طه يوسف حسن - جنيف - سويسرا
لعل أخطر ما تمخض عن الجدل السياسي الدائر في الولايات المتحدة حول قصور إدارة بوش في التعامل مع آثار إعصار كاترينا هو تحول الانتقادات إلى توجيه أصابع الاتهام إلى الحكومة بمواصلة نوع ما من التمييز العنصري ضد الأمريكيين السود. فقد أنحى العديد من زعماء الأمريكيين السود باللائمة على الرئيس بوش وإدارته حين برروا بطء الاستجابة للكارثة بأن كاترينا ضربت مناطق غالبية سكانها من الأمريكيين السود الفقراء. وقال القس جسي جاكسون، زعيم حركة الحقوق المدنية: "إن هناك توجها تاريخيا لعدم المبالاة بآلام الفقراء والسود في أمريكا بحيث أصبح الأمريكيون معتادين على تقبل معاناة السود".
وسرعان ما تأكد هذا الانطباع حين تابع الأمريكيون مشاهد الدمار والمعاناة في كل من لويزيانا وميسيسيبي، أفقر ولايتين في أمريكا، حيث كان كل الضحايا تقريبا من الأمريكيين السود والفقراء الذين لا يمتلكون سيارات يجلون بها بعيدا عن خطر الفيضانات وهم يشكلون ثلث سكان المناطق المنكوبة في الجنوب. ولذلك قال القس جليسي جاكسون: "يالها من مفارقة، فمدينة نيو أورلينز التي حطت على سواحلها السفن التي جلبت العبيد من إفريقيا قبل 262 سنة لا زالت تشهد استمرارا لتراث طويل من العبودية والتمييز العنصري". كما قالت النائبة الديمقراطية كار ولين كيلباتريك، من تكتل النواب السود في الكونجرس: "أشعر بالخزي والعار لأن تتصرف أمريكا بهذه الطريقة".وشاطرها الإيمان في ذلك النائب إلايا كمنجز الذي صرح: "أقول للرئيس بوش إن الله لن يرضى عن الطريقة التي استجابت بها الحكومة الفدرالية لمعاناة ضحيا كاترينا". و أصيب الشعب الأمريكي بحالة من الذهول والصدمة إزاء الطريقة التي عالجت بها إدارة بوش إعصار كاترينا المدمر ويعتزم أعضاء من الكونجرس إجراء تحقيق في قصور أداء الحكومة الفدرالية في تقديم خدمات الإنقاذ والمساعدات السريعة لضحايا الإعصار. فهل ستقضي "كاترينا" على ما تبقى من شعبية بوش؟
إزاء تصاعد الغضب الشعبي في أمريكا بسبب الطريقة التي تعاملت بها إدارة الرئيس بوش مع آثار إعصار كاترينا، وارتفاع سعر جالون البنزين إلى أكثر من ثلاثة دولارات لأول مرة في تاريخ أمريكا بسبب تلكؤ بوش في اتخاذ قرار بضخ كميات من مخزون الاحتياطي الاستراتيجي من البترول للتعويض عن توقف معامل تكرير البترول في ولايات الجنوب التي ضربها الإعصار، قرر عضوان في مجلس الشيوخ فتح تحقيق في مجلس الشيوخ فيما وصفاه بالإخفاق الكبير الذي اتسمت به استجابة حكومة الرئيس بوش غير الكافية لمعاناة ضحايا الإعصار والقصور الخطير في الاستعداد له.وقال العضوان، وهما السناتور الجمهوري سوزان كولينز رئيسة لجنة الأمن الداخلي والشؤون الحكومية بمجلس الشيوخ والسناتور جو زيف ليبرمان أبرز الأعضاء الديمقراطيين باللجنة، إنهما سيطالبان الحكومة بتقديم ردود تتعلق بأسباب حدوث ذلك الإخفاق الكبير، وفي نفس الوقت، سيركزان على ما يمكن للكونجرس عمله لضمان فعالية عمليات الإنقاذ وتقديم معونات الإغاثة لضحايا كاترينا. واقترح بعض أعضاء الكونجرس تشكيل لجنة تحقيق مستقلة كتلك التي تولت التحقيق في القصور الذي سبق هجمات سبتمبر الإرهابية قبل أربعة أعوام.أما النائب الديمقراطي رو برت ويكسلر، فقد وصف تعامل الحكومة الفدرالية مع ما خلفه إعصار كاترينا بأنه "يبعث على الشعور بالخزي القومي". ووصف زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس النواب روي بلنت ما قدمته الحكومة الفدرالية من مساعدات، وما وفرته من قوات وصلت متأخرة للمناطق المتضررة بأنه "غير مقبول بل ويعد فشلا من الناحية العملية وخاصة الوكالة الفدرالية لإدارة الطوارئ التي لم تكن لديها خطة متكاملة للتعامل مع سيناريو الآثار التي خلفتها كاترينا".وعلق نيوت جنجريتش، الرئيس السابق لمجلس النواب الأمريكي، على أداء الحكومة الفدرالية في التعامل مع آثار إعصار كاترينا بالقول أنه "يشكك في كل عمليات التخطيط التي تقوم بها وزارة الأمن الداخلي والقيادة الأمريكية الشمالية خلال السنوات الأربع الماضية".وفيما نبهت صحيفة الواشنطن بوست في افتتاحية لها إلى أنه كان يتوجب على الرئيس بوش إرسال وحدات الحرس الوطني الأمريكي إلى نيو أورلينز فورا بعد أن ضربها الإعصار وليس بعد خمسة أيام تعرضت فيها لأعمال النهب والسلب وجرائم الانفلات الأمني، وسارع المتحدث باسم البيت الأبيض سكوت ما كليلان إلى الرد فنفى أن يكون السبب في بطء الاستجابة هو أن معظم الضحايا من السود والفقراء، وقال إن الأولوية الأولي كانت إنقاذ الأرواح ومن كانوا بحاجة إلى المساعدة. غير أن البروفيسور ألان ليكمان خبير تاريخ الرئاسة الأمريكية يرى أن ما حدث في لويزيانا أثار جدلا على مستوى الولايات المتحدة ستكون محصلته النهائية تقليص قدرة الحزب الجمهوري على التواصل مع الأقليات، وخاصة الأمريكيين السود، وستترك آثارا سلبية مستديمة على تراث الرئيس بوش. واستشهد على ذلك بمقولة شهيرة للرئيس الأمريكي الراحل هيربرت هوفر:"ينال الرئيس الأمريكي التقدير عندما تكون الأجواء مشرقة، ويلاحقه اللوم والانتقاد إذا عكرت الأمطار الأجواء". وفي حالة الرئيس بوش كان هناك الكثير من المطر!
وقد تحولت المأساة الإنسانية بسبب الإعصار مدمر إلى أزمة سياسية للرئيس بوش الذي انهالت عليه الاتهامات من الديمقراطيين بأنه أخفق في إظهار قدرته على قيادة الولايات المتحدة في ظرف بالغ الحرج، ولم يأخذ الإعصار مأخذ الجد منذ اليوم الأول بحشد الموارد الملائمة لتقديم خدمات الإغاثة فور وقوع الضرر، بل لم يقطع إجازته في تكساس فور اتضاح حجم الكارثة فيما لم يعد نائبه ديك تشيني من إجازته في وايومينغ إلا بعد ستة أيام من وقوعها، بل وتعالت أصوات الانتقاد حتى من داخل الحزب الجمهوري وإن كانت قد ركزت على انتقاد إدارة الرئيس بوش والوكالات الفدرالية وليس على قدرة الرئيس على القيادة.