لقد كان لجون قرنق الخبرة والحنكة والدراية والحضور القوي ومما لاشك فيه
فان هذه الصفات ربما لاتجتمع في شخص ما من الذين تتكدس بهم الساحة السياسية
في بلادي اليوم. هذه المهارات بالاضافة الي الاسلوب الكوميدي الجاد لعمري اكسبت
الزعيم الراحل حب قطاع عريض من الشعب السوداني بمختلف انتمائاته
الارقية وتداخلاته القبلية في الشرق والغرب وفي الجنوب والشمال علما بان
العاصمة بمدنها الثلاث هي البوصلة الداله علي هذه التركيبه السكانية. وما يثير
الاستغراب والتسأل البرود الذي تعامل به حكومة الانقاذ لدي اعلانها وفاة مفجر
ثورة المهمشين. وانا هنا ليس بصدد الحديث عن القائد الراحل المقيم في القلوب
وانما عن ردة فعل قطاع كبير من الشباب.تلك الفئة التي احترقت غيظا من ابناء
الولايات الجنوبية لدي سماع النبأ فكان الطوفان الذي إجتاح الخرطوم تحرك من كل
ناحية الي كل ناحية ورغم فداحة الخسائرفي الارواح والمال(الا انه تحرك من الاشي
الي الاشي ) دون ما توجيه اوتوظيف او ترتيب مسبق وانما هو تعبير عن انفعالات
انية لغبن دفين ومرارت قديمة استطاعت حكومة الانقاذ ان توفر لها التربة الصالحة
بسياساتها الاقصائية وتهميشها المتعمد لقطاع كبير من الشعب السوداني لالسبب الا
لخلافات سياسية او دينية عندما رفعت الشعارات الجهادية لخدمة اغراضها السياسية
. وكيف لا و قد رأينا كم من شهيد زف الي (الحور العين) بالموسيقى والطرب كل هذه
الممارسات المبتدعة في العرف الديني والخاطة سياسيا ولدت تلك الموجة الهادرة
ولولا العناية الالاهية لكانت النهاية ادهي وامر.ونعود ثانية الي العناية
الالاهية ونبحث عن الخيط الرفيع الرابط ما بين احداث خرطوم ودارفور تلك الاحداث
المؤلمة رغم اختلاف الدواعي والتوقيت والاهداف.وكما ذكرنا سابقا فان احداث
الخرطوم وما تبعها من تقتيل للانفس واحراق للممتلكات العامة والخاصة والسرقات
الواسعة النطاق وحتي ردة فعل الشمالين للثار من الجنوبين كل هذه الانفلاتات
الامنية كانت امام سلطة الدولة وقريبة من مركز القرار.ولكن ماحدث في دارفور
وحتي الاهتمام الدولي الكبير لم يكن كافيا بكل المقاييس لعكس ما جري في الارض
فهو بالفعل مشهد مكبر لما حدث في الخرطوم فكانما الله سبحانه وتعالي اراد ان
يظهر كل ماحدث هناك بمشهد مسرحي صغير وهذا ليس تقليلا مني لاحداث خرطوم الدامية
ولكن قصدت بها تبيين ونقل الصورة الحية الي كل انسان يحمل في دواخله ذرة
انسانية (فالله يمهل ولايهمل) وللربط بين الحدثين فان الذي حدث في الخرطوم لم
يكن منظم اومرتب او مدروس من قبل وهذه شهادة كل السياسين في الحركة والحكومة
وحتي المراغبين للاحداث. اما احداث دارفور فكان مدروس ومنظم ومخطط كيف لا وان
السيد الرئيس امر جنده من الفاشر(ابوزكريا) بانه لايريد اسير ولا جريح وهذا
لقلة معرفتي بالحروب واسرارها والمعارك وضراوتها مناف لابسط القوانين الوضعية
والشريعة الاسلامية ولو كان الحرب بين جيشين او بين الجيش وقطاع الطرق كما كان
يحلو لحكام الانقاذ في
بادي الامر لم نجد مبررا أخلاقيا نسوقه للمقارنة بين احداث الاثنين وماجري
بدارفور ولكن الامر كان امر من ذلك فعندما هزم جيش الحكومة في اكثر من واقعة
اشار بعض منظري الانقاذ الي تجييش بعض القبائل كما حدث مع تمرد (بولاد) من قبل.
علما بان الحكومة ركزت علي (القبائل العربية) في الحالتين التي كانت علي خلاف
مع القبائل الاخري واذا عدنا الي احداث الخرطوم لم نجد مع المتفلتين الا السلاح
الابيض بينما حولت الحكومة تلك المليشيات القبلية الي قوة ضاربة تدريبا واعدادا
وعتادا وليس هذا فقط بل هنالك تغطية جوية محكمة بطائرات (الانتنوف) والتي
اشتهرت بالرعب والفزع بين الاهالي.
وتحركت المليشيات العربية بتعليمات واضحة وصريحة وهي حرق وتدميرأوكار التمرد
فكان الحرق والقتل والسلب والنهب والاغتصاب المنظم مما دفع بالعزل من النساء
والاطفال الذين بقوا علي قيد الحياة بالفرار الي المدن نازحين اوالي دول الجوار
لاجئين
وجاء احداث الاثنين ليجسد لحكومة الانقاذ بشاعة فعلتها في دارفور امام كل
العالم.فهل عادوا الي رشدهم وللحديث بقية...
ابوفراس التجاني
المملكة
العربية السعودية

الدمام
للمزيد من االمقالات