهم يأخذ ـ بياضه ـ الخاص من الناس، ما جعلهم يعتقدون أن مفارقة الدين تعني التطور، وأن التطور مربوط بترك الدين للكنيسة».
وأضاف «في عهد الإحياء نهضت العلوم، ثم جاء المسلمون إلى الغرب في عهد النهضة بعلوم المنطق والكلام والعلوم الإنسانية ونقلها عنهم للغرب فلاسفة غربيون يجيدون العربية، فأخذوا الديمقراطية من فكرة البيعة الإسلامية التي قام الخلفاء الدكتاتوريون بمسخها من فكرة المعارضة إلى الاستسلام». وتهكم الترابي مما سماهم بفقهاء السلف بقوله إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم بالجنة، فكيف يبايعون الحاكم بلا ثمن.
وقال إن الديمقراطية في الغرب قامت عن طريق الإصلاح التدريجي تقوم ثورات تحمل قيم الديمقراطية فتفشل في تحويل هذه القيم لواقع فتأكل بنيها، وان الثورة الفرنسية رغم أنها حملت قيم الحرية لكنهم بعد أن قضت على النبلاء توجهت لبنيها. وفي إشارة لما حدث في السودان قال الترابي بطريقته الشهيرة في الهمز «الثورات دائماً تعمل كده ايضا»، لكنه قال ان الإصلاح قاد للديمقراطية الغربية الحديثة، التي عاب عليها تلاشي فكرة الغيب ما حولها لمادية محضة فمات مفهوم الأسرة وتحولت العلاقات بين الغربيين لمجرد علاقات جنسية، وتحولت الكنيسة لديكور وصور، وأصبح القساوسة يمارسون الشذوذ.
ودعا الترابي لتحرير النظم السلطانية اختياراً ثم عاد ليقول «بعض النهضة الأولى أعاد ثقافة الجاهلية للظهور وبدأ التنطع بالدخول في التفاصيل ما جعل الدين يقطع لمنثورات وصار كسيارة مقطعة تجد في بقاياها قطع قماش وبلاستيك وحديد وغيرها، لكنك لا تستطيع الحديث عنها كسيارة، ومن هذه النقطة أرجع تحول التدين لتدين ظاهري، ولبروز مفهوم السلف والسلفية، والحديث عن «السلف الصالحين»، وقال هي اللحظة التي نهضت فيها الصوفية والتي هاجم فيها الإمام الغزالي الشكليين، وبدأت الصوفية في تطهير الناس.
وتحسر الترابي بقوله «لسوء الحظ الصوفية نفسها انتكست وتحولت لأشكال ورقصات وصور لا دين فيها، فصار الدين يتحول لأمر قدريا، وبرزت المذاهب المالكية والقادرية والاشعرية، وهو، طبقا للترابي ما أضعف العلوم الإنسانية والطبيعية لأن الدين توقف عن لعب دوره في الحياة وتحول الحكام لطغاة وصار الفقهاء يدعون لطاعة أمير المسلمين طاعة عمياء، واصفاً خلفاء تلك المرحلة بأنهم «خلفاء تلفاء» لأنهم استمرأوا ما سماه «بفقه حيل الأوانطة».
وحسب الترابي فان مرحلة الصحوة الدينية نشأت وسط الصفوة في الجامعات والشباب وامتدت للقرى والأقاليم، فواجهها الابتلاء من جهتين الابتلاء الخارجي ومن (الناس القدامى) وهو يقصد من يطلق عليهم السلفيين، وقال عنهم «دول الشيوعيين أفضل منهم».
ووجه الترابي انتقادات لاذعة للتجارب التحررية التي نشأت في البلاد الإسلامية، ووصفها بأنها ذات نزوع نحو الدولة (كالشيعة في إيران، وفي أفغانستان) لكنها لم تكن تملك فكراً سياسياً أو فقهاً للحكم ما قادها إلى الضلال. وتهكم من عزلة الصوفية وقال انهم حين رأوا ما حل بالعالم الإسلامي انعزلوا عن الحياة الفاعلة ورفضوا المشاركة وقالوا «هذا من الشيطان»، وحمل عزلة الصوفية وفشل السلفيين مسؤولية إصابة المسلمين بما أصاب بني اسرائيل.
وقال ان الانتكاسات التي يعيشها المسلمون جعلت الناس يبحثون عن نبوءات وأنبياء لملء الفراغ الغيبي في دواخلهم، وكرر تهكمه بقوله «نحن الآن في انتظار المهدي لأن الأرض فيها قوم جبارون». ووصف الترابي أحاديث (المهدي المنتظر) بأنها كتب «ساي» (ساي كلمة عامية سودانية تعني شيئا لا معنى له)، وقال إنهم «ينتظرون المسيح ليقتل كل الخنازير ويكسر الصليب، ينتظرون المهدي والدجال». واضاف «الشيعة ينتظرون الإمام الغائب في وقت أخذ فيه الفقيه السلطة في إيران»، وقال ان من أخذ السلطة في إيران لا يريد هدم عقيدة الشيعة لكنهم يأخذون بأسباب العلم، وقد «تكلمت معهم كلاما خاصا».
وصوب الترابي انتقادات لتقسيم المسلمين لشيعة وسنة وتهم التكفير التي قال انها توزع مجاناً، وقال ان الإيمان بيوم الدين متاح وان الإنسان حر في أن يؤمن أو لا يؤمن، وان الناس اصبحوا مشغولين بيوم الحساب وانهم يتحدثون عن علامات الساعة «الدابة، يأجوج ومأجوج، عذاب القبر» ونسوا أن الله قال ان الساعة لا تأتي إلاّ بغتة. وسخر الترابي من فكرة ان الله يعذب الجسد في القبر بقوله «في الهند هنالك من يحرقون، ومثلهم في أميركا، وهناك من يأكلهم السمك»، الأرواح بعضها تغشي النار وبعضها الجنة وأن الحساب سيكون يوم القيامة.
وأنكر الترابي فكرة الشفاعة وقال إن الشفاعة لله وحده وانتقد الطريقة التي يقرأ بها السلف القرآن وقال إن القرآن صار لا يقرأ وإن الفقه تحول لقال فلان وقال علان، وعاد الترابي للجدال الذي كان قد أداره من زمن حول ما يقال له «حديث الذبابة» ورفض الفقهاء له وقال «قلت لهم مبروك عليكم أكلوا الذباب» في اشارة الى حديث منسوب الى النبي (ص) عن الذباب.
واتهم الترابي السلفيين بأنهم أوقفوا مصدراً من مصادر الفقه «الاجتهاد» وأقفلوا بابه فأوقفوا العقل، وصاروا ضد كل كلام جديد، وحكى قصة أميركية أسلمت وزوجها مازال كتابياً وقال إنه أمرها بالبقاء مع زوجها الكتابي عسى أن تهديه، لكن فقهاء السلف اعتبروه خارجاً حتى وجدوا نصاً عند ابن القيم فأخرجه منهم، ودعا الترابي ليكون الاجتهاد للناس كلهم وليس لأحد وإلى تجديد أصول الدين عن طريق الشورى، ونفى امكانية وجود إجماع بقوله «لا يوجد إجماع ليوم القيامة». ووصف القرآن بأنه متجدد بتجدد علوم الواقع، وإن عدم التجديد في فهم القرآن هو سبب تخلف المسلمين، وأن السلف كانوا يحرمون الفنون ويصفونها بأنها من فعل الشيطان، ويتعوذون من الرياضة ناسين مزامير داوود ودعوة الإسلام للرياضة.