السودان

التطور التاريخي للحركة الشعبية

سودانيزاونلاين.كوم
sudaneseonline.com
8/2/2005 7:48 ص


بدأت الحركة الشعبية والجيش لتحرير السودان منذ ميلادها 16 مايو 1983 بخطاب ماركسي واضح المضمون للآيدولوجيا الاشتراكية... هدفت هذه الفلسفة التي اعتمدت المنفستو للحركة.. دليلها ومرشدها لقيام سودان جديد بعد ان يتم تحرير السودان القديم من كل اشكال وألوان الممارسات القديمة للساسة والسياسيين والمفاهيم الاجتماعية الخاطئة بالمجتمع السوداني. بهذا الخطاب كسبت الحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان صداقة المعسكر الاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفيتي، وبالطبع كانت كل الدول في العالم الثالث يومها تدور في فلك المعسكر الاشتراكي وفي مقدمتها اثيوبيا «منقستو هيلا مريم» واليمن الديمقراطية وليبيا الاشتراكية الجماهيرية العظمى وكوبا. اذن كانت الفترة الممتدة من 1983 وحتى العام 1991 عند سقوط المعسكر الاشتراكي واعلان نهاية الحرب الباردة وميلاد عهد جديد عالمي.. عهد القطب الواحد في السياسة الدولية. هذه الفترة تعتبر من اكثر الفترات خصوبة وثراءً بالنسبة للحركة الشعبية، فقد شكلت دولة اثيوبيا الاشتراكية عمقاً استراتيجياً مهماً للحركة والجيش الشعبي لتحرير السودان. مما اعطى بعداً عسكرياً متقدماً للحركة الشعبية، أما من الناحية النظرية والعلمية فقد قدم المعسكر الاشتراكي العديد من المنح الدراسية للكوادر الحركة والجيش الشعبي واحتضنت كوبا الاشتراكية مئات الشباب من كوادر الحركة والجيش الشعبي ليتلقوا التعليم الجامعي والمهني والعسكري. بعد سقوط المعسكر الاشتراكي استدارت الحركة والجيش الشعبي لتحرير السودان 180 درجة لتمد ايدى الصداقة والتعاون مع الولايات المتحدة الاميركية والدول الغربية كافة.

هذا التحول التاريخي اعتبره بعض المراقبين انتهازية سياسية، وحاول د. جون قرنق ان يدفع عن نفسه هذه التهمة التي حاصرته في مختلف المنابر، عندما وضع اجابة لها في الحوار الذي اجرته معه مجلة "Horn of Africa Vision" حيث قال «بعض اعدائنا لديهم افكار مبسطة ومسبقة عن التطور السياسي للحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان وهيكلها. فنحن ظللنا حركة سياسية منذ العام 1983، وليس محض حركة عسكرية، كما يشيع هؤلاء الاعداء، فمنذ العام 1983 ظل الجانب السياسي حاضراً وموجوداً، ربما لم يتسق تماماً مع النموذج المبتغى، او مع تصورات المحللين السياسيين، ولكن بدون الحركة السياسية والتنظيم السياسي لما استطعنا ان نبقى لمدة 15 عاماً، ولما تمكنا من الصمود امام الاختبارات الكثيرة التي عرضنا لها نهاية الثمانينات وبداية التسعينيات عندما حدثت تحولات جوهرية ليس على مستوى بلادنا والمنطقة فحسب، ولكن شهد المجتمع الدولي بأسره انتقالاً تاريخياً من مرحلة الحرب الباردة الى مرحلة تاريخية جديدة والى نظام عالمي جديد. ودعا د. جون قرنق في الحوار المراقبين ان يحمدوا له المقدرة على التكيف مع تلك التحولات التاريخية.

لقد اكتسبت شخصية د. جون الجذابة العديد من المزايا والملامح الايجابية ولعل اكثرها قرباً للانسان السوداني، هي بساطة د. جون وتمتعه العالي بروح الدعابة وخفة الظل وحضور البديهة. فعندما زار دار المؤتمر الوطني في الثامن من يوليو الماضي خاطب عضوية حزب المؤتمر قائلاً «السلام ده ما بتاعي.. ولا بتاع البشير... السلام ده بتاع السودان كلو..» وفي ذات الخطاب المرتجل والبسيط والعميق جداً قال د. جون «آي أنا واقف مع الرئيس البشير وده ما حلم دي حقيقة..!!» وعندما كثر الحديث حول عودة د. جون قرنق للسودان قال «أنا جيت من السودان.. أنا جيت من رومبيك..»، وعندها قاطعه هتاف.. لا شمال بلا جنوب.. ولا جنوب بلا شمال قال د. جون «المهم يبقى السودان واحد!!».

وعندما زار د. جون قرنق القاهرة لاول مرة في حياته العام 1998 احتشد عشرات الآلاف من السودانيين في قاعة المؤتمرات الكبرى بمدينة نصر.. وشهد ذلك اليوم التاريخي في حياة السودانيين المقيمين بالقاهرة والاخوة المصريين، شهد ذلك اليوم اكبر حشد سوداني بمصر في مكان واحد.. واستهل د. جون قرنق خطابه قائلاً بلهجة بسيطة محببة «انا بكب ليكم سلام كتير».. وكان يحمل معه التوارة والانجيل والقرآن ليدلل على قدسية ارض السودان المباركة فقال «نهر النيل ده واحد من انهر الجنة وذكر في كل الكتب المقدسة». ويومها اعلن بانه يؤمن بوحدة وادي النيل من نمولي الى الاسكندرية.

يصف د. احمد السيد حمد القيادي التاريخي بالحركة الوطنية السودانية.. يصف د. جون قرنق بانه بعانخي السودان الجديد.

وهكذا غيَّب الموت احد اعظم القادة السودانيين طوال تاريخه القديم والحديث.. رجل اجتمعت عنده مكونات الشخصية القيادية.. وسيظل الأول من اغسطس لعام 2005 يوماً اسود في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية.. فقد رحل عن السودان رجل كان بمقدروه ان يترك بصمات ناصعات في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية السودانية.

رحل د. جون عريس السلام وفارس احلام الوحدة والتنمية.. رحل ومازال عرس السلام قائماً ينتظر من يقوم بترتيب البيت ودفع المسيرة بقوة ويجنبها كل المزالق والمنعطفات.

وداعاً جون.. فكم احبك شعبك حباً خالصاً.. مع احر التعازي لجموع شعبنا وامتنا.. وسيظل السلام امانة في كل عنق سوداني شمالياً وجنوبياً.

* اعتمد المحرر على كتاب «جنوب السودان.. خيارات الوحدة والإنفصال» للدكتور سراج الدين عبد الغفار



اقرا اخر الاخبار السودانية على سودانيز اون لاين http://www.sudaneseonline.com............ للمزيد من الاخبار

للمزيد من هذه التحليلات الاخبارية للمزيد من هذه البيانات و المنشورات
الأخبار المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع


| اغانى سودانية | آراء حرة و مقالات | ارشيف الاخبار لعام 2004 | المنبر العام| دليل الخريجين | | مكتبة الراحل على المك | مواضيع توثيقية و متميزة | أرشيف المنبر العام للنصف الاول من عام 2005

الصفحة الرئيسية| دليل الاحباب |English Forum| مكتبة الاستاذ محمود محمد طه | مكتبة الراحل المقيم الاستاذ الخاتم عدلان | مواقع سودانية| آراء حرة و مقالات سودانية| مكتبة الراحل مصطفى سيد احمد


Copyright 2000-2006
SudaneseOnline.Com All rights reserved