لعل أصدق إعتراف للحكومة السودانية بإرتكابها جرائم ضد الإنسانية ، هو ما جاء على لسان مدير جهاز الأمن الداخلي بالسودان ( صلاح قوش) في صحيفة البيان الأماراتية . هذا الحديث الذي أكد فيه جملة حقائق ، كافية بأن تدين الحكومة أمام أي محكمة دولية . هذه الإعترافات التي أكدت أن الحكومة هي التي سلّحت بعض القبائل للقتال نيابة عن قواتها النظامية المتمثلة في ( القوات المسلحة ، الشرطة الموحّده ، قوات السجون ، الشرطة الشعبية ، الدفاع الشعبي ، المجاهدين ) رغم وجود كل هذه القوات النظامية ، إلا أنها آثرت أن تتجاوز كينونتها وتمرّغ أنفها لتسلّح الجنجويد وتدربهم ، ليس في حقيقة الامر لمقاتلة من تسميهم بالمتمردين ، إنما لتنفيذ مخططها الذي كان إفرازاً قيحياً وثمرة خبيثة نبتت في ضمائر خربة رويت أحقاداً وسادية في سعي خائب لإبادة شعب دارفور. كل ذلك لمقابلة التفاعل الطبيعي بين المواطن في دارفورمع ثورة الحق التي يرى فيها الخلاص من جور حكومة الخرطوم .
أما القوات النظامية التي ألقوا بها في مزبلة وجعلوها رديفاً طيّعاً لقادة الجنجويد لحري بها أن تمسح هذا العار إذا كان قد تبقى من مكان فيها لم يطمسه عار .
من هنا فإن إعترافات مدير جهاز الأمن الداخلي ، جاء ليؤكد ويعضّد ليس فقط ما ذهبنا إليه من حقائق ، وإنما ما ذهب إليه العالم أجمع ، وما أكده الواقع المعاش ، في أن الحكومة قد سلّحت من إستجابوا من القبائل العربية ومن المرتزقة ، وشكّلت بهم جهاز اً تمارس من خلاله إنتقامها من المواطنين العزل . إن إعتراف صلاح قوش ، يطرح عدة حقائق وتساؤلات نوردها كما يلي :-
• الحقيقة الأولى :- أن الحكومة تعترف بأنها سلّحت الجنجويد وإن سمّتهم ببعض القبائل .والسؤال هو لماذا ظلت الحكومة تنكر هذه الحقيقة ؟ ولماذا تستصعب تجريدهم من السلاح لطالما هي التي سلّحتهم ودربتهم وإستوعبتهم في أزياء قوات نظاميه .
• الحقيقة الثانية:- أن الحكومة إعترفت بانها قصفت ومازالت تقصف القرى وتقتل المدنيين ، وهي التي كانت تنفي بإستمرار ذلك .
• الحقيقة الثالثة :- هي أن الحكومة في مفهومها لقصف المدنيين في القرى تنطلق من مقارنتها بأنها في مقام القوات الامريكية ، وأن المدنيين الذين تقصفهم في مقام أهل الفلّوجة. فيا عجباً !.
• الحقيقة الرابعة :- أن الحكومة إعترفت بضرورة إعتقال قادة الجنجويد وتقديمهم للمحاكمة . يبقى أن تعرف بأن المرحلة المكملة لذلك يقوم بها المجتمع الدولي وليس هي .
• الحقيقة الخامسة :- أن الحكومة تعترف بأنها تواصل ضرب القرى وهي بذلك تخرق وقف إطلاق النار بإستمرار ، وفي هذا تؤكد حقيقة أنها تمزق الإتفاقيات وتدوس على المواثيق وتضحك على نفسها .
• الحقيقة السادسة :- أن الحكومة تعترف بأنها تعد لتأجيج نار الحرب بمعارك ووقود توصفها بأنها ستكون شرسة ، وفي هذا فهي تكذّب إدعائها بأنها تسعى لحل سلمي وسياسي قائم على المفاوضات .
• الحقيقة السابعة :- أن الحكومة قد إستوعبت الجنجويد في القوات النظامية ، في سابقة لم تفعلها أي حكومة في السودان ، وهي بذلك تكذّب إدعائها بأنها أرسلت قوات نظامية لحفظ الأمن في دارفور ، بينما الواقع جنجويداً في لباس القوات النظامية .
• الحقيقة الثامنة :- أن الحكومة تنوي شن حرب شاملة على أهل شرق السودان ، وهي بذلك تكذّب أيضاً إدعائها بأنها داعية سلام .
• الحقيقة التاسعة :- أن الحكومة قد أعلنت مراراً بأنها تسيطر على كل مدن وقرى دارفور وأن من تسميهم بالمتمردين قد تم تشتيتهم . بينما هي الآن تحاول تبرير قصفها للمدن والقرى بوجود المتمردين فيها . إذاً فهي حقيقة تقصف المدنيين العزل تشفّياً .
• الحقيقة العاشرة :- أن الحكومة تعترف بأنها هي التي تسببت في إفشال جولة المفاوضات الأولى في أبوجا – نيجيريا بتصلّبها في بنود الترتيبات الامنية،حين أنكرت صلتها بالجنجويد ، وأنكرت بأنها تقصف المدنيين، وأنكرت بقدرتها على نزع سلاح الجنجويد ، ورفضت لجنة التحقيق في جرائم الإبادة ، ورفضت زيادة القوات الافريقية، وها هي ألآن تقبل كل ذلك .
• الحقيقة الحادية عشر :- أن الحكومة تعترف بأنها ظلت في عداء وخصام دائمين مع شعبها ، وهي الآن بإصرارها على شن حرب شاملة في الغرب والشرق، تؤكد رغبتها في بقاء هذا الخصام.
• الحقيقة الثانية عشر :- هي أن سكوت الشعب السوداني بكل تشكيلاته ومؤسساته المدنية والنقابية والمهنية والقبلية عما يجري في دارفور من إبادة جماعية ترتكبها حكومة أذلّتهم ، جريمة شهد العالم بفظاعتها وتحرك لإيقافها. ينبغي أن يعلم هذا الشعب بأن هذا السكوت سيخلّف في نفوس أجيال دارفور الكثير والكثير من علامات الإستفهام، ولشعب دارفورالحق في أن يفسر هذا السكوت بأنه نوع من عدم الممانعة. وأن الاجوبة لها عندما يحين وقتها ستكون قاسية بقساوة قلوب الساكتين بحساب التاريخ .
• الحقيقة الثالثة عشر :- أن على اهل دارفور والشرفاء من الشعب السوداني وشعوب العالم أجمع أن تعلم بأن الإعترافات التي ساقها مدير جهاز الامن الداخلي السوداني في حديثه الصحفي ، هي تأكيد لحقيقة أن جولة المحادثات الثانية في أبوجا مهددة بالفشل لطالما أننا والعالم نتعامل مع عقلية حكومة غير ناضجة لا تهوى إلا رياضة القفز في الظلام .مني أركو مناوي
الأمين العام لحركة تحرير السودان
السابع من رمضان 1425هـ
الموافق الحادي والعشرون من أكتوبر 2004م