وبعد ليلة من الهدوء الحذر، تجددت أمس أعمال شغب واسعة في مناطق عديدة في الخرطوم ومدن سودانية أخرى، واستخدمت أجهزة الأمن والقوات المسلحة مروحيات ودبابات للسيطرة على الأوضاع، وذلك بعد أن دفع الجيش بقوات إضافية إلى الشوارع، وأفيد أن هجمات الأمس تسبب بها شماليون ضد جنوبيين للثأر من أعمال نهب وقتل وسلب ارتكبها بعض هؤلاء أول أمس عقب الإعلان عن مصرع جون قرنق في تحطم المروحية التي كانت تقله من أوغندا.

وأبلغ شهود “الخليج” أن حالة توتر وهيجان أصابت الجميع في حي الكلاكلة الذي يعد من أكثر الأحياء الشعبية في الخرطوم كثافة، حيث كان الكل يحمل سلاحا أبيض أو ناريا ويقف أمام منزله. وحسب هؤلاء فإن الشماليين هم الذين كانوا أمس المهاجمين، حيث حاصرت قوات من الشرطة مجموعات شمالية تطارد أخرى جنوبية، وقال أحدهم إن الحال أصبح كرا وفرا بين الطرفين.

وفيما كان مسؤول بارز في وزارة الداخلية قد أفاد مساء أول أمس أن قتلى اليوم الأول بلغوا نحو ستة وثلاثين على الأقل، وأن الجرحى نحو مائتين، قالت مصادر طبية أمس إن العدد زاد إلى ،46 فيما ردد آخرون أنهم ،63 غير أن شهودا قالوا إن القتلى وصل إلى نحو مائة طوال اليومين الماضيين، وأن عدد الجرحى زاد على ثلاثمائة. وقد قدمت سلطات ولاية الخرطوم أمس ساعات حظر التجول الليلي ساعة، حيث أعلنته من السابعة مساء إلى السادسة صباحا. وقد طالب الزعيم الجديد للحركة الشعبية لتحرير السودان سلفا كير الجنوبيين إلى التزام الهدوء والسكينة.

وكشف تجدد هذه الوقائع عن تأزم حاد، قد ينذر إذا ما اتسع بشقاق في السودان بين العرب الشماليين والجنوبيين الأفارقة، وهو يضاعف من المخاوف التي أبدتها فاعليات سودانية محلية وأطراف دولية من تعثر عملية السلام في البلاد بعد رحيل جون قرنق الذي كانت تعده الولايات المتحدة خصوصا الضامن الأساسي لها. وعبرت الولايات المتحدة عن هذا القلق، وسارعت إلى إيفاد مسؤولين بارزين إلى الخرطوم وجنوب السودان لحث الأطراف على الالتزام بتنفيذ اتفاق السلام الذي وقعته الحكومة والحركة الشعبية لتحرير السودان في يناير/ كانون الثاني الماضي. كما عبرت كينيا وفرنسا والاتحاد الإفريقي عن هذه المخاوف، ودعت القيادات السودانية والجنوبية عموما إلى تفادي أي عرقلة في تنفيذ الاتفاقية.

ورأى مراقبون ومحللون أن غياب قرنق يحد من الآمال في التطبيق الحرفي للاتفاق، على الرغم من تأكيد سلفا كير الذي يتوقع تنصيبه نائبا لرئيس الجمهورية على المضي في عملية السلام وفي تطبيق الاتفاقية من أجل أن يعم السلام والطمأنينة في أرجاء الوطن، وقال هؤلاء إن غياب قرنق يضعف أيضا الآمال في التوصل إلى حل النزاعين في إقليم دارفور وفي شرق السودان.