بداية تجدد حركة تحرير السودان التزامها بكل العهود والاتفاقيات الموقعة مع " النظام " بضمان المجتمع الدولي، لأنها هي الجهة الأولى الحريصة على استقرار الأوضاع في دار فور وحماية المدنيين وتحقيق السلام العادل، وذلك بانتزاع حقوق أهل دار فور من الطغمة العنصرية التي تسيطر على مقدرات البلاد السياسية والاقتصادية، مع إقصاء دائم لأهل الهامش. إلا أن هذا الهدف الاستراتيجي سوف لن يتحقق بالسهولة التي يتصورها البعض لأسباب كثيرة مرتبطة بطبيعة النظام الذي نتعامل معه، ومن هذه الأسباب:
أولا: سياسة " نظام الإنقاذ " الثابتة في التعامل مع الخصوم السياسيين وخاصة مع الحركات المسلحة في دار فور، والمبنى على سياسة " فرق تسد " وعدم احترام الاتفاقيات الموقعة وذلك منذ اتفاقية ابشى الأولى والثانية وانجمينا الأولى والثانية وأديس أبابا وأخيرا بروتوكولات ابوجا. الحكومة لم تلتزم بكل هذه الاتفاقيات خلال الفترة الماضية وذلك بالخروقات المتواصلة سواء كانت بالقذف الجوى ومهاجمة قرى الآمنيين من المواطنين وسلب مواشيهم وممتلكاتهم وحرق قراهم بواسطة الجنجويد والجيش، وما أحداث شرق نيالا ببعيد عن الأذهان وكذلك القذف الجوى لقرى شنقل طوباى ودونكى علونة والمالحة ومناطق متفرقة من شمال دار فور، وتم كل هذا في وجود وقف لإطلاق النار موقع مع الحركات المسلحة.
ثانياً: يتصرف " نظام الإنقاذ " دائماً بعكس ما يتم الاتفاق عليه وعكس ما يطالب به المجتمع الدولي. سبق وطالب ويطالب المجتمع الدولي والحركات المسلحة حتى الآن بتجريد وحل مليشيا الجنجويد ومحاكمة قادتها، وبدلاً من ذلك اتاحت الحكومة المزيد من الفرص لهؤلاء القادة للتحدث في وسائل الإعلام لتسميم الأجواء ومهاجمة الحركات المسلحة ومهاجمة قبائل بعينها في دار فور واتهامها بوجود أجندة خاصة لها ينفذها التمرد كزراع لها وكل ذلك لتمزيق ما تبقى من النسيج الاجتماعي بين قبائل دار فور، وهذا بالطبع هدف استراتيجي للحكومة. لم تكتف الحكومة بذلك، وكنوع من استفزاز مفاوضي الحركات المسلحة في جولات المفاوضات، درج وفد الحكومة على استصحاب معظم قادة الجنجويد من أبناء دار فور ضمن وفدها كنوع من إبداء سوء النية، لان هؤلاء لا يملكون القرار السياسي وهم ليسوا إلا أدوات هدامة في يد الحكومة لضرب النسيج الاجتماعي بدار فور، وفاقد الشئ لا يعطيه. علاوة على استيعاب كل أفراد مليشيا الجنجويد في جيش الحكومة والشرطة وأصبح وجود هذه القوات في دار فور سبب رئيسي لعدم الاستقرار لان هذه القوات لا مصلحة لها باستتباب الأمن والاستقرار في دار فور وذلك خوفاً من المحاسبة ولجان التحقيق التي بدأت أعمالها في دار فور.
ثالثاً: يحرص " نظام الإنقاذ " أيضا على تعطيل عمل اللجان التي كونتها الأمم المتحدة للتحقيق في جرائم التطهير العرقي والابادة الجماعية وانتهاك حقوق الإنسان والتهجير القسرى، وهذه اللجان قد وصلت دار فور بالفعل وبدأت عملها. لان الحكومة تدرى مسبقا أن هذه اللجان سوف تخرج بنتائج في غير صالحها، لذلك تعمل من الآن على خلق ظروف غير مستقرة حتى لا يتاح لأفراد هذه اللجان بالسفر بالسهولة إلى المناطق التي يسيطر عليها " التمرد " لمعرفة الحقائق مجردة. ويكفى أن نذكر القراء هنا أن الحكومة سبق وادعت بلسان وزير خارجيتها أن كل ضحايا الحرب في دار فور لا يتجاوز عددهم آل 5 آلاف شخص، في الوقت الذي تشير التقديرات الأولية للمنظمات الدولية الموجودة في دار فور ومنظمة الأمم المتحدة أن عددهم يتجاوز آل 50 ألف شخص، مع العلم أن هذه التقديرات كانت قبل فترة طويلة والحكومة مواصلة الحرب بالقذف بالطائرات وحرق القرى والقتل وتهجير المواطنين وذلك بوجود وقف لإطلاق النار.
رابعاً: حسب بنود اتفاقية وقف إطلاق النار الموقع بين الحكومة والحركات المسلحة، انه يمنع التجنيد وحشد المزيد من القوات في دار فور فضلاً عن التحركات الإدارية لكافة القوات إلا بعلم الأطراف الموقعة على البروتوكول وذلك منعاً للتصعيد، إلا أن الحكومة وباعترافها حشدت أكثر من 40 ألف من الجنود في دارفور بعد الاتفاقية المذكورة، وهذا يوضح بجلاء تبييت سوء النية من قبل الحكومة لخرق اتفاقية وقف إطلاق النار. ولتوضيح نوايا " النظام " التصعيدية في هذا الخصوص، انه ربما قد شاهد الكثيرين قبل أيام من خلال الفضائيات ظهور المدرس السابق ووالى شمال دارفور الحالي بالزى العسكري في المجلس الوطني واعلان " الجهاد " ضد ثوار دار فور. والجهاد كما يعرفه الجميع هو قمة النفرة العسكرية لمحاربة الكفار في " الدولة الإسلامية ". إذا تجاوزنا نقاش مدى مطابقة إعلان الجهاد في حرب كل مقاتلي الطرفين من المسلمين، فيحق لنا أن نتساءل ما معنى هذه النفرة العسكرية القصوى في ظل وجود وقف لإطلاق النار وحظر جوى للطائرات العسكرية في كل الإقليم ؟ الحقيقة المؤسفة أن الحكومة تعمل وبمنهجية على عدم الالتزام بكل الاتفاقيات الموقعة مع محاولة نسب كل الخروقات التى تنتج من مهاجمة مواقع الثوار ودفاع الثوار عن مواقعهم ، تنسب كل ذلك على الحركات المسلحة على غرار المثل الشعبي " ضربني وبكى وسبقني واشتكى " !!
أخيرا، على " نظام الإنقاذ " أن يعي جيداً أنه قد وقعت اتفاقية لوقف إطلاق النار واتفاقيات أخرى لاحقة في المسار الامنى والانسانى مع أطراف موجودة على الأرض، وهى الحركات المسلحة، لها مواقعها وأراضيها المحررة ومسئولياتها العسكرية والأخلاقية من حماية للمدنيين وحفظ لممتلكاتهم. وبالتالي هنالك مسئولية مشتركة على الأقل في الوقت الحالي، ولا معنى إذن " التغني " وإبداء الحرص الزائف على امن المواطنين والمدنيين وهى التى تسببت في اكبر كارثة إنسانية في العصر الحديث وذلك من نزوح وتهجير قسري للمواطنين وما صاحب ذلك من ارتكاب جرائم يدمى لها جبين البشرية.
لوضع الامور فى نصابها الصحيح ولقفل الثغرات لا بد لنا أن نتساءل، اين قرارات مجلس الامن والامم المتحدة واين دور الاتحاد الافريقى واين دور قواتها على الأرض لمراقبة كل ما يحصل على ارض دار فور بصورة لصيقة وتوثيق هذه الخروقات بصورة حيادية وأمينة ؟
حركة تحرير السودان
مكتب الخليج
السبت 14شوال 1425 هـ
الموافق 27 نوفمبر2004 م
__________________________________________________