أكد باحثون ورجال سياسة وفكر مغاربة، أن حل أزمة دار فور يبدأ من ترتيب البيت الداخلي السوداني، وذلك بمراجعة الأخطاء السياسية التي ارتكبتها الأنظمة العسكرية والمدنية التي تقلبت على كراسي الحكم منذ استقلال البلاد، وأجمع هؤلاء الباحثين والعديد من المتدخلين، أن تصدع الجبهة السياسية السودانية، وعدم الاستقرار السياسي، فضلا عن الاختلافات والخصومات السياسية التي بلغت درجة المكايدة بين القوي المفجرة لثورة الإنقاذ الحاكمة، بعد تمخضها عن حزب للمؤتمر الوطني يحكم، وآخر للمؤتمر الشعبي "معارض"، وعدم ارتفاع القوي السياسية التقليدية إلى مستوي بناء وحدة وطنية سودانية شعارها نبذ النظرة الحزبية الضيقة، يحمل هذه القوي مسئولية تصعيد أزمة دار فور وجعل الشأن الداخلي السوداني صيدا سهلا للتكالب الدولي، وإستراتيجيات بسط نفوذ الأحادية القطبية المسيطرة على عالم اليوم.
جاء ذلك في الندوة التي نظمتها بالعاصمة المغربية، وكالة الأولى للخدمات الصحافية، ونادي الصحافة، تحت عنوان "قضية دار فور: الأزمة والتداعيات، وشارك فيها عدد كبير من الخبراء والباحثين المغاربة، إلى جانب رجال الإعلام المغاربة ومختلف وكالات الأنباء والقنوات الفضائية المعتمدة بالمغرب، وقد أفتتحها مدير وكالة الأولى للخدمات الصحافية الأستاذ أبو بكر الصديق الشريف، بان المتوخي منها تسليط الضوء على أسباب هذا النزاع الذي يشهده غرب السودان والتطورات التي يعرفها وآثاره المستقبيلة على المنطقة، مما يستوجب الاستماع إلى الصوت المغربي إزاء هذه الأزمة التي تعددت الأصوات وتباينت الرؤى حول النهج الذي يمكن أن يفضي إلى تسويتها.
تحصين الجبهة الداخلية أولا
وفي هذا الإطار، أستنتج الباحث المغربي محمد ضريف في تحليله لقضية دار فور أن هذا النزاع جاء نتيجة ما وصفه ب"التكالب الدولي" الذي استغل التناقضات الداخلية في السودان مبرزا أن قضية دار فور على غرار عدد من بؤر التوتر مرتبطة بسياق دولي يتمثل في وجود أحادية قطبية تريد بسط سيطرتها على العالم من خلال احتكار صناعة القرار في مجلس الأمن، واستدرك قائلا لكن هذا لا يجب ان يشكل مشجبا نواري خلفه أخطائنا التي تتصيدها هذه القوي الراغبة بسط سيطرتها علي العالم.
وأضاف ضريف قائلا، أن حل مشكل دار فور يقضى تحصين الجبهة الداخلية للسودان ككل من خلال بناء صرح نظام ديموقراطي واحترام الاختلاف والرأي الآخر والاستفادة من التنوع الثقافي والعرقي واللغوي لتحقيق التنمية وإعادة النظر في العلاقة بين الدين والدولة، مشيرا إلى أن فاتورة أزمة دار فور يتحمل القدر الأكبر من وزرها، عدم الاستقرار السياسي وضآلة سنوات تولي القوي السياسية ومنظمات المجتمع المدني للسلطة في البلاد، فضلا عن ان الخلافات بين النظام السياسي الحاكم وانشقاقه إلى حزبين المؤتمر الوطني الذي يقوده الرئيس البشير والمؤتمر الشعبي الذي يقوده الدكتور الترابي، هو الذي أجج هذه الأزمة لتصل إلى ما وصلت إليه، وبالتالي فان ترميم تصدعات الجبهة الوطنية السودانية يبقي شرطا أساسيا للشروع الجاد في مسارات البحث عن حل شامل لقضية دار فور.
مجلس الأمن ونظرية المؤامرة
ومن جانبه ركز الباحث المغربي الدكتور ميلود بلقاضي في دراسة تناولت النزاع في دار فور في ضوء قرار مجلس الأمن رقم 1564 الصادر بتاريخ 30 أغسطس الماضي والذي يهدد السودان بفرض عقوبات نفطية إذا لم تف بتعهداتها المتعلقة بحل "مليشيات جنجويد" ونزع سلاحها، بتوجيه انتقادات صارمة للصياغة التي أتى بها هذا القرار على اعتبار انه كال بمكيالين ووضع في كفة واحدة الحكومة السودانية والمتمردين .
وأضاف قائلا: أن القرار صدر "بصورة سريعة و بإيعاز من الولايات المتحدة الأمريكية دون المرور بالقنوات السلمية كالتفاوض والتحقيق والاستماع إلى جميع الفرقاء و بالتالي فان هذا القرار لم يحترم الفلسفة العامة التي أسس عليها ميثاق الأمم المتحدة "، ولاحظ بلقاضي أن الحكومة السودانية استفادت من المثال العراقي حيث عمدت إلى "تدويل المشكل في إطار إفريقي عربي مسلم" مؤكدا في الختام أن حل قضية دار فور يستوجب وحدة وطنية سودانية في المقام الأول وغطاء عربي إفريقي ومساندة من الشرعية الدولية تلتزم مواثيق الأمم المتحدة القائمة علي إدراك المفاهيم السليمة لميثاق الأمم المتحدة واحترام سيادة الدول على أراضيها، واقامة الديمقراطية التي تحترم خصائصها.
الخلفية التاريخية
وفي هذا الإطار قدم احمد المكي سفير السودان في المغرب في عرضه نظرة موجزة حول الجذور التاريخية للصراع في دار فور الذي انطلق من نزاع قبلي تقليدي حول الزراعة و الرعي ليتحول نتيجة عوامل داخلية وخارجية إلى صراع سياسي مسلح بين الحكومة المركزية في السودان و فصائل متمردة تقودها كل من حركة تحرير السودان و حركة العدل والمساواة وذلك منذ سنة 2003.
وأوضح أن الحركتين معا شنتا هجمات مشتركة على مراكز الشرطة والقوات الحكومية بلغت اوجها في أبريل من سنة 2003 واتهمتا حكومة الخرطوم بممارسة سياسة التطهير العراقي مشيرا إلى ان الوضع الإنساني في دار فور تفاقم بعد أن خرق المتمردون اتفاق وقف إطلاق النار من اجل الضغط على الحكومة إلا أن هذه الأخيرة كان مضطرة إلى تعقب المتمردين وملاحقتهم بهدف احتواء اي تطور سلبي للوضع الإنساني في المنطقة .
وشدد السفير على أن التدخل العسكري في دار فور لم يكن "بهدف تنفيذ خطة ممنهجة للإبادة العرقية" بدليل أن لم يتم لحد الآن العثور على مقابر جماعية مشيرا في هذا الصدد إلى أن التقارير التي أعدتها الفرق التابعة للاتحاد الأفريقي أو الجامعة العربية التي زارت المنطقة لم تشر إلى أي شيء من هذا القبيل مضيفا ان هذا " الادعاء اختلقته وسائل الإعلام الغربية والأمريكية على وجه الخصوص لتبرير تدخل الولايات المتحدة في دار فور التي تزخر بثروات طبيعية هامة ".
وخلص إلى القول أن قضية دار فور يجب حلها في إطار "البيت الإفريقي ( الاتحاد الإفريقي) وجامعة الدول العربية" مشيرا إلى أن دور الأمم المتحدة يتعين ان يكون في إطار مساعدة الاتحاد الأفريقي وفي أداء المهام الإنسانية من خلال تقديم الدعم و المؤازرة للاجئين .
مراجع ووثائق
هذا وقد سلمت وكالة الأولى للخدمات الصحافية، ملفا لكل مشارك في الندوة، تضمنت، دراسة حول دارفور: البعد السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
ودراسة بعنوان : دار فور في التاريخ.
ودراسة تضمنت تطور أحداث دار فور ومواعيدها التاريخية.
وورقة تضمنت خريطة تناولت بإيجاز، واقع الأرض والناس والمجتمع في دار فور، فضلا عن وثائق الأمم المتحدة المتضمنة القرارات الصادرة بشأن دار فور ورد السلطات السودانية عليها.