ماذا تخطط أمريكا للسودان؟

سودانيز اون لاين
4/10 2:54am

محمد الحسن أحمد
استؤنفت في كينيا جولة مفاوضات السلام السودانية الأخيرة وسط أجواء مفعمة بالتفاؤل من الطرفين، ومن الدولة المضيفة التي عبّر وزير خارجيتها في الجلسة الافتتاحية عن سعادته بما تحقق في مراحل المفاوضات السابقة، ومعرباً عن استعداد حكومته لاستضافة المفاوضات إذا استمرت أكثر من المهلة المحددة لها والتي تنتهي في السادس عشر من مارس/ آذار المقبل، مؤكداً أن المهم هو الوصول الى اتفاق سلام لإنهاء معاناة السودانيين.

وفي ذات السياق قال نائب الرئيس السوداني في خطبته الافتتاحية: “إن فترة توقف المفاوضات شهدت محادثات غير مباشرة في الداخل وإن رحلته الى الحج زودته بروح قوية بجانب دعم الشعب الذي أعطى دفعة قوية للوصول الى اتفاق سلام” بينما عبر زعيم الحركة الشعبية عن التزامه بتسوية ما تبقى من قضايا وصولاً الى اتفاق نهائي مضيفاً: “نحن اعتدنا الصعود الى الجبال ويمكننا مواصلة صعود ما تبقى منها”.

وبالرغم من أجواء التفاؤل المفضية بلا أدنى شك الى الوصول الى اتفاق سلام نهائي فإن التساؤل الأهم الذي يطرح نفسه، ثم ماذا بعد الاتفاق؟ العبرة تكمن في التنفيذ، لقد صدق المبعوث البريطاني للمفاوضات “آلن غولتي” عندما قال: “إن الوصول الى الاتفاق لا يزيد على عشرة في المائة من جملة ما هو مطلوب وإن التسعين في المائة ستكون متعلقة بمسالك التنفيذ وبناء الثقة وما إلى ذلك من متطلبات وملابسات”.

وللتدليل على صحة هذا القول نبدأ بما يثار الآن حول قوة حفظ السلام في السودان في ضوء الرؤية الأمريكية التي عبر عنها وزير الخارجية كولن باول ثم ما استصحب ذلك من دراسات لمركز الدراسات الاستراتيجية الأمريكية، وانتقادات أوروبية، فضلاً عن تعارض ذلك مع رؤية الحكومة السودانية للأمر. لقد استقر رأي الإدارة الأمريكية على ضرورة إرسال سبعة آلاف جندي لحفظ السلام في السودان، بينما ترى الحكومة السودانية أن المطلوب هو إرسال مجرد مراقبين، ولم تبد الحركة بعد رأياً في الأمر.

كذلك تساءلت بعض الدول الأوروبية التي التمست منها الولايات المتحدة المشاركة بقوات، عن الآلية التي سترتشد بها هذه القوات في تصريف مهامها وعن دور تلك القوات في التحكيم وفي فض المنازعات؟ والأخطر من ذلك الملاحظات التي أثيرت حول بنود الاتفاقات الأمنية باعتبار أن بها الكثير مما يحتمل التفسير والتأويل على أكثر من وجه مما يستلزم جهة تكون حكماً في التفسير.

وحتى بالنسبة لموضوع إرسال قوات لحفظ السلام، هناك أكثر من رأي حول الإطار القانوني الذي ترسل بموجبه: هل ترسل اعتماداً على الفقرة السادسة من ميثاق الأمم المتحدة وهي الفقرة التي تحدد حفظ السلام من دون استعمال القوة إلا في حالة الدفاع عن النفس؟ أم ترسل طبقاً للمادة السابعة التي تلزم بتسليح القوات الدولية لفرض السلام؟

وإزاء هذا التساؤل يقترح تقرير مركز الدراسات الاستراتيجي الأمريكي إرسال نوعين من القوات الدولية الى السودان، قوات حسب نص الفقرة السادسة وأخرى مقاتلة طبقاً لنص الفقرة السابعة، تسمى “قوة دولية سريعة الاستجابة”.. وهذه يناط بها التدخل في الحالات الطارئة لقمع الميليشيات المسلحة والقوات العسكرية المتمردة والقوات الأجنبية التي تتدخل في الشأن السوداني!

ودافع تقرير مركز الدراسات الاستراتيجية الأمريكي عن وجهة النظر الهادفة الى إرسال النوعين من القوات للسودان بما أسماه تجارب القوات الدولية في أنجولا وسيراليون والكونجو، وهي تجارب أثبتت أن الأمم المتحدة يجب ألا تعتمد على حسن نيات الأطراف المتحاربة، وأن الأمم المتحدة اعترفت بذلك الفشل مما دفعها الى تغيير تفويض دور قواتها في سيراليون والكونجو ليشمل فرض السلام بالقوة!

ولا شك في أن الولايات المتحدة لو اعتمدت هذه النظرة المتشائمة في تقرير هذا المعهد الوثيق الصلة بالخارجية الأمريكية، فإنها تكون قد رجحت كثيراً احتمالات الانفصال ولم تحسب للوحدة أي حساب، فإذاً الكل مطالب بتوطيد أواصر التواصل لتكون الوحدة جاذبة والخيار الأخير للجنوب، فإن هذه التحوطات الأمريكية تشي بأن ما هو متوقع هو خصام ونزاع يستوجب التدخل السريع من القوات الدولية والعاقبة حينئذ هي الانفصال لا محالة، لأن التقرير في حيثياته يحذر مما أسماه الاعتماد على حسن نيات الأطراف المتحاربة. ولأن ما هو مطلوب للسودان في هذه المرحلة هو الانكباب على بناء ما دمرته الحرب والتعجيل بالتنمية بحسبان أن ذلك من شأنه أن يغير الأحوال ويضاعف الآمال ويزيد من بناء الثقة بين كل الأطراف ويجعل خيار الوحدة جذاباً.

وإذا كانت الأطراف السودانية تقبل على السلام بكل هذه الآمال والتفاؤل الذي لا يحده حدود فكيف يكون الراعي على الطرف الآخر يعمل على جلب الآلاف من الجنود ليس لحفظ السلام، وإنما لفرضه بالقوة تحوطاً وتحسباً لما هو ليس بمنظور!

حقاً، وصدقاً، إن كل القوى السياسية السودانية شمالية وجنوبية متفائلة بالرعاية الأمريكية من منظور أن الولايات المتحدة كما وعدت ستوفر أكبر قدر من المساعدات لإعادة الإعمار والتنمية، وأنها سوف توظف نفوذها الدولي على حد قولها لجلب المساعدات والاستثمارات للسودان من مختلف دول العالم. وقطعاً إن مثل هذا التفاؤل لا ينسجم مع مسالك التوجه بكل هذا التشاؤم لحشد هذه القوة الدولية الضخمة من الجنود وتحت سقف المادة السابعة التي تبيح التدخل العسكري والسريع على هذا النحو الذي قدم حيثياته مركز الدراسات الاستراتيجية؛ وهو تدخل بالأساس ترفضه الحكومة السودانية ولم تطالب به الحركة الشعبية. ويتطلع الجميع في السودان الى أن ترصد مثل هذه الأموال التي ستخصص لهذه القوات لتكون ضمن الأموال المخصصة لإعمار ما دمرته الحرب، بل وأكثر من ذلك فإن السودانيين يتطلعون الى تقليص حجم القوات في الشمال والجنوب ما دامت الحرب وضعت أوزارها وتحويل تلك الاعتمادات لمصلحة السلام.

وفي ضوء ما جرى تناوله من آراء واحتمالات حول قوة حفظ السلام تتجلى حقيقة أن توقيع اتفاق السلام لا يزيد على نسبة عشرة في المائة فقط، مما ينتظر بحثه وتنفيذه ليصل السودان الى السلام ويعبر بعدها الى الوحدة أو الانفصال!



اقرا اخر الاخبار السودانية على سودانيز اون لاين http://www.sudaneseonline.com

الأخبار المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع


اخبار السودان بالانجليزى | اغانى سودانية | آراء حرة و مقالات | نادى القلم السودانى | المنبر الحر | دليل الخريجين | | مكتبة الراحل على المك | مواضيع توثيقية و متميزة | أرشيف المنبر الحر

الصفحة الرئيسية| دليل الاحباب |تعارف و زواج|سجل الزوار | اخبر صديقك | مواقع سودانية|آراء حرة و مقالات سودانية| مكتبة الراحل مصطفى سيد احمد

contact Bakri Abubakr
Copyright 2000-2004
Bayan IT Inc All rights reserved