مصعب أحمد الأمين [email protected]
من الخطأ الفادح توقع حدوث اختراق في المفاوضات الجارية حاليا بأبوجا دون تغيير جذري في طريقة تعاطي الوفود مع عناصر الأزمة . فالتاريخ الحالي ليس تاريخ اندلاع الأزمة . إذ ظهر للفريقين مع مرور الوقت جبال الجليد التي تحاصر كل منهما في كهف يعصمه من تفهم الآخر. و أيضا هذا التاريخ ليس هو نفسه أيام انفراد المؤتمر الوطني بالحكم. إذن نحن في فترة الشراكة الإجبارية التي قبل بها المؤتمر تحت وطأة الضغوطات الدولية الهائلة . و ذلك ما احدث الفرق في مسيرة سلام الجنوب و الشمال. و الآن السيناريو يتكرر من خلال الضغط الأمريكي علي الطرف الحكومي حتى يصل لقبول وضعية شاذة لم تكتبها الوقائع و الأحداث على الأرض. ففي سلام الجنوب و الشمال قبِل المؤتمر بالخروج من الجنوب مع العكس فيما يخص الجنوب الذي تم تمكينه من الحضور الكثيف في الشمال . و لعل اعتماد المؤتمر لممثليه من الجنوبيين يعكس بوضوح الهزيمة الثقيلة التي مني بها في مفاوضات السلام.
الآن الإدارة الأمريكية تلعب بنفس الخطة في دارفور و هي تعرف أن دار فور ليست الجنوب. إذ هي جزء من الشمال الكل المقابل للجنوب. لكن واضح إن الإدارة الأمريكية تريد خلق جنوب غير موجود في دارفور. إذ إننا نفهم و تفهم أمريكا كما يفهم متمردو قبيلة الزغاوة أيضا : أن الوضع الذي أفضى لكل نزاعات السودان في جوهرها مرحلية . فهي أوضاع صنعتها حالة الانقلاب العسكري و الذي لا يعكس توازن القوى و اتجاهات الرأي . لذلك محاولة مشي مشوار معروفة نهايته ستكون لعبة النار التي تحرق أصابع كل أطراف اللعبة.
لذلك ليس الذين يتحاربون في دارفور ملائكة و ليست الحكومة هي الشيطان . و نحن نعرف أن السودان إن كان قد ارتهن لطموح الترابي . و أول من اكتوى بنتائج الوهم و الغرور هو الترابي نفسه. و الآن المؤتمر إذا لم يتعظ بالنهاية المرة التي آل إليها شيخهم و ركبوا موج الغرور سيكون حتفهم و انتحارهم هو الجزاء العادل . إذن المؤتمر بإمكانه ترك الكبر الذي هو ليس ببالغه و إعطاء التفاوض دفعا حقيقيا . إذ لا يجب أن يستنكف أن يمنح دارفور مقعد نائب الرئيس أو أن تجمع الولايات الثلاث في المستوى الثاني من مستويات الحكم. و ليس من منقصة في مناقشة وضع العاصمة .فكل أهل السودان يحق لهم إدارة العاصمة ليس ثمة ما يمنع ذلك . فقط كل هذه النقاط يمكن قبولها وفق ترتيبات دقيقة تضمن عدم التشاكس و تهيئ أبناء السودان للفصل الذي يتوق إليه الجميع : فصل ذوبان الجليد و عودة دفء علائق أهل السودان كما كانت و أفضل دون احتقانات و محاصصات.
و أيضا متمردو قبيلة الزغاوة لديهم أيضا ما يقدمونه . فمقابل منصب النائب لابد من أن يقدموا ضمانات بإعادة رتق النسيج الاجتماعي لولاية دارفور بعد توحيدها. أي دون إقصاء لأي من مكونات فسيفساء شعب دارفور . بتعبير دقيق دون ارتداء ثياب المنتصر. و استمراء دور المظلوم فنحن نعرف أنهم يعرفون أنهم ليسو ملائكة دارفور و نعرف أنها رياح طيبة تلك التي دفعت مراكبهم لهذا الشوط ليس التاريخ و لا السلاح . إنها رياح الغرب الخبيثة لكن ليس من اجل سواد عيونهم و لكن الغرب ترك مستعمراته على مضض و ما بأحسن من عودة تلك الأيام إذا دنت عهودها. و أريد أن اذكر فقط كيف أن اهتمام العالم الزائد بالسودان يمكن أن يؤرخ له بتاريخ اكتشاف و استخراج النفط. فلا يغتررن بهم احد .
و أيضا بين يدي هذا المقال نقول إذا نادي متمردو قبيلة الزغاوة بالحل الشامل نذكرهم أن الحل الشامل لا يستثني أحدا و هذا أخوف ما نخافه على سكان إقليم دارفور.
و إذا رفض التمرد أو الحكومة ( و البيأبى الصلح ندمان) أو الاثنان معا فاني لأسمع وقع حوافر المغول على أبواب السودان و كتشنر يتم استنساخه في مختبرات وزارة الدفاع الأمريكية.
و بين يدي هذا المقال نقول للفريقين اتقوا الله في إخوتنا الذين انقضى فصل الخريف على رؤوسهم و الآن فصل الشتاء يطبق عليهم و يشتكون إلي الله من العري و الجوع فاتقوا الله فيهم و إلا عمّ الله هذه البلاد ببلاء لا تستطيع له دفعا . و لعل قتال الأخ لأخيه بعضا من نُـذر ذلك العذاب و إلي الله المشتكي.
و أيضا بين يدي هذا المقال نذكر أن الغرب الذي أدار ظهره دون أن يطرف له جفن حتى اجبر الائتلاف الحاكم أن يعتمد حلولا أخرى فكما جاء على لسان وزير المالية : إن هذه الميزانية قد تجاوزت مقررات مؤتمر أوسلو للمانحين , نقول دوافع إدارة ظهر الغرب لأهل دارفور اكبر . فانتم تعرفون صراع الغرب مع الشرق . لذلك نحذر المتمردين من امتطاء مراكب الغرب اللئيم.
و أيضا بين يدي هذا المقال نجد من الضروري الإشارة إلي أن فتق النسيج الاجتماعي إذا زاد على الراتق فمن المؤكد أن يمتد ذلك الفتق ليشمل كل السودان و عندها لات حين مندم . و بشيء من التفصيل نقول إن نسيج السودان من نسيج دارفور و العكس بالعكس فحالة الاحتقان الحالية التي تشمل كل أجزاء السودان _لا سمح الله_ يمكن أن تنفجر فليس هناك احد بمعزل عن حمم بركان الحروب الأهلية حال وقوعها . و لنفهم ذلك من لفظة نسيج نفسها فخيوط النسيج متشابكة فلا يمكنك أن تمزق خيط و يسلم لك الباقي . و إن حدث ما نحذر منه الآن ساعتئذن لا يفيد البلد رئيس و لا والي و لا برلمان . فأخشى أننا بالفعل نقف في برزخ بين زمنيين . فهل نعود لزمن الود و الوصل أم نعبر _ نكبر رأسنا_ لزمن الهلاك و العرقنة و الافغنة و الصوملة و اللبننة.
ألا هل بلغت اللهم فاشهد.