الصفحات الكاملة لجريدة الميدان العدد 1995
أكدت الأحداث أن قومية الحل بديلاً للشراكة الثنائية، ليست فقط مطلباً للأحزاب المعارضة، بل هي رغبة عميقة الجذور وسط الشعب وتحولت إلى إجماع قومي، تجسد في أحاديث كل قوي المعارضة التي حضرت الاجتماع الموسع الذي دعت له هيئة قيادة التـجمع الوطـني الديمـقراطي في أسمرا في الفترة 14/7 – 23/7 عبر فيه جميع المتحدثين عن خطر الحل الثنائي والعواقب الوخيمة التي يمكن أن يجلبها للبلاد.
كذلك عبر د. جون قرنق رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان عن قناعته التامة بقومية الحل وإصراره على عدم عزل أي فصيل سياسي في الاتفاقية وأن التحول الديمقراطي الحقيقي لا يتأتى إلا بمشاركة الجميع.
بهذا التصريح، تبقي الإنقاذ وحدها هي المصرة على الخروج من إجماع ( الأمة ) شعب السودان بكل طوائفه وأحزابه وتنظيماته كما هو حالها دائما.
وبما أن التحول الديمقراطي وقومية الحل الشامل لأزمة الوطن وجهان لعملة واحدة ، فلا سبيل أمام سلطة الإنقاذ سوى الالتزام بإنهاء حالة الطواريْ وإلغاء كافة القوانين المقيدة للحريات العامة .
ما هو عاجل الآن، ضمن أجندة العمل اليومي المثابر:
هناك قضية المشردين ... فبمثلما تم التشريد للصالح العام بقرار جمهوري،فعلى رئيس الجمهورية أن يصدر قراراً جمهورياً تتم بموجبه إعادة المفصولين عن العمل وتوفيق أحوال المعاشيين وإنصاف المظلومين .
و لا يمكن والحكومة تتحدث عن إستيعاب المليشيات والخارجين عن القانون في دار فور والفصائل العسكرية المتصارعة الموالية وغير الموالية للحكومة في الجنوب ولا تتحدث عن الذين شردتهم أصلاً من الجيش من الضباط وضباط الصف والجنود الذين كانوا يمثلون العمود الفقري للقوات المسلحة، وإذا لم تعد هؤلاء - وهم عشرات الآلاف- للخدمة ، يصبح الحديث عن قومية القوات المسلحة خارجا عن المعنى وذراً للرماد في العيون.
الاتفاقية تفقد كل مصداقيتها عن حقوق الإنسان ودولة المواطنة والتساوي في الفرص وأمام القانون، عندما تطالعنا الصحف كل يوم بقوائم تشريد جديدة للعاملين من غير الموالين لها، وتبقي سدنتها، بل وتمكن لهم البقاء في الوظائف المفصلية في كافة المؤسسات استعداداً لما بعد التطبيق العملي لقسمة السلطة والثروة. حدث ذلك لمائة وتسعين من العاملين في بنك النيلين واعداد مماثلة في المؤسسة السودانية ( للنفط) والخطوط الجوية السودانية، والبريد والبرق. والقوائم جاهزة ليتواصل مسلسل التشريد ويشمل كافة المؤسسات لتصبح الجبهة القومية الإسلامية هي المهيمنة على مفاتيح كل أجهزة الدولة وعصب مؤسساتها قبل مجيء الشركاء الجدد ليواجهوا بالأمر الواقع.
ضمن القضايا الملحة أيضا، المعاناة التي تعيشها الأغلبية الساحقة من شعب السودان .. فقر مدقع، معاناة في الحصول على لقمة العيش، شح في الخدمات والعلاج وارتفاع في تكاليفها ومصاعب لا تحصى في تعليم الأبناء .. الخ المفارقة تكمن في أنه رغم الزيادة التي حدثت في أسعار البترول وانتعاش أسواقه عالمياً، والزيادة التي حدثت في انتاجه محليا، إلا أن شعب السودان يظل يعيش ذات المعاناة منذ اغتصاب الجبهة القومية الإسلامية للسلطة قبل خمسة عشر عاماً وتتفاقم يوماً بعد الآخر.
كل ذلك يؤكد أن الحل الثنائي في ظل شراكة وهيمنة الإنقاذ سيعمق من معاناة شعب السودان ويفاقم أزمة الوطن. فالرأسمالية الطفيلية كما أكدت تجربتها في الحكم لا يهمها شعب أو وطن، بل مصالحها الدنيوية.
أمام هذه الأزمة العامة الشاملة التي تمسك بخناق القبل الأربعة لا مناص و لا محيد ولا مفر من قومية الحل، والانصياع لارادة شعب السودان . هذا أو الطوفان.