فضيلة الأخ الكريم الأستاذ/ محمد مهدي عاكف، المرشد العام لجماعة الأخوان المسلمين
تحية من عند الله طيبة مباركة وسلام
طالعت بمشاعر من الحزن والخيبة والشفقة تفاصيل الحوار الذي أجري معكم علي الموقع الإلكتروني لصحيفة سودانيز أونلاين بتارخ 2 نوفمبر 2004م. مستصحبا تاريخاً مجيداً لهذا المنصب الكريم الذي إنتهي الي فضيلتكم مرشداً عاماً لجماعة الأخوان المسلمين، إذ تأسس علي تقوي من الله ورضوان، في فاتحة عهد الصحوة الإسلامية المجيدة وفي خضم المحنة المتطاولة بأمة المسلمين، وما أشبه الليلة بالبارحة حيث قام الإمام الشهيد حسن البنا لأول القرن الماضي بدعوة سواء للإسلام متجردا من العصبيات الطائفية مؤسساً لبناء جديد علي أصول الدين الخالدة ولكن علي صور متجددة في سلسلة الإحياء الإسلامي الموصولة في تاريخ المسلمين، كلما بلي فيهم الدين أو نسوا حظا مما ذكروا به، مثابة تعيد الدور الإجتماعي لرسالة الأنبياء كما جاء في وصف المفكر الإسلامي العظيم مالك بن نبي للإمام البنا.
وقد كانت الحركة الإسلامية في السودان بعضاً من صحوة المسلمين التي إنتظمت عالمهم كافة من وقع الصدمة التي تبدت لهم من بؤس أوضاعهم وترديها الي قوة الغرب الغازي وطغيانه. إلا أن بركات حركة الأخوان المسلمين قد غشيت حركة الإسلام في السودان، رسائل هادية في الفكر للمرشد الأول ومذكرات ونظم وتجارب، ثم الفيض الغامر للأئمة الأعلام سيد قطب، ومحمد الغزالي، وسيد سابق، والبهي الخولي، وغيرهم كثير، ولكنها كذلك إنفتحت لمناهل أخري في حركة الصحوة الأولي فجاءها من الجزائر الفكر النهضوي لمالك بن نبي ومن باكستان كتب الأستاذ أبو الأعلي المودودي ومن الهند أبو الحسن الندوي ومن سوريا الدكتور مصطفي السباعي، وألهمتهم ثورة محمد مصدق والكاشاني في إيران أوائل الخمسين، كما فعلت الشهادة الوضيئة لسيد قطب منتصف العقد الستين. فأمة الإسلام أمة واحدة مهما بدت غير ذلك ومهما صورها أعداؤها وضاقت الآفاق ببعض أبنائها ودعاتها.
الأستاذ الكريم مهدي عاكف:
أسوق اليكم هذه المقدمة لأذكركم رحابة المد الإسلامي المعاصر وأنظر فيما صدر عن لسانكم في المقابلة المشار اليها: (أن الأنموذج في السودان لم يكن بنموذج أصلاً وأنه لم يؤثر عليكم مطلقاً بل كان جملة من الأقوال والأفعال غير المفهومة). أما نحن فنقول أن الحركة الإسلامية السودانية هي في التقويم الموضوعي لجملة المراقبين من المسلمين أو ممن هم خارج الملة أول تجربة لحركة إسلامية في العالم السني تبلغ تمام السلطان، وهي قد إستفادت من تجارب الإسلام كافة، وكانت أكثر فائدتها من الحركة الأم في البلد المجاور الشقيق (مصر)، صوابها تسترشد به وخطأها تعتبر منه، علي ذات منهج القرآن الكريم إذ يقص علينا سوابق الأمم بخيرها وشرها، رشدا وهدي أو موعظة وعبرة، فلا يعرف المؤمن قول المرشد أن التجربة في السودان وفشلها لم يؤثر مطلقاً لأنها أصلاً لم تكون بنموذج. وقد كان حرياً بالمرشد أن يبسط لنا في أنفسنا قولاً بليغاً (في المهالك التي أوقعوا أنفسهم فيها )، فقد كانت أكبر عبرة السودان من الهلكة الكبري التي تردت فيها الحركة الإسلامية في مصر بعد القومة والنهضة التي عطفت اليها قلوب الملايين، وتبعتها كذلك في إبتلاءات الإخفاق حركات إسلامية كثيرة سبقت تجربة السودان ولحقتها، بعضها بما كاد به الأعداء وبعضها بما كسبت أيدينا كلنا ف حركة الإسلام المعاصرة. وقد أنكر المرشد في الحوار المشار اليه : (لا يوجد عمل سري في جماعة الأخوان المسلمين نهائياً)، بعد أن صدرت الكتب والدراسات التي تحمل وجهات نظر متباينة في شأن التنظيم السري الخاص من داخل صف الحركة ومن خارجه، إذ أصبح كسب الجماعة فيه تاريخاً ينفع الناس تأمله وتقويمه ودراسته، لكن المرشد علي ما له من سالفة في التاريخ حتي كأنه ما يزال قائماً فيه ينكر التاريخ، فلا غرو ولاغضاضة أن ينكر تجربة السودان الي جواره وبين يديه، ولا غرو كذلك ولاغضاضة أن لايفهم المرشد ما قالت الحركة الإسلامية في السودان، لأن فهم أقوالها – وهي كتب وبرامج ونظم ودساتير أضحت موضوعا لدراسات ثرة عميقة في أرقي جامعات الدنيا ومراكز بحثها، وكذلك لدي جملة تجارب الإسلام المعاصرة وحركاته، ذلك أن فهم الكسب الفكري والعملي للحركة الإسلامية السوداني يقتضي من المرشد تواضعاً شديداً وصبراً أشد، فهي تأتي من بلد أدني في مسيرة التاريخ الذي يوالي تأثيره علي المرشد، لكن المسلمين يسعي بزمتهم أدناهم، وأمة النبي الخاتم كالمطر لا يدري أوله خيراً أم آخره.
لقد كان آخر ما قدمت الحركة الإسلامية السودانية من (أقوال) هو دستور للبلاد نفاخر ونتحدي به، لأنه أرد أن يعيد الرشد للسياسة الإسلامية منذ الخلافة الراشدة، وحوله دارت رحي معركة الخلاف الذي شق صف الحركة. ولا نشك أن المرشد لم يكلف نفسه بالوقوف عليه، فالدستور مقالة ولكنها ثمرة فعل بذلت فيه عقول كثيرة أفكارا كثيفة وسعت في سبيل بلوغه كسوب عميقة وارتوي غرسه بدماء عزيزة غزيرة لشهداء أبرار، لا يبدو في ظاهر أمر الدنيا أنهم أقل مضاءاً وبذلاً من شهدا حركة الإسلام في مصر، سوي أن أعدادهم متكاثرة ومدهم متصل دفاعا عن الأنموذج الذي لم يعني المرشد في شئ، ولكنه عني أعداء الإسلام في صراعهم الحضاري معه وكادوا له بما وسعهم. ولكنه كذلك أنموذج هفت اليه قلوب كثيرة علي إمتداد ساحات العمل الإسلامي في العالم فلم تنقطع وفودهم نحو السودان، وراعهم ما أصابه من محنة ضربت صفه، فهبوا اليه من أرجاء الدنيا يبتغون إصلاح ذات البين، ويعلمون أن الإسلام يخسر بإنحسار هذا المثال أو إنكساره فما من فكرة بقيت ثابتة إذا إضطرب من يحملها أو سقط، منهم أفذاذ قاموا بالإصلاح والحسني من نفس صف الجماعة التي تتولون اليوم أمر إرشادها وإن تأخر المسعي الرسمي بإسم الجماعة.
بل إن صف الحركة الإسلامية في السودان لم ينقسم علي مقولة غامضة أو مواقف مجهولة ولكن حول جوهر ما حملته وثيقة دستور البلاد، وهو لا يبعد كثيرا عما عبر عنه فضيلة المرشد في ذات المقابلة (أنا شخصيا أري أن الأخوان المسلمين يحملون أرقي حضارة علي مستوي التاريخ في تفهمهم لمعني الحرية وتداول السلطة والصدق والأمانة).
فضيلة الأستاذ المرشد : لقد جاءت عباراتكم عن الشيخ حسن الترابي زعيم الحركة الإسلامية في السودان لنصف قرن بادية الغرابة حتي لا نصفها بأكثر من ذلك، فهو بنص حديثكم : هي علاقات كانت أكثر من طيبة مع قائدها الأسبق السيد صادق عبد الله عبد الماجد الذي كان موجودا قبل حسن الترابي ولكن عندما جاء هذا الترابي إختلفنا معه كثيرا وإنقطعت صلتنا به ولم نعد نعرف عنه شيئا). ثم في موضع آخر : (ولو قابلت الترابي هذا وجاء وجلس أمامي فسأقول له هذا الكلام ولدي كلام آخر سأقوله له في حينها)، ثم في موضع آخر: (شوف أنا لا أوافق عليه بكل المقاييس ولو كنت قابلت هذا المدعو الترابي كنت سأقول له كلاما كثيرا جدا فنحن أولا لا نتفق معه مطلقاً وليست لدينا إتصالات معه لا من قريب ولا من بعيد ونحن نعلم جيدا انه الآن بالسجن). إلا أنه سوي الغرابة في الأفكار فهنالك الغرابة في الأسلوب التي يحزن المرء أن تجئ من الموقع الذي توالي عليه ائمة في البلاغة من لدن حسن البنا الي مصطفي مشهور كانوا يقولون للناس حسنا. فالشيخ حسن الترابي لا يعوزه إسم الإشارة الذي كرره المرشد وقد بلغ صيته الآفاق منذ منتصف القرن الماضي ، مفكرا إسلاميا عالميا وأكاديمياً تبسط له أرفع المنابر في ارفع معاهد العلم والإستراتيجية والسياسة، وتتسابق عليه وسائل الإعلام العربية والغربية ويحدثها بأكثر من لسان، ذلك قبل ان يسمع الناس بإسم السيد المحترم مهدي عاكف ولعلهم لن يسمعوا به لولا أن آل إليه منصب المرشد العام، فعلي ساحة العالم هنالك من يري الشيخ حسن الترابي علما وحجة وإماما جديرا بالإقتداء، وعلي ساحة العالم هنالك من يختلف معه ويراه غير ذلك وغالبهم – خاصة في إطار حركة الإسلام – يحترمه إحتراما عميقاً لا يخترمه تنابذ بالألقاب كما فعل فضيلة المرشد . وإذ أنني لا أجد في هذا المقام ما يدفعني للحديث أكثر عن الشيخ الترابي وتأثيره وشهرته فهي واضحة بذاتها، أذكر فضيلة المرشد أن الخلاف الذي زعم أنه قطعه عن كل علم بالحركة الإسلامية في السودان لم يكن مع شخص الشيخ حسن الترابي، فهو بوصفه مفكرا مجتهدا مسؤول عن فقهه وإجتهاده، ولكن الموقف الرسمي من التنظيم الدولي لجماعة الأخوان المسلمين هو قرار المؤسسات العليا في الحركة الإسلامية السودانية منذ أوائل العقد الثمانين للقرن الماضي، إذ عرضت البيعة علي الحركة الإسلامية في السودان للتنظيم الدولي ، وإنتهي إجتهادها وبإجماع هيئتها القيادية علي رفضها، وفتح ذلك السبيل لحوار فكري وتنظيمي في مناخ من السماحة والأخوة بين المؤمنين، عبر وفود رفيعة للتنظيم الدولي، ضمت وجوها كريمة منهم من قضي نحيه ومنهم من ينتظر ، مثلوا عدة أقطار عربية. وكان الإختلاف بين رؤية التنظيم الدولي الذي يري أن البيعة له بنص لا ئحة مكتب الإرشاد للعام 1948م والتي تخول للتنظيم الأم في مصر إنشاء فروع له في البلاد العربية، وبين رؤية المكتب القيادي لحركة السودان والذي رأي أن فكرة البيعة يعوزها الفقه والإيجابية، فالأوفق أن لا يقتصر الأمر علي قيادة مصرية وتنظيم عربي، بل ينفتح لكل حركات الإسلام في آسيا وفي أفريقيا، علي مناهج الحوار والتداول والتناصح والتوالي الفكري والتنظيمي، وعبر الوسائل مما أتاحت ثورة الإتصال والإنتقال، كما أن لكل قطر ظرفه الخاص وشعابه الدقيقة التي يفقهها أهله، فالحركة في السودان مثلا - منذ أوائل العقد السعبين الماضي وضعت خطتها الإستراتيجية نحو التغيير والتمكين وبلغت ذلك بحمد الله قبل الأجل المضروب أول الخطة، وكذلك قد يكون الأمر لباكستان أو نيجيريا من خارج عالم العرب. وقد إقترحت الحركة الإسلامية قي رسالة مكتوبة بعنوان (الأصول الفكرية والعملية لوحدة العمل الإسلامي 1983م)، وأسست ذلك علي فكرة التنسيق المتدرج صعودا نحو أكمل وحدة هي غاية وجود المسلمين بدلا عن البيعة والإندماج والإتباع . أم أن الأستاذ صادق عبد الله عبد الماجد هو زعيم الحركة الإسلامية في السودان قديما قبل الشيخ حسن الترابي علي حد قول المرشد، فتوهم لا أصل له، إذ لم يكن الأستاذ الصادق عبد الله يوما زعيما للحركة في السودان إنتخابا من أجهزتها أو زعامة بالأمر الواقع والإجماع الشعبي والتاريخي كما هو حال الشيخ الترابي. إلا أن الأستاذ الصادق وثلة محدودة معه خرجت لأول العهد الموسوم بالمصالحة الوطنية في السودان 1978م بمواقف وآراء علي القرار التنظيمي الرسمي وأدي ذلك بالمؤسسات التنظيمية المحلية أن تصدر قرارا بفصله ومعه بضع أفراد لم يكن من بينهم سوي الأستاذ صادق عبد الله من يوافي عضوية الصف القيادي الأول وقت ذاك. لكن التنظيم الدولي عامل تلكم الجماعة المحدودة وكأنها التنظيم الشرعي الأصل إذ رضيت أن تبذل له بيعة تزيداً علي الولاء القديم وساوي بينه وبينها في مناسبات عابرة علي قسمة ضيزي كما في موسم الإنتخابات للعام 1986م. لقد ظل الأستاذ صادق عبد الله يمحض قلمه في عمود يومي في صحيفة سودانية هجوما وتجنيا علي الشيخ الترابي والحركة التي يقودها وقد مضي علي ذلك في غالب سنوات حكم الإنقاذ التي يزعم المرشد ان الترابي (أوقع بالسودانيين فيها ما لايرضوه)، فلم يضر الشيخ الصادق عبد الله أذي من نفوذ الترابي، بل أن الشيخ الترابي لم يحدث قط أن بسط يده أو لسانه بالرد عليه فالله إنما يتقبل من الصالحين سنة إبني آدم، وتمتع الشيخ الصادق بحريته وحركته وعمله بما فيها عضوية مؤسسات أنشأها التنظيم الذي يقوده الترابي. حتي إذا وقع الإنشقاق الكبير بين قيادة الدولة ومن تولوا المناصب الأعلي فيها وبين الشيخ الترابي والحركة الإسلامية في العام 1999م، وعلي قضايا بينة أعلاها حرية الناس وإختيارهم، وإلتزامهم العهد وميثاقه ثم الحكم الإتحادي لأقاليم السودان كافة، حتي إذا إختلف الناس علي القضايا وأقصي الشيخ الترابي بقوة السلطان وطغيانه، سارع إخوتنا من جماعة الشيخ الصادق وعقدوا تحالفاً مع الحكم الراهن الذي يستشعر فضيلة المرشد إضطرابه وخطله : (ويدعوا لحوار جامع لكل المتخاصمين السودانيين وأن عليهم أن يعتدوا بالتجارب الديمقراطية التي حدثت في العالم وأنه بدون الحوار الجامع فلن تحل المشكلة مطلقا). والحق أن الترابي لم يبلغ في منهجه ونصيحته للنظام ما بلغ المرشد، بل دعاهم بمصطلح إسلامي أصيل هو (التوالي السياسي)، وأن يؤسس الحكم علي أصول الشوري والحرية الأتم، فغلب الإستبداد وكره المستبدون أن يهدد ذلك كرسيهم. إلا أن الذي يجدر ذكره في هذا المقام أن اول من سارع لنصرة الطغيان الوجوه الأبرز في الجماعة المبايعة للتنظيم الدولي، ممن فسح له تنظيم الترابي دائرة إنتخابية وفاز فيها ونال بها عضوية البرلمان الذي أقر ذلك الدستور بالإجماع، لكن العضو المؤقر علي مسلك مريب مضطرب نهاز أشتهر به، كان أول شهود المحكمة الدستورية ضد البرلمان الذي حله الرئيس بغير حق. أم الآخر في صف الجماعة المبايعة فقد غلب عليه ما يحفظ ويروي من شعر الجاهلية وتاريخها علي ما يفسر من آي الذكر الحكيم، فقد كان كذلك أبرز شهود الطغيان في جولة النظام الآخيرة ضد حزبنا المؤتمر الشعبي، إذ إلتزم غالب قيادات الأحزاب مهما تكن مجافاتهم لمناهج الأخوان في السياسة الإسلامية، إلتزم غالب هؤلاء موقفا عدلا وسطا لم تستخفه دعايات الطغيان وحضور نائب الرئيس لذلك الجمع، إلا من أخ لنا في الإسلام قدبم داعيا الي الحسم والهدم والردم . وهنا لنا وقفة شديدة الأهمية مع فضيلة المرشد.
فضيلة المرشد العام لجماعة الأخوان المسلمين:
لقد تناهت الينا من المصادر الوثيقة القريبة قرار نظام الخرطوم تصفية الشيخ حسن الترابي عبر محاكمة صورية يعقبها حكم نافذ سريع بالإعدام، ولم يلبث رئيس الجمهورية أن كرر أمام عيون العالم الراصدة وآذانه المرهفة أنه لا يضيره أن يقطع عنق الشيخ الترابي وهو مطمئن الي الله، تعالي سبحانه عن ساقط القول علوا كبيرا ، وقد كانت تلك المرة الثالثة في عامين التي يصدر فيها مثل هذا التصريح علي ملأ عام ومن ذات الرئيس، ولا ريب أن فضيلة المرشد قد سمع ذلك عبر كل وسائل الإعلام التي ظلت تردده ليوم كامل أو يومين وظل صداه يرتد إحتجاجا علي نظام الخرطوم من أهل الصدق والأمانة إلا من صمت تام للتنظيم الدولي.
يأتي ذلك من نظام مضطرب مأزوم تحيط به البلاءات لعلها بما كسبت أيادي القائمين عليه في فتنة لم تصب الذين ظلموا خاصة، فهي اليوم تهدد كيان السودان التاريخي الموحد منذ العام 1820م إلا أن غالب عسف النظام وقمعه يقع اليوم علي عضوية المد الأوسع للحركة في السودان وقيادتها وحزبها المؤتمر الشعبي، بعد أن برأ الي الله مما تردي اليه الحكم وإستقل حزبا بإسم ونظام ومواقف ، ولكن النظام لم يشأ أن يخلي بيه وبين الناس ولو إحتراما لدستوره الذي يتيح حرية التعبير والتنظيم ويمنع الإعتقال والحبس بالشبهات، وتلك قصة أخري من ظلم ذوي القربي يملأ تفصليها صفحات كثيرة، ولكن يهمنا هنا فقط المخطط الآخير الذي يريد أن يخلي الساحة من المؤتمر الشعبي لصالح ترتيبات مقبلة يتوهم النظام أنها لن تتم له هناءتها وإستقرارها بوجود المؤتمر الشعبي سيما أمينه العام الشيخ الترابي. ولقد رضي الحزب المبايع الصغير دوره في الإعداد لمخطط التصفية، أما أن يتورط المرشد العام لجماعة الأخوان المسلمين نفسه في مخططات الفراعين فهذا ما يدعونا بأن نبسط القول ونطيل الوقوف، فلماذا هذا الحوار وفي هذا الوقت بالذات ؟ ولماذا هذا النمط من الخطاب نحو الشيخ حسن الترابي والمرشد وهوكما يقول يعلم جيدا أنه في السجن. إن يقيننا الذي ترشدنا اليه بصائرنا أن الحوار وتوقيته وأسئلته قد أعدت من قبل نظام الخرطوم ولكن لماذا ينساق المرشد العام له بكل هذا الحماس، قد أزال الشك باليقين مما ظللنا نرقب ونتأمل من تصرفات ومواقف التنظيم الدولي في المرحلة الآخيرة .
لقد شاهدنا وفد الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين بقيادة الشيخ يوسف القرضاوي يزور الخرطوم بعد أن إشتدت أزمة إقليم دارفور وبلغ صداها كل أركان الدنيا، وشاهدنا كذلك ذات الشيخ القرضاوي يصرح لتلفزيون السودان ساعة وصوله مطار الخرطوم بأنه إنما جاء (لإصلاح ذات بين إخوتنا الذي إختلفوا في السودان)، وكانت تلك بشري فالقرضاوي لعله أقرب العلماء قربي للسودان وللشيخ حسن الترابي، ولكن الشيخ القرضاوي قضي نحوا من اسبوع في السودان دون أن يلتمس زيارة للترابي وقد وافي الأيام الأشد سخاءاً في منح النظام فرص الزيارة لما يطلبها نحو الشيخ التراب ، وقد غادر الشيخ البلاد وإلتمسنا له العذر خاصة بعد أن فتحت الزيارة للعضو الأبرز في الوفد بعد الشيخ القرضاوي والأقرب الي السودان والي الشيخ الترابي وهو الدكتور محمد سليم العوا والذي سبق له أن زار السودان في العام 1989م وصرح في مقابلة صحفية (أن الشيخ حسن الترابي يتميز بعلم ديني غزير ونظرة فاحصة الي ماضي المسلمين ونظرة ثاقبة الي مستقبلهم)، وقد رايناه ورآه العالم اجمع يتحدث في قناة الجزيرة عبر برنامج بلاحدود لساعتين من الزمان ويعلن أنه إلتقي الشيخ الترابي لمدة ثلاثة ساعات في محبسه بالخرطوم إلا أن ما جري عبر تلك الساعات الطوال لم يجد تعبيرا بكلمة واحدة من الدكتور العوا ولم يتجرأ مقدم البرنامج علي طرح السؤال الذي ظل يطرح نفسه في الصمت المتواطئ للرجلين.
إننا نعلم أن الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين رغم التصريحات الكبيرة التي بشرت بسعته وإنفتاحه قد ولد في أحضان التنظيم الدولي للأخوان المسلمين ولا غضاضة في ذلك لو أنه فعلا مضي علي ما أعلنه مؤسسوه في لقاء الإفتتاح بمدينة لندن، كما نعلم أن نظام الخرطوم كان حاضرا بممثليه ولا غضاضة في ذلك أيضاً لو أنه فقط وجهت الدعوة لأهل الطرف الآخر من حركة الإسلام في السودان، أما ان العمل الأول للإتحاد العالمي بزيارة السودان في إطار محنة دارفور وأزمة إنشقاق الصف الإسلامي، فقد جاءت بإقتراح من وفد المؤتمر الشعبي الذي أفرغ وسعه حتي يلقي الشيخ القرضاوي ويبلغه في لندن بالمقترح ويحدثه عن خطورة الموقف وتحديدا عن مؤامرة النظام لتصفية الشيخ حسن الترابي.
فضيلة الأستاذ المرشد :
تواترت ملاحظاتنا علي إجتهادكم منذ أول صعودكم للمنصب في أن تطيب العلاقة بين حركة الأخوان المسلمين والحكومة في مصر عبر تصريحاتكم كافة مهما بدت الحكومة صادة عن ذلك، ولكننا نراه جانبنا موقف خير نرجو له تماما وبركة، أما أن تجير قضية السودان لا سيما قضية دارفور والمحنة التي يحاصر فيها الشيخ حسن الترابي وحركته لصالح ذلك فهذا ما لانرضاه ولا نري أن سيثمر في المدي القريب أو البعيد فالمؤمنون شهداء بالحق ولو علي أنفسهم.
لقد جرت تصريحات الشيخ يوسف القرضاوي وحديث الدكتور العوا عليهما بعد زيارتهما للسودان سخطاً شديداً من عامة المراقبين السودانيين وبدت شهادتهما عن دارفور كمن يكتم الحق أو يزوره – مهما كنا خاصة نقدر غير ذلك - ، وفي هذا الصدد نحيلكم الي ما نشر في أعقاب ذلك بالمواقع السودانية الإلكترونية التي إزدحمت بالتعليقات والرسوم الكاريكاتيرية مما لا نرضاه لهذين الشيخين الكريمين خاصة .أم أكثرها غرابة فهو تصريح رئيس وفد الأطباء المصريين الي دارفور الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح نقيب الأطباء وعضو جماعة الأخوان المسلمين الذي تحدث عن طهارة المنطقة من أيما حادث إغتصاب في نفس اليوم الذي إعترف فيه وزير العدل السوداني بوجود حالات لهذه الجريمة المنكرة وبعد إعتراف وزير الخارجية السوداني بوجود مشكلة في دارفور وأن عدد القتلي لا يزيد علي خمسة آلاف.
ان المثال القريب هو عبرة الاكراد في شمال العراق اذ صب عليهم صدام حسين نيرانه التي لم تعرف الرحمة وسط صمت تام من المسلمين لا سيما جيرانهم العرب، بحجة الاستغلال الاميركي للاحتجاج لتقوية حجج اميركا لغزو العراق، الا أن أميركا غزت العراق على اية حال، وارتد الموقف الذي يكتم الحق والشهادة فتنةً للأكراد عن أصولهم الحضارية والثقافية نحو موالاة الاجنبي.
إن نظام الخرطوم بسجله المثقل لا يستحق أن تتحول من أجله حركة الأخوان المسلمين الي هيئة علاقات عامة تمسح عن كاهله الأوزار وتقف من أجله في صف الجنجويد ولو كانت تخشي علي السودان من مغبة التدخل الدولي والغازية الأجنبية.
الأستاذ الكريم فضيلة المرشد :
إن المشهور عن جماعة الأخوان المسلمين في مصر هو تحفظها الشديد إزاء وسائل الإعلام وهو أمر محمود في بعض وجوهه خاصة إذا أشارت السوابق الي ضرورة الحذر خوف التشويه والتحوير. ولا ننسي أننا في تاريخ قريب قد رأينا من ينتحل بطاقة الصحافة ليتولي التصفية المادية الجسدية لقائد عسكري في بلد إسلامي معروف.
إن الصحفي الذي إختاره المرشد العام لإعطائه المقابلة موضوع هذا الخطاب قد ظهر إسمه في المواقع الإلكترونية بغير سابق تاريخ وليؤسس بنيانه علي مشاقة الحركة الإسلامية وتشويهها مدفوعا بأجندة نظام الخرطوم، وقد نالت أول سهامه المسمومة المستشار السابق للرئيس السوداني الدكتور غازي صلاح الدين والذي كتب مقالا طويلاً في الرد عليه، مبينا أن له سوابق كثيرة مع الصحافة إلا أنه ليس من بينها من إدعي أنه لقيه وأجري معه حوارا صحفيا إختصه به سوي هذا المنتسب زورا الي الصحافة، وهذه أزمة ما تزال تتفاعل في القضاء بعد أن أوقفت الصحيفة التي نشرت مقابلة المسشتار كل تعامل معه. كما نشر نفس الرجل مقابلة مع النائب الأول للرئيس السوداني شديدة الإضطراب والغرابة بما لا يضاهي إلا مقابلة المرشد العام لجماعة الأخوان المسلمين.
فضيلة الأستاذ المرشد :
إن آخر ما نتمناه أن نكون معكم علي خلاف عبر صفحات الخطاب العام ووسائل الإعلام، وما نزال نرجو أن يكون الحوار المذكور قد لحقه بعض التلبيس مما عرفنا من مسلك الصحفي الذي أجراه رغم سعة إنتشاره وغياب أي نفي له أو تصويب من قبلكم، إلا أن دواعي هذا الرد تثيرها شجون كثيرة ليس أقلها الصمت الذي يطبق علي التنظيم الدولي إزاء محنة الشيخ الترابي وحزب المؤتمر الشعبي وضلوع من يمثله داخل السودان في المؤامرة وقد تكاثرت السهام بغير حق وإمتدت فروع التآمر الأخطبوطي، فالحق أحق أن يتبع وأن يصدع به مهما يكن مراً، والأجدر بأخوة الإسلام أن تمحض النصح في ساعة شديدة الخطر علي الأمة كأنها تكون أو لا تكون ولكن أكثر الناس كأنهم لا يعلمون.
المحبوب عبد السلام المحبوب
الناطق الرسمي بإسم المؤتمر الشعبي في الخارج
23 نوفمبر 2004م