البشير والترابي.. من التحالف إلى الاحتراب

سودانيز اون لاين
9/28 11:28pm

قفز الصراع بين الرئيس السوداني المشير عمر البشير والدكتور حسن عبد الله الترابي الامين العام لحزب المؤتمر الشعبي المعارض الى اعلى مستوياته، وذلك منذ تفجره الأول قبل 4 اعوام، اذ بدأ والآن يشتم منها رائحة الدم مسبوقة بلعلعة السلاح في شوارع العاصمة الخرطوم، هذا رغم ان الحكومة وعدت بمحاكمات عادلة لن تتهمهم بالضلوع في ما تسميه محاولة تخريبية تسعى لقلب نظام الحكم في خاتمة المطاف. ويجيء هذا التحول «النوعي» في الصراع بين الرجلين، والمعروف بصراع «البشير ـ الترابي» بعد ان اعلنت سلطات الامن السودانية قبل اسبوعين عن محاولة تخريبية يسعى الشعبي الى تنفيذها في الخرطوم تنتهي بانقلاب عسكري يطيح بالنظام القائم، واعلان ذات السلطات انها احبطت محاولة انقلابية للشعبي قبيل ساعة صفر تنفيذها في الثانية من ظهر الجمعة الماضية اثناء اداء صلاة الجمعة. وفي المسافة بين الكشف عن «المحاولة التخريبية» قبل اسبوعين والمحاولة الانقلابية الجمعة الماضية، جرت الكثير من المياه الساخنة في ساحة الصراع بين شعبي «الانقاذ» المتصارعين بصورة وضعت العاصمة السودانية تتنفس اجواء الانقلابات بانفاس محبوسة تترقب اسوأ الاحتمالات..
فلا تمر 24 ساعة ـ منذ ذلك الحين ـ الا وتعلن السلطات الامنية كشفها مخبأ للاسلحة تؤكد انها تتبع للشعبي وجزءا من ادوات تنفيذ المخطط التخريبي، حتى بلغ عدد المخابئ 5 موزعة في مدن العاصمة «الخرطوم وأم درمان والخرطوم بحري»، وتتبع كل خطوة من هذه حملة اعتقالات وسط منسوبي الشعبي من القيادات العليا والوسيطة الى ان بلغ عدد المعتقلين نحو 70 معتقلاً جلهم، بمن فيهم الترابي، في سجن «كوبر» الشهير، والمداهمات مستمرة، وتنصب في رأس كل كليومتر او اقل حاجز امني مشدد، وشارعان على الاقل ظلا مغلقين على مدى اليوم منذ تجدد الازمة، ويرتفع العدد في الليل. وبلغ الصراع الذروة عندما دخل الرئيس البشير بنفسه حلبة التصعيد وبنفس ساخن عبر سلسلة هجمات سددها للترابي شخصياً، بعد ان عد لذلك لقاءات «تنويرية» لعدد من القطاعات المهنية والفاعليات السياسية ورجال الصحافة والاعلام. وبينما اعتبر المراقبون تهديدات البشير بـ«قطع رأس الترابي» في اخطر تصريحات له الاحد الماضي بمثابة نوايا حقيقية للرجل تفصل بينها وبين الممكن فعله في السياق مسافة، الا انهم يعتقدون انه قرر ان «يتغدى» بالترابي قبل ان «يتعشى» به الاخير. اما القوى السياسية المعارضة فتنظر لصراع الاسلاميين الممتد وما صحبه من تصعيد اخير بانه صراع اقرب الي الشخصي او هو اسقاط للمشاكل الشخصية على مشاكل الوطن. وتشكك المعارضة في المحاولات التخريبية والانقلابية التي تتحدث عنها الحكومة، وفي السباق اصدر حزب الامة المعارض بزعامة الصادق المهدي بياناً الاسبوع الماضي اعتبر فيه ما يجري بين الطرفين بمثابة انصراف عن قضايا الوطن ولم يخف البيان تشكك الامة في مزاعم الحكومة بوجود محاولة تخريبية.
ويذهب في ذات الاتجاه الحزب الشيوعي السوداني ويقول على لسان الناطق باسمه يوسف حسين ان الحكومة تحدثت قبل اسبوعين عن محاولة تخريبية ثم جاءت بعد ذلك فقالت ان هناك محاولة انقلابية، والشعبي نفى ضلوعه في اي امر من هذا النوع بل كشف ان السلاح المخبأ الذي تقول الحكومة انه جزء من مخططات الشعبي هو سلاح مشترك بين الطرفين قبل الصراع.
وقال حسين لـ«الشرق الاوسط» اننا نعتقد ان صراع الاسلاميين ادخل البلاد في توتر مستمر بل ورطات مستمرة، وتوقع ان يتحول هذا الصراع الذي استدعى السلاح ان يحيل العاصمة السودانية الى دم والمتضرر الاول هم الابرياء من المواطنين». وفي حين يعتقد الدكتور حسن مكي الاسلامي المعروف ان الصراع لا يخلو من الجانب الشخصي اي ان هناك من يعتقد ان ما يهدده شخصياً هو يهدد الوطن بمفهوم مترسخ لديهم، وان زوالهم يعني زوال السودان، ويسعون الى اسقاط هذا المفهوم في اذهان الشعب السوداني بتصوير ان نهاية سلطاتهم هو نهاية الوطن.
ويؤكد مكى ان المفهوم ينطبق على الصراع بين البشير والترابي حيث ان الاخير يعتقد بوجوب زوال هذا النظام مهما كانت الفاتورة وخصومه كذلك يرون ان المهدد ليس قرنق ولا أميركا ولا السياسات وانما «استمرار الترابي على قيد الحياة». ويذهب مكي في حديث لـ«الشرق الاوسط» وهو من القيادات الاسلامية المتبرمة مما يحدث داخل الكيان الاسلامي الحاكم الى القول: «ان كل هذه اوهام». كما يلفت مكى الانتباه الى ان البلاد قد دخلت تماماً الي حظيرة مفهوم العسكرة السياسية وتلاشت سلطة الدولة وضعفت القدرة على السيطرة هنا وهناك وهذه مرحلة خطيرة يجب ان تجد لها الدولة حلولاً سياسية تبطل مفعول «العسكرة السياسية» وان يكون الخيار للشعب، واما ان يستمر الوضع في تصاعد ينتهي بتفتيت الوطن وتحولة الى عراق وصومال.. الى آخره، وقال «على الحكومة ان تلجأ للحلول السياسية مهما كانت مرارتها».
اما، القيادي الاسلامي الدكتور الطيب زين العابدين فيرى ان هذا التصعيد بمثابة المرحلة الاخيرة من الصراع بين الطرفين الذي ظل يسميه بحرب «داحس والغبراء» بين «الشعبي و الوطني»، بعد ان أمن على الرأي القائل بان الصراع ادخل البلاد في دوامة من الفوضى وعدم الاستقرار، وعلى عكس اغلب المراقبين في الخرطوم فان زين العابدين يرى ان المؤشرات تمضي في اتجاه وضع الحد النهائي للصراع عبر اعلان حزب المؤتمر الشعبي ادانته للمحاولة كخطوة بالضرورة ان تستجيب لها الحكومة بمحاكمة المتورطين واطلاق سراح الابرياء من الشعبي.
واندلع صراع «البشير - الترابي». أو بوجه آخر صراع الاسلاميين السودانيين الذين يشكلون «ثورة الانقاذ الوطني في السودان» في العام 1998، أي بعد ان تسرب الى صحافة الخرطوم بأن الترابي الذي كان يشغل منصب رئيس المجلس الوطني (البرلمان) سيستقيل من منصبه ليتولى أمانة حزب المؤتمر الوطني الحاكم «بمفهوم تحول الانقاذ من وضع حزب الحكومة الى حكومة الحزب»، وفعلاً جرى انتخاب الترابي للمنصب الجديد في فبراير(شباط) 1998 وسط إشارات بتصدعات هنا وهناك في الجسم الحاكم في البلاد. وبعد 3 أيام من هذه الخطوة لقي نائب الرئيس السوداني آنذاك الفريق الزبير محمد صالح مصرعه في حادث سقوط طائرة في جنوب البلاد لينشأ فراغ في المنصب، قرر الحزب الحاكم سده فدفع 3 أسماء للبشير لاختيار واحد منهم للمنصب وهم: الدكتور الترابي، وعلي عثمان محمد طه، والدكتور علي الحاج محمد وذلك حسب الدستور، وقام البشير باختيار علي عثمان طه نائباً لمنصب النائب الأول، ولكن الترابي استقبل الخطوة في نطاق انها تشكل بداية رفض له بشكل أو آخر من قبل الرئيس البشير. وعليه احترس زعيم الاسلاميين عن خطوة التخلي عن البرلمان والتفرغ للأمانة العامة للحزب.. وبدأ يتحرك في اتجاهين لاعادة سطوته التي أشارت عدم اختياره لمنصب النائب الأول الى أنها بدأت تخبو. وفي العاشر من ديسمبر(كانون الأول) 1998 فاجأ عشرة من قيادات المؤتمر الوطني اجتماعاً لمجلس شورى الحزب بمذكرة تحدثت لأول مرة عن هيمنة الترابي على الأداء في الحزب بصورة تقدح في هيبة الدولة وطالبت بتقليص صلاحياته كأمين عام للحزب، وتخويل بعضهاً الى رئيس الجمهورية ورئيس الحزب البشير، ولقيت المذكرة هوى في نفوس المشاركين فمرروها وسط غضب الترابي وأعوانه، ومن ابرز الموقعين على المذكرة الدكتور ابراهيم احد عمر، والدكتور غازي صلاح الدين، وسيد الخطيب، وحامد علي تورين، والدكتور نافع علي نافع. وقرر الترابي فيما بعد عدم التخلي عن منصبه رئيساً للبرلمان بصورة درامية حيث استقال في ديسمبر(كانون الأول) وجرى قبولها ولكن جماعة استقطاب من أنصاره أعادته مرة أخرى الى الكرسي. ومن البرلمان بدأ الترابي يحضر نفسه لمعركة جديدة مع البشير عبر زيارات الى ولايات البلد خصصها لاستقطاب أنصار له في المعركة المقبلة قدر أن تكون ساحتها المؤتمر العام للحزب في اكتوبر 1999، وفعلاً في هذا المؤتمر وجه ضربة قوية للرئيس البشير واستعاد مركزه بصفة أساسية على الموقعين على مذكرة العشرة حيث جرى إبعادهم عن المكتب القيادي وهيئة الشورى وعلى رأس الذين طالتهم الضربة البروفيسور إبراهيم أحمد عمر ما اضطر البشير لاحقاً الى تعيينه في منصب مساعد رئيس الجمهورية. ولم يتوقف الترابي الموصوف بالعناد عند ذلك الحد إذ كثف من خلال البرلمان حملات استدعاء لوزراء حكومة البشير وفتح من خلالها ملفات ساخنة مثل ملف فريق الانقاذ الغربي وملف محاليل «كور» وأخرى. ومن ذات الموقع نظم مؤتمر للحكم الاتحادي أصدر توصية بانتخاب الولاة بدلاً من الانتخاب عبر كليات بواسطة رئيس الجمهورية البشير، وألحق الترابي التوصية بمقترح للبرلمان بتعديلات دستورية تحمل الى جانب المقترح مقترحاً آخر باستحداث منصب لرئيس الوزراء وهو المنصب الذي يقوده الرئيس البشير. فاشتعلت المعركة بين الرجلين القويين في الانقاذ بتقدير من المراقبين انها بداية المعركة العلنية، وعليه تدخل البشير بقوة وأبطل مفعول مقترح التعديلات قبل أن يمر في البرلمان وذلك بعد أن أصدر قرارات في 12 ديسمبر 1999 عرفت باسم قرارات الرابع من رمضان حل بموجبها البرلمان وبالتالي أقصى الترابي من منصبه وجمد مواد في الدستور تتعلق باختيار الولاة عبر كليات انتخابية مما يعني تعيينهم من قبل الرئيس البشير، وقد حاول الترابي الطعن في قرارات الرابع من رمضان ولكن المحكمة الدستورية أيدتها. وانفتحت المعركة بين الطرفين على كل الابواب واللعب على المكشوف بين الرجلين، والنبش في الملفات «المستورة»، وفي الخامس من مايو(ايار) 2000 دعا الرئيس البشير الى اجتماع كبير لأنصار حزب المؤتمر الوطني قصد أن يقام داخل دار الحزب وعبر الاجتماع الذي عرف «بنفرة رمضان» وجه البشير هجوماً عنيفاً على الترابي واتهمه لأول مرة صراحة بالعمل على إسقاط نظام الانقاذ، وكشف أن الزعيم الاسلامي يجري في هذا الخصوص اتصالات بضباط في الجيش والأمن والشرطة وتحريضهم ضد الحكومة.
وأصدر البشير صباح اليوم التالي قراراً بحل الأمانة العامة لحزب المؤتمر الوطني التي يرأسها الترابي وقبل أن تطوق مجموعة من الأمن دار الحزب وتفرض عليه حظر الدخول. ليفقد الأخير آخر مناصبه ومعاقله الرسمية، لم يشفع له استئناف تقدم به لدى مسجل تنظيمات الأحزاب ضد القرار. واستمر البشير في خطه التصعيدي ضد الترابي فدعا الى اجتماع لمجلس شورى الحزب الحاكم في 26 يوليو(تموز) 2000 انتهى باعتماد قرارات إقصاء الترابي من الأمانة وعاد وانتخب البروفيسور إبراهيم أحمد عمر رئيساً لمجلس الشورى بصفة مؤقتة. واستجاب الترابي لخطوة البشير التصعيدية بأن أعلن المفاصلة النهائية مع خصمه بتشكيل حزب موازي باسم «حزب المؤتمر الوطني الشعبي» فتمايزت الصفوف وارتبكت ساحة الانقاذ بشدة حيال أسئلة الاختيار بين الانضمام الى البشير الحاكم أو الى الترابي المعارض الجديد للإنقاذ، وسادت لأشهر وسط الاسلاميين سياسة «سيفي مع معاوية وقلبي مع علي». وفي خضم التمايز أعلن الترابي في 19 فبراير(شباط)2001 أن حزبه وقّع مذكرة تفاهم مع قرنق اعتبرها البشير بمثابة عمل عدائي ضده بالتضامن مع «عدو البلاد الأول» قرنق الذي يدير حرباً طويلة ضد الخرطوم من جنوب السودان، وعليه بعد مضي 24 ساعة من إعلان مذكرة التفاهم عبر مؤتمر صحافي طوقت قوة منزل الترابي في ضاحية المنشية قبل أن تقتاده الى سجن كوبر أشهر السجون السودانية. مكث الترابي هناك زهاء العام ونقل من بعد الى منزل حكومي في ضاحية كافوري المجاورة لكوبر وسمح لزوجته واحدى كريماته بالإقامة معه وترتيب زيارات لبقية أعضاء الأسرة، وبعد توقيع اتفاق الترتيبات الامنية بين الحكومة وحركة قرنق في سبتمبر(ايلول) الماضي أطلق سراح الترابي. ومنذ ان ظهر التمرد في دارفور اعتبارا من مطلع العام الماضي اشارت الحكومة الى حزب الترابي باعتباره المؤجج لنيران القتال هناك عبر حركة العدل والمساواة المتمردة في دارفور وهي الحركة التي يقودها الدكتور خليل ارب ابراهيم المعروف بانتمائة السابق الى حزب المؤتمر الشعبي، وقد تعرض عناصر الشعبي بسبب دارفور في الفترة الماضية الى حملات اعتقالات في الخرطوم وفي دارفور، ولكن الترابي ظل ينفي الاتهام الحكومي هذا الى حزبه. وقال ان تمرد دارفور «هو تمرد ضد سياسة المركزية التي تتبعها الحكومة»، «وضد التهميش الذي يعاني منه الريف السوداني بسبب تلك السياسات».
وفي مارس(آذار) الماضي اندلق زيت في نار الحرب بين الخصمين حين اعلنت الحكومة ان الشعبي يخطط «لاعمال تخريبية» في الخرطوم، وعلى الاثر قامت بحملة اعتقالات واسعة وسط عناصر الحزب المعارض طالت معظم القيادات العليا والوسيطة بمن فيهم الترابي، افرجت عنهم فيما بعد تباعا ولكنها اعادتهم مرة اخرى الى المعتقلات في الأسبوعين الماضيين، وقالت ان بعض الاعتقالات تمت بعد التهم واخرى احترازية وثالثة من دون ان يعرف المعتقلون السبب.

اقرا اخر الاخبار السودانية على سودانيز اون لاين http://www.sudaneseonline.com
الأخبار المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع


اخبار السودان بالانجليزى | اغانى سودانية | آراء حرة و مقالات | نادى القلم السودانى | المنبر الحر | دليل الخريجين | | مكتبة الراحل على المك | مواضيع توثيقية و متميزة | أرشيف المنبر الحر

الصفحة الرئيسية| دليل الاحباب |تعارف و زواج|سجل الزوار | اخبر صديقك | مواقع سودانية|آراء حرة و مقالات سودانية| مكتبة الراحل مصطفى سيد احمد

contact Bakri Abubakr
Copyright 2000-2004
Bayan IT Inc All rights reserved