وقد ظلت هذه النبرة الحادة من الاتهامات سائدة ضمن اطار حملة تشويه الحقائق التي يجري التنسيق لها بين اطراف سودانية، واخرى اقليمية ودولية تشترك بها الولايات المتحدة و«إسرائيل» والاتحاد الاوروبي وقوى الانفصال في الجنوب، وبعض فصائل المعارضة السودانية، والتي كانت من حيث النتيجة وراء انتزاع قرار جديد من مجلس الامن الدولي بشأن دارفور، توعدت من خلاله الولايات المتحدة عبر غطاء المنظمة الدولية بفرض عقوبات اقتصادية على السودان، تشمل قطاع النفط، ما لم يقبل السودان بوجود قوة دولية في هذا الاقليم، واعتباره منطقة حظر جوي على غرار ما حصل في العراق والصومال من قبل، ومن ثم مطالبة كوفي عنان بتشكيل لجنة تقصي حقائق لما حدث في دارفور، ومحاسبة المتسببين في ذلك، ورفع تقرير عما تبذله السودان من جهود على صعيد نزع اسلحة الجنجويد، وانهاء ازمة دارفور.
والواقع ان تساؤلات على غاية من الاهمية تطرح على صعيد ازمة دارفور، وكلها تؤكد ان ثمة نية اميركية مبيتة تجاه السودان، ومخططا جديدا اعد له، يجري العمل على تطبيقه، بهدف الهيمنة على موارده النفطية والمائية واحكام السيطرة عليها، والتفرد بها عبر خطوات بدأت حلقاتها تتضح من خلال ممارسة هذا القدر الكبير من الضغوط الشديدة على السودان، والغاية من ذلك تفتيت وحدته الاقليمية وفصل اجزائه ، وتقسيمه الى مناطق وكيانات جديدة على حساب وجوده التاريخي عبر اشعال نار الفتنة وافتعال ازمة دارفور، وتصعيد ايقاعات احداثها واعطائها بعدا دوليا وتهويل ما يقع هناك وتضخيمه اعلاميا وتصويره للعالم على انه ابادة جماعية، تكذبها الحقائق على ارض الواقع، والتي تشير الى ان ما يجري في دارفور انما هو صراع قبلي قائم، منذ زمن بين قبائل تمتهن الزراعة، واخرى تمتهن الرعي، زاد من حدة الصراع والتنافس بينها على موارد المراعي وموارد المياه، ظروف الجفاف وشح الموارد التي ضربت هذه المنطقة منذ سنوات.
فإذا اضفنا الى ذلك وجود قدرواسع من الترابط والاختلاط القبائلي بين بعض عشائر السودان وامتداداتها لدى عدد من دول الجوارالافريقي الاخرى، و انعكاس الاضطرابات التي وقعت في تلك الدول على شكل نزوحات كبيرة وهجرات قسرية وجدت لها ملاذا في دارفور، بسبب من روابط الانتماء المشتركة، ، ادركنا عندئذ ان ما يحدث في دارفور مشكلة لها اسبابها المعقدة والمتداخلة، وبالتالي لايجوز ان تتحمل السودان وحدها مسؤولية ما يقع، ويطلب منها على سبيل المثال انهاء اعمال العنف والفوضى المتفشية في ارجاء هذا الاقليم الواسع خلال مدة 30 يوما، ما دام هنالك من ينفخ على نار هذه الازمة، ويمد المتمردين بالمال والسلاح والعتاد، ما يؤكد من جديد ان الغاية الحقيقية من وراء ذلك التصعيد السياسي والاعلامي هي احراج السودان، واظهاره بمظهر العاجز عن تطويق هذه الازمة ومعالجتها، ما يعطي الولايات المتحدة الفرصة لتطوير آليات التعامل مع قضية دارفور، وفق الطريقة الاميركية المعهودة التي جرى تطبيقها في اكثر من مكان.
والواقع ان القوى الداخلية والخارجية التي تتآمر على السودان منذ سنوات طويلة، هي المسؤولة عن تفجير الاوضاع في دارفور وهي التي تغذي ديمومة الصراع فيها، وتدفع جماعات التمرد والمعارضة الى التعنت والتصلب في مواقفها، ما ادى الى تعثر الجهود التي تبذل واخفاق المباحثات التي تجري منذ اكثرمن شهر، برعاية افريقية وعربية، ابدى خلالها المتمردون مزيدا من التصلب ورفع سقوف مطالباتهم وشروطهم التي حين نتمعن فيها، نجدها ابعد مرمى من ان تكون مطالب يراد منها توفير الامن، والاستقرار، وتحقيق العدالة ونشرالسلام، وانما هي مطالب يستشف منهانزعة تدعو الى الانفصال السياسي من خلال الاصرار على تلبية شروطهم التي باتت معروفة في توجهاتها الانفصالية، وهذاما تجلى من خلال مناشدة بعض قادة التمرد الولايات المتحدة وبريطانيا بالتدخل المباشر واستخدام القوة العسكرية، في خطوة تشكل تدخلا مباشرا بشؤون السودان، تؤدي بعد حين الى انتزاع جزء من ارضه، ووضعها تحت الحماية الدولية.
وهكذايتبين ان ما يجري في دارفور ليس سوى جزء من مخطط واسع بات يستهدف الدول العربية والاسلامية، من خلال السعي الى تفتيت هذه الدول وزعزعة استقرارها، وتغذية المشاعر والتناقضات القبلية والعرقية، والطائفية والثقافية فيها بهدف الهيمنة الاميركية عليها وتقسيمها الى دويلات، وكيانات صغيرة، يسهل الاستحواذ عليها والسيطرة على ثرواتها ومواردها، وهذا ما يفسر خفايا ما يحاك في دارفور، التي تشير الدراسات الى انها تمتلك مخزونا نفطيا ضخما وثروات معدنية هائلة، بات يسيل لها لعاب الولايات المتحدة التي تخوض نيابة عن مطامع ومصالح الشركات الكبرى حرب النفط تحت مغالطات ما يسمى الحرب على الارهاب.
ان ازمة دارفور التي لاتزال تتفاعل تداعياتهاكالنارتحت الرماد ما هي إلا جرس انذاريقرع للعرب، وعلى العرب ان يدركوا ابعادها ومخاطرها، ونقول بكل اسف ان الدعم العربي كان غائبا وهزيلا فيما يخص صراع السودان مع قوى وحركات الانفصال في الجنوب على مدى عقود وعقود، ومازال هذا الموقف يراوح مكانه،ولسنا نجانب الحقيقة عندمانعترف ان التفاعل العربي مع القضايا والتحديات السياسية والتنموية التي يواجهها السودان، مازال محدودا رغم ادراك الجميع ان ازمة دارفور تشيرالى ان مخططات تقسيم المنطقة مازالت مستمرة وقائمة.
وبالتالي، فإن المخاطر التي تهدد السودان اليوم هي ما سيهدد الدول المجاورة له غدا او بعد غد، وهذا يحتم على العرب كافة تحمل المسؤولية التاريخية والقومية إزاء السودان والوقوف الى جانبه ومساندته في مواجهة مايتعرض له من حلقات تآمر تستهدف سيادته واستقلاله، ووحدة ارضه وشعبه، وثرواته وموارده الطبيعية ، وقبل كل شيء هويته الثقافية و القومية.