وزير الخارجية السوداني لـ«الشرق الأوسط»: السودان بحاجة لمساعدة خارجية للسيطرة على الجنجويد وإحكام السيطرة الأمنية في دارفور
سودانيز اون لاين 9/24 11:17pm
نيويورك: غيدا فخري
اعترف وزير الخارجية السوداني مصطفى عثمان اسماعيل ان بلاده في حاجة لمساعدة خارجية للسيطرة على قبائل الجنجويد واحكام السيطرة الامنية فى دارفور، مشددا في الوقت ذاته على ان الخطوات التي اتخذتها الخرطوم لتحسين الاوضاع الامنية والانسانية في الاقليم لاقت ترحيبا ملموسا من دول العالم والمراقبين الدوليين. وشدد عثمان اسماعيل على ان السودان ليس الصومال، وان الاوضاع الانسانية في دارفور لم تصل الى الوضع المأساوي في الصومال. كما اوضح في حوار اجراه مع «الشرق الاوسط» على هامش مشاركته في اجتماعات الجمعية العامة للامم المتحدة على ان انعكاسات التطورات في دارفور على اتفاق نيفاشا بين الخرطوم وحركة جون قرنق مرهونة بالحكومة وبالحركة معا. كما قال انه ليست لديه معلومات حول تورط قرنق في احداث دارفور، مشيرا الى ان تقرير اميركا حول الازمة هو الذي ذكر دور قرنق في دعم حركة التمرد هناك. وهنا نص الحديث: * في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، وجه الرئيس الأميركي انتقاداً شديداً لحكومة السودان لعدم قيامها بما فيه الكفاية من أجل وضع حد للعنف في دارفور. كيف تردون على هذه الانتقادات؟ ـ أعتقد أن خطاب الرئيس بوش كان تكراراً لمواقف اتخذها الكونغرس أو اتخذتها الحكومة الأميركية، لأنه أشار في خطابه الى مواقف حكومته وليس المجتمع الدولي. فحتى في لقائي معه ومع وزير خارجيته، كان التأكيد على أننا نريد من المجتمع الدولي أن يتعاون معنا وأن يطرح حلولاً، لا أن يدور في نقطة الادانات والاتهامات والضغوط. فقد حسمت الان الالية بقرار مجلس الأمن بتشكيل لجنة دولية للتحقيق، ونحن رحبنا بها وسنتعاون معها ونرجو من المجتمع الدولي أن يكون دوره ايجابي. كيف يمكن أن نعالج المشكلة وليس كيف يمكن أن نعمق المشكلة. * هذه اللجنة التابعة للأمم المتحدة ستحقق في ما اذا كان ما يجري في دارفور هو ابادة جماعية كما وصفته واشنطن. ما هي برأيكم الانعكاسات القانونية والسياسية على الخرطوم لو ثبت ذلك؟ ـ نحن لا نريد أن نستبق الأحداث. لو كان لدينا شيء نريد أن نخفيه لما فتحنا دارفور الان لحوالي الألف من أفراد المنظمات الطوعية. القرار 1556 الذي سبق ذلك، طالب بنشر مراقبين لحقوق الانسان، وهم موجودون منذ شهرين في كل مناطق دارفور. أكثر من عشرين وزيراً ومسؤولاً رفيعاً، بمن فيهم الأمين العام للأمم المتحدة، زاروا دارفور. فاذا كان لدينا ما نخفيه، لما فتحنا دارفور لهذا العدد الهائل من وسائل الاعلام والفضائيات، كل منها تتحدث كما تشاء وتقول ما تريده. وزير الخارجية الأميركي، كولن باول نفسه، عندما ذكر موضوع الابادة الجماعية، قال انه أرسل فريقاً الى اللاجئين في تشاد، وقام بالتحقيق مع ألف شخص من المتأثرين، وتوصل الى أن هناك ابادة جماعية. اذاً الحكومة ليس لديها ما تخفيه. الحكومة السودانية تريد أن يعرف المجتمع الدولي الحقيقية. * الانتقادات التي وجهت لحكومتكم جاءت أيضاً من منظمات حقوق الانسان، مثل منظمة العفو الدولية التي وجهت انتقاداً شديداً لكم في تقريرها الأخير. ـ لا بد أن نفهم الفرق ما بين أن تقول منظمة لحقوق الانسان ان مجموعات الجنجويد تهاجم المدنيين وبين أن تأتي منظمة معتبرة تقول ان الحكومة السودانية تهاجم المدنيين. ما الذي أطلق الجنجويد؟ التمرد هو الذي بدأ هذه العملية ودمر الأجهزة الأمنية حتى أنشأت ميليشيات قامت بكل هذه المشكلات. الحكومة الان تعالج مآسي سببتها حركة التمرد. وستحقق اللجنة في كل شيء، وفي من بدأ هذه الحرب. * هل تتوقعون أن تتعامل هذه اللجنة مع الوضع القائم في دارفور بموضوعية؟ ـ نحن نريد الموضوعية وهمنا أن تكون هذه اللجنة موضوعية. فنحن لا نريد أن نستبق الأمور بالرغم أن لدينا تجارب باللجان الدولية، مثل لجنة بتلر التي أرسلت الى العراق ولجنة ايكيوس قبلها. ونعلم أن تقارير كل هذه اللجان كانت تكتب في واشنطن. نحن نعرف مثل هذه اللجان التي تشكلت والتي كانت غير شفافة وغير نزيهة، لكن هذا هو الواقع. أمامنا الان قرار من مجلس الأمن، يعكس رغبة أعضائه في معرفة الحقيقة. وبالتالي سنتعاون مع هذه اللجنة على أساس كشف الحقيقة. * تقولون ان التمرد هو الذي أطلق ميليشيات الجنجويد، ولكن الا تتحملون جزءاً من المسؤولية في قيام هذه الميليشيات؟ ـ المتمردون هم الذين أطلقوا مجموعات الجنجويد لاستهداف الأجهزة والمؤسسات الأمنية. وبعد ذلك دمروا المؤسسات الأمنية وأجهزة الشرطة. وانطلقت مجموعات الجنجويد. وأطلق سراح من كان في السجون بواسطة المتمردين وبالتالي بدأوا عمليات السلب والنهب وغيرها. * وهل أنتم اليوم قادرون على ضبط ميليشيات الجنجويد أم أنهم باتوا خارج نطاق سيطرتكم؟ ـ نحن نفعل ما نستطيع، فقد وضعنا الان قوات شرطة ونزيد عدد قواتها حتى نستطيع أن نحافظ على الأمن. التقرير الذي رفعه برونك لمجلس الأمن يقول ان هناك تقدم في الأمن داخل المعسكرات. ونحن في حاجة الى زيادة الأمن خارج المعسكرات حتى نتمكن من الوصول الى حالة من الأمن. نحن نفعل ما نستطيع ونفتح الباب للآخرين الذين يريدون أن يساعدوا، فليتفضلوا ويساعدوا. * اذاً أنتم تعترفون بأنكم في وضع صعب وأنكم بحاجة الى المساعدة الخارجية.. لكن هل أنتم مستعدون للقبول بها؟ ـ نحن بحاجة اليها ومستعدون أن نتقبلها. * ما هو شكل المساعدة التي ستقبلون بها؟ ـ نحن نعالج في هذا الملف ثلاث قضايا، الأولى هي القضية الانسانية، وثانيا التدخل الأجنبي هنا في اطار تقديم المزيد من المساعدات الانسانية والطبية والتعليمية. والقضية الثانية هي المجال الأمني، ونحن رحبنا بمراقبين أفارقة موجودين حالياً وليست لدينا مشكلة في زيادة أعدادهم، وهناك مراقبون من منظمات حقوق الانسان موجودون وليست لدينا مشكلة أيضاً في زيادة أعدادهم. هناك لجنة دولية الان سيتم تشكيلها وسنقول لها مرحباً. * ولكن سيل الانتقادات الموجهة لكم لم تقتصر على الولايات المتحدة فقط. هناك دول افريقية وأوروبية تلقي عليكم باللائمة. فلماذا لا تطبق الحكومة السودانية كل ما طلب منها في مجلس الأمن لتفادي الضغوط الدولية؟ ـ هذا غير صحيح. ما الذي لم نطبقه؟ هناك لجنة شكلت بموجب قرار من الأمين العام للأمم المتحدة، يترأسها ممثل الأمين العام كوفي أنان وتضم سفراء الدول الغربية الموجودة في الخرطوم. وهناك أيضاً لجنة مقابلة لها من الحكومة السودانية يترأسها وزير الخارجية. اتفقنا أن تكون هذه اللجنة مصدر المعلومات وتتحقق منها وترفع تقريراً لمجلس الأمن. وقد ذكر برونك في تقريره للمجلس أن هناك عشر نقاط حققت فيها الحكومة السودانية تقدماً. ولا يمكن أن تنتهي بقية النقاط في شهر. * اذا ما استمر الوضع الحالي في دارفور الا يخشى أن تصل الأمور الى ما وصلت اليه في الصومال مثلاً؟ ـ لا، في المجال الانساني لا توجد حتى الان مجاعة في دارفو. ومن الناحية الطبية، لا توجد أمراض وبائية في دارفور. * ولكن هناك أعدادا كبيرة من اللاجئين الذين يذهبون ضحية الأوضاع الانسانية الصعبة للغاية. ـ نعم هناك لاجئون، ونحن الان نعالج الملف بثلاث خطوات. الخطوة الأولى هي الحفاظ على الأرواح لكي لا نفقد أرواحا بسبب الجوع أو المرض، أو بسبب العنف أو عدم الأمن. هذه المرحلة الأولى، أستطيع أن أقول اننا حققنا نجاحاً فيها ربما يزيد عن التسعين في المئة. المرحلة الثانية تتعلق بتطوير الحياة بالنسبة للاجئين والنازحين، بمعنى أن نزيد الأمن حتى يتسنى لهم امكانية الخروج من المعسكرات الى المزارع للزراعة والى المدارس للدراسة والى المستشفيات للعلاج. المرحلة الثالثة هي مرحلة عودة اللاجئين والنازحين واعادة بناء ما دمرته الحرب، ونحن نخطط لهذه المرحلة. اذا، نحن نتقدم الى الأمام ولا نعود الى الخلف. * هل يمكن لهذه الأزمة في دارفور والتي لا تبدو في طريقها الى حل سريع أن تجدد الصراع في الجنوب وأن تنعكس سلباً على اتفاق نيفاشا الأخير؟ ـ هذا يعتمد على الطرفين، على الحكومة وعلى الحركة، لكنني متفائل لأن هناك جلسة مباحثات ستنعقد على مستوى النائب الأول وزعيم حركة التمرد في 7 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل لتكملة ما تبقى من قضايا بالنسبة لمباحثات السلام في نيفاشا. قطعاً، مشاركة الحركة الشعبية في الحكومة وفق اتفاق نيفاشا سيساهم أيضاً في أن تمضي الأوضاع الى الأمام. * وهل أنتم راضون عن الدور الذي يلعبه جون قرنق في دارفور أم أنكم تعتبرونه دوراً سلبياً؟ ـ حتى الان هو لا يقوم بأي دور وان كانت التقارير تشير الى أنه متورط في دعم متمردي دارفور. لو اطلعنا على التقرير الذي أصدره الكونغرس الأميركي أخيراً، ورغم أنه متحامل على الحكومة السودانية، الا أنه أكد في موضوع جون قرنق أن الأخير يدعم حركة التمرد في دارفور. * وبالنسبة لمحادثات أبوجا التي علقت لبضع أسابيع بسبب الخلافات حول نزع الأسلحة من جميع الأطراف، هل ستضغط قرارات مجلس الأمن عليكم لحلحلة الوضع وربما تقديم بعض التنازلات؟ ـ لا، نحن سنكون مرنين ولكن لا يعني أننا سنقدم تنازلات لأي أحد. اذا كان الطرف الثاني مستعدا ومرنا للوصول الى حل، فسنصل الى حل. في تقديري أننا في نهاية المطاف لا بد أن نصل الى حل لأن المتأثرين بعدم الوصول الى حل هم مواطنو دارفور ويفترض أن يكون المتمردون أول من يشعر بذلك لأن هؤلاء هم أهلهم وبالتالي فعليهم أم يحسوا بمعاناتهم أكثر من أي جهة أخرى. * وهل هناك ضمانات قد تقدمونها لحركة العدل والمساواة من جهة وحركة التحرير الشعبي من جهة أخرى؟ ـ نحن نقدم رؤية للحلول، والضمانات تعطيها الجهة التي ترعى هذه المفاوضات ويعطيها الشعب السوداني. قدمنا رؤية متكاملة من توزيع عادل للثروة والسلطة. اتفقنا على الأجندة التي تشمل أربعة موضوعات، الأول هو الموضوع الانساني والثاني هو الموضوع الأمني ثم الموضوع السياسي والاقتصادي. وقد اتفقنا على الموضوع الانساني وقد بدأنا الان النقاش في الموضوع الأمني الذي لم يكتمل بعد. عندما نلتقي مرة أخرى في الشهر المقبل سنستأنف من النقطة التي توقفنا عندها. * اتهمتم الدكتور حسن الترابي بتأجيج الوضع في دارفور، كما اتهمتوه وقيادات حزبه المؤتمر الشعبي بالعمالة لاسرائيل. أليس من المبالغة توجيه هذه الاتهامات؟ ـ هذه مسألة تعتمد على القضاء ومن حق الأجهزة الأمنية أن تتعامل مع أي شكوك. فلا يمكن أن تتحول الى قضايا مسلم بها الا بعد التحقيق. الأجهزة الامنية تقول انها تسلمت مخابئ أسلحة وإنها أوقفت مخططاً للتخريب وان عدداً من قيادات المؤتمر اعترف بذلك، وبالتالي تصبح المسألة مرتبطة بالقضاء. والقضاء يحقق وسينتهي الأمر اما الى تجريمهم ومحاسبتهم أو ينتهي التحقيق الى تبرئتهم، كما حدث في السابق وعندئذ لا يقدمون للمحاكمة. * لكن هذه الاعتقالات في صفوف حزب المؤتمر الشعبي، ألا تدل على وجود شرخ كبير داخل السودان؟ ـ لا بد لأي نظام أن يكون له أعداء وأصدقاء وأي دولة فيها أجهزة أمنية وقضائية. ومهمة هذه الأجهزة هي تحقيق العدالة والحفاظ على الأمن. الان، تقوم الأجهزة الأمنية والقضائية بدورها وهذا أمر سيستمر. فهذه لن تكون أول محاولة أو آخر محاولة. * هل أنتم متفائلون من امكانية التغلب على هذه الأزمة الداخلية؟ ـ أنا أعتقد أن الرؤية متكاملة. نحن لدينا الان ثلاثة منابر نتفاوض حولها. هناك منبر نيفاشا حول مشكلة الشمال والجنوب. وهناك منبر أبوجا في نيجيريا لمعالجة مشكلة دارفور والمنبر الثالث في القاهرة مع التجمع الوطني الديمقراطي ومهمته معالجة المعارض الموجودة في اريتريا. بعد أن نصل الى اتفاق من خلال هذه المنابر الثلاثة سندعو الى مؤتمر قومي في الخرطوم سيضم المجموعات الثلاث الموجودة في الخارج بالاضافة الى المعارضة الداخلية التي قبلت بالحوار السلمي ونصل الى اجازة لهذه الاتفاقيات التي وقعناها ثم نضع ميثاقا للعمل السياسي ننتقل به الى المرحلة القادمة بالنسبة للحياة السياسية في السودان. وأنا متفائل من أنها ستكون مرحلة وفاق واتفاق، مرحلة تنمية وسلام ووئام.
اقرا اخر الاخبار السودانية على سودانيز اون لاين http://www.sudaneseonline.com