في الرحلة الاولى من نوعها: «الرأي العام» في معسكرات اللاجئين بتشاد «3»

معسكرات للجوء.. في ظروف صعبة !!

تشاد : تمعسكرات اللاجئين : سلمى التيجاني

على بعد عشرة كيلو مترات - تقريباً - جنوب معسكر فرشنا يوجد معسكر حجر جديد
«بردجنق وترجن» تفصل بينهما ثلاثة كيلو مترات.. انشئ المعسكران قبل عام وجاء
اليهما لاجئون من مناطق مختلفة.. لكن لعامل القرب الجغرافي يمثل المساليت
اغلبية فيهما مع وجود «25» اسرة من الفور و «3» أسر من الزغاوة.

يضم بردجنق «37 الف» لاجئ وترجن «33» الف لاجئ.. يتميز المعسكران باعداد من
اللاجئين خارج سجلات المعسكر لعدم وجودهم اثناء التسجيل بحثا عن العمل والذي
لا يخرج عن الاحتطاب او العمل في حواشات المواطنين او في اعمال هامشية
بالسوق..

يدار المعسكر بادارة اهلية تساعدها المفوضية «UNHCR» في تنظيم امر اللاجئين
بواسطة شيخ مشايخ وممثلين للحركتين التحرير والعدل والشيخ ضحية يقوم بهذه
المهمة في معسكر ترجن يعاونه «33» شيخاً «شيخ على كل الف شخص»..

مهمة الشيوخ جمع كروت صرف الغذاء من اللاجئين ومراقبة الصرف وتبليغهم يتوجيهات
الـ «UNHCR» اهم هذه التوجيهات احترام القانون الدولي وضبط النفس وعدم الدخول
في منازعات داخل المعسكر.. ثم الصبر على ظروف المعسكر القاسية وعدم الخروج خارج
حدوده..

ادارة اهلية

ويحاول الشيوخ بعد ان يتلقوا محاضرات في القانون الدولي وادارة المعسكرات حل
الاشكالات الداخلية وفي حال تعقيدها ترفع لوزير داخلية المخيم وهو يتبع للامن
التشادي الخاص بالمعسكرات.. واذا لم تحل ترفع للشرطة العسكرية التشادية..
المعسكران «ترجن وبردجنق» بذات الملامح والمشاكل.. مشكلة حطب الوقود.. وتحديد
الحركة داخل المعسكر ثم نقص الغذاء وتمزق الخيام.. وعدم توافر اواني الاكل..
والبعوض الذي يتوالد داخل الحمامات الملاصقة للسكن.. شيخ مشايخ معسكر ترجن
الشيخ ضحية «عمدة المعسكر» شكا من وجود عدد من الاسر بلا خيام.. تعطي الاسرة
التي بها 5 - 6 افراد خيمة والتي تتكون من شخص او اثنين مشمعاً..

ابراهيم عبد الله الاستاذ باحدى مدارس المعسكر يتحدث عن واقع التعليم بترجن..
اذ توجد سبع مدارس اساس مختلطة «16» الف طالب بلا مدرسة ثانوية وتقوم اليونسيف
بتوفير الكتاب المدرسي بالمنهج السوداني.. تتراوح المرتبات بين «200» الف
سوداني هي مرتب المدير الى «125» الفاً مرتبات المعلمين.. وبالمعسكر سبع رياض
اطفال يتقاضى المعلم بها «75» الف جنيه..

كذلك يوجد بالمعسكر سوق يومي به المتطلبات الاساسية ويأتيه تجار من خارج
المعسكر.. وعدد من الدكاكين الصغيرة.. الرعاية الصحية تتم في نقطة غيار صغيرة
تشبه تلك الموجودة بفرشنا..

تسود في المعسكر حالة من الضجر العام الذي دعا الكثيرين للتفكير في العودة بسبب
الظروف التي يراها اللاجئون غيرمريحة..

محمد أبكر رب اسرة تتكون من خمسة اطفال قال بأسى «معصورين شديد والله.. لو
سلام تمت بكرة نرجع».. ويورد الصادق عمر ان شقيقه ذهب الى منطقة بيضاء داخل
السودان بسبب هذه المشاكل رغم عدم توافر ظروف حياة هناك .. كذلك يؤكد احمداسحق
ان جيرانه عادوا الى الجنينة وسيفكر هو في العودة اذا استمرت الظروف في المعسكر
على ما هي عليه..

ويتدفق بشير صالح ألماً وهو يقول انه اذا ضرب الطفل او المرأة او الرجل من قبل
السكان المحليين لا يتحدث.. واذا جاع الشخص لا يتحدث وحتى المنـظمات التي تعقد
اجتماعاً كل اربعاء مع الشيوخ لم تفعل شيئاً تقول لهم ان هذه البلاد ليست
بلادكم وعليكم الصبر حتى يأتي السلام.. لذلك يقرر الشيخ ضحية ان «البقاء هنا
صعب».

دار هذا الحديث مع مجموعة من اللاجئين بمعسكر ترجن الذي ما ان وصلناه الا وبدأت
الامطار في الهطول.. جلسنا تحت شجرة كبيرة بمنزل احد افراد حركة التحرير
بالمعسكر.. لكنها لم تحمنا من مياه الامطار.. فلم اجد بد من الكتابة على اوراق
مبللة بماء المطر.. اغلب الجالسين تحت الشجرة فضلوا عدم ذكر اسمهم شجعهم في ذلك
مضيفنا عضو التحرير الذي امرني بلطف «لا نريد تصويراً» فكان ان اكتفيت بتصوير
اللاجئين داخل منازلهم.. وداخل منزل مكة أبكر التي استقبلتنا في غرفة عبارة
عن خيمة يملأ فراغها فرش بلاستيكي.. ومكة «55 سنة» ام لطفلين حواء 3 سنوات
ومحمد عام ونصف العام.. جاءت الى المعسكر في يونيو الماضي.. وهي معلمة كانت
تدرس بمنطقة مسرتي.. وتورد مكة الاشكالات التي ذكرها اللاجئون بفرشنا وبردجنق
وترجن.. لكنها تشترط للعودة الى موطنها اعادة بناء المنازل- وحسب متابعتها -
ترى مكة ان السلام «لسة».

وتتحدث حواء سليمان خاطر «22 سنة» وام لثلاثة اطفال بحماس عن العودة لكنها تضيف
«اذا انصلح الحال»..

مفاوضات

في معسكر بردجنق بعد ان وجدت ظروفه ومشاكله تتطابق مع سابقيه سألت اللاجئين
عن متابعتهم لمجريات التفاوض حول مشكلة دارفور بأبوجا اجابني شيخ شيوخ المعسكر
بأنهم «مرتاحين» مما يجري لكنهم يريدون المشاركة فيه ليكونوا اكثر متابعة خاصة
وان احد الشيوخ حضر جولة من جولات التفاوض..

لكن ظروف معسكر قاقا «80 كيلو شرق أبشي» تختلف بعض الشئ.. فبعد ان حدث ازدحام
في معسكري حجر جديد قررت معتمدية الامم المتحدة للاجئين ترحيل سبعة احياء منه
الى منطقة قاقا.. لكن اللاجئين المقصودين رفضوا الذهاب لانهم اعتقدوا بانهم
استهدفوا كأسر يوجد ابناؤها في صفوف الحركات المتمردة.. الآن ذهب البعض ومن رفض
الغيت حصتهم من المؤن الشهرية والتي تمثل مصدر التموين الوحيد للاجئين.. بعض
اللاجئين المقصودين بالترحيل عادوا الى مناطق بالجنينة والبعض اتجه شمالا نحو
الطينة «كل حسب الجهة التي اتى منها».

لحظت ان اللاجئين كلما ارادوا ان يتحدثوا عن المنظمات قالوا «النصارى» كتصنيف
ديني واضح.. سألت شيخ شيوخ ترجن: هل هناك جهود تبشير داخل المعسكر من قبل
المنظمات؟ قال لي: «حدنا مع النصارى حصة التموين والتزامنا لهم بالاحتفاظ
بالاوضاع هادئة داخل المعسكر».. وواصل «لكننا نقدم دروساً دينية اسبوعية
بالمعسكر للرجال والنساء»..

قلت له: واسرائيل.. قال ضاحكا «اسرائيل البجيبا لينا شنو هنا»..

اسرائيل

وللحديث عن الوجود الاسرائيلي في المعسكرات يصعب تحديد ملامح هذا الوجود الا
من خلال المنظمات العاملة والتي لا يتعدى عملها توزيع حصة التموين والاشراف
على الاوضاع داخل المعسكرات.. لكنني بتكرار السؤال والملاحظة لا استطيع الجزم
بوجودها او عدمه .. يمكن الاجابة على ذلك اذا قطعنا بوجود علاقة للحركات
المتمردة او لاحداها مع اسرائيل..

في طريق العودة الى أبشي.. ومن ثم الاتجاه شمالا نحو معسكرات اللاجئين في
الشريط الشمالي.. كانت ترافقني في العربة عدد من اللاجئات وبعض اللاجئين في
طريقهم الى المعسكرات حدثتني حجة وهي معلمة من كرنوي تقيم بمعسكر اردمي انها
تعمل الآن معلمة بالمعسكر لكنها تفكر في العودة الى الطينة لانهم يجدون معاملة
قاسية من مواطني المنطقة المحليين فيما يتعلق بالاحتطاب والبحث عن عمل في
المزارع والاسواق.. اما نور الشام التي تقيم بمعسكر تلوم فقد تقيم خمس سنوات
اخرى في ذات المعسكر لانها راضية عن الحياة فيه.. «كل شئ في».. يوسف احد مرافقي
في العربة قال لي ان معسكرات الشمال التي كلها من الزغاوة تعيش اوضاعاً افضل من
معسكرات الجنوب لكن مريم عادت الى الطينة منذ ستة اشهر وهي تقيم فيها مع اسرتها
بعد ان كانت في معسكر مِلي..

زفة عريس

معنا في العربة عريس في طريقه لاكمال مراسم زواجه بمعسكر اردمي.. آدم محمد
جمعة كلونيل «مقدم بالجيش التشادي» من مواطني انجمينا وزوجته.. وهي ابنة عمه
لجأت الى المعسكر من ضواحي الفاشر.. وعدت نفسي بحضور زواج غريب لاجئة من دولة
تتزوج من ابن عمها الضابط بجيش الدولة الاخرى.. وبدأت اتخيل شكل الاحتفال..

كذلك برفقتنا يوسف الذي يعمل بالجمارك بانجمينا وتقيم زوجتاه بمعسكر تلوم..

احد مرافقي من حركة التحرير قال لي ان أم نبق هو معسكر لاجئي حركة العدل
الوحيد.. استفسرته فقسم لي اللاجئين بحسب خشوم البيوت.. وبناء على تصنيفه فان
الزغاوي الكوبي والبديات لجأوا جميعا الى أم نبق هذا ان صح حديثه.

اذن بقيت لنا معسكرات كوننقو وملي وأم نبق وتلوم واردمي واور كاسوني وقررنا ان
نكملها في اسبوعين..

ونحن «نقيل» في أبشي استعداداً لمواصلة الرحلة جاءني بشير جابر مرافقي في
الرحلة وقد تغير وجهه.. وفي كلمات محسوبة ابلغني انني لن استطيع مواصلة الرحلة
شمالا.. سألته لماذا؟ قال لظروف خاصة بالمعسكرات.. قلت له هل لحركة التحرير
يد في هذا القرار؟ اجابني مستغرباً.. نحن حركة التحرير...

الى انجمينا

وفي مساء نفس اليوم غادرت بطائرة اير توماي الى انجمينا.. وهناك تواترت اسباب
عودتي دون اكمال الرحلة.. فبعد ان كدت اقتنع بان صقورا في حركة التحرير كانوا
وراء ذلك بعد ان صنفوني «عدل ومساواة» كما قال لي احد افراد التحرير، اكد لي
آخر ان السلطات التشادية هي التي امرت بذلك بعد علمها لذهابي الى المعسكرات..

مصدر لصيق بالحركة اكد لي ان محجوب حسين الناطق الرسمي باسم التحرير هو الذي
امر بعدم مواصلتي الرحلة وكان حينها في انجمينا.. سألت محجوب عن ذلك فاجابني
بسؤال: لماذا اردتي الذهاب للمعسكرات مع حركة التحرير؟ قلت له لسبب بسيط..
استفدت من تجربة مهاجرية.. وافضل ألفة في الفصل هو اكثر الطلاب شغباً لذلك اردت
ان اذهب عبركم للمعسكرات..

الزبير رئيس مكتب متابعة حركة التحرير بانجمينا كان آخر من قابلته بمطار
انجمينا بعد ان قامت حركته بكامل واجبات الضيافة..

بذا انتهت رحلتي لمعسكرات اللاجئين وفي النفس شئ من حتى.