بعد أكثر من أسبوعين من إنتهاء جولة المفاوضات الأولى التي إنتهت في (أبوجا- نيجيريا) في السابع عشر من سبتمبر 2004 دون أن تحقق الأهداف المرجّوة في مسائل الترتيبات الأمنية المتعلقة بتحسين الأوضاع الإنسانية ورغم المحاولات العديدة التي بذلتها الحركة إلى جانب حركة العدل والمساواة ، إلا أن مواقف الحكومة المتصلّبة أبت إلا أن تقود الجوله إلى طريق مسدود وأكدت بذلك موقفها العدائي الدائم لشعب دارفور وإصرارها على المضي في مخططها القائم على مبدأ الإبادة واالتشريد .
الآن وقد تقدمت مفوّضة الأمم المتحدة، السيدة ( لويز أريور) بتقريرها الذي جاء متمثلاً في شكل مرآة حقيقية تعكس تدهور الأوضاع الإنسانية والأمنية ، لتؤكد عجز الحكومة ، بل وإصرارها على عدم الإيفاء بإلتزاماتها التي وقّعّتها مع المجتمع الدولي في تحد سافر لكل المثل والقيم الإنسانية ، وإستهتار بعقلية المواطن السوداني وإهدار لإمكاناته وتوجيه خاطيء لمقدراته. في الوقت الذي ينبغي فيه أن تتعامل الحكومة مع الإمور ببصيرة العقلاء إن كان أمر المواطن والوطن يأخذان حيّزاً من تفكيرها .
إن إستمرار تدهور أحوال النازحين واللاجئين وإزدياد أعدادهم وإصرار الحكومة على نهجها في التفريخ المخطط للقرى والهجر وحملات الإبادة وخرقها الدائم لوقف إطلاق النار الموقّع في الثامن من أبريل في أنجمينا ، وآخرها هجومها الذي تم على مواقع الحركة في منطقة مستري في جنوب غرب الجنينه بتاريخ الأول من أكتوبر 2004 ، ليؤكد إصرارها على التمسك بمفهومها القاصر للأزمة وحصرها لأبعادها في الإطار الأمني الضيق ، ومحاولة منها لذر الرماد على العيون لإخفاء إخفاقها في إدارة البلاد بعد أكثر من عقد ونصف . وكان الأحرى إعترافها بفشلها بدلاً من تبديد إمكانات البلاد في تأجيج بؤرالمحارق في طول البلاد وعرضها ، والإستئساد على المواطنين العزل في قراهم. تلك الإمكانات التي كانت كافية لإمتصاص الأزمة في مرحلة سابقة من مراحلها. رغم كل هذا نحسب أنه آن الاوان أن تسرع في فهم رسالة المجتمع الدولي بأحرفها الأولى. ولن تتأتى لها فرصة أخرى لا سيما بعد أن تعامت وتغابت عن فهم رسالة مواطنيها .
من ناحية أخرى فإنه رغم مراوغات الحكومة وغيها تؤكد الحركة ثباتها على نهجها القائم على ضرورة تحقيق الأهداف التي أعلنتها والقاضية بتحقيق طموحات مواطن درافور بالعيش الكريم عبر المشاركة في السلطة والثروة في إطار السودان الواحد القائم على تجيير التنوع الإثني لصالح الوحدة الوطنية في مناخ يتمتع فيه الجميع بحقوق وواجبات متساوية ويساهم في إسقاط الأجندة البغيضة التي تعتمدها الحكومة بسعيها لإحتكار السلطة والثروة من خلال حملات إبادة تنفذها في دارفورتحت خطاب مهددات العروبة مستغلة إستجابة شريحة ساذجة من مواطني دارفور من بعض البطون العربية التي إنطلت عليها اللعبة في مخطط يستهدف الإبادة على مرحلتين . من هنا فنحن ننبه تلك الشريحة بأن تنظر للإمور من خلال منظار العقلانية والتبصّر. وإلا فإن الحكومة قد وضعتها على لائحتها للإبادة في المرحلة الثانية تماماً كما هو حال الذين يتعرضون للإبادة الآن في المرحلة الأولى. إذاً من هنا ندعوها حتى تلحق بقطارالذين تبين لهم المخطط بكل أبعاده. هذه حكومه شوّهت قيم التعايش الإثني للمجتمع السوداني . وحوّلت كل الشعب إلى قطيع من الدهماء مسلوب الإرادة ، شعب صودرت حريته، فقد على إثرها كل مقومات الإبداع. وبالتالي فهو شعب مستعبد .
لقد درج مسئولوا الحكومة السودانية على إطلاق تصريحات متناقضة في شتى القضايا. وهو نهج يوضح بجلاء مدى التخبط والعشوائية التي يديرون بها البلاد ، ويتعاملون بها مع شتى القضايا. إن أقرب أمثلة يمكن أن نقدمها كدليل لذلك ، هو التصريحات التي أطلقها وزير الخارجية عقب تقرير مفوّضة الأمم المتحدة عن دارفور، حين قال بأن الحكومة ستمنح دارفور حكماً ذاتياً بينما تبع ذلك نفي من مصدر حكومي آخر، ثم جاءت تصريحات رئيس الحكومة في لقاءآته مع إتحاد المرأة ، والرئيس الإيراني وإفتتاح دورة المجلس الوطني ، حيث قال بأن التفاوض للحل السياسي حول قضية دارفور سيستمر . بينما تبع ذلك تصريح من مجذوب الخليفه رئيس وفد الحكومة لمفاوضات أبوجا قائلاً أن المتمردين في دارفور لن يحصلوا على تنازلات كما حصل عليها المتمردون في الجنوب، وأضاف أيضاً بأنه ليست هناك نية في منح دارفور حكماً ذاتياً، وأنه على الأرجح سيكون هناك صندوق لتنمية دارفور، وأن الحكومة تفاوض المتمردين في القضايا الإنسانية فحسب . هذا التناقض يبين بجلاء كيف أن كل وزيرومسئول في الحكومة يقيّم وضعه على أنه على قدرة بنسخ تصريح الآخر حتى لو كان هذا الآخر هو رئيس الجمهورية .
أننا في حركة تحرير السودان نود أن نوضح الآتي :
• أن الحكومة لا تملك أن تحدد لأهل دارفور ما يريدونه .
• أننا عندما آلينا على أنفسنا التصدي لحملة الإبادة وطمس الحقائق والتي تنفذها الحكومة في دارفور ، لم نتصدى لمكاسب ذاتيه ، وأن مجذوب الخليفة لا يملك حتى يعطي .
• أن الإتفاقات التي سيتم التوصل إليها من خلال المفاوضات ليست تنازلات يمنحها مجذوب الخليفة أو غيره ، بقدرما هي حقوق أهل دارفور الذين يمثلون رقماً لا يمكن تجاوزه في أي معادله في السودان وأن الحقوق إنما تنتزع.
• أن تصريحات مجذوب الخليفة بأن الحكومة تفاوض فقط في القضايا الإنسانية إنما يود أن يؤكد ما نذهب إليه دائماً بأن الحكومة لا تحترم إتفاقياتها ولا مواثيقها ولا إلتزاماتها ، فهي تخرق وقف إطلاق النار بإستمرار، وهي نقضت كل إتفاقياتها التي وقعتها مع فصائل الحركات الجنوبيه في السابق ، وها هو رئيس وفدهااليوم ينقض الأجندة التي تم الإتفاق حولها في الجولة الاولى في أبوجا، ولا نستبعد أن يأتي في أبوجا وينقض البروتوكول الإنساني الذي تم الإتفاق حوله ، هذه حكومة لا تستحي ، والمثل يقول إن لم تستح فأفعل ما شئت .
من ناحية أخرى، ونحن إذ نؤمن بأن مبدأ التفاوض مظلة أساسية للحل السياسي الشامل ، نؤكد أيضاً بأن الإنحراف الدائم في فهم الحكومة للقضية ، لا يقود إلا إلى المزيد من ثباتنا على مبادئنا، وأن تمسكنا بالخيارالعسكري كخيار رديف ، سيظل باقياً لأنه سيبقى اللحن الأكثر طرباً للحكومة .
مني أركو مناوي
الأمين العام لحركة جيش تحرير السودان
5/10/2004 م