الشذوذ الجنسي ظاهرة تنتشر بين الذكور و الإناث على حد سواء في كل مجتمعات الدنيا، سأتناول في هذا الموضوع الظاهرة بين الذكور بوصفهم عنصرا مسيطرا في مجتمع أبوي ذكوري في المقام الأول، و أيضا لاقتران الظاهرة بجهة سياسية حاكمة باسم الدين في المقام الثاني و السبب الأهم لعدم تناول الظاهرة وسط النساء إنها ممعنة في السرية و لا املك معلومات كافية عنها.
و حتى لا استخدم في هذا الموضوع تعبيرات غير محايدة فسأستخدم تعبير كلمة التماثل الجنسي كي ابتعد من كلمة الشذوذ الجنسي التي تحمل في طياتها الكثير من الإقصاء والنفور.
تعريف
Homosexuality
الهومو سيكشيواليتي (التماثل الجنسي)
حسب تعريف الاساتذة جي. إم ساندفورت و هـ. باوس فالهوموسيكشيواليتي هو الجنس والإثارة بين أشخاص من نفس النوع (إناث أو ذكور). في هذا الإطار يمكن أن يحدث انجذاب أو تتكون مشاعر و يحدث اتصال جنسي.
انطلاقا من هذا التعريف فان التماثل الجنسي (الشذوذ الجنسي) حقيقة موجودة على مر العصور.هناك شخصيات تاريخية معروفة بتماثلها الجنسي مثل الكساندر الأكبر ليوناردو دا فينشي و تشايكوفسكي.
و التماثل الجنسي اكتسب على مر العصور أشكالاَ كثيرة و متنوعة، فبينما كان عند الإغريق علاقة بين رجلين بينهما فارق كبير في العمر (رجل كبير و شاب صغير) إلا أنها في المفهوم الغربي المعاصر علاقة بين راشدين جسديا و عقليا، و بينما كان الرجل عند الإغريق له علاقة جنسية عادية مع النساء و بجانبها علاقة تماثلية (مع رجال) أي بيسيكشيوال (ذو ميول جنسية متعددة) إلا أن الخيارات الجنسية في المجتمعات الغربية الحالية واضحة و محددة.
غرين بيرج ( في كتابه هيكلة التماثل الجنسي الصدر عن جامعة شيكاغو1988) يكتب عن تقسيمات التماثل الجنسي حسب العلاقات في المثال أعلاه حول العلاقات الجنسية عند الإغريق و علاقتها بالعمر و التي كانت أيضا بنفس النمط سائدة في اليابان قديما و بعض شعوب غينيا الجديدة، و التي كان التماثل الجنسي فيها يعتبر مرحلة في التطور الجنسي عند المراهقين يدخل بعدها المراهق عالم الرجولة. في تلك الحالة يكون التماثل الجنسي مرحلة عابرة و ليس سلوكا ثابتا عند الفرد المعين من تلك المجموعات.
في مجموعات اثنية أخرى يأخذ التماثل الجنسي مناحي أخرى تسود فيها محاولات التشبه بالجنس الآخر عبر ارتداء أزياء نسائية و التشبه السلوكي بالمرأة كما تفعل النساء نفس الشيء و لكن بالعكس. و هذا يحدث في مجتمعات كهنود البيرداتشي في أمريكا الشمالية و مجموعات الماهو في تاهيتي. و في مجتمعات أخرى يمنع السلوك الجنسي التماثلي صاحبه من تقلد مناصب اجتماعية معينة كرئيس القبيلة مثلا.
العلاقات الجنسية التماثلية السائدة حاليا في العالم الغربي، ترجع في الأساس إلى التطور العلمي و الطبي الذي حدث في أواخر القرن التاسع عشر، إلى ذلك الوقت كان التعامل في أوروبا مع التماثل الجنسي كسلوك يستوجب العقاب. بعد ذلك أصبح ميزة شخصية للشخص المعين. و صار الشخص المتماثل جنسيا ينظر إليه كانسان بمميزات نفسية معينة ناتجة عن تطور شخصي غير سوي في تاريخ الشخص المعين. و منذ ذلك الحين بزغ إلى النور مفهوم التماثل الجنسي الذي اخذ محل مفهوم الشذوذ الجنسي السائد في اللغة العربية على سبيل المثال.
يقول السيد تيلمان و هو كاتب كتاب التماثل الجنسي في هولندا الصادر 1982، على الرغم من تغير المفاهيم اللغوية بعيد نهايات القرن التاسع عشر إلا أن التماثل الجنسي نظر إليه (بضم النون و فتح الظاء) على انه مرض نفسي يستوجب العلاج لوقت طويل جدا بعد ذلك، و في نهايات القرن العشرين و نسبة للضغوط الكبيرة التي تمارسها لوبيات تجمع المثليين جنسيا لتغيير المفاهيم و القوانين السائدة في المجتمعات الغربية تغيرت النظرة إلى التماثل الجنسي بوصفه مرض نفسي. و قد سحب من تقسيمات الأمراض النفسية في الكثير من الدول الغربية و أمريكا الشمالية.
و على الرغم من تغيير القوانين التي تحكم المثليين جنسيا لصالحهم إلا أن القبول الاجتماعي لهم ليس كاملا بعد حتى في المجتمعات الغربية نفسها.
الجبهة الإسلامية و التماثل الجنسي
بعد هذه المقدمة، أتسائل ما الذي يدفع مجموعة من المثليين جنسيا إلى الانتماء إلى تنظيم ديني متطرف، بل و إلى المكوث فيه والدفاع عنه باستماتة و استبسال؟
لقد أبانت الحقائق وجود أعداد لا يستهان بها من المثليين جنسيا داخل كوادر الجبهة الإسلامية القومية، و قد تم التعامل مع هؤلاء بمنتهى القبول بل و لقد تقلدوا مناصب متقدمة في تنظيم الجبهة الإسلامية، و لكي لا أتهجم على احد من غير دليل فقد أصدرت محكمة أمريكية قرارا بالسجن بشأن الدكتور التيجاني المشّرف الرئيس السابق لاتحاد جامعة الخرطوم و هو من كوادر الجبهة الإسلامية القومية المعروفين نسبة لاغتصابه مريض مختل عقليا في أمريكا العام الماضي، و الهدف من ذكر هذا المثال ليس التعريض بشخص الدكتور التيجاني المشرف بقدر ما هو ذكر لحادثة موثقة قانونيا و إعلاميا لشخص تقلد منصب رئيس اتحاد اكبر جامعة في السودان ولا اعتقد إن من أوكلوه تلك المهمة الجسيمة لا يعرفون حقيقة انه مثلي جنسيا. هناك أيضا الاتهام الذي أطلقه الدكتور عثمان عمر الشريف وزير الإسكان السابق بمثلية السيد حسن الترابي الجنسية في مجلس الوزراء و التي خرج بعدها الترابي من الجلسة. و قد تعرض الكثير من الفنانين الكاريكاتيريين للمسألة بإيحائية غير مباشرة حول شخصيات أخرى مؤثرة داخل تنظيم الجبهة الإسلامية و منهم أئمة جوامع معروفين، و هناك حادث الاغتصاب الأكثر توثيقا و الذي تعرض له العميد الريح على يد كوادر من الجبهة الإسلامية القومية في المعتقل. الذي نشرته مجلة المجلة في منتصف التسعينات بتفاصيل يندى لها الجبين.
لست هنا بصدد وصم عضوية الجبهة الإسلامية بالتماثل الجنسي (الشذوذ الجنسي) الذي يعتبر في مجتمعنا المحافظ عار لا يمكن غسله، لكن ارمي إلى توضيح الظروف التي تؤدي بمثل هؤلاء إلى العنف و الإرهاب و بدلا من الإبداع بمختلف أشكاله موسيقي و فني و أدبي على غرار أمثالهم في مجتمعات أخرى. أيضا أود أن أوضح شكل العلائق المعقدة داخل تنظيم كهذا تمده بطاقة كبيرة على البقاء و الدفاع المستميت عن الوجود.
في تصوري الجبهة الإسلامية القومية كتنظيم يعبر عن عصبة تجمع بها كل تلك العلاقات المتعددة من مصالح و علاقات جنسية مختلفة تجعل منه و في ظل براغماتية تفسيرية كمقولة " فلان روحه طاهرة لكن جسدو خبيث" المنسوبة إلى احد قياديهم في وصف قيادي آخر متماثل جنسيا، نجد ان التحليل المتعدد الجوانب هو الذي سيوصلنا إلى فهم التركيبة النفسية لكادر الجبهة الإسلامية القومية ، و هي تركيبة نفسية مأزومة و في خوف دائم من الآخر و على استعداد كامل لقتله و اغتصابه و تدميره. هذه النفسية و بفضل ما تملكه من معارف علمية و هوس ديني، و فكر تبريري لكل التناقضات يخلق تجمعا لمجموعة خطيرة للغاية تحمل حقدا كبيرا على مجتمع يرفض سلوكها اليومي و يلفظ كل ما تجيء به من تفسيرات. و أورد تساؤلا آخر ماذا سيكون سلوك المثليين لو تسامح المجتمع مع هذه الظاهرة باعتبارها ظاهرة طبيعية ولا تقلل من قيمة صاحبها. هل سيحتاج المثليون حينها إلى إقامة دولة كاملة لحماية ممارساتهم؟ وهل سيحملون كل هذا الحقد على المجتمع.. أم أنهم سيتحولون إلى مجموعة شبيهة بالمثليين الغربيين الذين يتميزون بقدرة واسعة على الخلق والإبداع. وبهذا تخرج المسألة من الكيد السياسي إلى المعالجة الاجتماعية
لكن هل من الحكمة فقط وضع كل اللائمة على الجبهة الإسلامية و كوادرها فقط أم يجب تسليط الضوء أيضا على الظروف الاجتماعية التي خلقت هذه الظاهرة و محاولة معالجتها حتى لا تتكرر من جديد. اعتقد أيضا أن للمجتمع السوداني مسئولية كبيرة، ففي مجتمعنا تنتشر ظاهرة الاغتصاب للأطفال و التلاميذ بصورة غير عادية، و إن كنا لا نسمع ذلك في وسائل الإعلام و لا في قاعات المحاكم فذلك لتجنب الأهل و المتورطين في هذه القضايا للفضائح، وهذا لا يعني أن الظاهرة غير موجود و أنا متأكد أن كل من يقراء سطوري هذه تكون قد مرّت على مسامعه وقائع قصة مشابهة، في المجتمع السوداني هناك حالة رضا عامة على الشخص المقترف لاثم الاغتصاب فبينما يسمى الضحية (لواطيا) أو لوطيا باللغة العامية و يعامل بمنتهى الاحتقار و الإذلال، نجد انه في المجتمعات الذكورية السودانية فان المغتصب (بضم الميم و كسر الصاد) يسمى بمسميات عديدة لا تحمل إيحاءات سلبية (قرن، صقر، عيالاتي... الخ) ولا يعاني من أية عزلة اجتماعية، بل انه يعامل معاملة عادية من أقرانه و أصدقائه و نحن في هذه المسألة نظهر تسامحا في غير محله إذ أن مثل هؤلاء حتى في الغرب الذي نعتبره متفسخا يبلغ عنهم في الشرطة و تقام لهم المحاكمات و قد كادت فضيحة السيد ديترو باغتصاب أطفال أن تسقط الحكومة البلجيكية في نهاية التسعينات نظرا لمظاهرات شعبية عارمة اجتاحت مدن بلجيكا الرئيسية لإحساس الشعب البلجيكي بعدم جدية الحكومة في معالجة تلك القضية، و تكثر الاغتصابات في السودان في المدارس الابتدائية و في الأحياء و ارتبطت في وقت مضى بمزاولي مهن معينة كالعجلاتية مثلا.
لقد وددت بهذا الموضوع الشائك حقا تسليط الضوء على إشكال حقيقي في المجتمع يؤدي إلى بروز ظواهر متطرفة معينة، و نظرا لان المجتمع الآن في طور النمو و لضعف التوثيق، و التابو الذي يحيط بموضوع كالتماثل الجنسي، خاصة في ظل حزب ممسك بزمام السلطة تنتشر فيه هذه الظاهرة فان استنباط نتائج محددة من موضوع كهذا لن يكون مكتمل الجوانب خاصة في ظل انعدام الإحصائيات، و لأنه أمر صعب لذا فاني أود أن ارمي بحجر لأحرك بركة ساكنة و منسية داخل العقل الجماعي السوداني آملا أن يؤدي تحريكها إلى استبيان جوانب اجتماعية خطيرة نتجاهلها و نتحاشى الدخول في دهاليزها المعقدة.
د. امجد إبراهيم سلمان