أثار الاعلان المتكرر للسلطات السودانية عن محاولات انقلابية وتخريبية تساؤلات في الخرطوم عن حقيقة هذه المحاولات, خصوصاً أنها تأتي في ظل ضغوط دولية كثيفة على الحكومة واستمرار جبهات القتال في غرب البلاد وجنوبها وتوتر الأوضاع في شرقها. الأمر الذي عزز حال الغموض والاحباط والقلق على مصير البلاد ومستقبلها.
ويرى المحلل السياسي والمفكر الاسلامي الدكتور حسن مكي محمد أحمد ان السودان يعيش "ظروف مرحلة الانتقال بين سقوط نظام وقيام آخر. فإما ان يخرج مولود طبيعي بتشكيل حكومة انتقالية تضم الحركة الشعبية لتحرير السودان ومتمردي دارفور والفصائل المعارضة الى جانب حزب المؤتمر الوطني الحاكم, أو تجري ولادة قيصرية قد تؤدي الى موت المولود أو الوالدة أو الاثنين معاً".
وتعيش القوى السياسية في الخرطوم, وبعضها في الحكم, حالاً من الترقب والانتظار, كما اعترف مستشار الرئيس للشؤون السياسية الدكتور قطبي المهدي بقوله ان دولاب الدولة "بلا خطة ويعمل برزق اليوم في اليوم", معتبراً أنه "لا بد من اصلاح جذري في تركيبة الحكم وهياكله حتى تتجنب البلاد سيناريو الصوملة".
لكن زعيم "حركة القوى الجديدة" الحاج وراق, وهو قيادي سابق في الحزب الشيوعي, يعتقد بأن الحديث عن "الصوملة" "ليس تصوراً متشائماً, نظراً الى غياب إرادة الاصلاح لدى الحكومة الأمر الذي بات يهدد وحدة البلاد". وقال لـ"الحياة" ان الخرطوم التي "يعيش فيها نحو سبعة ملايين نسمة, يرزح نحو أربعة ملايين منهم تحت خط الفقر وغالبيتهم من العرقيات المغبونة عرضة لإنفجار كبير".
ويذهب مراقبون الى أن تشكيك المعارضة في الداخل والخارج في صحة إعلان السلطات عن محاولات انقلابية يدبرها حزب المؤتمر الشعبي بقيادة الدكتور حسن الترابي, دفع الحكومة الى الاعتماد على القوى المتحالفة معها في السلطة على رغم ضعف تأثيرها الجماهيري. وأشار هؤلاء الى تجاهل الحكم الاسلاميين في الحزب الحاكم ما أضعف التفاعل مع الحدث وجعل المؤيدين من الاسلاميين يكتفون بموقف المتفرج غير المبالي. ولاحظوا انه على رغم تضخيم السلطة ما اعلنته من مخطط كبير فإن الشارع لم يشهد مواكب أو مسيرات كما جرت العادة في مثل هذه المواقف. واعتبروا ان المواطن العادي ينظر الى الأمر باعتباره صراعاً بين الاسلاميين لا يعنيه, فيما عزل المؤيدون انفسهم عنه في ظل حديث الرئيس عمر البشير عن إستعداده لقطع رقبة الترابي الذي لا يزال كثيرون من المؤيدين يكنون له احتراما ولا يجدون سبباً للمشاركة في امر قد يصل الى هذا الحد.
ويعزو الدكتور مكي ما يحدث الى اختلال في الأولويات في ظل خصومة لها ابعاد شخصية بين حلفاء الامس, "ولم تعد اسرائيل واميركا والتدخل الاجنبي في شؤون البلاد يثير حفيظة الخرطوم بل ترى ا لترابي عدوها الأول".
وينظر مكي بتشاؤم الى المستقبل لأن التحالف المنتظر بين المؤتمر الوطني و"الحركة الشعبية" سيكون بين قوتين مختلفتين بالكامل, مع وجود دولي كبير في دارفور وقوات دولية لحفظ السلام في الجنوب وقوة متعددة الجنسية في جبال النوبة في الوسط, الى جانب الوجود الكثيف لاجهزة الاستخبارات الأجنبية.
ويحذر مكي من أن القتال انتقل من دارفور الى إقليم كردفان المتاخم للخرطوم, مع وجود فصائل مسلحة في شرق البلاد ومجموعات أخرى لها صلات دولية سيؤدي الى تآكل البلاد من أطرافها الأمر الذي سيؤدي الى زحف الريف واضطراب العاصمة ويهدد بتوترات وانفجارات غير محسوبة العواقب.
وتقول مصادر لها صلات بدوائر اجنبية في الخرطوم ان متابعي الازمة السودانية يعانون ارتباكاً, ويرون ان الحال التي تعيشها البلاد تجعل من الصعب التكهن بمستقبلها في ظل عجز القوى السياسية وتعدد منابر الحل في الخارج ما يطيل عمر الأزمة ويعقد حلها ويفتح الأبواب أمام كل الاحتمالات.
غير ان وراق يرى انه من الصعب ايجاد معادلة لحفظ الأمن والاستقرار ووحدة البلاد باستئصال الاسلاميين ويعتقد أن الحل في وحدة الاسلاميين. في اطار تجديد الآراء والأفكار. ويقول ان "النظام الحاكم في مأزق لأنه لا يمكن ان تتحدث الحكومة عن تحول ديموقراطي مع المعارضة ويدها ملطخة بدم الترابي كما تهدد. كما ان مؤيديها من الاسلاميين لن يقبلوا منها اعدام الترابي اذا فعلت وسينفضوا من حولها كما حدث للشيوعيين مع الرئيس السابق جعفر نميري" الذي أعدم زعيم الحزب الشيوعي عبدالخالق محجوب.
ويشبه وراق معالجة السلطة لما يحدث حالياً بموقفها من أزمة دارفور التي لم تعترف بها في بدايتها حتى انفجرت. ويميل أكثر المتابعين للشأن السوداني الى إعتبار البلاد في حال مخاض ومرحلة انتقال خطرة يمكن أن تدفع بها نحو المجهول مع تزايد الضغوط الدولية وسيولة الاوضاع الداخلية وارتباك أهل الحكم وضعف تأثير المعارضة.