تقرير /عارف الصاوي - صباح احمد كما تشتعل النار بالضبط في الهشيم. سرت رسالة صغيرة في الموبايل من احد المواطنين الي صديق اخر، ربما ليس بعيدا، بأن فاولينو ماتيب جنرال قوة دفاع جنوب السودان قد قتل في قصره بالكلاكلة القبه وسرعان ما سارع الذين وصلتهم الرسالة بارسالها الي اخرين، وماهي الا ساعات حتي كانت الخرطوم تواجه موجه عنف جديدة. مطاردات، ورشق بالحجارة، وفوضي بالرغم من انتشار اعداد كبيره من رجال الشرطة المدججة بالسلاح والمدرعات في شوارع الخرطوم. لا احد يعرف من ارسل الرسالة. ولا الجهة التي اطلقت الشائعة ولكن الكل كان يعرف ما تفعله هذه الرسالة وهذا ما حدث بالضبط. (انفجار العنف مجددا). بعد ذلك عرفنا ان اللواء فاولينو ماتيب كان قابعا في بيته حتي استدعته السلطات وظهر مع الناطق الرسمي للقوات المسلحة متحدثا عن انه (بصحة جيدة) وحياته لم تتعرض للخطر مطلقا . بل ان فاولينو ماتيب قال (ان صحاب الاجندة الخاصة والطابور الخامس هم الذين اطلقوا الشائعة) اذا كان فاولينو بخير ويستعد للسفر الي نيوسايد لتعزية قيادة الحركة واسرة الدكتور قرنق في الوقت الذي قتلته فيه الشائعة. هذه هي الاجواء التي تسري فيها الشائعات اذ يعتد الدكتور مرتضي الغالي استاذ الاعلام في جامعة الخرطوم (ان الشائعات تزيد ضراوتها كذلك مقبوليتها وسرعة انتشارها في الاوقات التي يواجه فيها المجتمع ازمات حادة) ولايختلف اثنان في ان وفاة الدكتور قرنق وضعت البلاد وجها لوجه مع الحريق ومنذ اعلان وفاة قرنق اثر تحطم مروحيته في جبال الاماتونج انفجر غضب شعبي اظهر موجات من العنف والمواجهات الدمويه ولم تهدأ البلاد طوال 48 ساعة من المواجهات والمواجهات المضادة الا بعد ان احطاطت المؤسسات الرسمية بنشر قوات الاحتياطي المركزي المدرعة بآليات الحماية المطلوبة وهذه الاجواء هي بالضبط التي يمكن ان تسري فيها الشائعات بسهوله كما يقول الدرديري محمد احمد القيادي البارز بالمؤتمر الوطني والذي كان احد فريق التفاوض الحكومي (ان البلاد تمر بمرحلة حرجة للغاية الشئ الذي يسبب اي عمل تخريبي سوى كان منظم او غير ذلك) لكن الدكتور نافع علي نافع نائب رئيس حزب المؤتمر الوطني يكاد يعتقد جازما بان جهات تريد ان تعرقل مسيرة السلام ولذلك هو يقول (لا بد من تفويت الفرصة علي المتربصين بالسلام) وطبعا الاكثر وضوحا هو فاولينو ماتيب الذي سرت شائعة مقتله. اما نيال دينق القيادي بالحركة الشعبية الذي اصدر بيانين في خلال 48 ساعة فقط لتهدئة الاجواء فهو يري غير متيقن بان جهات ما وراء اطلاق الاشاعة وهو الشئ الذي يسميه صفوت فانوس استاذ العلوم بجامعة الخرطوم (بالشائعات العشوائية) وحسب فانوس فان الشائعات لها مصدرين الاول مصدر عشوائي والاخر منظم يعمل وفق هدف محدد وفي حالة شائعة الامس عن مقتل فاولينو فان فانوس غير متأكد البته ان كانت الاشاعة منظمة او عشوائية لكنه يشير الي جهة واحدة هي التي يمكن ان تحدد ذلك وهي الاجهزة الامنية المناط بها مطاردة الشائعة ويضيف عليها الدرديري محمد احمد جهتين هما المؤسسات السياسية والاعلامية اما الدكتور مرتضي الغالي فيقول ان الشائعة التلقائية (وهي ذاتها الشائعة العشوائية دائما مجهولة المصدر وتنبعث من قطاعات المجتمع المختلفة وهي تحاول ان تلبي رغبات مروجيها وامانيهم وهواجسهم وتحدث لملء الفراغ الناجم عن سرعة وتيرة الاحداث مع غياب المعلومات المطلوبة في الوقت المناسب من المصدر المناسب في السياق المناسب). والذي حدث ببساطة ان الذين يريدون ان تستمر موجة العنف لم يجدوا مبررات حماسية جديدة بعد تأكيدات الحركة الشعبية بان قرنق لم يقتل وان الحادث كان طبيعيا وارادوا ان يطلقوا مبررات جديدة للعنف هي شائعة مقتل فاولينو ماتيب بالطبع فان المناخ السائد الان بحسب تقديرات الدرديري هو مناخ خصب للشائعات ليفسر مرتضي الغالي هذا المناخ بانه مناخ استقطاب اجتماعي واثني حاد. ذات الاجواء حملت شائعات مقتل سلفاكير لكن لسوء الحظ كان هو يتحدث في ذات الروح علي وسائل الاعلام من نيوسايد بجنوب السودان فاحبطت الشائعة في وقتها ثم توجهوا الي فاولينو ماتيب ربما لاسباب مختلفة اولها ان فاولينو لا يتحدث كثيرا في الاعلام وثانيها ان قوات فاولينو اذا قتل لن يستطيع احد السيطرة عليها وسرت هذه الشائعة بسهولة وسريعة مما اضطر الاجهزة الامنية الي مواجهة الجماهير بفاولينو علي الهواء مباشرة بالتلفزيون ولوقف الشائعة يتطلب الامر ترتيبات عاجلة فامس اثناء تعامل الشارع مع شائعة مقتل فاولينو في مظاهر من العنف كانت لجنة مشتركة يترأسها الرئىس البشير وتضم نيال دينق ونافع علي نافع وبول ميوم ويحي حسين تجتمع بالقصر الجمهوري ومهمتها مركبة اولا اتخاذ تدابير لمواجهة احداث العنف في العاصمة والاقاليم ومن ثم بحث تأمين مراسم دفن النائب الاول ليتم تشييع الجثمان بطريقة هادئة وكما قال نيال دينق (سنعمل بكل الياتنا الممكنة لانهاء التوتر واستمرار عملية السلام بصورة سلسه) وايضا لمحاصرة الشائعة يقتضي الامر جهودا مشتركة بين كافة مؤسسات المجتمع وقد سألت الدرديري محمد احمد ان كانت الحركة ستنشر قوات الخرطوم جنبا الي جنب مع قوات الشرطة والجيش علي الاقل حتي تكون قريبة من الشائعات فقال الدرديري ببساطة ان الحركة لم تكمل حتي الان قواتها المشتركة الموجودة بالخرطوم وبالتالي من الصعب مطالبتها المشاركة في مثل هذه المهمات) ومع انني قصدت مشاركة رمزية تكون ضمن القوات التابعة للشرطة بعلامات واشارات الجيش الشعبي الا ان الواضح صعوبة المسألة لكن السؤال كيف نحد من الشائعة! يقول صفوت فانوس (اثبتت التجارب ان الحد منها يكون بالشفافية والمصارحة وقول الحقيقة) وذلك لان غياب المعلومات يجعل المواطن هدفا سهلا للشائعات. اما الدرديري محمد احمد فيري (ان تتعاون الاجهزة الامنية والاعلامية والسياسية بوعي لمحاربة الشائعات والتعبير عن الاهداف الكلية للسلام) لكن مرتضي الغالي يقول (مكافحة الشائعات تحتاج الي تفعيل سريع للتفسيرات الاعلامية المتصلة والمتكررة التي تحاول ان تجرد الشائعة من الحقيقة القائمة ويطالب بغرفة عمليات اعلامية نشطة لتدارك اثر الشائعات). لكن طبعا لا ننسي ما قاله فانوس ان الاجهزة الامنية يجب ان تحدد علي وجه السرعة والدقة مصدر الشائعات او علي اقل تقدير هل وراءها جهات منظمة ام هي شائعات عشوائية وبرأيه لا احد يستطيع تحديد ذلك غير الاجهزة الامنية. وذكروا ايضا ان المناخ خصب للشائعات التي قد تحرق البلاد وقد قال برونك الذي تحدث امس في مؤتمر صحفي انه يربأ ان تتحول الخرطوم الي نيروبي او لاغوس لانه كان يشهد بان الخرطوم من اكثر عواصم الدنيا امانا) ومخاوف برونك بالطبع في محلها لو استمرت الشائعات تلهب مشاعر العداء الاثني والعرقي والديني.
