يظن زعيم عصابات التمرد جون قرنق أنه ( قادر على خداع كل الناس كل الوقت ) فهو الذي سد الطريق أمام المبادرة المصرية الليبية المشتركة ومنع بذلك الدول العربية من أي دور في السودان وهذا المنع يبقى مؤشراً خطيراً يكشف عن أن مخطط نسف جسور السودان الممتدة نحو أمته العربية والإسلامية قد دخل حيز التنفيذ .
إن الدول الصليبية المعادية للسودان والتي زرعت بذور الصراع ثم سقت غابات الحرب مثل بريطانيا وأمريكا أصبحت عبر إيقاد هي التي تحدد الحل مع أن من تسببوا في إشعال النيران لن يتخذوا خطوة واحدة لإخمادها .
إن مصر منعت من أي دور تؤديه للسودان ولكن وبعد أن فعلت إيقاد الأفاعيل في نيفاشا فإن قرنق نشط في مصر لمواصلة الخداع ومنع اتفاق أبناء السودان الشمالي الذين تفاوضوا في جدة وواصلوا التفاوض في القاهرة .
أن قرنق يقول في القاهرة إنه سيحتفظ بقواته في شرق السودان وأنه لا بد أن يعترف له بنشر عشرة آلاف جندي في دارفور مع أنه في قسمة البترول لم يتذكر شرق وغرب السودان ولو بنسبة 1% .
ويقول قرنق إنه لن يمول عصاباته من المال الذي تعطيه لنا من الخزينة العامة كنصيب لحكومة الجنوب ولكن يجب أن يتم تمويل عصاباته من نصيب السودان الشمالي أي أن نواصل إطعام الذئاب من قوات قرنق في الجنوب والنيل الأزرق وكردفان وشرق السودان وعشرة آلاف من العصابات الجديدة في دارفور .
ويقول قرنق بمنطق أعوج إن الجيش السوداني يجب أن يموله الجعليون ولكن الجيش السوداني ليس مليشيات جعليه وعصابات قرنق مليشيات جنوبية ، إن قرنق أضاع نيفاشا بسوء تقديره فهو يظن نفسه منتصراً مع أنه عجز عن دخول بقاع ميلاده في بور وهو يقاتل منذ عام 1983 ويهرب من المعارك .
إن قوات قرنق ستجد الجنجويد في كل مكان ومن يخاف من العقرب يطلع له العفريت ولن يحارب الأمريكان والبريطانيون لقرنق معركته ولن يحارب هو ، والانتصار لأهل الإرادة طال الزمن أو قصر .
أن زعيم عصابات التمرد يحذرنا وكأن ما يحيق بالسودان من مخاطر عام 2004 أكثر من تلك التي داهمته عام 1989 وكسب المؤمنون النصر .
لقد حذر من الأوضاع الحالية في السودان مشيرا إلى أنه في مفترق طرق وأزمة حكم مستعصية خاصة أنه يواجه مشاكل في الشرق والغرب والجنوب .
وأوضح أن هذه المشاكل تهدد وجود السودان كله ، ولذلك كانت رسالتي واضحة لا بد من إكمال عملية السلام ، وتأكيداً على أن الحركة لن تتراجع عن المضي فيها حتى النهاية.
وقال إنني قمت قبل جولتي إلى أمريكا وبعض الدول الأوربية بزيارة إلى 12 منطقة في السودان وخلال زيارتي هذه في الداخل التقيت حوالي 600 ألف مواطن سوداني وجهت لهم رسالة واضحة ومحددة وهي لا تراجع عن السلام وإصرار الحكومة على استكماله .
وأضاف : في اعتقادي إذا كان كل واحد من هؤلاء الذين خاطبتهم خلال جولاتي قد ابلغ 10 أشخاص ، تكون الرسالة وصلت 6 ملايين سوداني ، لأننا نرى انه لا بد من أن نملك هذه المفاوضات لكل الشعب السوداني ولذلك أرى أن الحل يكمن في الوصول بالسلام إلى نهايته لأن ذلك سيضع إطارا جديداً ومدخلا مهماً لحل الأزمة السودانية كلها.
وقال ربما يعتقد البعض أنني ذهبت إلى أمريكا لموضوع العقوبات أو الضغوط على الحكومة ولكن الحقيقة أنا لم أذهب لمناقشة هذا الأمر بل أنا ذهبت لدفع الأمور في اتجاه الإسراع في الوصول إلى حل نهائي للمشكلة السودانية .
وقال قرنق رداً على سؤال حول موقفهم من الأوضاع في دارفور وما يتردد عن إبادة جماعية : لدينا رأي واضح في هذه المسألة ، مشيراً إلى أن المشكلة تكمن في سياسة الحكومة لأن هناك أدباً عسكرياً لمواجهة أي تمرد ، ولكن الحكومة دفعت بالأمور على نحو خاطئ وبدلاً من تجنيد الأفراد في الجيش ليحاربوا فهم يجندون مجموعات قبلية لتحارب معهم .
وقال قرنق إن ما طرحته أمريكا ، أن هناك منطقة للأحداث في دارفور ، الوضع فيها قد يؤدي إلى الإبادة الجماعية وأضاف : الإبادة الجماعية ليست بالضرورة أن تحدث من عرب ضد أفارقة أو العكس ولكن الذي حدث يؤكد أنه ليس من المنطق أن تقوم الحكومة بهذه الممارسات.
وقال قرنق أنا أرى الحكومة تتحدث عن تدخل أجنبي ولذلك اقترحت أن تقوم بالمهمة قوات سودانية قوامها 10 آلاف جندي من قوات الجيش و10 آلاف من قوات الحركة الشعبية و10 آلاف من الاتحاد الأفريقي .
وفي رده على سؤال حول إصرار الحكومة على تمويل قواتها من الحكومة المركزية ، قال الدكتور جون قرنق : نحن اتفقنا على أن تكون هناك قوات في الجنوب مشتركة وهي 3 قوات ، قوات الحكومة وقوات الحركة الشعبية وقوات مختلطة ، وقال أن إصرارنا على الوجود في شرق السودان لنفس هذه الأسباب فحكومة الخرطوم لها قوات في الجنوب ونحن أيضاً لنا حقوق وبالتالي لا بد أن تكون لنا قوات في شرق السودان والاتفاق أن يكون لنا قوات في الجنوب وجبال النوبة والنيل الأزرق وحالياً نجري الحوار حول قواتنا في شرق السودان ، وحول تمويل جيش الحركة أشار قرنق ، نحن اتفقنا في اتفاق الترتيبات الأمنية بأن يعتبر الجيش الشعبي جيشاً وطنياً ، وأن يكون أيضاً التمويل للجيش الوطني وجيشنا من المركز ولكنهم قالوا جيشنا يمول من حكومة الجنوب فأكدنا لهم بأنه ليس جيش الجنوب وحسب الاتفاق أنه قومي ، ولكنهم إذا أصروا على رأيهم فإنني باعتباري نائباً للرئيس البشير وكمواطن جنوبي أرى أن أدفع لجيشنا من خزينة الجنوب وأن يدفع الجعليون لجيش الحكومة لأن البشير جعلي من قبيلة الجعليين .
وشدد جون قرنق على أن اتفاقية السلام في السودان يجب ألا تبنى على أشخاص جون قرنق وعلى عثمان ، بل يجب أن تمتلكها كل فئات الشعب حتى تتجنب مصير اتفاقية أديس أبابا التي ارتبطت بموقعيها فقط ، النميري وجوزيف لاقو .
مشيرأ إلى أن البرتوكولات التي تم التوصل إليها في نيفاشا بين الحكومة والحركة هي الصيغة الأفضل لحل كل مشاكل السودان ، وقال قرنق الذي كان يتحدث في مؤتمر صحفي بالقاهرة ظهر أمس أنه يؤسس لفكرة تمليك الاتفاقية لكل الشعب ، ولذلك جاءت جولته الطويلة في المناطق المحررة بجنوب السودان وجنوب النيل الأزرق ، وجبال النوبة لشرح كل تفاصيل الاتفاقية للشعب وأضاف أنهم لا يستطيعون إعادة عقارب الساعة إلى ما قبل اتفاقيات نيفاشا ، وأن طريق السلام قد بدأ ولا بد من إكماله حتى النهاية مع الالتزام الكامل بوحدة السودان على أسس جديدة تكون المواطنة فيها الأساس.
ونفى وجود أي علاقة بين حركته وبين تصعيد الأوضاع في دارفور ، وقال أن زيارته لأمريكا لا علاقة لها بالضغوط الدولية والعقوبات التي يهدد بها مجلس الأمن الحكومة السودانية ، وأن الاهتمام الدولي كان بالفعل منصباً على دارفور وأهلها قبل زيارته للولايات المتحدة .
وقال إن زيارته الخارجية التي شملت الولايات المتحدة وبريطانيا وإيطاليا وهولندا جاءت بعد أن طلبت حكومة الخرطوم تأجيل التفاوض في نيفاشا ، وكانت لغرض التعبئة للسلام في السودان ومتابعة خطواته وأنه لا مجال للرجوع على مسار السلام لأن السودان الآن في مفترق طرق يواجه أزمة مستعصية في جميع أنحائه ولذلك فإن من الأهمية للسودانيين وأصدقائهم أن يهتموا بهذه النقطة .
وأعلن قرنق أن اتفاقية نيفاشا هي الصيغة الأفضل التي تلخص وتشمل كل مشاكل السودان وأنها تضع إطاراً جديداً ومدخلاً صحيحاً لحل الأزمة في البلاد وأنه في نهاية الأمر أي اتفاقية سلام لا بد أن تشمل التجمع الوطني الديمقراطي ، ونيفاشا تقول ذلك .
وعن دور مصر في عملية السلام قال رئيس الحركة الشعبية إن دورها لن يكون مقتصراً على انتظار توقيع الاتفاقية ، فهنالك رعايتها للمفاوضات الجارية بين التجمع الوطني وحكومة الخرطوم وأضاف ، مصر باركت كل البروتوكولات الموقعة في نيفاشا وتتابع خطواتها والحركة الشعبية طلبت من الرئيس المصري خلال استقباله قرنق أن تتابع مصر كذلك مع الخرطوم ومحاولة إقناعها برؤية العقل في مواصلة نيفاشا وتعميق عزيمتهم السياسية لتأكيد أهمية التوصل لسلام .
وقال قرنق إن الحكومة السودانية درجت على توزيع الاتهامات لكل الأطراف بشأن قضية دارفور وتدريب المتمردين ومدهم بالسلاح وقال : علاقتنا بحركة تحرير السودان مثلها مثل أي علاقة بين الحركة الشعبية وأي فصيل في التجمع الوطني الذي يضمها معاً .
والحكومة تعرف جيداً مصادر سلاح حركات دارفور ، والحكومة – كعادتها – في قمع أي تمرد لا تستخدم القوات النظامية بل تواجه التمرد بتمرد من صنعها حيث تمد أبناء تلك المناطق أيضا بالسلاح لمواجهة أبناء جلدتهم وهذا هو أساس الإبادة الجماعية التي يتهم بها المجتمع الدولي حكومة الخرطوم حيث تستخدم القبائل لإبادة قبائل أخرى وليس بالضرورة أن تكون إحدى هذه القبائل عربية . . . لأن نفس السياسة كانت تستخدم في الجنوب .
محمد طه محمد أحمد / رئيس تحرير صحيفة الوفاق
الخرطوم / 2 / 10 2004م .