وأطلقت منظمة "اللجنة الدولية للانقاذ" الأميركية, في احتفال رسمي مساء أول من أمس في أسمرا, مشروع كتابة لغة "البداويت" التي يعود تاريخ ظهورها الى أربعة آلاف سنة, بإصدار خمسة كتب بهذه اللغة وإعلان بدء تعليمها في 19 مدرسة في شرق السودان ابتداء من الشهر المقبل.
ويتحدث لغة "البداويت" التي لم تكتب رسمياً نحو 2.5 مليون نسمة من قبائل البجا في شرق السودان وغرب اريتريا وجنوب مصر. ومن أبرز قبائل البجا الهدندوة والحلنقة والأمرأر والبشاريين والأشراف.
وكانت مجموعة من الأكاديميين والدارسين والمعلمين واللغويين عملت طوال عامين على جمع تراث البجا الأدبي واختيار عدد من القصص والأشعار وكتابتها بالحروف اللاتينية. وجرت محاولة سابقة قامت بها في القاهرة مجموعة من السودانيين لكتابة هذه اللغة بالأحرف العربية.
وأصدرت المنظمة الأميركية بياناً ذكرت فيه أن "أسمرا تشهد صناعة التاريخ". واعتبرت المشروع المثير للجدل "تلبية لحاجة الناس وحقوقهم في تلقي تعليمهم الأساسي بلغة الأم".
وأثار المشروع تساؤلات عن اهدافه ومدى ارتباطه بمواجهة اللغة العربية وسياسات الحكومة السودانية التي فرضت التعريب في كل المراحل التعليمية, بما فيها الجامعات والمعاهد العليا. إلا أن المنظمة الأميركية رفضت الحديث عن وجود أي اتجاه سياسي وراء المشروع.
ويرى معنيون أن المشروع يمثل بداية مرحلة جديدة في السودان من الصراعات الثقافية والحضارية بين المركز في الوسط والشمال النيلي, والهامش في الأطراف المختلفة في الشرق والجنوب والغرب وكردفان والنيل الأزرق. ويشجع المشروع أكثر من مئة كيان ثقافي سوداني لاحياء اللغات والثقافات خصوصاً أن اتفاق قسمة السلطة بين الحكومة و"الحركة الشعبية" نص على حق الأقاليم المختلفة في اختيار أي لغة محلية إلى جانب العربية والانكليزية لتصبح لغة التعليم والتخاطب الرسمي في الدواوين الحكومية.
ويتوقع أن تواجه الخرطوم المشروع بشراسة, في وقت ترتفع فيه أصوات القوميات "المهمشة" للمطالبة بحقوقها ومساواتها مع أهل المركز في السلطة والثروة. واستخدمت تلك القوميات السلاح في صراعها, إلا أن المشروع الجديد يدشن مرحلة جديدة من الصراع في السودان المتعدد الثقافات والأديان.