تعليق على خطاب الرئيس الارتري اسياس افورقي
كفى يا سيادة الرئيس (إسياس أفورقي) .
كغيري من الإرتريين الذين يعيشون على فسحة الأمل، انتظرت
مقابلة الرئيس الارتري اسياس أفورقي مع وسائل الإعلام المحلية... وبالرغم من
أنني لم ألحظ أي بوادر تغير إيجابي في إتجاهات تفكير الحكومة الإرترية تجعلني
أنتظر تلك المقابلة ، إلا أن الأمل الذي نحيا عليه، هو ما جعلني أجلس قبالة
التلفزيون الارتري متابعاً لذلك اللقاء وبالرغم من خيبة أملي الكبيرة في ما
انتظرته، إلا أنني وكالغريق الذي يتشبث بالقشة لتنقذه عاودت قراءة تلك المقابلة
عبر الصحيفة الحكومية والوحيدة في البلاد عسى أن تكون هناك نقاطاً مبشرة قد
فاتت علي ، ولكن دون جدوى ... فقد تحدث قرابة الثلاثة ساعات ولم يفتح الله عليه
بحديث ينفس به من كرب الإرتريين وما يقاسونه من هموم تجعل من أحلامهم تتبخر مع
إطلالة كل فجر جديد... تحدث وكأن بلادنا لا ينقصها شيء وأنها لا تعاني، ورغم
المرارة والألم الذي يعتصرني إلا أن ذلك قد هان علي عندما تذكرت الأمهات وهن
يجلسن القرفصاء أمام التلفزيون أو عندما يتحلقن حول المذياع وفي بالهن أن يسمعن
ما يفرحهن بعودة الابن أو الأخ أو الزوج بعد أن قضى الباقون في تلك الحرب
اللعينة التي أشعلها إسياس في الفترة من 1998م وحتى العام 2000م، كيف سيكون
حالهن وهن يسمعن الصحفي الذي أجرى الحوار وهو يقول في ذلة وخضوع لا نعرفه
للصحفيين الأحرار( سيدي قد أكثرت عليك الأسئلة) ويسأل عن شيء آخر غير الذي
انتظرنه ....وآسفي على هذا الشعب والذي أنا جزء منه والذي ظل يعيش على الأمل
رغم تضايق فسحته في الأفق المنظور، ولكن الأيام هي الأيام إذ لا بد من الصبر
عليها:
دع الأيام تفعل ما تشاء *** وطب نفساً إذا حكم القضاء
وتنموا فينا من جديد يوماً إثر يوم معاني ودلالات :
إذا الشعب يوماً أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر
ولا بد لليل أن ينجلي ولا بد للقيد أن ينكسر
في الـ 24 من شهر مايو 1991م اعتقد الكثيرون من الارتريون أن هذا البيت الشعري
الثوري قد آن الأوان لتسليمه لشعب آخر صابر يكابد الظلم والقهر، و إننا
بإعلاننا تحرير كامل ترابنا قد كسرنا القيود، ولكن، وآه من لكن هذي التي تنسف
كل ما سبقها، ومع بزوغ فجر كل يوم جديد نكون أكثر حاجة لاستعادة ذلك البيت
الشعري إلى حياتنا... إلى تفكيرنا.. إلى كل خطوة في حياتنا.
القارئ الكريم:
عذراً لهذا التقديم المطول وأرجوا أن أدلف إلى الحوار وبدءً لا بد من إبداء بعض
الملاحظات عليه من حيث الزمان وطبيعة الأسئلة:
1- تم إختيار هذا التوقيت بدلاً عن نهاية العام كما هو متوقع وذلك من أجل
الإعلان عن أسلوب الرئيس المراوغ والذي عرف به (المناورة) بأنه سوف لن يقدم على
الدخول في حرب مع إثيوبيا. لماذا ؟ ليس لأنه يريد أن يحقن دماء الإرتريين التي
طالما فتح لها ألف باب للنزيف، ولا ليقول كفى للدماء الغالية التي سالت من أجل
نزواته، ولكن لأنه يريد أن يستمتع وهو يشاهد دماء الإثيوبيين وهي تسيل بصنع
أنفسهم ، ما أقبح هذا المشهد ومنتظر هذا المشهد.
2- الترويج للوضع السائد في إثيوبيا هذه الأيام من مظاهرات وأعمال عنف والسعي
لصب الزيت في النار المشتعلة، لماذا ؟ لأنه أحس أن تخصيص ثلث زمن البث
التلفزيوني الإرتري للتشهير بالوضع في إثيوبيا لا يكفي فلابد من أن يساهم هو
بنفسه في هذه المعركة.
3- وفي محاولة مكشوفة منه أراد من خلال هذه المقابلة أن يعكس صورة مغايرة
للواقع في إرتريا، ولإيهام المجتمع العالمي أن بلادنا في ظل قيادته بخير.
ولأن الحديث الذي استغرق ثلاثة ساعات تقريباً لا يمكن تناوله دفعة واحدة سأقوم
بتقسيمه لجزأين وهذا هو الجزء الأول:
ففي مستهل إجابته عن سؤال عن التنمية في العام 2005م نجد أن الرئيس اسياس
إستمرأ التبرير وتكونت لديه قدرات غير عادية للتبرير – ولكن ذلك لم يكن ليمر
على من يعايش الواقع الإرتري- فقد أراد أن يخدر المستمعين "بأن إهتمام الحكومة
إنصب على محور الغذاء وأن الدولة إهتمت بهذا الجانب ووضعته في أولوياتها"
فكيف يمكن أن يقبل هذا وقد رفعت الحكومة والمنظمات الخيرية غير الحكومية –
والتي تجد من الحكومة كل أصناف المضايقات – نداءً للمجتمع الدولي يطلبون فيه
الدعم والمساعدة لأن البلاد مهددة بالمجاعة وقد جاء في التقارير أن أكثر من
مليون شخص مهددون بالجوع في إرتريا، ومواصلة لاستخفافه بعقولنا كما يفعل دائماً
في خطاباته أن يعدنا بأن العام القادم سيكون أفضل لأنهم استفادوا من تجربة هذا
العام، وهكذا نعيش تحت رحمة تجارب حكومة إسياس.
وقد ذكر من بين المشاريع التي فشلت فيها الحكومة قطاع الثروة السمكية والسبب
حسب متابعتي أن الرئيس شخصياً لم يتفرغ بعد لإدارة هذه الوزارة من مكتبه كما
يفعل بعد من الوزارات ك " المالية، الخارجية، الحكم الاتحادي والدفاع" كما أنه
أراد أن يوجه صفعة للسيد/ أحمد حاج علي وزير الثروة السمكية الذي ما إن ظهر
إسياس وإلا نجده خلفه كالحارس الشخصي، فربما أغضبه لا أدري ولكن بالتأكيد إن
حديث إسياس عن فشل هذا القطاع دون سواه من القطاعات الفاشلة في الدولة وما
أكثرها يخفي الكثير ... ولكننا سنتابع ما سيحدث غداً.
إن ما يمكن ملاحظته هنا هو عدوله عن أفكاره الحالمة بأنه سيجعل من إرتريا
سنغافورة إفريقيا – كنا نتمنى أن يحدث هذا – ولكن اختياره للطريق الخطأ هو ما
أوصله وأوصلنا لهذه المحطة التي تشارف على الهاوية، فقد قال في بداية حكمه أن
إرتريا هي الجبهة الشعبية ومع مرور الأيام تبدى ما ظل يخفيه بأنه هو الجبهة
الشعبية وبالتالي هو إرتريا ولا أحد سواه.
ألم يعلم بعد أن التنمية لا يمكن أن تتحقق في ظل أوضاع القهر والجبروت وفي وضع
لا يأمن فيه الشخص على نفسه، إذ الكل في حالة ترقب، متى سيأتي دوره في قائمة
السجناء والمعتقلين وهل اعتقد أننا ننسى ما كان يقوله لنا قبل التحرير بأن
إفساح الحريات هو الطريق الأوحد للتنمية اين هذا الحديث من الواقع يا سيادة
الرئيس أم أن هذا من احاديث الماضي التي لا تفضل الالتفات اليها لأنها تعطل
مسيرتك (إننا بحاجة ماسة لألف إلتفاتة والتفاتة).
وفي محطة أخرى من محطات الحوار وفي إجابته على سؤال ذكر الصحفي أنه ورد من
المملكة العربية السعودية حول كيفية تمكنه – أي (فخامة الرئيس)- من القيام بكل
تلك الجولات الميدانية لتفقد البرامج التنموية – في إشارة للزيارة التي استغرقت
ثلاثة أيام في إقليم القاش بركة المجاور للسودان وظهوره وهو يتفقد المشاريع
الزراعية.
فقد ظهر الإرتباك واضحاً عليه من خلال إجاباته التي تناقض بعضها بعضاً فقد قال
بداية" إذا جلس الفرد في أسمرا ماذا بوسع الرد أن يعمل" وأردفها بالإجابة
التالية "أعني أن الوقت متوفر" واختتم بالقول "إن المسألة ليست مسألة توفر
الوقت بل في برمجة الوقت".
"إذا جلس الفرد في أسمرا ماذا بوسعه أن يعمل" لقد خرجت منه هذه الجملة ولكنه
حاول أن يتداركها، ولكن بالرغم من تأكيدنا على ضرورة الجولات الميدانية وتفقد
مثل هذه المشاريع للاطمئنان على الأداء فيها وتشجيع العاملين ولكن الإجابة
أفصحت عما يعانيه الرئيس من فراغ، وكيف لا يعيش في فراغ وقد قطع بتصرفاته غير
الحكيمة كل صلات إرتريا الخارجية ولم يسلم من عداواته القريب والبعيد فحتى
أمريكا والتي كان وإلى وقت قريب يقوم بدور الوكالة بالإنابة عنها في منطقة شرق
إفريقيا لم تسلم منه، وكذلك فإن المنظمات الخيرية غير الحكومية التي ساندت
الشعب الارتري في كل محنه السابقة قد لدغت من نفس الجحر الذي لدغت منه الدول
والشعوب الصديقة للشعب الارتري، الذي وصفهما سوياً بأن لهما أجندة خفية تحاولان
تمريرها.
فلا لقاءات من أجل التعاون بين إرتريا والدول الأخرى ولا بروتوكولات تعاون
وأعمال مشتركة... فيظل الرئيس طوال يومه إما في حالة فراغ أو منهمك في القضايا
التي لا صلة له بها، كإعطاء صريح لخروج شخص أو القيام بمهام الوزراء الذين
يتلقون الأوامر لتسيير شئون وزاراتهم من مكتبه.
هذا هو الحال في إرتريا وليس في هذا الأمر مبالغة كما تعود أن يقول.
فهل تصدق عزيزي القارئ أن الوزراء المعنيين بتلك الزيارة لم يشاركوا فيها، ولا
اعتقد أنهم سيستنكرون على الرئيس ذلك، فما دامت أمور وزاراتهم تدار من مكتبه
فما المانع من أن يقوم الرئيس بمثل هكذا استخفاف، إن مشكلة بلادنا هي مشكلة
حكومة فكل أفرادها من الوزراء صور بالنظر إلى تصرفات الرئيس معهم ومدراء
الإدارات فسدة بحسب قول الرئيس في غالبيتهم.
وتأتي لحظة المفارقة المحزنة والمبكية عندما يسأل عن الفساد وانتشاره في
المؤسسات الحكومية ؟ وهو يقول "لا أود الدخول في التفاصيل المتعلقة بما إذا
كانت هذه الشكاوى مبالغ فيها أم هي حقيقة ؟ أو ما إذا كانت توجد أدلة أو
مستمسكات على ذلك " ولكنه عندما يدخل في التفاصيل ويتحول من دور الرئيس إلى دور
المنظر والفيلسوف فيقول "أي بلد ينبغي أن تتوفر فيها أربعة صفات أساسية ومن
ضمنها الأمانة والنزاهة والكفاءة وتحمل المسئولية ". ويشرح لنا نحن تلاميذه
ماذا تعني تلك الكلمات وفي قمة درجات نشوته بدرجة الأستاذية هذه يقول "واليوم
عندما نعود إلى الوراء ونحاول أن نقيم مؤسساتنا هل تتوفر فيها هذه الشروط نجد
الإجابة بالنفي".وفي ختام إجابته يقول خلاصة القول أنه لا بد من وجود جهاز
حكومي يتولى هذه المهمة ، أي مهمة تفعيل كفاءة المؤسسات الحكومية.
فلا أعتقد أنه ستفوت على فطنة القارئ الكريم حالة الإرباك الواضحة التي يعيشها
الرئيس فتارة يتساءل ما "إن كانت هذه الشكاوى من الفساد وغيرها مبالغ فيها أم
هي حقيقة " وعندما يقول لا تتوفر في مؤسساتنا الصفات الأربعة الأساسية (الأمانة
والنزاهة والكفاءة وتحمل المسئولية)، أليس هذا تخبط؟ ومن الذي أوصلنا إلى هذه
الحالة؟ أليست السياسة الإقصائية العرجاء التي اتبعتها الحكومية بقيادة اسياس
هي من أوصلتنا إلى هذا الوضع؟ فكم من الذين يئنون تحت الأرض في السجون قد
صدحوا بقول الحق ولم يشاركوا في لعبة الفساد هذه فكان جزاءهم الأغلال إن لم يكن
الموت؟ ألم تكن أنت من تدير جهاز الأمن وأنت الذي تشرف عن طريق أعوانك على
المداهمات الليلية التي أصبحت عادة لنظامك، دع عنك اتهام صغار الموظفين
بالفساد، فالفساد يكمن في السياسة العرجاء المتبعة في البلاد، سياسة لا تعرف
الاستفادة من تجارب الآخرين حتى في التعذيب والاعتقالات فقد ابتكرت طرق جديدة.
إن الوضع المزري الذي تعيشه إرتريا يحتاج الى وقفة مع الذات والإعتبار بالتجارب
المريرة لشعوب العالم ولا سيما الافريقية التي تتشابه تجاربنا معها في الخروج
من ربقة الاستعمار واستلام الحكم بواسطة مناضلين اسهموا في تحرير اوطانهم
ولكنهم بعد ذلك فقدوا البوصلة لأنهم إعتقدوا أنهم فوق الجميع وانهم وحدهم
المعنيون بشأن الوطن.
ونواصل في الجزء الثاني