نود هنا أن نبين أولاً بأننا لسنا ضد الشعب المصري ؛ وأننا نرحب بكل جهد صادق من أجل حل قضية دارفور من أية جهة كانت ؛ ونرحب بكل من يقدم لنا يد العون سواءاً من المنظمات الإنسانية أو من الجماعات أو من الدول .
ثانياً ؛ كنا نتمنى نحن جيل البؤس في معسكرات النازحين في دارفور واللاجئين في جمهورية تشاد بأن يأتينا الدعم والإغاثة من الأقربين ... من اخوتنا في الاسلام والعروبة . كنا نتمنى أن يقرأ لنا أحد ممن نفهم لغتهم حديث رسول الله صلى الله عله وسلم ( أنصر أخاك ظالماً أو مظلوماً) ؛ ولكن هيهات !! كنا نتمنى الكثير الكثير من أخوتنا العرب والمسلمين .
ثالثاً ؛ إن الدور المصري الرسمي منذ وقوع المآسي فينا كان مخزياً . كان موقفها داعماً لحكومة العار في الخرطوم وعينها الإستعمارية لم تغمض أبداً تجاه السودان منذ عهد محمد علي باشا حتى تاريخ اليوم . فحكومات مصر لم تقف مع الشعب السوداني يوماً ؛ بل وقفت مع مصالحها الاستعمارية على حساب الشعب السوداني خصوصاً في ظل الحكومات الدكتاتورية وتعترف بأي إنقلاب عسكري ضد الحكومات الديمقراطية المنتخبة من الشعب السوداني . ولم تستطع حكومة مصر الحالية أن تخرج من هذا الإطار . طالبت الحكومة المصرية الإتحاد الأوربي بتخفيف الضغط على حكومة الخرطوم وإعطائها الفرصة لتستمر في حملة الإبادة ضد مواطنيها . وقفت حكومة مصر ضد مشروع قرار مجلس الأمن قبل تعديله . وعندما تم التصويت على القرار ؛ بعثت مصر وزير خارجيتها ومدير مخابراتها إلى السودان لتقديم مشورة مدفوعة الثمن من أرواح مواطني دارفور لزبانية التطهير العرقي في الخرطوم . وقبلها ! بكل مكر وخبث أرسلت حكومة مصر بعثة طبية من جهاز استخباراتها لتتجسس على النازحين وتعرف اتجاهاتهم ووجهة نظرهم في ما حل بهم بدلاً من أن تضع الدواء في جروح المكلومين . جاءت البعثة بفرية صك البراءة لألوية كراديتش السودان وراحوا يطلبون المقابلات في الفضائيات التي ما زال أهل السودان يعتقدون في شيء من صدقيتها – هذا على الرغم ما في مصر أقمار صناعية لبث القنوات التلفازية الفضائية ما تضيق به السماء - كيف نفسر هذا ؛ هل هو انحياز لموقف مليشيات الإبادة من خلفيات إيدولوجية ولا يهم طالما القتلى والمغتصبات من جنس لا ننتمي لهم ؟! والآن ترسل حكومة مصر طائرات عسكرية محملة بأجهزة تجسس فائقة وأسلحة إبادة جديدة ضد مواطني دارفور تحت غطاء المعونات الإنسانية وتسليمها لحكومة التطهير العرقي في الخرطوم . ولم تكتفي حكومة مصر بذلك ؛ بل تنوي أن ترسل مراقبين عسكريين ضمن الإتحاد الإفريقي في دارفور لتجويد مهمة الجنجويد وتزويدهم بالمعلومات الميدانية الاستخبارية عن تحركات المتمردين .
حكومة مصر لم تقل كلمة حق في ما يحدث في دافور ؛ كما لم تقله من قبل فيما حل بأهل صلاح الدين الأيوبي في حلبجة . كان يمكنها أن ترسل خبراءها في القانون الدولي وهم كثر والحمد لله لتكييف ما يحدث في دارفور ؛ إلتزاماً منها باتفاقية جنيف لسنة 1948م لمنع ومعاقبة جرائم التطهير العرقي والإبادة الجماعية ؛ وكذلك إلتزاماً منها بإعلان هلسنكي في هذه الألفية الجديدة. كان الأجدى بحكومة مصر أن تندد على الأقل من باب الإنسانية الواسع ؛ بالأعمال الوحشية التي يتعرض لها سكان دارفور من قبل مليشيات الجنجويد المكونة من بعض القبائل العربية والتي تسلحها وتمولها وتدعمها حكومة الخرطوم . كان على حكومة مصر أن تتبرأ من أفعال حكومة الخرطوم ومليشيات الجنجويد والتي لا تشبه أبداً أفعال من حُملوا رسالة الإسلام . كنا نتمنى لحكومة مصر أن تفتح المجال للشعب المصري ومنظمات المجتمع المدني والصحافة للنظر في قضية دارفور . كنا نتمنى لحكومة مصر ! أن تبقى متفرجة لا أن ترسل الجواسيس كما كانت تفعل من قبل عندما كانت ترسل المعلمين للتدريس في المدارس السودانية . ولكن طالما تحركت حكومة مصر بهذه السلبية تجاه من كان وما يزال لهم رواق باسمهم في الأزهر الشريف وأوقاف في بلاد الحرمين الشريفين ؛ فنحن البؤساء خريجو المعسكرات التي وضُعنا فيها غصباً وإكراهاً من قبل النازيين الجدد في أرض دارفور وجمهورية تشاد ؛ نطلب من حكومة مصر أن تسحب مراقبيها فوراً وإن لم تفعل فإن غضبة البؤساء ستلحق بهم ولن يكون مصيرهم بأحسن من مصير ابن الباشا على يد نمر السودان .
ونحن البؤساء نفر ولدنا من رحم المأساة ورضعنا البؤس في معسكرات النازيين الجدد في دارفور وتشاد . منا الموظفون والمدرسون والعمال والمزارعين والرعاة ؛ فينا النساء والرجال ؛ فينا الشباب والشابات. آلينا على أنفسنا أن نحمي أنفسنا من تسلط وجبروت حكومة الخرطوم وبربرية الجنجويد ؛ ولا ننتمي إلى أي من حركات التمرد ولا ندين لها بالولاء. وقد كنا نتبادل الشورى بيينا في كل معسكرات البؤس في دارفور وجمهورية تشاد لتحديد موقفنا من كل ما يجري ورسم مستقبل لأهلنا . وكنا بصدد إصدار ميثاق عمل نلتزم به ولكننا فوجئنا بموقف حكومة مصر ؛ فكان لابد لنا أن نتصدى لها ونكشف هذا الزيف وسوف نعمل بشتى الوسائل لإخراج المراقبين المصريين من دارفور. وللعلم فإن المعونات التي قيل أن حكومة مصر قد أرسلتها إلينا لم تصلنا ؛ وهي بالتأكيد لم تضل طريقها .
ونذكر الشعب السوداني ؛ بأن مصر الباشا غزت السودان من أجل العبيد والذهب. واستعمرت السودان بالاشتراك مع الإنجليز . ونذكر بأن مصر ما زالت تحتل أرضاً سوادنية . ونذكر بأنها اقتطعت أرضاً قبل هذا لتدمر أعظم الحضارات الإنسانية وتلحق أذى ما زال جاثماً على صدور إخواننا النوبيين ؛ الذين يستغلون ديكوراً في الحياة المصرية في مواسم السياحة . ونذكر شعبنا بأن مصر ما زالت تتمسك باتفاقية التدليس في مياه النيل وتراقب كل قطرة ماء لسقي بذرة لإطعام طفل سوداني ونذكر شعبنا بأن الطائرات التي قذفت الجزيرة أبا أتت من الشمال . وعلى الشعب السوداني أن يتذكر دوماً بأن علاقة السودان الأزلية مع مصر علاقة استعمارية .
وهنا لابد لنا أن نشكر خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز والشعب السعودي الكريم وسمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة وشعبه الأبي وإلى سمو الأمير جابر الصباح أمير دولة الكويت وشعبه الأشم وقائد ثورة الفاتح الأخ/ معمر القذافي والشعب الليبي العظيم وإلى السيد/ إدريس دبي رئيس دولة تشاد وشعبه المضياف وإلى كل الذين هبوا لنجدتنا من الأمم والشعوب والمنظمات وكل الذين تحملوا المشاق من وزارء ومبعوثين وزارونا في معسكرات البؤس للوقوف على أوضاعنا .. ألا جزاهم الله عنا كل خير إنه نعم المولى ونعم النصير.
البؤساء في معسكرات النازحين بولايات دارفور وجمهورية تشاد