الخاتم عدلان للأضواء الجبهة الاسلامية اصبحت توائم تأكل بعضها البعض

سودانيز اون لاين
9/16 11:35pm
عمود الاستاذ الخاتم عدلان الاسبوعي انفاق و آفاق
عمود الاستاذ الخاتم عدلان الاسبوعي "انفاق و آفاق" في جريدة الاضواء

أنفاق..... وآفاق
الخاتم عدلان.
البديل الديمقراطي السلمي للإنقاذ (1)

من الصعب في خضم هذه الأحداث التي يمر بها السودان، أن يمد الإنسان بصره متاملا فيما يمكن أن تاتي به السنوات القادمة من فرص أو كوارث. ولكن وبرغم هذه الصعوبة والعسر، من المهم أن يمتد البصر للتفكير فيما يمكن أن تؤول إليه الأمور، لأنه بدون ذلك فإن النوازل الكبيرة ستتضخم أكثر بنقص الإستعداد لمواجهتها أو إنعدامه. ونسبة لأن النوازل الكبيرة هي المحصول الأساسي للإنقاذ، فإن مثل هذا التأمل، والتصرف على أساسه، يصبح أمرا يتعلق بوجود السودان وأهله.
ولا أعتقد أن هناك مهددا أكبر لبلادنا وأهلها، من إستمرار نظام الإنقاذ الحالي، بمقدرته الاسطورية على صناعة الكارثة. ونظرة إلى ما يحدث الآن في دارفور، وما كان يحدث قبله في الجنوب، تكفي تماما في إلقام المعارضين لهذا الحكم، حجارة لا تتسع لها أفواههم.
وأقول في ضوء هذه الملاحظة أن السنوات الثلاث او الأربع ، التالية للتوقيع على اتفاقيات نيفاشا، واللاحقة للوصول إلى حل جزئي يحقق السلام ويوقف الإبادة الجماعية في دارفور، ينبغي أن تكرس كلها، وكل لحظة من لحظاتها، لإعداد البديل الديمقراطي للإنقاذ، عن طريق النضال السلمي. وهذه مهمة شديدة العسر، لطبيعة الإنقاذ، وتجذرها السرطاني في مواضع القمع والأذى، ومواقع القوة والإستطاعة، ولأوضاع معارضيها، باستنامة الكثيرين منهم لمنطق العجز والفشل، وقلة العزم والعزيمة، ، ولحالة التشتت والذهول التي تعيش في ظلها أقسام كبيرة من شعب السودان.
نقول إعداد البديل الديمقراطي، لأن إتفاقات نيفاشا، التي يذمها الكثيرون لنقائص نتجت عن هوانهم هم في موازين القوى، فتحت المجال واسعا للتحول الديمقراطي في السودان، بدعوتها إلى إجراء إنتخابات عامة مراقبة دوليا، في منتصف الفترة الإنتقالية أو بعدها بقليل. وهي بذلك أوجدت مخرجا ممكنا للبلاد من أسوأ النظم في تاريخها القريب والبعيد، كما خلصت المعارضة الشمالية من حرج عظيم ترتب على رفعها في لحظة مميزة من لحظات إنتهازيتها الأصيلة لشعارات كانت أكبر، على الاقل بعشر مرات، من مقدرأتها، الفعلية أو المتوهمة.
إنتهت إذن فترة المواجهة المسلحة "لإستصال النظام من الجذور"، التي رفعتها المعارضة الشمالية منتصف التسعينات من القرن الماضي، خالطة بين المناورات السياسية العادية والخيارات الإستراتيجية. وهذا سيكون بمثابة التكذيب المسبق لأية محاولة من قبل السلطة لإلصاق مثل هذه التهمة بأي من تلك القوى التي وقعت على مواثيق أسمرا للقضايا المصيرية، ولا نستثني من ذلك بالطبع، الحركة الشعبية لتحرير السودان، التي تضعها أوضاعها وارتباطاتها فوق مستوى التآمر. ولكن المواجهات العسكرية مع الإنقاذ لن تنتهي غالبا. وما يحدث في دارفور شاهد صارخ على ما نقول. وإذا وضعنا في الإعتبار تصرفات السلطة إزاء تحركات دارفور المسلحة، ينتابنا إحساس قوى أنها تتمنى أن تختار القوى المعارضة لها هذا الطريق بدلا عن المواجهة السلمية. فقد اقبلت السلطة على أعمال الإبادة الجماعية والتطهير العرقي والتشريد والحرائق والإغتصابات، بدرجة من الحمية والحماس والجذرية، تجعلنا نعتقد أنها لم ترحب فقط بتطور الأحداث في ذلك الإتجاه بل دفعتها دفعا لهذه النهايات. ونسبة للدقة المتناهية التي تقيس بها السلطة موازين القوى، من مواقع عبادتها الطويلة المخلصة، التي تصل إلى مرحلة التبتل والخشوع، للقوة السافرة، في كل مظاهرها، وبكل أشكالها، فقد انتهزت الفرصة لتصفية حساباتها مع معارضيها في ذلك الجزء العزيز من الوطن، بهذه المواجهة الصاعقة.
ولكن مهما بلغت هذه المواجهات المسلحة، الإقليمية الطابع، من العنف والشراسة، فإنها لن تسقط السلطة في الخرطوم، وذلك لطبيعة الظروف التي أفرزتها والآفاق التي يتحرك فيها قادتها، وما تواجهه من ضعف شديد في البنية التحتية ونقص كبير في الجوانب اللوجستية، وذلك حتى إذا توفر لها دعم دولي، ومن عدم مبالاة لا يمكن التكهن بمداها متى ما أقتربت من الوسط والعاصمة. المواجهات الإقليمية المسلحة ستضعف السلطة دون شك، وستقوي من الإصطفاف الشعبي ضدها، ولكنها في نفس الوقت ستمكنها من تجريب آلتها القمعية في أوضاع متباينة، وتقويتها وتوسيعها بالمبالغة في تصوير الحجم الحقيقي لهذه الحركات، والتضخيم الكاذب لدور التدخل الأجنبي في أفعالها ونشاطها، وما يترتب على كل ذلك من مسوغات القمع والتضييق على الحريات والعمل السياسي، وإفساح المجال للديماغوجية السياسية وحملات التعبئة العسكرية خاصة للأقسام الرثة من المجتمع التي خلقتها هذه السلطة بكميات تجارية، كنقيض مباشر للثراء الفاحش لسادتها وانتهازييها وعملائها.
وإذا أكتفينا بهذه الملاحظات العابرة عن المعارضة الإقليمية باعتبارها مصدرا للمواجهات المسلحة، فإننا يجب أن نقول في نفس الوقت أن أحتمالات المواجهات المسلحة للسلطة، ستظل أمرا واردا ما بقي " قرينها" المسمى المؤتمر الشعبي. وطبيعة الصراع بينها وبين المؤتمر الشعبي لها خصوصيتها ومميزاتها : أنها ببساطة قصة موت معلن، يرشح لها توأمه كل من الشقيقين وهو يسعى دون هوادة لسحقه والحلول محله. والطبيعة الإستئصالية لهذا الصراع نابعة من وجود كينونتين متشابهتين في كل شيء، مع وجود فرصة واحدة للنجاة، ومقعد واحد في السفينة المنقذة من الطوفان الوشيك. الأيديولوجيا واحدة، البرنامج السياسي واحد، الشعارات والدعوات والتعاويذ هي ذاتها، والموقف العابد المتبتل للقوة في كل مظاهرها، متساو لديهما. وربما يشيرالتحليل السياسي والإجتماعي السليم، إلى ان الخيار الوحيد المفتوح أمامهما، والذي تكاد البداهة أن تمليه إملاء، هو أن يتحد الطرفان ضد الظروف القاهرة التي يواجهانها كلاهما، وضد القوى التي تتربص بهما معا. ولكن البداهة المرسلة والمنطق البسيط لا يصلحان في تقويم خيارات " الربانيين" الذين يرون ما لا يراه الناس، ويحكمون بما يتجاوز الفهوم القاصرة لغير ذوي الحظوة في الإطلاع على الغيب ومعرفة الطرق الخفية لمواجهة " الإبتلاءات."
عندما أحكمت حلقات الحصار الدولي والإقليمي، وسار التجمع الوطني في طريق إعداد قوات عسكرية لمواجهة النظام، كان في قلبها لواء السودان الجديد، الذي عمل على تحويل الشعارات إلى واقع، على عكس حلفائه من أهل الضغوط على الإنقاذ دون منازلتها، شعر الترابي، وهو الأكثر إهتماما بالإستراتيجية، والأرهف إحساسا بالمآلات النهائية، أنه لا يمكن إنقاذ نظامه إلا بذبح عظيم من بعض أبنائه الأكثر تلطخا بالدماء. وبدلا من إستشارة هؤلاء الابناء في ذبحهم، شأن الأنبياء، شرع في إجراءات الذبح بسرية كاملة، شأن المتآمرين. وبدلا من أن يذعن الأبناء لرؤية أبيهم، تغدوا به قبل أن يتعشى بهم. هذا شرخ لن يلتئم، وجرح لن يداوى، وكسر لا يجبره الدهر. فالمسلك نفسه يمثل منهجا قديما للدكتور حسن الترابي، ففي مسيرته المعوجة، الشديدة التعاريج، والمليئة بالكسب المشبوه، كان محتاجا في كل منعطف إلى ما تحتاجه الثعابين في كل عام من تغيير جلودها، بعد أن يكون الجلد القديم قد خدم أغراضه أ وضاق عن صاحبه أو هرأته السموم بنفثها المحموم. فعل الترابي ذلك بعد أكتوبر، فسمى تنظيمه جبهة الميثاق الإسلامي، بعد أن صار إسم الإخوان المسلمين مرادفا للتآمر والخيانة والعنف. ثم سماه الجبهة الإسلامية القومية بعد تعاونه المذموم مع النميري وتورطه في إغتيال الشهيد محمود محمد طه، ومشاركته في كل أعمال الدكتاتورية والقمع وتسويغه للطواريئ وسكوته عن نقل الفلاشا، واحتكاره من خلال البنوك الإسلامية لأقوات الشعب. ثم غير الإسم مرة ثالثة ليصبج المؤتمر الوطني بعد أن أستلم السلطة بليل، ذاهبا إلى الأسر ومرسلا البشير إلىالقصر، وتاركا المفاتيح كلها، في يد علي عثمان، من مال وأمن وقوات مسلحة وميليشيات شعبية. في كل هذه التقلبات لم يضطر الترابي إلى التضحية برجل واحد من رجاله. كان يكتفي بطي الرايات لان الشعب السوداني في تقديره لا يستحق أكثر من ذلك.
ولم تكن تلك المؤمرات تعود بخير كثير ورزق وفير، عليه وحده، بل كانت تعود بكل ذلك، وبكل وعود التمكين على حوارييه جميعا. وكان الحواريون يعجبون من المقدرات المعجزة لشيخهم العالم، في التخلص من المواقف الصعبة والإبتلاءات المرعبة. ولا بد أنهم انتبهوا في نفس الوقت إلى أن الشيخ لا يرده عن مطلوبه شيئ، ولا تثنيه عن غاياته عقبة، كما ولا بد أن يكونوا قد لاحظوا، وهم جميعا ذوو عيون مدربة على الملاحظة والرصد والبلاغ، أن أشلاء القيم العظيمة، مثل الصدق والإستقامة والوفاء والولاء والثقة والعرفان، دع عنك العدالة والمساواة والإيثار ونصرة الضعفاء، تلقى على الطريق دون شفقة ودون التفاته. ونسبة لأن الشيخ كان وقتها حريصا على الشورى فقد تورطوا جميعا بالموافقة على خططه ومنهجه. وجاءت السلطة لتجعل القلوب أكثر قسوة، والضمائر أكثر يأسا من الغفران، البشري أو الإلهي، والتضحية بالقيم العظيمة ممارسة يومية. ووقف الجميع في صف العراة عن الفضائل، بترتيب يراعي " كسبهم " من التآمر.
ولأن الذين ما زالوا يمسكون بأزمة السلطة يعلمون كل ذلك عن شيخهم، وعن أنفسهم، فهم يعتقدون أن كل خطوة يخطوها، حتى ولو كانت في أتجاه المصالحة، إنما تنم عن مؤامرة جديدة لم يستبينوا أبعادها بعد. وهكذا فإن تاريخ التآمر المديد ينتصب أمام أهل هذا التنظيم ليجعل كل عمل قائم على الثقة وحسن النوايا ضربا من الخيال المحض، والإستحالة الكلية.
لن يقبل الترابي أن يحتل موقعا أقل من مواقع أشخاص خلقهم بيديه، فهو يمكنه أن يتنازل عن الشريعة ولا يتنازل عن عبادة القوة والسلطان. ولن يرضى له أولئك الذين يمسكون بالسلطة حاليا، ولو كان قد صنعهم بيديه، أن يكون على رأسهم من جديد، لأنهم لا يأتمنونه حتى على رقابهم، دع عنك مواقعهم وامتيازاتهم.
ولم يبق إذن غير خيار واحد، هو خيار المنازلات الممتدة، حتى نهاية أحدهما أو كليهما. وفي هذاالإطار فإنهما، سيكونان مثل ديفيد لويد جورج، ا لذي قالت عنه مارغوت اسكويث، أنه لم يكن ير حزاما دون أن يضرب تحته، مع إختلاف أنواع " الضرب" بطبيعة الحال! ولن يتردد الترابي وحزبه في استخدام كل الوسائل المتاحة للعودة إلى السلطة. لن يكف عن ذلك لأن معناه الموت السياسي والمعنوي، وربما الجسدي كذلك. ولن يتأخر فيه، لأن بعد العهد بالسلطة سيحجب كثيرا من الفرص المواتية لضربها. ولكن الأمر الغالب أن مؤامرته كلها ستنكشف، وذلك وفق قانون التساوي في المكر. فمع أن المؤتمر الشعبي قد خلف وراءه بعض أخلص أتباعه المجهولين عندما غادر السلطة، فإن السلطة أيضا قد أرسلت بعض أخلص أعوانها للمؤتمر الشعبي. وهذا وضع يجعل الترابي على علم تام بما يدور في أروقة السلطة، كما يجعل السلطة على وعي تام بما يجري في أروقة المؤتمر الشعبي. وليس ثمة فرق هنا إلا في أن السلطة هي الأقدر على استثمار معرفتها عن الترابي وحزبه، من هذا الأخير. وهذا أحد المعاني لانقلاب السحر على الساحر. ستكون الضربات موجعة للطرفين، ولكنها تكاد أن تكون حتمية. ولن يأسف علىا لتآكل الذاتي للوحش الاسطوري المتعدد الأسماء والرؤوس، سوى الأغبياء او المنتفعون.
وتبقى مع ذلك الحقيقة الأهم بالنسبة للحركة الجماهيرية المعارضة: وهي أن السنوات الثلاث أو الأربع المقبلة يجب أن تكون هي سنوات الإعداد العسير والحاذق للبديل الديمقراطي للإنقاذ، عن طريق النضال السلمي الحازم والجسور. وهذا ما سنعالجه، دون إبطاء أو إطناب.
الخاتم عدلان

اقرا اخر الاخبار السودانية على سودانيز اون لاين http://www.sudaneseonline.com

الأخبار المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع


اخبار السودان بالانجليزى | اغانى سودانية | آراء حرة و مقالات | نادى القلم السودانى | المنبر الحر | دليل الخريجين | | مكتبة الراحل على المك | مواضيع توثيقية و متميزة | أرشيف المنبر الحر

الصفحة الرئيسية| دليل الاحباب |تعارف و زواج|سجل الزوار | اخبر صديقك | مواقع سودانية|آراء حرة و مقالات سودانية| مكتبة الراحل مصطفى سيد احمد

contact Bakri Abubakr
Copyright 2000-2004
Bayan IT Inc All rights reserved