بدأت الفعالية بترحيب مديرة الندوة الدكتورة ندى مصطفى علي بالحضور وافتتح مداولاتها الدكتور صلاح آل بندر بأن شعار هذه الفعاليات هو:"يذهب الزبد جفاء ويبقى ما ينفع الناس" ملخصا لبرنامج الندوات القادمة ومحاور تركيزها التي تتلخص في الإجابة على مدى نجاح برنامج الإنقاذ الحضاري في:
* دعم وتطوير القدرات البشرية للمواطن السوداني في مجالات الخدمات (صحة + تعليم +سكان+مياه وبيئة) والتخطيط الاجتماعي؛
* توظيف هذه القدرات السودانية في مجالات المشاركة السياسية والثقافية والاجتماعية؛
* التنمية في قطاعات الاقتصاد الأساسية (زراعية + صناعية + تجارية + قطاع خاص + النفط والتعدين+بنيات تحتية )؛
* الحفاظ على الأمن القومي السوداني في مجالات الحرب والسلام و العلاقات الخارجية والأمن بقطاعيه السياسي والاجتماعي (الخارجي والداخلي) والدفاع.
كما تم التنويه إلى ان هذه الندوة هي بمثابة انطلاقة لسلسلة من الفعاليات تستهدف توثيق وتحليل كامل حصاد المشروع الحضاري الإسلامي وأهمية ذلك للعالم الإسلامي ومفتوحة لمشاركة الجميع دون حجر أو حجز على مختلف الصعد الفكرية والسياسية؛ وان هدفها تقديم خلاصة التجربة الإسلامية السودانية علها تكون مفيدة في مناطق أخرى وهي تتطلع لبدائل مختلفة للخيارات التي يطرحها الإسلام السياسي.
ابتدر الندوة الدكتور قسوم بلال الذي قدم تلخيصا لتأريخ أوضاع الاقتصاد السوداني في الحقبة السابقة للإنقاذ ثم تحدث عن الطرق البحثية والإحصائية المستخدمة في السودان. وعلى الرغم من ان الأرقام المتاحة تعكس صورة مخيفة لتدهور الأوضاع ولكنه يعتقد هي في الواقع أسواء من مما هو مسجل. وذكر ان الاقتصاد كرس دوما لخدمة مصالح فئة معينة. ثم قدما استعراضا لمعالم تدهور الاقتصاد السوداني ومراحل متغيراتها على المستويين القطاعي والسياسات والديون الخارجية ودور البنك الدولي. وواصل مداخلته باستعراض الأوضاع التي مهدت لازدهار النشاط الاقتصادي الطفيلي منذ نهاية عقد سبعينيات القرن العشرين وازدهاره خلال عهد الإنقاذ.
الأستاذ عبد العزيز حسين الصاوي حصر مداخلته في تقييم ما احتواه كتاب "السودان: اقتصاد الإنقاذ والإفقار الشامل". فثمن توثيق الكتاب ودقته في التعامل مع الحقائق. كما أشار إلى حرص الكاتب على عدم إصدار أحكام مسبقة عن تجربة الإنقاذ ولكنه حرص ان يناقش حصادها من واقع الأرقام. وعدد الجوانب الإيجابية لكتاب الأستاذ كبج (راجع الشرق الأوسط، صفحة الثقافة 8/2/2004) ولكنه أشار إلى جوانب يعتبرها تحتاج لتطوير لتفادي النقص خاصة فيما يتعلق بالصناعة وعدم اهتمام الكتاب بقطاع الإعلام باعتباره مجال للصرف وتبديد الموارد بواسطة الأنظمة الشمولية. ونوه إلى ان العامل الأيديولوجي في تنظيم الاقتصاد إلا انه تسأل عن "هل يوجد فعلا اقتصاد يمكن ان يطلق عليه إسلامي؟". كما أشار إلى ان الكتاب تنبأ بأحداث دارفور الأخيرة وأهمية التركيز على البحث عن بدائل لما جرى ويجري في السودان.
وكانت مساهمة الدكتور منصور العجب هي الأخيرة حيث انه حدد سمات الأزمة الاقتصادية واسبابها والمخرج منها. وتناول بالتفصيل ما حدث في قطاع الاتصالات والمصارف. وذكر ان مشاكل الاقتصاد ليس فقط ترجع الى سوء الإدارة ولكنها تعود إلى علاقات الإنتاج والبنيات الاقتصادية والاجتماعية. وتعرض إلى انتشار النشاط الطفيلي ومشاكل التسويق. كما ذكر ان من المهم التركيز على الإنسان بما في ذلك قضايا المرأة. وأشار دكتور العجب إلى تهميش مناطق بعينها بواسطة الشمال السياسي، وأوصى بالاهتمام بدور القطاع غير الرسمي وبعقد مؤتمر تنمية إقليمية وقيام لجان قومية تستوعب مختلف وجهات النظر. وحذر من خطل قيام نظام دولة واحدة وبنظامين مصرفيين.
واستمرت الندوة بعد ذلك في مناقشة الحضور للمتحدثين الأساسيين ومداخلات مكملة في بعض جوانبها لأوراقهم. وقد كان هنالك شبه إجماع على ان أزمة الاقتصاد لم تبدأ مع الإنقاذ . وذكر الحضور ان طبيعة نظام الإنقاذ وأثرها في تدمير الاقتصاد وسياسات النظام الضريبية. وعزز الحضور أهمية الوعي إلى ان الاقتصاد لن يستقيم في غيبة الديمقراطية والسلام.
أشار الحضور إلى قصور الاستراتيجية الزراعية اضرار الاحتكار كسياسة شجعتها الإنقاذ. كما نبه إلى آثار خزان الحماداب وترحيل مواطني المنطقة. ونبه رئيس لجنة مقاومة سد الحماداب على مناشدة القوى المختلفة للاهتمام بالموضوع وعلى ان الأمر ان تتطلب قد يستدعي حمل السلاح. ونوه أحد الحضور إلى ما يجري في منطقة جبال النوبا وما يجري في مناطق القاش والدندر والبجا والى أي حد اهتم بها البحث محل الاستعراض. كما أشار الحضور إلى أهمية التنمية المتوازنة وعدم هضم حق الشمال (الجغرافي والسياسي) في مسألة تقسيم عائدات النفط على المدى الطويل. كما نبهوا إلى أهمية البحث عن سبل للتعاون الإيجابي مع البنك الدولي خاصة في مجال عمل دراسات الجدوى لفائدة الخبرة وأهميتها لمستقبل الاقتصاد السوداني. كما أشاروا إلي أهمية التركيز على مسألة الاحتياجات الأساسية للمواطنيين والمواطنات على مستوى القواعد وتوفير الثقافة الاقتصادية ومساعدتهم على فهم علاقات الإنتاج .
أشار الحضور إلى الاهتمام بأن تصب الجهود من الندوات وورش العمل والدراسات كلها في المجرى العام للإجماع الوطني. ووضع السياسات التي تشجع على النشاطات الاقتصادية المنتجة وتحد من النشاطات الطفيلية وجعلها غير جاذبة. وإلى العودة إلى تقاليد التكافل الإسلامي الاجتماعي ودور الأوقاف في ذلك. كما أشادوا بجهود بعض المجموعات ممثلة في معهد البديل الأفريقي ومجوعة السياسات البديلة بالقاهرة في توفير البدائل. كما نوه إلى أهمية الربط بين حركات مقاومة الإفقار الجارية للعالم الثالث والناشطة في اوروبا وامريكا. كما لا بد من الاهتمام بإدماج منظور النوع الاجتماعي ودور المرأة في القطاع غير الرسمي خاصة مسالة التعامل مع نتائج انهيار القطاع الرسمي من الاقتصاد وحيث تلعب النساء دور هام في مناطق الحرب والنزوح ومناطق الحضر الفقيرة. وبصورة عامة احتل موضوع الأثر البعيد المدى لدور الثروة النفطية على البلاد نقاشاً مستفيضاً.
أختتمت الفعالية الأولى في سلسلة ندوات تحليل وتقييم استراتيجية الإنقاذ بإعلان ان الندوة القادمة ستعقد في الأسبوع الأول من مارس وستكرس لمناقشة "لاستراتيجية الإنقاذ للعلاقات الخارجية". الجدير بالذكر ان كتابا سيصدر في نهاية هذه السلسلة من الندوات التقييمية موثقا لمداولاتها وتوصياتها في يونيو 2004 القادم.