السيناريو الكامل لإنقلاب المؤتمر الشعبي السوداني
تفاجأ سكان العاصمة السودانية الخرطوم بحواجز أمنية كثيفة إبتداء من مساء الثلاثاء الماضي وحملات دهم وتفتيش لبعض الأحياء الطرفية في بحري وأم درمان ، ولم يبدد حيرتهم إلا بيان سلطات الأمن الذي أذيع في وقت متأخر من الليل يعلن إحباط محاولة تخريبية واسعة كان يخطط لها حزب المؤتمر الشعبي ، وبعد يومين من حملات الإعتقال والدهم والتفتيش عقد اللواء محمد عطا نائب مدير الأمن والإستخبارات مؤتمرا صحفيا كال فيه الإتهامات لدولة أرتريا المجاورة بتهريب السلاح لعناصر المؤتمر الشعبي لتنفيذ مخططهم ، وتحت ضغط أسئلة الصحفيين عن التفاصيل كاد اللواء غير المتمرس وغير الخبير بالإعلام وطرقه ومواقفه أن ينهار، وبعد يومين ظهر اللواء عبدالرحيم محمد حسين وزير الداخلية أمام شاشة التلفزيون الحكومي في موقع من قرية الخليلة شمال الخرطوم وهو يتحدث إلى الكاميرا عن كشفهم لمكان السلاح الذي كان سيستخدم في المحاولة التخريبية.ثم تواتر ظهور اللواء حسين في مواقع متعددة ولا يزال يتبقى إثنا عشر مخبأ لم يكشف عنها بعد فما أصل الحكاية؟!!
مطلع الأسبوع الماضي سيطر الخبر الذي فجرته صحيفة الأضواء السودانية على صدر صفحتها الأولى صباح السبت الماضي عن المذكرة التي كانت مجموعة من قيادات حزب الحكومة وإسلاميين من خارجه ينوون رفعها لرئيس الجمهورية بشأن الأوضاع داخل الحزب والحكومة وطريقة إتخاذ القرار التي وصفوها بالعيب بسبب إحتكار مجموعة محددة لقنوات اإتخاذ القرار مما غيّب أجهزة الحكم والحزب وأثّر على القرارات والمعالجات بشأن قضايا عامة كقضية المفاوضات مع الحركة الشعبية، وقضية دارفور، وقضية التنافس السياسي ممثلة في التعامل غير القانوني مع المؤتمر الشعبي ،وظلت تداعيات المذكرة تتفاعل خاصة بعد بيان الدكتور غازي صلاح الدين مستشار السلام السابق المغتضب الذي نفى وجود المذكرة بما يشبه التأكيد على وجودها فصيغة البيان المغتضبة وشت بهدفه وهو إرضاء جهة في الحكم غاضبة، وكشفت الصيغة الوفاقية التي ظهر على إثرها البيان ، وطريقة النشر الحكومية لبيان غير حكومي من شخص لا يشغل منصبا رسميا، ومن ثم تجنيد الأقلام المعروفة لتناول البيان بالتحليل والبناء عليه ، «نشرت بعض الصحف أن مجموعة تقدمت بمذكرة إلى السيد رئيس الجمهورية حول الأوضاع الراهنة .وأكد لي عدد من الذين استفسرتهم، ممن وردت اسماؤهم في الخبر، أن الخبر غير صحيح وحيث ان اسمي قد ورد ايضا فاننى انفى الخبر، ان من حق الناس ان يناصحوا قادتهم بالصورة الصحيحة التي تقوي الجماعة وتحفظ وحدتها، لكن الخبر الوارد بعينه ليس صحيحاً، وما يبني عليه من استنتاجات وتحليلات ليس صحيحاً كذلك" فالملاحظ أن البيان لم ينفي وجود المذكرة واكتفى بنفي تقديمها للرئيس، بينما شددّ الدكتور غازي علي حق الناس في مناصحة قادتهم " بالطريقة الصحيحة" وقطعا فإن أحد أبطال مذكرة العشرة لايمكن أن يرى في المذكرات صورة غير صحيحة في المناصحة !!! ،كل ذلك مضافا إليه إصرار الدكتور الطيب زين العابدين على تأكيد وجود المذكرة في تصريحاته عقب صدور بيان الدكتور غازي لصحيفة البيان بتاريخ 7/8/2004 والتي أعاد فيها التأكيد على وجود المذكرة التي وقع عليها أكثر من 250 من قيادات إسلاميين وأكد أن هذا قبل خروجه من السودان قبل أسبوعين من تاريخ تفجير خبر المذكرة.
كل ذلك جعل المسألة تستحوذ على إهتمام الرأي العام تماما وتلفته عن محنة دارفور، أو لعل الصحيح أن هول المحنة هو الذي عجّل تحرك جماعة المذكرة ، ووهو أيضا الذي جعل الرأي العام يصبو إلي تحركها، فالإحتقان الذي تعيشه البلاد ينذر بخطر مستطير ويجعل كل تحرك محل تقدير شعبي كبير، وكذا هي عادة الثورات تعطي الفرصة تلو الآخرى لتنفيس إحتقانها فإذا إستيأس المصلحون جاء دور الغاضبين لينفسوا عن غضبهم ربما بصورة هوجاء.
المهم أن بيان سلطات الأمن جاء في هذا الظرف ليقطع الطريق على جماعة المذكرة
ويدير إهتمام الرأي العام إلى قضية أخرى لبعض الوقت ، وهو الوقت المطلوب لتتفرغ الجماعة القابضة على عنق فتيل الإحتقان والتي إستهدفتها المذكرة ، لجماعة المذكرة تشتت شملها بين السفارات والملحقيات الإعلامية بالخارج ومجالس الأمناء والإدارات لمؤسسات وهمية وكثيرين من المقريبن من السلطة يقولون أن الهدف الأساسي يشمل تخويف المجموعة وخلق جو من التعبئة تستحيل معه مناقشة قضايا داخلية للحزب والحكومة على طريقة المثل السوداني "الناس في شنو والحسانية في شنو". وفي ذات الوقت يقول مقربون من السلطة أن مجموعة الإحتقان هذه قد إعتمدت منهج إبقاء الرئيس منشغلا دائما وعزله تماما عن ما يجري حوله وعدم السماح لأي من الإسلاميين المغضوب عليهم بالإقتراب من السيد الرئيس وذلك ما يفسر الإجراءات المشددة وزيادة عدد الحراسات بل وإعادة المدرعات لوحدات حراسة منزل الرئيس، والحديث عن أن من بين تفاصيل مخطط الشعبي إختطاف قيادات!!.
وإتساقا مع حديث أحد قيادات المؤتمر الوطني لقناة فضائية عن أن بيان السلطات الأمنية لا يعدو أن يكون تصفية حسابات فقد أفادت مصادر مطلعة أن تولي اللواء محمد عطا كِبر الحملة على الشعبي يأتي في إطار متطلبات ترفيعه إلى مدير لجهاز الأمن، بإثبات الجدارة وسط همس عالي في قطاعات الأمن بعدم رضاء اللواء صلاح عبدالله "قوش" عن الطريقة التي أعادت معظم المعتقلين الذين سعى إلى إطلاق سراحهم قبل أقل من شهر إلى المعتقل بل وإعادة التوتر بين الأجهزة الأمنية والشعبي إلى المربع الأول ، وهو الأمر الذي سعى اللواء قوش إلى معالجته عقب توليه إدارة جهاز الأمن والمخابرات، ويعتقد اللواء قوش أنه نجح بدرجة كبيرة في إيجاد أرضية للتفاهم بينه على الأقل وبين قيادات المؤتمر الشعبي الذين ترددوا على المعتقلات، وكان اللواء قوش يرى أن ثمة جهة في الحكومة تدفع بالمواجهة بينها والشعبي إلى حافتها إيمانا منها بأنها قادرة على إنهاء المواجهة لصالحها وأن هذه الطريقة الوحيدة لتأمن خطر الشعبي، غير أن اللواء بما يتوفر له من معلومات وعلاقات سابقة بكوادر الشعبي يرى غير ذلك ويعتقد أن الشعبي لو أراد المواجهة العاجلة وسعى لها منذ البداية لكان حسم الصراع لصالحه، بل يقول مقربون من مدير الأمن أنه تتوافر له معلومات أكيدة أن قيادات وسيطة في الشعبي أبطلت لأكثر من مرة مفعول تفلتات لبعض عضويتها المحتقنة بالضغائن الشخصية نتيجة المعاملة السيئة في المعتقلات، ويصرّ اللواء قوش على أن الأمن لم يكن على علم بتحركات هولاء الأفراد إلا بعد إبطال مفعول غضبهم بواسطة قياداتهم،وهو الأمر الذي جعل اللواء يجتهد في فتح قنوات شخصية ومباشرة مع عدد من الذين حمل عليهم لأول الأزمة،ومعظم هولاء أعيدوا الآن للمعتقل بما رجّح لدى اللواء قوش أن ذات الجهات القديمة تسعى إلى تغييب هولاء وجرجرة آخرين إلى مواجهة غير متكافئة تنهيها لصالحها غير عابئة بما سيترتب على ذلك، من جهة آخرى تتهم مصادر الأمن مجموعة من ضباط الأمن الخارجي سابقا بإستغلال اللواء عطا في معركتها ضد اللواء قوش الذي نجح في إقناع الرئيس بأن يضم الأمن كله تحت قيادته منهيا بذلك أحلامهم في وراثة مدير الأمن الخارجي السابق اللواء الضعيف عبدالكريم عبدالله. وتتهم جماعة من ضباط الأمن الخارجي سابقا بقيادة حسب الله اللواء قوش بالغباء وعدم المقدرة على تحديث جهاز الأمن والمخابرات ليكون الحاكم الفعلي للسودان، ويستشهدون بأن اللواء قوش هو رجل عمليات فقط ويطلقون عليه رجل " المهام القذرة" ،وأنه محلي جدا بينما يتباهون بعلاقاتهم الجيدة بالإستخبارات الأمريكية والتي نمت خلال الفترة الماضية، من جهته يتهم اللواء قوش المجموعة بالعمالة للإستخبارات الأمريكية وبأنهم يبيعونها معلومات وهمية عن الحركات الإسلامية لحسابهم الخاص دون الإهتمام لما يترتب على ذلك من ضغوط أمريكية لطلب المزيد، وكان اللواء قوش قد إستطاع إقناع الرئيس بأن هذه المجموعة تعمل لحسابها الخاص ويستغلون مواقعهم في الأمن في ذلك وإستطاع إبطال صفقة لتسليم عرب وإسلاميين للمخابرات الأمريكية كانت تحتجزهم هذه المجموعة بحجة أنهم إرهابيين، بينما هم في الحقيقة طلاب وأساتذة علم في الجامعات السودانية.
وسط هذه الأوضاع المتردية داخليا أعاد النائب الأول تكوين غرفة العمليات التي ظل يشرف عليها وجعل على رأس مهامها القضاء على المؤتمر الشعبي ، وظلت الغرفة التي تتكون من:
1 - علي عثمان محمد طه النائب الأول لرئيس الجمهورية
2 - الدكتور عوض أحمد الجاز المسئول العسكري للنائب الأول2
3 - علي أحمد كرتي منسق الأجهزة العسكرية
4-الدكتور نافع علي نافع منسق الأجهزة الأمنية
5-أسامة عبدالله محمد الحسن منسق قطاعات الطلاب والشباب
6-أحمد هارون وزير الدولة بالداخلية ومنسق أجهزة الشرطة
7-اللواء محمد عطا نائب مدير الأمن والمخابرات
8- اللواء عوض بن عوف مدير الإستخبارات العسكرية
9-اللواء محمد نجيب الطيب من الشرطة
في حالة إنعقاد مستمر بمركز دراسات المستقبل بالخرطوم شرق ، وعنها صدرت بيانات الأجهزة الأمنية وسناريو مسرحية السلاح في الخليلة واللاماب ويشتمل السيناريو الفطير على وجود 15 مخبأ للسلاح ستتواتر أنباء الكشف عنها والمقصود هو شغل الرأي العام بأخبار الكشف عن المخابئ التي هي في حقيقة الأمر سلاح جهاز الطوارئ سابقا والذي كان يتكون من عناصر امنية وعسكرية وشبه عسكرية وقد تسلم عبدالرحيم محمد حسين واللواء أحمد العاص مهام هذا الجهاز منذ تصدع المؤتمرين، وكان بعض الإخوة في قيادة هذا الجهاز والذين إختاروا الإنضمام للمؤتمر الشعبي قد إستشاروا قيادة المؤتمر الشعبي حول تسليم السلاح أو الإحتفاظ به فتم توجيههم بتسليمه فورا الأمر الذي تمّ في حينه ، والغريب أن عدد من هولاء الإخوة تم إعتقالهم بعد ذلك مباشرة بحجة أنهم لا يمكن أن يسلموا كل هذا السلاح إلا إذا كان لديهم بدائل أخرى أفضل منه، ولما تأكدت السلطات الأمنية من عدم إحتفاظهم بأي سلاح أطلق سراحهم. وكان من سذاجة السيناريو وعجلته إختيار قرية الخليلة الآمنة التي يعلم جميع سكانها بوجود قاعدة أمنية كبيرة كان مركزها المزرعة المصادرة من عائلة المهدي وتشتمل القاعدة على محطة إذاعية بديلة ومحطة أرضية للتشويش والتنصت على الإتصالات بما في ذلك الإتصالات الدبلوماسية المشفّرة ، ووجود هذه القاعدة في هذه القرية الصغيرة يجعل الوجود الأمني فيها كثيفا وظاهرا بما يجعلها أبعد الأماكن مناسبة لتخزين سلاح بالحجم الذي تظهره سذاجة عبدالرحيم محمد حسين ، وعن هذا اللواء الهمام وذكائه الخارق قصة أرجو أن يسمح لي القارئ العزيز بسردها رغم أنها ستخرجنا من السياق،ولكن لا مناص، فخلال الفترة ما قبل إنقلاب الإنقاذ توالى على سعادة اللواء مشرفين عددا ممن كان يرمز لهم بالسوّاقين ، وهولاء كانت مهمتهم وصل العضوية العسكرية المنظمة بالتنظيم، وبعد إنقلاب الإنقاذ وإبتداء صعود نجم سعادة اللواء فجاءة دون سابق تخطيط، بادر أحد مشرفيه السابقين إلى تحذير قيادة الحركة الإسلامية من أن سعادة اللواء لا يملك من المؤهلات ما يجعله يصعد هكذا فجاءة ، ولم يكن حينها قد صعد غير درج أمين أي مقرر مجلس قيادة الثورة، ولكن هذا الأخ كان يرى ذلك مقاما كبيرا على سعادة اللواء ، وبلغ به الأمر أن يحتدّ في لغته مع أحد القيادات ويهدد بأن يلتزم داره وعمله المهني ويعتزل الحركة الإسلامية إذا أصرّت قيادة الحركة على ترفيع سعادة اللواء وهو ما حدث، أعني ترفيع اللواء وإعتزال الأخ!!!!
المهم أن غرفة النائب الأول مارست على أجهزة الأمن وأفراده ضغوطا شديدة وإبتزازا مكشوفا بهدف حملها على شن حملة أسمتها حملة إستئصال الشعبي ورفعت السقف لضباط الأمن بإستخدام كل الوسائل في ذلك، مما أوقع ضغطا نفسيا هائلا على ضباط وجنود الأمن الذين كانوا يتذرعون بأن أيديهم مغلولة فأُطلقت هذه المرة في إمتحان عسير لمقدراتهم المتواضعة، وهكذا مثلما حدث في حادثة إغتيال الشهيد المهندس علي البشير والشهيد محمداحمد أبوريش في العام 2001 فقد إنطلق ضباط الأمن المعروفين بإصطيادهم جوائز الرضى والتملق :
أمين الزاكي
فتح الرحمن إبراهيم
إسماعيل الناير
عبدالغفار الشريف
عبدالحفيظ أحمد البشير
يتبارون في سباق إنتزاع المعلومات من كوادر المؤتمر الشعبي، ولأن هولاء جميعا عملوا لفترات في أمن الطلاب فقد بدأوا بناشطي الشعبي من الطلاب المعتقلين وأبرحوهم ضربا وتعذيبا مما نتج عنه إستشهاد الأخ شمس الدين إدريس مسئول الطلاب بمحافظة أم بدة والذي أعتقل يوم الجمعة 10/9/2004 عقب الصلاة ولم يمضي عليه الليل حتى قضى نحبه بين أيادي جلاديه الذين لم يملكوا الجرأة لنقل الخبر إلى أسرته المكلومة وأوكلوا المهمة لقوات الشرطة بالمحافظة تتولي عنهم مهمة غسل الغسيل القذر، حيث ذهبت قوة من الشرطة إلى منزل الشهيد وأجبرت والده على إستلام حثمان إبنه الذي لم يكن مضى على إختفائه 24ساعة ليعود إلى أسرته جثة، ولم ينس ضابط الشرطة أن يحذر الوالد المكلوم من مغبة السماح للمؤتمر الشعبي بإستغلال موت وفاة إبنه التي حدثت قضاءا وقدرا نتيجه نهمه في تناول أصناف الطعام الطيب في ضيافة الأجهزة الأمنية فجر السبت 11/9 !!!!! ولكن الوالد وهو يجهز جثمان إبنه للدفن إكتشف نزيفا بالرأس مما دعاه وجمع من إخوان الشهيد إلى البحث والتنقيب وراء السبب الحقيقي ليأتي تفرير الطبيب الشرعي أن الوفاة نتيجة " الرضّ في الدماغ والكدمات المتعددة في الكتف الأيسر والساقين والظهر" كما هو ظاهر في شهادة الوفاة بالرقم المسلسل 026249 وعندها جنّ جنون القتلة فحاولوا منع العزاء بتطويق الحارة والبحث عن كل ناشطي المؤتمر الشعبي بها والذين يمكن أن يحركوا الأحداث ويقيموا سرادق العزاء . وفي جانب آخر كان الأخ ناجي عبدالله المعتقل منذ مساء الثلاثاء 7/9/2004 يتعرض للتعذيب المنظم مما تسبب في دخوله المستشفى للمرة الثانية فقد سبق لهم كسر أضلعه تحت الضرب ، كذلك أدخل الأخ ياسر موسى من أمانة الطلاب غرفة العناية المركزة بعد أن فقد وعيه تحت وطأة التعذيب . والطريقة كلها تشي بالإستعجال فالغرفة تريد أدلة على روايتها الساذجة التي أطلقتها حول مخابئ السلاح سالفة الذكر وأقوى الأدلة ما كان إعترافا من بعض الضالعين ولأنها تعلم علم اليقين أنه ما من أحد من كوادر الشعبي المعتقلين يمكن أن يقبل أن يكون شاهد ملك على إخوانه فقد إتجهت مباشرة إلى التعذيب الشديد أملا في إنهيار ولو واحد منهم، ولكن إلتف الحبل حول عنق الجلاد بإرادة الإخوة المعتقلين وعزيمتهم وبمشيئة المولي الذي يسوق الفرعون خلف موسى إلى أعماق البحر المنفلق كالطود فيهلك ، وها نحن على أعتاب المشهد ذاته والبعض ينادي إنا لمدركون والذي لديه علم من كتاب الحق وفقه السياسة وبصيرة المؤمن يطمئن كلا إن معي ربي سيهدين.
لقد كانت الغرفة طوال الأسبوع الذي سبق تبحث عن بعض من يمكنها شراء ذممهم من المؤتمر الشعبي ليعلنوا إنسلاخهم عن الشعبي بعد إعلانها عن كشف المخطط المزعوم مباشرة، ولما لم تجد إتصلت ببعض الإخوة من ولاية شمال كردفان والذين كانوا قد إنسلخوا من الشعبي في أوقات سابقة أو جمدوا نشاطهم ، ولكنها لم تجد منهم سوى الصدّ والإستنكار فهم خرجوا منذ وقت سابق وجميع أهلهم ومعارفهم يعلمون بذلك وفيهم من إنضم إلى بعض مؤسسات الحكومة وفيهم من يساهم حسب فهمه هو في حلحلة المشاكل التي تواجه البلاد، ولم يكن من بين أسباب إنسلاخهم مخطط غرفة علي عثمان.
لقد أعلنت قيادة المؤتمر الشعبي في كل المناسبات أن هدفها هو إسقاط هذه الحكومة بثورة شعبية تقتلع جذور المجموعة المتآمرة، ولم يكن إختيار إختيار نهج الثورة ضربا من الخبط العشوائي بل إيمان بنضوج الوعي لدى عامة الشعب ونضوج التجربة للأحزاب والقوى السياسية التي تكاد تجمع على نظام حكم إتحادي يرد لأطراف البلاد حقها في السلطة والثورة، ونهج ديمقراطي يتيح التداول الحر للسلطة في جو من الحريات الأساسية، والجماعة الوحيدة التي لم يكتمل نضجها السياسي بعد هي مجموعة الحكم الغارقة في الفساد السياسي والمالي حتى أذنيها، لذلك لا يصلها صوت الهدير الذي يعلو كل يوم، ولا تزال في مربع نحن الدولة ومن يهدد وجودنا في الكراسي فإنه يهدد بزوال الدولة .
وبدلا من تحقيق أهدافها السابقة وجدت غرفة نائب الرئيس نفسها في أزمة جديدة فقامت بترحيل الشيخ حسن الترابي إلى سجن كوبر ،ثم إستدعت الأستاذ عبدالله حسن أحمد نائب الأمين العام للمؤتمر الشعبي لتبلغه نهديدات شديدة اللهجة ثم تشن حملة إعتقالات واسعة شملت جميع أعضاء الأمانة العامة والهيئة القيادية وكل من تأنس فيه خطرا ، في هذا الوقت كان السيد النائب قد أُضطر إلى أن يقود بنفسه مؤتمرا صحفيا لم يزد حملته إلا خسارا ، ولهذا نعود إن شاء الله ، وهكذا ينقلب السحر على الساحر وتجد المجموعة نفسها في مواجهة شاملة حتى مع غالب أعضاء حزبها الذين وضعتهم بتصرفها هذا في إمتحان مصداقية عسير، فالذين كانوا يتحدثون عن المعاملة القاسية غير القانونية ولا الأخلاقية قبل أسبوع واحد وجدوا أنفسهم أمام جرائم قتل مع سبق الإصرار والترصد، القاتل فيها يهرف بما لايسمع وأنيابه تقطر دما، وكنت قد كتبت بعد مذكرة ال250 مباشرة محذرا أن منهج الإصلاح يقتضي الإستعداد لمواجهة الباغي !!!
صديق مجمد عثمان - لندن