السودان

الكلام الكثير الذي لم يقله قرنق في الساحة الخضراء

سودانيزاونلاين.كوم
sudaneseonline.com
8/1/2005 7:28 ص

رحل الدكتور جون قرنق عن دنيانا الفانية .. رحل وترك الجميع يتحسرون علي فقدانه وهو في رحلته الاخيرة .. ان الناس يبكون السلام ويبكون علي ذهاب بريق الامل الذي ومض وتوهج بوصول قرنق الي الخرطوم ومعانقته للملايين في الساحة الخضراء.. لم نكن ندري أنها الساعات الاخيرة في حياة رجل عظيم دخل من غير استئذان في مهجة كل أهلنا الغلابة الذين طالهم سوط التهميش والفقر .. في الساحة الخضراء كان جون قرنق يودع أبناء الشعب الذين قاتل من أجلهم للمرة الاولي والاخيرة .. رفض أن يقول كلمته الاخيرة .. ورفض أن يقول الكلام الكثير الذي وعدنا به .. وأدركه الصباح فسكت عن الكلام المباح وترك في قلوبنا جرحا غائرا وألما مبرحا ونحن نبحث عن هنا وهناك عن من يبشرنا بالعثور علي القائد المحبوب .. انه الرجل المبتسم والذي لا تفارق الدعابة محياه وهو في أصعب المواقف.. ولا زال الناس يرددون قصة السوداني الذي أتي مرافقا للذين طلبوا الحكمة والمال من الله .. كان الرجل حكيما وهو يسرد لنا تلك القصص لنأخذ منها العبرة والدروس .. أنتهي عهد أن يكون السوداني مرافقا للأخرين .. أنه عهد السوداني الفاعل وليس المنتظر المتفرج .. رحل قرنق عن دنيانا من غير صخب وضوضأ ولكنه أستطاع أن يقول كلمة الوداع لمحبيه ولشعبه قبل أن تصطاده مخالب المنايا .. ولد في بور ويجهل تاريخ الولادة لأنها لم تتم في المستشفي الحكومي ولم يمهر الطبيب شهادة الميلاد بتوقيعه .. ولكنه بلا شك ولد في السودان .. لم يدخل المدرسة منذ البداية لأن قوانين تلك الفترة تقول أن من يتعلم هو ابن الزعيم أو من له قريب في المدينة .. عاش حياة الثوار وعمل في انشاءات خزان الروصيرص.. سكن الحاج وأحب وجبة الفول .. وخالط الجيران .. بعث الي أمريكا وهناك طلب من زوجات أحد زملائه في القوات المسلحة أن تشتري له ( شيلة ) الزواج .. عاد الي السودان ودرس الاقتصاد الزراعي بجامعة الخرطوم .. وهو في الخارج كان متواصلا مع الجميع من غير استثناء .. أحزنه موت الدكتور /أحمد عثمان مكي القيادي الاسلامي في الحركة الاسلامية فنعاه في جريدة ( الشرق الاوسط ) وأستغرب الناس لماذا نعاه هو بالذات وما هي العلاقة التي تربطهما !! انها علاقة التسامح والانسانية .. فقد كان جون قرنق مرهف الاحاسيس وهو يقود الناس في الحرب .. ولم يفقد الامل ولم يعش علي الأحباط لأنه كان يحمل تصورا لا يمكن أن يتخيله أحد .. ومن سوء طالع أهل السودان أن تواصلهم مع قرنق وهو نائبا للرئيس لم يطل لفترة طويلة .. أنه ليس برحيل رجل عادي ولكنه رحيل آخر الوحدويين من أهل الجنوب .. كان قرنق منفتحا ويفهم بحكم ثقافته الواسعة طبائع أهل السودان علي مختلف مشاربهم .. وأعترض علي اطلاق كلمة ( تماس ) علي المناطق التي يتجاور فيها المسيرية مع الدينكا وأصر علي استخدام كلمة ( تمازج ) عوضا عن تلك الكلمة العنصرية.. ووعد أهل الشمال بخمسة وثلاثين منصبا في حكومة الجنوب .. وحل المجلس العسكري للحركة وأحال كبار الضباط علي المعاش.. وأبقي خمسة من الذين عينتهم الحكومة في مناصبهم .. فهي ثورة من أجل استعادة الثقة وليس من أجل شحن الضغائن .. ثورة تبني علي الاساس الموجود وليس نبشه ورميه في سلة المهملات .. كان قرنق مع القانون والوحدة والذين خرجوا من أجل نهب الممتلكات وضرب المارة لا يمكن بأي حال من الاحوال أن يكونوا من أنصاره أو من الذين حارب نيابة عنهم .. كان قرنق ضد الفوضي واصر قبل أن يرحل علي دمج المليشيات المنفلتة في الجيش السوداني أو في جيش الحركة .. والذين نهبوا المحلات هم من زوار سلام الداخل ولا يوجد شئ يربطهم برجل الامن والسلام الدكتور جون قرنق .. لم يمت قرنق أثناء الحرب ولكن قدره كتب عليه أن يموت وهو يري حقيقة السلام ماثلة أمام ناظر الجميع .. مات في عهد السلام كحمامة بيضاء غادرت عشها الدافئ في ليلة عاصفة لتلقي حتفها وهي تحلق في سماء الجنوب وتركت فراخها الصغيرة ضحية للترقب والهواجس .. مات قرنق ولقي ربه في تلك الارض التي طالما أحبها وأحبته .. في تلك الارض التي بدأت منها ثورة السلام .. تلك الارض الخصبة التي انجبت لنا قائدا قلما يأتي التاريخ بمثله وهو الدكتور جون قرنق .. عاش فينا كالخيال ورحل عنا كالأسطورة .. انه جيفارا الافريقي .. القائد الملهم الذي يجهل تاريخ ولادته وتدفعه ظروف الحياة ليعمل بمهنة ( طلبة ) من أجل كسب العيش .. رجل عاش لغيره وأخترق بصبره حصون التخلف والرجعية .. أنها مأسآة أهلنا في الجنوب أن يفقدوا البدر في الليلة الظلماء .. أن يفقدوا المصباح الذي أنار لهم طريق الحرية والنضال .. ان مصابهم جلل وفقدهم كبير .. انه فقد لكل أهل السودان بمختلف شرائحهم .. لم نتعود أن نفقد القادة والزعامات بهذه الطريقة المأساوية .. فيا تري من الذي يملأ المكان الشاغر في قلوب الناس التي أحبت بصدق هذا الرجل العظيم .. فالذين يحبون قرنق عليهم السير في طريقه والتأسي بسيرته العطرة .. عليهم أن يصدقوا الافعال قبل الاقوال .. عليهم التحلي بشجاعته وصبره وذكائه .. عاش شعب الجنوب حرا ابيا وعاش أهل السودان الغبش وهم يبكون قائد الثورة العظيم الدكتور جون قرنق..

المكلومة /سارة عيسي

اقرا اخر الاخبار السودانية على سودانيز اون لاين http://www.sudaneseonline.com............ للمزيد من الاخبار

للمزيد من هذه التحليلات الاخبارية للمزيد من هذه البيانات و المنشورات
الأخبار المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع


| اغانى سودانية | آراء حرة و مقالات | ارشيف الاخبار لعام 2004 | المنبر العام| دليل الخريجين | | مكتبة الراحل على المك | مواضيع توثيقية و متميزة | أرشيف المنبر العام للنصف الاول من عام 2005

الصفحة الرئيسية| دليل الاحباب |English Forum| مكتبة الاستاذ محمود محمد طه | مكتبة الراحل المقيم الاستاذ الخاتم عدلان | مواقع سودانية| آراء حرة و مقالات سودانية| مكتبة الراحل مصطفى سيد احمد


Copyright 2000-2006
SudaneseOnline.Com All rights reserved