دارفور وأزمة الحكم في السودان

سودانيز اون لاين
10/24 3:06am



تطورت الأحداث في دارفور‏,‏ من مشكلة داخلية أساسها التهميش وطبيعة التركيب الاجتماعي والتكوين البيئي إلي أزمة دولية تهدد السلم والأمن في المنطقة‏,‏ وذلك حسب توصيف مجلس الأمن لها‏,‏ حيث عالجها في إطار الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة‏,‏ ومن ثم أضحي ملف دارفور من أهم ملفات الأمم المتحدة‏,‏ يصدر فيها مجلس الأمن القرار تلو الآخر‏.‏
هذا التصعيد الدولي السريع‏,‏ يقابله تصعيد مشابه في الداخل‏,‏ شمل المعارضة السودانية بأطيافها المختلفة‏,‏ كما ارتفعت نبرته حتي وصلت إلي حد التهديد بثورة شاملة‏,‏ تسقط النظام وتؤمن الطريق لحكومة قومية تنفذ مشروع السلام في البلاد‏.‏

وبين هذا‏.‏ وذاك‏,‏ انقسمت الحكومة السودانية إلي ثلاثة اتجاهات أحدها قابض علي السلطة ومؤمن بمنطق القوة والمناورة معا حتي النهاية‏,‏ والثاني بات مقتنعا بأن المخرج الوحيد للأزمة هو تمتين الجبهة الداخلية وذلك بتوسيع المشاركة السياسية‏,‏ والثالث دائما متعجل يؤسس مواقفه علي المكاسب الوقتية‏,‏ ويري مصلحته في الاستعداد للمرحلة القادمة بأن يفكك علنا الخيوط التي تربطة بالنظام‏.‏
أدي هذا الواقع الخطير إلي ردود أفعال من جانب الحكومة السودانية‏,‏ تمثلت في تحركات سياسية‏,‏ وأمنية واسعة علي الصعيدين الداخلي والدولي‏,‏ أحيانا متناقضة ومرات كثيرة متراجعة‏,‏ ولكنها في الحالتين تجاهد لتحسين الأوضاع والاستمرار في الحكم‏.‏ ويتناول هذا المقال ثلاثة محاور الحكومة وكل من المجتمع الدولي والمحيط الاقليمي والمعارضة الداخلية‏.‏

الحكومة والمجتمع الدولي
تحرك المسئولون السودانيون علي ثلاثة محاور رئيسية‏:‏ الأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وذلك بغرض إقناع المجتمع الدولي بصدق مسعي الحكومة لحل أزمة دارفور‏,‏ وبذلك الإفلات من العقوبات ومن التدخل العسكري الدولي في البلاد‏.‏
غير أن قرار مجلس الأمن الأخير رقم‏1564,‏ الصادر في شأن دارفور‏,‏ جاء صادما لها‏,‏ حيث عالج الأزمة في إطار الفصل السابع من الميثاق‏,‏ مما يعتبر خطوة نحو التصعيد علي عكس ماسعت إليه الحكومة السودانية في أروقة الأمم المتحدة‏,‏ وجدير بالذكر أن هذا الفصل يعطي مجلس الأمن سلطة تقديرية غير محدودة في التدخل لمعالجة الأزمة‏,‏ ويتدرج هذا التدخل من تخفيض التمثيل الدبلوماسي في الدولة المعنية بالقرار‏,‏ إلي التدخل العسكري الدولي في تلك الدولة‏,‏ وذلك مرورا بالعقوبات الاقتصادية بأنواعها‏,‏ بما في ذلك مجال النفط‏.‏
وكما يعكس هذا القرار تشدد الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ضد الحكومة السودانية‏,‏ يشير إلي حقيقة أن الصين برغم تهديدها باستخدام الفيتو لإيقاف القرار‏,‏ فإن لها حسابات مع القوي الكبري تفوق مالها من مصالح في السودان‏.‏

الحكومة والمحيط الإقليمي
نشطت الحكومة السودانية في هذا المجال علي مستويين‏:‏ المنظمات الإقليمية والعلاقات الدولية الثنائية‏.‏ فبالنسبة لجامعة الدول العربية‏,‏ حققت الدبلوماسية السودانية نجاحا ملحوظا‏,‏ فقد استطاعت أن تقنع الأنظمة العربية بضرورة مساندتها‏,‏ للوقوف ضد الهجمة الأمريكية الصهيونية المسئولة ـ حسب رؤيتها ـ عن أزمة دارفور والتي تهدف في النهاية إلي تغيير الهوية العربية الإسلامية للسودان‏.‏ هذا وقد سهل مهمة الحكومة أن خطر التدخل الدولي أصبح يهدد كل الأنظمة في المنطقة العربية‏.‏
جدير بالملاحظة أن الرأي العام العربي قد توحد مع حكوماته في الرؤية‏.‏ وذلك في موقف نادر الحدوث‏.‏ وقد تعود هذا الظاهرة إلي أن كثيرا من المحللين السياسيين العرب يرون الأزمات الأفريقية من خلال الصراع العربي الإسرائيلي‏,‏ وذلك رغم اختلاف الظروف الداخلية واللاعبين الرئيسيين وأهدافهم من منطقة إلي أخري‏.‏

علي صعيد آخر‏,‏ نجحت الحكومة السودانية في استقطاب الانتماء الإسلامي الغالب في المنطقة العربية وإيران‏,‏ وذلك بحراك بسيط لدي اتحاد علماء المسلمين والهيئة الاسلامية العالمية للدعوة والأغاثة وغيرهما من التنظيمات الإسلامية‏.‏ ولأن أهالي دارفور مسلمون بنسبة‏100%,‏ لم تستنفر الدبلوماسية السودانية في مسعاها هذا‏,‏ حمية الدفاع عن العقيدة الإسلامية في ذاتها‏,‏ بل استنفرت الدفاع عن المشروع الإسلامي السياسي الذي تطرح نفسها حامية له‏.‏ من عدوي العلمانية التي صارت قانونا معمولا به في الجنوب‏,‏ ويتطلع إليه كثير من النخب الفكرية والسياسية في الشمال‏,‏ ولاريب أن هذا المشروع الإسلامي السياسي يصادف هوي لدي بعض التيارات الفكرية والاجتماعية في المنطقة العربية‏.‏
غير أن هذا النجاح علي مستوي المحور الأسلامي في المنطقة العربية‏,‏ لم يتمدد في الفضاء الأفريقي‏,‏ فقد انحاز المسئولون والرأي العام في الدول الافريقية جنوب الصحراء إلي العنصر الافريقي في الأزمة السودانية‏,‏ وذلك بغض النظر عن ديانته‏.‏ لذلك وقف الاتحاد الافريقي موقفا مختلفا إزاء الأزمة في دارفور‏,‏ فهو يلعب دور الوسيط المحايد وإن مال نحو إنصاف القبائل الافريقية‏.‏

علي ان الملاحظ هو محدودية تأثير الاتحاد علي الأزمة‏,‏ رغم الدعم المالي واللوجستي الكبير الذي يأتيه من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة‏.‏ وقد يعود ذلك أولا إلي عدم ارتياح الجانبين المفاوضين لوساطته‏.‏ ذلك أن الحكومة تفضل الظهير العربي‏,‏ في حين تدعو الحركتان العسكريتان إلي التدخل الدولي المباشر‏.‏ ثانيا‏,‏ أن الاتحاد الافريقي في ذاته لا يملك العصا كما أنه لايملك الجزرة‏.‏
أما عن التحرك الدبلوماسي السوداني علي المستوي الإقليمي الثنائي‏,‏ فقد أسفر عن الآتي‏:‏ تولت مصر قيادة الخط العربي سابق الذكر نحو دعم الحكومة السودانية داخليا ودوليا‏,‏ في حين يغلب الغموض علي الموقف الليبي نحو الأزمة‏,‏ فيستطيع المراقب أن يلتقط عنه إشارات متناقضة سببها أن ليبيا مرتبطة ارتباطا مؤثرا بجميع أطراف الأزمة رغم الخلافات الواسعة التي تفرق بينها‏,‏ وقد تعاظم دورها في الأزمة حتي استطاعت ان تستقطب في طرابلس قمة خماسية تهدف إلي تسوية النزاع في دارفوار بالطرق السياسية‏.‏ أما تشاد فمازال موقفها أقرب إلي مساندة الحكومة السودانية‏,‏ وذلك بسبب الروابط الاجتماعية والمصلحية المركبة بين الجانبين‏,‏ وتقف اثيوبيا موقفا مشابها‏,‏ وإن تمسكت بالمظهر المحايد حفاظا علي وضعها كقوة إقليمية في شرق إفريقيا‏,‏ أما إريتريا فهي دائما في موقع الاتهام بمساعدة المعارضة السودانية لإسقاط نظام الإنقاذ‏.‏

الحكومة والداخل
تواجه الحكومة السودانية معارضة داخلية متصاعدة في المركز والأطراف‏,‏ وقد عالجت هذا الموقف بوسائل مختلفة وليكن هذا موضوع مقالنا القادم‏.‏

اقرا اخر الاخبار السودانية على سودانيز اون لاين http://www.sudaneseonline.com

الأخبار المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع


اخبار السودان بالانجليزى | اغانى سودانية | آراء حرة و مقالات | نادى القلم السودانى | المنبر الحر | دليل الخريجين | | مكتبة الراحل على المك | مواضيع توثيقية و متميزة | أرشيف المنبر الحر

الصفحة الرئيسية| دليل الاحباب |تعارف و زواج|سجل الزوار | اخبر صديقك | مواقع سودانية|آراء حرة و مقالات سودانية| مكتبة الراحل مصطفى سيد احمد

contact Bakri Abubakr
Copyright 2000-2004
Bayan IT Inc All rights reserved