وتكتسب ذكرى الاستقلال الحالية أهمية خاصة حيث تمر البلاد بمرحلة جوهرية وحاسمة من مراحل الحوار السلمي لحل قضايا السودان ، حيث تشهد البلاد مفاوضات السلام الجارية في نيفاشا/كينيا بين النظام الحاكم والحركة الشعبية لتحرير السودان برعاية منظمة الايقاد والتي تحكمها مبادئ الايقاد وميثاق مشاكوس لسنة 2002، كما تشهد اتصالات بين الفصائل السياسية في دارفور و النظام الحاكم على صعيد آخر ، وأخيرا الاتفاق الاطاري الموقع في جدة بين الحكومة السودانية ومولانا/ محمد عثمان الميرغني رئيس التجمع الوطني الديمقراطي.
ولقد شهدت حقبة الانتفاضة 1985 بداية لتوجهات جادة لمعالجة الأزمة السودانية وقضايا الحرب والسلام والديمقراطية. وكادت أن تؤدي هذه الجهود الوطنية التي بدأت بإعلان كوكادام 1986 ، وتوجت بمبادرة السلام السودانية في نوفمبر 1988 ، لإنجاز المشروع الوطني للدستور الدائم عبر المؤتمر القومي الدستوري المتفق عليه إلا أن انقلاب الجبهة الإسلامية القومية المشئوم قطع الطريق أمام المجهودات الوطنية الساعية لحل الأزمة السودانية من جذورها مجهضاً عملية الحل السلمي.
وقد نجح التجمع الوطني الديمقراطي منذ تأسيسه في فضح هذا النظام الإرهابي الشمولي ، وفي ضرب العزلة عليه دوليا وإقليميا ومحليا ، عبر كل الوسائل السياسية والدبلوماسية والعسكرية ، مما اضطر النظام إلي اللجوء إلى طاولة المفاوضات صاغرا بعد فشل "مشروعه الحضاري" وكل محاولاته التي كانت تستهدف وحدة التجمع الوطني وقوى المعارضة وشق صفوفها تارة بالإغراء وتارة بالإرهاب ، وزرع الفتن ، فما لان عود التجمع ولم ينكسر ، بل ظل قابضاً على جمر القضية ووفيا لمواثيق أسمرا 1995 التي نرى فيها حلا ناجعاً لكل القضايا المصيرية التي تهدد وحدة السودان وبقائه.
ومنذ تأسيسه منح التجمع الوطني الديمقراطي أولوية واهتماما خاصا لقضايا السلام والديمقراطية والتنمية المتوازنة باعتبارها جوهر الأزمة السودانية منذ الاستقلال ، كما طرح التجمع الوطني الديمقراطي رؤيته لأفاق الحل السياسي الشامل ومعالجة الأزمة السودانية من جذورها من خلال العديد من المواثيق والأوراق التي تعكس رغبة الشعب السوداني في تحقيق السلام والتحوّل الديمقراطي ، كما قدم حلولا ناجعة لمعالجة المشكل السوداني من جذوره ضمن مقررات نيروبي لفصل الدين عن السياسة ومواثيق مؤتمر اسمرا حول القضايا المصيرية 1995 ومقررات مؤتمر مصوّع 2000 لتبني الحل السياسي السلمي الشامل .
وقد قبل التجمع باتفاق مشاكوس رغم اوجه القصور التي تشوبه باعتباره احسن الخيارات المتاحة التي يمكنها إيقاف الحرب ونزيف الدم المستمر في جنوب السودان ، وتفتح نافذة للسلام الذي طال انتظاره. وقد عدد التجمع اوجه القصور في ثنائية المفاوضات واقتصارها على طرفين ، وإغفالها لقضايا التحول الديمقراطي والحريات ، وفي عدم وجود ضمانات لتنفيذه في ظل غياب الأطراف الأساسية الأخرى. ثم جاء اتفاق جدة الاطاري كمدخل لتوسيع المفاوضات وعملية الحل السلمي حيث حمل اعترافاً صريحا من جانب الحكومة بالتجمع الوطني المعارض باعتباره رقماً لا يمكن تجاوزه في أي معادلة للحل السياسي الشامل بالسودان ، وباعتباره الوعاء الضامن لتنفيذ اتفاق السلام القادم .
وبمناسبة حلول ذكرى الاستقلال نهيب بجماهير الشعب السوداني بكافة فصائله بالالتفاف حول التجمع الوطني وضمان تماسكه وتطوير علاقته بقوى المعارضة الأخرى ، كما نهيب بهيئة القيادة ومؤسسات التجمع إلى تطويره وتحويله إلى آلية فعالة لتحقيق أهداف الشعب السوداني المتمثلة في تفكيك دولة الحزب الواحد ، و إنشاء دولة التعددية والديمقراطية ، دولة العدالة والمساواة وكفالة حقوق الإنسان وفق مقررات اسمرا. كما نهيب بقوى التجمع بالالتفاف حوله وضمان تماسكه والحفاظ على وحدته لمجابهة المرحلة القادمة بتوحد كامل في الرؤى والأهداف والوسائل.
وعاش نضال الشعب السوداني