موقف التجمع من بروتوكولات السلام
يرحب التجمع الوطني الديمقراطي ببروتوكولات السلام الموقعة بين الحركة الشعبية لتحرير السودان والحكومة السودانية، ويرى انها تمثل خطوة هامة في طريق انهاء الحرب الاهلية ومعالجة جذور الازمة السودانية المزمنة، وهي بالتالي تشكل نهاية مرحلة وبداية مرحلة جديدة لتحقيق التحول الديمقراطي وترسيخ السلام. فالإتفاقية توفر أساسا لاعادة هيكلة البناء الوطني الموحد علي أسس جديدة تختلف عن الأسس القائمة منذ فجر الاستقلال، أسس تراعي الاستجابة الواسعة لمتطلبات الاقاليم في الحكم اللامركزي والمشاركة في السلطة والتنمية، وفي نفس الوقت تراعي ضرورة التوازن بين المركز وهذه الأقاليم، وتؤكد وحدة البلاد في اطار تنوعها وتعددها الاثني والديني والثقافي. لذلك فإن التجمع الوطني الديمقراطي سيعمل لإستثمار هذه الفرصة النادرة التي وفرتها الإتفاقية لمعالجة مفاصل الأزمة السودانية، وذلك عبر تركيز وتطوير إيجابياتها، وفي نفس الوقت بذل الجهد المطلوب لعلاج ما يشوبها من إختلالات بدءا من كونها مبرمة بين طرفين فقط من أطراف المعادلة السياسية في السودان، إضافة إلى عدد من الملاحظات التي أقرها التجمع في تقييمه للبروتوكولات. وفي هذا الصدد فإن التجمع يعتبر التدابير التالية شرطا أساسيا دونه لايمكن أن تحقق الإتفاقية غاياتها المرجوة:
أولا: الأزمة السودانية، بعمقها و بتشابك وتداخل حلقاتها (السلام، الوحدة، الديمقراطية والتنمية المتوازنة)، لا يمكن حلها عبر تحالف أو شراكة بين طرفين فقط، كما لا يمكن التعامل معها كناتج ثانوي لحل قضية الحرب الأهلية في جنوب الوطن. إنها مهمة سائر القوى السياسية والإجتماعية السودانية ممثلة في الأحزاب والتنظيمات المختلفة. كما أن الإتفاقيةلم تنه عوامل الإنفصال ومهددات الوحدة، وهذه مسؤولية الجميع في الشمال والجنوب. لذلك يشترط التجمع الوطني الديمقراطي أن تعرض الإتفاقية النهائية التي سيتوصل إليها الطرفان على مؤتمر واسع يضم كل ممثلي القوى السياسية السودانية.
ثانيا: تتوافق القوى السياسية السودانية على برنامج للإجماع الوطني يحكم الفترة الإنتقالية، وتلتزم بتنفيذه كافة الأجهزة الإنتقالية، كما تهتدي به الأحزاب المختلفة في ممارستها السياسية. يبنى هذا البرنامج على أساس التزامه بإتفاقية السلام الموقعة بين الحركة الشعبية والحكومة السودانية، وفي نفس الوقت يعالج النواقص والسلبيات الموجودة في هذه الإتفاقية بما فيها قضية المشاركة السياسية المتوزانة في مؤسسات الفترة الانتقالية التشريعية والتنفيذية والمفوضيات المقترحة. وعلى ضوء هذا البرنامج يحدد التجمع الوطني الديمقراطي شكل مشاركته في أجهزة الحكم الإنتقالي.
ثالثا: التجمع الوطني الديمقراطي يرى ضرورة ربط إتفاقية السلام بالتصدي الفوري للأزمة المستفحلة في دارفور ببعديها الإنساني والسياسي. والمدخل السليم لهذا التصدي هو الاعتراف بأن ما يحدث في دار فور إفراز حقيقي للأزمة العامة التي يعيشها السودان، والتي من أبرز تجلياتها التهميش المتواصل لأطراف البلاد ومن ضمنها دارفور، وأن المشكلة سياسية تتطلب حلاً سياسياً قومياً.
رابعا: تلتزم الحكومة بالبدء فورا في تنفيذ كل متطلبات التحول الديمقراطي: إشاعة الحريات العامة وإلغاء القوانين الإستثنائية والمقيدة للحريات، رفع حالة الطوارئ، رفع الرقابة عن الصحف، حرية العمل السياسي والنقابي.........الخ.
خامسا: في إطار برنامج الإجماع الوطني الذي يدعو له التجمع، وإنطلاقا من بروتوكول توزيع الثروة الموقع عليه بين الطرفين، يرى التجمع ضرورة الإتفاق على آلية مناسبة وفعالة لإعادة تأهيل الإقتصاد السوداني ومعالجة قضايا التنمية غير المتوازنة في البلاد، على أن تكون الأولوية لمخاطبة قضايا المعيشة ومعاناة الحياة اليومية للمواطن السوداني. وفي هذا الصدد يقترح التجمع الإلتزام بعقد مؤتمر إقتصادي قومي خلال الفترة قبل الإنتقالية تكون نتائج أعماله جزءا من برنامج الفترة الإنتقالية.
سادسا: معالجة قضية المشردين والنازحين والمهجرين قسرا، والعمل على عودتهم لقراهم ومدنهم الأصلية.
سابعا: معالجة قضية المفصولين تعسفيا (للصالح العام) من الخدمة المدنية والعسكرية.
ثامنا: المحاسبة والمساءلة في انتهاكات حقوق الانسان والفساد المالي والاداري خلال السنوات السابقة.
تاسعا: اجراء مصالحة وطنية ترتكز علي كشف الحقائق.
خيارات التجمع الوطني الديمقراطي:
هنالك عدة عوامل أساسية ومحورية تحكم تحديد خيارات التجمع في التعامل مع الواقع الجديد الذي أفرزته الإتفاقية:
أولا: على الرغم من أن الحركة الشعبية لتحرير السودان قد وقعت بروتوكولات السلام مع الحكومة السودانية، إلا أنها جزءا لا يتجزاء من التجمع الوطني الديمقراطي في النضال من أجل الحلول الحاسمة والناجعة للأزمة السودانية. وهي في هذا الإطار تلتزم بمقررات التجمع الوطني الديمقراطي وفي مقدمتها مواثيق أسمرا 1995 للقضايا المصيرية.
ثانيا: يظل الشرط الأساسي واللازم لتحقيق التحول الديمقراطي وترسيخ السلام، هو استمرار التجمع الوطني الديمقراطي متماسكا وموحدا ومطورا لرؤاه وبرامجه وآليات عمله بما يتناسب مع تطورات المرحلة التي فرضتها الاتفاقية، واستجابة لمتطلبات الواقع السياسي الجديدة. وفي هذا الصدد يضع التجمع برنامج عمل محدد يتم تنفيذه على مستويين:
مستوى الداخل: يقوم على تعبئة الحركة الجماهيرية واستنهاضها من أجل تحقيق التحول الديمقراطي، ومن أجل دعم عملية السلام و من أجل تحويل الإتفاقية إلى إتفاقية شاملة وجامعة، بما في ذلك إدخال دارفور والشرق في المعادلة.
مستوى الخارج: يقوم على توفير كل الدعم الممكن لنشاط التجمع في الداخل وإدارة التفاوض المنتظر مع الحكومة.
ومن ثم يشكل عقد المؤتمر الثالث للتجمع في أقرب وقت ممكن، أولوية هامة بهدف تأكيد وحدة التجمع، وضرورة إستيعاب المستجدات السياسية بعد التوقيع على إتفاقية السلام، وما يتطلب ذلك من تطوير وتعديل في هياكله وآليات عمله.
ثالثا: التجمع الوطني الديمقراطي سيرمي بكل ثقله للمشاركة في آليات تحقيق التحول الديمقراطي في البلاد. لكن خيارات التجمع الأخرى، بما في ذلك المشاركة في الحكومة الإنتقالية، ستتحدد على ضوء إحتمالين محددين هما:
الإحتمال الأول: التمسك بالبروتوكولات الموقع عليها كما هي دون إشراك القوى السياسية الأخرى في مناقشتها وإقرارها، ودون توفير آليات مناسبة تلبي قضية الشمول والمشاركة الواسعة.
الإحتمال الثاني: تنفيذ متطلبات التحول الديمقراطي والإتفاق على برنامج يحكم الفترة الإنتقالية تجمع عليه كافة القوى السياسية. وتحقيق هذا الإحتمال مرهون بناتجين هما:
1- الناتج من جولة التفاوض المقبلة بين الحركة الشعبية لتحرير السودان والحكومة السودانية حول آليات تنفيذ الإتفاق.
2- الناتج من المفاوضات المرتقبة بين التجمع والحكومة على أساس الاتفاق الإطاري لإيجاد حل سياسي شامل للمشكل السوداني والذي وقع بين التجمع والحكومة في مدينة جدة بتاريخ 4/12/2003، وكذلك الناتج من المفاوضات حول الوضع المتفجر في دارفور.