ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
سوريا والسودان بين القرارين 1559 - 1593 بقلم شاكر عبدالرسول-الولايات المتحدة الامريكية
سودانيزاونلاين.كوم sudaneseonline.com 13/12/2005 10:29 م
سوريا والسودان بلدان يتشابهان في المشهد السياسي ،يختلفان قليلا في كيفية وقوعهما قي الازمات غير انهما يتفقان كثيرا في كيفية الخروج منها . فسوريا لا يمكننا ان نتحدث عن الوضع الراهن من دون ان نرجع الى عهد القائد الراحل حافظ الاسد الذي عرف بباني سوريا الحديثة . فلقد قاد الاسد الذي كان يعمل في سلاح الجو قسم المقاتلات انقلابا عسكريا عرف ( بالحركة التصحيحية ) وبعد ذلك قام بطريقة مبرمجة بتكريس السلطة في ايدي ابناء الساحل السوري خصوصا مدينتي ( اللاذقية و القرداحة ) ، وطعم السلطة بشخصيات من الهامش . والسودان ايضا مثل سوريا اذا اردنا ان نتحدث عن الوضع الراهن حتما علينا ان نبدأ بصبيحة 30 يونيو 1989 حيث قاد العميد عمر البشير الذي كان يعمل بسلاح الجو قسم المظلات انقلابا عسكريا (عرف بثورة الانقاذ الوطني ) ، ثم قاد انقلابا اخر في الثاني من رمضان ضد رفقاء دربه ثم بعد ذلك قام بتكريس السلطة واحتكارها في ايدي ابناء الاقليم الشمالي ( النخبة النيلية ) ثم غلف السلطة بشخصيات ثانوية من الهامش ، نلحظ بان الشخصيات الثانوية او الهامشية في النظام السوري يتميزون بالشجاعة والجراعة انهم ينتحرون مثل حالتي رئيس مجلس الشعب عبدالقادر الزغبي ووزير الداحلية محمد الكنعان ، اما في النظام السوداني هذه الشخصيات تتميز بالمناعة والتملق مثل حالة عبدالحميد كاشا الذي عزل من الوزارة وتردد بنقله الى احدى السفارات قال كاشا لو ابيع الماء في شوارع الخرطوم ما امشي السفارة. سوريا في عهد الاسد تميز القرار فيها بالدقة والتأني والحذر ، ويعلن القرار عبر قنوات محددة ورسمية ، ثم بعد ذلك ينشر في الصحف الرسمية ( الثورة - البعث - تشرين) . اما السودان لقد تميز القرار بالعشوائية والتسرع مع تعدد مراكز اتخاذ القرار فيها ، واحيانا رئيس تحرير جريدة الوفاق بل قد يهيئ الاجواء لاصدار القرار . وموقف البلدين من حرب الخليج الثانية - اي عندما احتل العراق الكويت يمكن ان يكون نموذجا . سوريا تميزت سياسيا بالتناقضات وخلط الاوراق والاحتفاظ بها او حرقها في الوقت المناسب ،في الداخل نجد عداوة شديدة وحرب ضروس ضد الاخوان المسلمين و بالمقابل هنالك انفتاح وعلاقات استراتيجية مع فصائل المقاومة الاسلامية مثل الحماس - الجهاد - حزب الله ، وعلى رغم من انها تبنت خطابا وحدويا وقوميا واشتراكيا الا انها حافظت بعلاقات مميزة مع ايران الاسلامية والسودان الانقاذ . والسودان ايضا مثل سوريا تميزت سياستها بجمع بين التناقضات ، ففي اجتماعات المؤتمر الشعبي العربي الاسلامي كانت الدعوات تقدم للقيادات الاسلامية امثال عياش ومشعل وغيرهم كما تقدم الدعوة ايضا لقادة الفصائل الاشتراكية امثال حواتمة وحبش ، والخرطوم العاصمة التى استقبلت الاصولي الاسلامي اسامة بن لادن هي نفسها استقبلت الثوري اليساري كارلوس بن اوى . سوريا داخليا منعت الاكراد لديها من انشاء حزب او اقامة اي كيان احتجاجي ولكنها في المقابل دعمت الحركة الكردية التركية واستقبلت زعيمها عبدالله اوجلان . والسودان ايضا حارب الجيش الشعبي باعتباره حركة انفصالية متمردة ولكن فتحت ابوابها لجيش الرب الاوغندي واستقبلت في اراضيها قائده الاصولي المسيحي جوزيف كوني ، اين هم اليوم ؟ المؤتمر العربي و الاسلامي قد حل كلمح البصر، وبن لادن في كهوف افغانستان وكارلوس في سجون فرنسا وجوزيف كوني تطارده الاجهزة الامنية والجيش السوداني بصدد قبضه وتسليمه للمحكمة الجنائية الدولية كمجرم حرب . وفي سوريا عبدالله اوجلان مقبوع في السجون التركية اي قبض في ادغال افريقيا بعد رحلة شبيهة برحلة بن لادن . كأن التاريخ يقول لهم كانوا بالامس اقاموا هنا او هناك ولكنهم راحوا في ادراج رياح سياسة التضحية . سوريا في التسعينيات مرت بهزة سياسية كبيرة اربكت الكثير من الحسابات في داخل القصر الرئاسي وذلك عندما مات الرائد الركن المظلي باسل الاسد في حادث تحطم السيارة في طريق مطاردمشق وكان بمثابة الرجل الثاني في الدولة ، وشيعته سوريا بحزن عميق ، ولقبه حزب البعث العربي الاشتراكي بشهيد الامة العربية ، فموته المفاجئ جعل الاسد الاب بان يدفع ابنه الطبيب بشار مسرعا الى الكلية الحربية قسم المدرعات وتخرج بعد اشهر برتبة مقدم واول دفعة ثم اصبح وريثا للحكم . وفي السودان في التسعينيات مات اللواء الزبير محمد صالح في حادث تحطم طائرة في مدينة ناصر وكان الزبير هو الرجل الثاني في الدولة بلا منازع ، وشيعته الخرطوم ببكاء وحزن شديد ولقبته بسيد الجبهة الاسلامية شهداء الانقاذ ، فموته ايضا احدث شرخا كبيرا في داخل القصر الرئاسي مما جعل البشير بان يدفع زميله علي عثمان طه للقصر الرئاسي وهو من النخبة النيلية بدلا عن علي الحاج او موسى المك كور وهما من الهامش . سوريا في عهد حافظ الاسد اهتمت بقضية جنوب لبنان ، خصوصا مسألة الوجود العسكري السوري ودعم المقاومة اللبنانية ، وقلما يجد المرء خطابا للاسد الاب من دون ان يتطرق الى قضية المقاومة اللبنانية ، وكان امنيته ان يجد جنوب لبنان قد تحرر الا انه شاءت الاقدار بأن تتحرر في عهد ابنه بشار ، فأول امتحان واجهه بشار هو القرار 1559 الذي جاء بعد مقتل الرفيق الحريري ، القرار يطلب سوريا بأن تسحب جيشها واستخباراتها من جنوب لبنان في خلال شهر او شهرين ..! اي ما بناه الاسد الاب في خلال ثلاثين عاما مطلوب من بشار الابن بأن يفككه في خلال ثلاثين يوما . ماذا قال بشار ؟ قال للمبعوث الدولي قل لكوفي عنان ( أنا مش ذي صدام حسين أنا متعاون أنا متعاون ) ولكي يبرهن ذلك قامت سوريا بسحب جيشها واستخباراتها من لبنان وشهد العالم اجمع احتفالا مصغرا اقيم في الحدود تكريما للجنود السوريين ودورهم في لبنان وهو احتفال لا يليق بمكانة سوريا وبالتضحيات التي قدمتها في لبنان ، ولكن سياسة التضحية تملى للقبول بأقل تشريف ووافقت سوريا بتكوين لجنة دولية لتقصي الحقائق الا ان قرار اللجنة جاءت بما لا تشتهي السفن ، لقد ورد تقرير ميليس اسماء قيادات في قمة الهرم الوظيفي والبعض منهم من الساحل السوري من امثال اللواء عاصف شوكت وماهر الاسد شقيق بشار . ماذا فعلت سوريا ؟ ذهب الرئيس بشار الاسد الى جامعة دمشق والقى خطابا حماسيا كله يتحدث عن الشعب والقرار الشعبي .. كما قام باطلاق سراح السجناء السياسين ، لماذا يلجأون الى الشعب في اللحظات الاخيرة ..؟. والسودان كسوريا وافقت على تكوين لجنة تقصي الحقائق الدولية بدارفور، ولكن النتائج جاءت ايضا عكسية ، حيث احتوت تقرير اللجنة على 51 اسما يتهم بارتكابهم جرائم ضد الانسانية ترتقي الى الابادة الجماعية وتسرب منها اسماء شخصيات كبيرة في قمة هرم الدولة وينتمون تحديدا الى النخبة النيلية الحاكمة . ماذا قال البشير ؟ قال اقسم بالله العظيم لن اسلم سودانيا للمحكمة الدولية ، ان قسم الرئيس في هذا الظرف تحديدا قد ادهش المراقبين والبعض منهم بدأ يتساءل عن من الذي يدفع الكفارة ؟ هل هذا هو الموقف الحقيقي للدولة ام ان الرئيس هنا يمثل الجانب البهلواني ؟ ، بلا شك ان هنالك موقف اخر يقوم به بعض الكوادر في وزارة الخارجية وبعض الشخصيات من المؤتمر الوطني ومن دول الجوارللخروج من المأزق وهم وحدهم ربما يملكون القرار السوداني وفقا لمقتضيات سياسة التضحية. المهم السودان وسوريا تحاصرهما القرارين 1593 , 1559 وهما بلدان يجيدان لعبة التضحية في زمن تقلصت فيه مساحة اللعبة ، هل استفادت سوريا من تجربة حدودها الشرقية عندما شاهدت تماثيلا اعرق واعتى من تماثيل عائلة الاسد تتساقط ؟ وهل استفاد السودان من تجربة حلفائه التكريتين والبشتونين ؟ يا ترى ماذا يحمل العام المطل للدولتين ؟.