جهود إنهاء النزاع المسلح في السودان
إزاء الإعلان عن عقد اجتماع خاص لمجلس الأمن الدولي بالعاصمة الكينية نيروبي يومي 18 -19 نوفمبر الجاري وهي المرة الحادية عشرة في تاريخه التي يجتمع فيها المجلس خارج مقر الأمم المتحدة بنيويورك، لمناقشة قضية الصراع الذي يشهده السودان ولدفع جهود إحلال السلام بين أطراف التفاوض لإنهاء أطول نزاع داخلي مسلح تشهده القارة الأفريقية خلال العقود الماضية، ترحب منظمة العون المدني بهذه المناسبة وتصدر هذا البيان لتذكر بالمؤشرات التالية :
- إن استمرار النزاعات المسلحة في جنوب وغرب السودان بين الحكومة والحركات المسلحة لسنوات وأشهر قد خلف وراءه دماراً هائلاً أودي بحياة مئات الآلاف من المدنيين، وهجر علي إثره أكثر من أربعة ملايين نسمة ديارهم وبيئتهم مشردين داخل السودان ولاجئين بدول الجوار فقدوا المأوي والغذاء والكساء والدواء، حيث هدمت البنيات الأساسية وتعطلت مشروعات التنمية وندرت الخدمات الصحية والتعليمية بصورة واضحة إلا من بعض إجتهادات الهيئات الإقليمية والدولية ووكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية الأجنبية والوطنية في مجالات تقديم المساعدات الإنسانية. تحث المنظمة جميع الأطراف المتحاربة في جنوب وغرب السودان على التوصل لاتفاق سلام شامل ينهي هذا الوضع المأساوي ويحفظ لشعب الإقليمين كرامتهم وقدرهم ويمكنهم من التمتع بحقوقهم وحرماتهم وحرياتهم الأساسية كافة.
- تتفهم المنظمة ما شهدته مراحل السلام السابقة في الجنوب وما بذلته الأطراف من حلقات مضنية من التفاوض تنقلت بين عواصم بلدان عديدة داخل وخارج القارة الأفريقية أدت إلي اتفاقات ثنائية معروفة للمتابعين بين الحكومة وحاملي السلاح منذ اتفاقية أديس أبابا مطلع السبعينات في عهد حكومة مايو مروراً باتفاقية الخرطوم للسلام لدولة الإنقاذ الحالية نهاية التسعينات من القرن الماضي، وعلي الرغم من احتفاء السودانيين عامةً بتلك الاتفاقيات وتعليق آمالهم عليها إلا أنها فشلت جميعاً في تحقيق الاستقرار والسلام الدائم نسبة لعدم تمكن أطرافها من تجاوز تفاصيلها السياسية والأمنية والاقتصادية، الأمر الذي ينبغي أن يحسمه الاتفاق القادم بوضوح تام لا لبس فيه.
- وإذ تشير المنظمة إلى فعالية دور مجلس الأمن في دفعه الأطراف المتصارعة للتوقيع علي عهد سلام دائم، تهيب بأعضائه الكرام مراعاة استصحابهم لأهمية التوافق الموضوعي بين الأطراف المتفاوضة دون دفعهما قسراً لتوقيع سلام سياسي متعجل عاجز عن استيعاب دروس وعبر الماضي من خلال إزالة الجذور التاريخية والسياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية لمشكلتي جنوب وغرب السودان باعتبارهما من أكثر المشكلات تعقيداً وأخطرها علي سلامة بلد ظل موحداً منذ استقلاله في العام 1956م، وهذه مناسبة هامة ليتبني المجلس قراراً دولياً نافذاً يسهم في إنهاء الحرب وإزالة آثارها المادية والمعنوية.
- وإذ تدعو المنظمة طرفي التفاوض بصفة خاصة إلي حسم المسائل المعقدة التي تعترض طريق الصياغة النهائية لاتفاقية السلام الشامل للأزمة بأقصى سرعة ممكنة، تنوه إلي ضرورة استصحاب الملاحظات التي أبدتها جميع الجهات الوطنية من أحزاب ومنظمات وباحثين ومهتمين حول التفسير والإضافة والحذف لبعض المسائل التي سقطت عن نصوص البرتوكولات الستة التي وقعها الطرفين مطلع هذا العام لضمان الحصول علي أكبر سند سياسي وشعبي، خاصة أن الاتفاق النهائي المتوقع سيكون إطاراً محورياً لإحلال السلام الشامل في السودان عموماً.
- تؤكد المنظمة علي ضرورة أن يسود مبدأ التسامح بين الأطراف شفاهةً ونصاً ليغطي كافة الأحداث التي سبقت مرحلة التوصل إلي السلام لأن هذا النزاع قد تسبب في اضطرابات اجتماعية كبري وأثر على علاقات السودانيين المحلية والإقليمية والدولية كما إستمدت الخلافات الداخلية الأخرى جذوره لتدعيم أسبابها.
- تعتبر المنظمة مشروع القرار المقدم من بريطانيا التي ترأس مجلس الأمن في دورته الحالية مشجعاً للحل تم تبنيه من دولة ذات ضلع كبير فيما حدث ويحدث منذ استعمارها للسودان 1998م – 1956م حيث بذرت جذور الصراع الحالي عندما اعتمدت قانون المناطق المقفولة الصادر عام 1922م. الذي عزل الجنوب عن الشمال ومنع المواطنين من التواصل الثقافي وحظر العلاقات التجارية والتعليمية والدينية بينهم. حيث فرضت بريطانيا اللغة الإنجليزية في التعليم والإدارة ومنعت السفر بين الشمال والجنوب لغير الأوروبيين وتركت خدمات التعليم والصحة والخدمات الاجتماعية لمؤسسات دينية متطرفة زرعت الكراهية وعدم الثقة تجاه الشمال إلي أن تم عقد مؤتمر جوبا عام 1947 الذي أقر وحدة السودان. ولإزالة آثار ذاك الماضي تطالب المنظمة بريطانيا بإعلان موقفها أمام طرفي الصراع لإبداء حسن النية في تقبل مقترحاتها بشأن لم شمل المتخاصمين، وتسترعي المنظمة في نفس انتباه المجتمع الدولي إلي مقررات مؤتمر ديربان 2001م فيما يتعلق بدعم السلام الاجتماعي والحد من آثار العنصرية والتمييز العنصري وكراهية الآخر الذي رسخه الاستعمار، الأمر الذي يتطلب من الدول الكبري بذل الجهود المادية والمعنوية لمساعدة الفرقاء السودانيين في احتواء الأزمة بدلا من التهديد المستمر بفرض عقوبات من شأنها أن تزيد من معاناة الشعب وتحد من تطلعاته لإحلال الديمقراطية وحقوق، حيث تؤيد مشتملات القرار الهادفة إلي إعلان ولاية الأمم المتحدة في عملية حفظ السلام، ودعوتها الوكالات التابعة لها والهيئات والإتحادات الإقليمية لإعادة إعمار ما دمرته الحرب بتنظيم مؤتمر للمانحين عقب التوصل إلى اتفاق السلام النهائي.
- تثمن المنظمة الدور الكبير الذي بذلته منظمة الإيغاد والاتحاد الأفريقي وتؤكد على مسئولية حكومة السودان والحركات المسلحة عما جري من مخالفات وانتهاكات جسيمة وواسعة لحقوق الإنسان في بقاع السودان عامة بصفة خاصة في إقليم دار فور وجنوبي السودان مما يقتضي أن تتخذ الأطراف التدابير القانونية والأخلاقية اللازمة للقضاء لتجاوز ما حدث علي المستويات كافة تعزيزاً حقوق الإنسان وإنفاذ القانون وذلك باعتماد :
أ. عنصر المواطنة كأساس للحقوق والحريات الأساسية والتعايش السلمي بين أبناء الوطن كافة.
ب. تصريح الاتفاق النهائي بإنشاء وزارة خاصة بحقوق الإنسان حسماً لمشكلات هذا الملف المبعثر بين مختلف الجهات السياسية والأمنية.
ت. تفويض مؤسسة وطنية مستقلة لحقوق الإنسان تهتم بالتسوية الكاملة لمشكلات حقوق الإنسان التي حدثت في مناطق النزاع والمناطق التي امتدت إليها آثاره في أنحاء البلاد كافة. وإعمال مبدأ الشفافية والمحاسبية في ما دار من أحداث وممارسات والتحلي بالشجاعة الكاملة التي تقتضي الاعتراف بالأخطاء حال حدوثها والاعتذار عنها والعمل بجدية على محاسبة الجهات التي تقترف جرماً في مجال حقوق الإنسان.
ث. التأمين علي أهمية الدور الذي تقوم به مؤسسات المجتمع المدني السوداني في خدمة قضايا حقوق الإنسان بالبلاد وإزالة بعض أشكال التمييز التي تتعرض لها من أطراف الصراع التزاما بحيادها وعدم تسييسها باعتبارها لسان حال المجتمعات التي تنشط وسطها.
ج. اعتبار ملف حقوق الإنسان ملف وطني والعمل على الإعلاء من شأن الرقابة الوطنية بما تتطلبه من تحكيم للضمير الوطني في مقابل الرقابة الدولية المفروضة علي البلاد عبر إلتزمها المسبق بالمعايير الدولية الحاكمة لحقوق الإنسان.
ح. إتاحة حرية الرأي والتعبير والتنظيم بصورة كاملة وإزالة القيود المفروضة عليها وتمكين الجميع من المشاركة بآرائهم في حل الأزمة دون الإخلال بشرائط الأمن القومي المعروفة لدي الجميع.
خ. رفع حالة الطوارئ فوراً خاصة في المناطق التي لا تشهد حروباً أو نزاعات مسلحة.
د. تلتزم جمهورية السودان بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وتسعى للانضمام إلى المواثيق والعهود الدولية الأخرى التي تأخر السودان عن اللحاق بركبها مثل اتفاقيات منع التعذيب واتفاقية منع كافة التمييز ضد المرأة مع الاحتفاظ بحق التحفظات اللازمة التي تجعل التزام البلد بتطبيق روح تلك المعايير الدولية أمراً ممكناً، والعمل علي مراجعة التشريعات الوطنية كافة لضمان مواءمتها مع الالتزامات الدولية والإقليمية للسودان فضلاً عن الأسس العقدية والفكرية للأمة السودانية.
ذ. إطلاق سراح المعتقلين السياسيين علي وجه السرعة أو تقديم من يثبت اقترافه لجرم منهم إلي محاكمة عادلة مع العمل علي تحسين ظروف المعتقلات والسجون لكافة المعتقلين والمسجونين.
ر. العمل علي إحداث الموازنة المطلوبة بما يحقق امن الدولة (Security of the State) ويضمن في ذات الوقت امن المواطن (Human Security)، علي أن لا يحرم أي شخص من حقوقه وحرياته الأساسية أو أهليته القانونية لأسباب سياسية، وكل السودانيين سواء أمام القانون، وهم يتمتعون بالحقوق المدنية والسياسية، ويتحملون الواجبات العامة دون ما فرق أو تمييز في ما بينهم بسبب العرق أو الجنس أو اللون أو الدين أو الرأي السياسي أو الإعاقة.
ز. حماية وتعزيز حقوق الفئات الأكثر هشاشة في المجتمع السوداني (النساء والأطفال والعجزة)، ورعاية أوضاع حقوق الإنسان للمواطنين المتأثرين بالحروب والنزاعات المسلحة من نازحين ولاجئين ومشردين والحد من أشكال استغلالهم لا سيما توفير التدابير الخاصة بالحماية للأطفال حسبما نصت عليه اتفاقية حقوق الطفل التي صادق عليها السودان العام 1990م.
س. مراقبة تعاليم الإسلام والأديان السماوية ومبادئ القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني في حالات السلم والحرب لا سيما ما يتعلق بقضايا الأسري ومعاملة الأسير.
ش. إقرار مبادئ حقوق الإنسان ومبادئ الديانات السماوية التي لا تناقض تلك الحقوق مصدر باعتبارها أصلاً ثابتاً ومصدراً أساسياً من مصادر التشريع، ثم مراقبة الدولة لله سبحانه وتعالي وتوخي الخشية منه في المقام الأول في كل أحوال ممارسة المسؤوليات العامة وفي مختلف المجالات لأن حقوق الإنسان وحرياته الأساسية ملزمة وواجبة الاحترام، وعلي ولي ولاة الأمر كفالة الحقوق والحريات الدينية والمدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية لكل المواطنين، وتمتعهم بها على أساس مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص استجابة لأمر الله قبل اتقاء خشية آليات الرقابة الدولية حتى لا ينطبق علينا قول الله عز وجل " ويخشون الناس والله أحق أن يخشوه ".
Hassan Saeed Elmogummer Taha
Executive Director, 0044(0) 794962439
20 Grafton Terrace, NW5 4JJ, London - UK