وتسعى المنظمة لإنجاح مؤتمرها الثالث في خلال ستة سنين بعد فشل الاجتماعين الاخيرين في حل القضايا الخلافية بين الدول الغنية بقيادة أميركا وأوروبا، والدول النامية بقيادة البرازيل والصين والهند. ويروج الغرب لمنظمة التجارة العالمية والحرية التجارية كالحل السحري الذي سيتيح للدول النامية بأن تبيع منتجاتها في أسواق الدول الغنية. ولهذا السبب انضمت دول كثيرة إلى منظمة التجارة بعد أن طبقت شروطها القاسية، فالمنظمة تفرض على الدول الأعضاء رفع كل الحواجز التي تقف امام استيراد البضائع، فمثلا تفرض على الدول إلغاء التعرفة الجمركية أو تخفيضها، وتقوم الدولة بخفض الجمارك وتستبدلها بضريبة جديدة على الشعب كضريبة القيمة المضافة التي انتشرت كالطاعون في بلاد المسلمين فأصبحت مفروضة على جميع البضائع المحلية والمستوردة والخدمات، مضيفة عبئاً جديداً على كاهل المواطن.
وقد فتحت أميركا وأوروبا أسواقها ولكنها في نفس الوقت دعمت منتجاتها بطريقة جعلت الدول النامية لا تستطيع منافستها. فمثلا أوروبا تطبق السياسة الزراعية المشتركة، وهى سياسة تدعم فيها مزارعيها، فمثلا فرنسا تدعم المزارعين بمنحهم 90% من دخلهم، فيستطيعون بيع منتجاتهم بأسعار زهيدة. وفي عام 2003 كلفت زراعة الأرز المزارعين الأمريكان 1.4 بليون دولار دفعت منها الحكومة الأميركية 1.3 بليون دولار، فاستطاع المزارعون الأمريكان اكتساح أسواق الدول النامية بالأرز ونفس الأمر ينطبق على القطن الأميركي. ولذلك تطالب الدول النامية بإلغاء دعم الدول الغربية لمنتجاتها والذي يقدر بحوالي 300 بليون دولار، وتطالب أيضا بحل قضايا أخرى كالقضايا المتعلقة بالملكية الفكرية، فالدول الغنية تمنع الدول النامية من نسخ الأدوية لأن هذا يضر بمصالح شركات الأدوية الغربية، وتفرض عليهم شراءها بأسعار غالية ، وتصر الدول الغنية على ذلك حتى ولو أدى لموت الملايين في أفريقيا. وقد كان من المتوقع أن تتصرف الدول الغربية بهذه الطريقة، فهي ليست جمعيات خيرية بل هي دول تعتنق المبدأ الرأسمالي القائم على الحرية الاقتصادية والمصلحة، وقد أقامت منظمة التجارة لكي تستطيع شركاتها الرأسمالية اكتساح أسواق الدول النامية. وتحاول الدول النامية المفاوضة على شروط أفضل ولكن الدول الغنية تصر على سياساتها الرأسمالية. ومن الأفضل للدول النامية أن تترك هذه المنظمة، ولكن أغلبية حكوماتها تتبع الغرب ولا تملك إرادة سياسية مستقلة، وحتى الدول المستقلة كالصين سقطت في مصيدة أمريكا الاقتصادية واغراءتها الكاذبة بفتح أسواقها.
وبالنسبة للحكومات العربية فهي تلهث للانضمام لهذه المنظمة ولفتح ما تبقى من أسواقها للغرب، وفي المقابل اذا فتحت الدول الغربية أسواقها فلن تجد الدول العربية ما تصدره لتلك الدول، فالإنتاج العربي هزيل ولا توجد صناعات حقيقية، فلا توجد صناعات ثقيلة أو خفيفة كصناعة الأسلحة أو الآليات أو التكنولوجيا فحكام المسلمين التابعون للغرب، يرفضون إنشاء صناعات حقيقية ويصرون على جعل بلادنا أسواقاً استهلاكية للمنتجات الغربية، وهذا لا ينطبق فقط على البلاد الإسلامية بل ينطبق على كثير من الدول الأفريقية الفقيرة التي في مجموعها تتاجر بأقل من 1% من إجمالي تجارة العالم.
إن منظمة التجارة العالمية أداة تستعملها الدول الرأسمالية لإغراق أسواق الدول النامية بمنتجاتها، ولو كانت الدول النامية ومن بينها البلاد الإسلامية تحكمها حكومات مستقلة سياسيا وليست تابعة للغرب لنبذت هذه المنظمة وسعت لبناء اقتصاد حقيقي.
طارق حمدي
[email protected]
15/12/2005