تحليلات اخبارية من السودان
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام

إتفاقية مشاكوس ثنائية الشكل قومية المضمون بقلم الصحفى / سعيد محمد مراد

سودانيزاونلاين.كوم
sudaneseonline.com
9/9/2005 4:32 م

إتفاقية مشاكوس

ثنائية الشكل قومية المضمون

الصحفى / سعيد محمد مراد

[email protected]

كنت من القارئين دوما لما كتب عن إتفاقية مشاكوس ، ومجمل الكتابات إنحصر نطاقها فى مناقشة بعض البنود وسردها فى حبكة تخدم أغراض كل جهة ، ونتيجة لمغالطات عديدة أثيرت حول الإتفاقية أضحى لزاما على أن أبحث بنفسى عن أى كتيب او نشرة موثقة لهذه الإتفاقية ، لأشرع فى دراستها بنفسى بعيدا عن مواقف مسبقة تؤثر على إتجاهاتى التحليلية لبنود الإتفاقية . وبالفعل عثرت بالصدفة على الإتفاقية كاملة ؛ فانبريت أدرسها دراسة فاحصة ومستفيضة .

ومن خلال الدراسة ؛ تبين لى أن بعض من كتبوا عنها ، لم يكونوا صادقين مع القراء ، أو أنهم لم يقرأوها أساسا ، بل إستندوا فى آرائهم على كتابات الآخرين ، فالإتفاقية - فى نظرى - تعتبر مثالا يمكن أن يحتذى به فى كافة الدول الأفريقية لإستعادة التجانس والتواؤم داخل وحدات غير متجانسة فى نسيج سياسى واجتماعى هش .

بل أن هذه الإتفاقية ؛ وعلى خلاف رؤى الآخرين ؛ لم تكن بين طرفين ، بل هى تعبير عن الحد اللازم للتعايش السلمى بين فرقاء متعددين ، وتصلح كبداية لا بديل عنها لبدء عملية الإصلاح فى أى دولة أخرى ...

ففى هذه الإتفاقية :

- لم يلاحظ عديد ممن كتبوا عنها أنها ذات نطاق زمانى يعد تنظيما جزئيا للفترة الإنتقالية التى تتلوها فترة أخرى ؛ سيكون لها معطيات أخرى مختلفة ؛ فبالنظر إلى الجزء (ب) : والمعنون بــ " عملية الإنتقال " يتكشف أنه ووفقا للنص :

" بغية إنهاء النزاع وضمان مستقبل سلمى ومزدهر لكافة شعب السودان ، وبغية التعاون فى مهمة حكم البلاد ، تتفق الأطراف بموجب هذا على تنفيذ إتفاقية السلام طبقا للتسلسل والفترات الزمنية والعملية المحددة أدناه :

بند 2- تكون هناك فترة ماقبل الفترة الإنتقالية مدتها (6) أشهر .

.... يتم خلالها إنشاء آليات متعددة لتيسير وقف الأعمال العدوانية ، الرقابة ، تنفيذ السلام ...ألخ .

- بند 2-2 ؛ تبدأ الفترة الإنتقالية فى نهاية فترة ماقبل الفترة الإنتقالية وتمتد ست سنوات .

- ويتبين أن النطاق الزمنى الذى ستنحصر فيه بنود الإتفاقية الهامة كتقاسم الثروة والسلطة ليس سوى ست سنوات وستة أشهر .

- ومع ذلك فإن كافة بنود الإتفاقية ؛ لم تغفل النص على حقوق كافة أقاليم السودان الأخرى ؛ ولم تقتصر فقط على تقاسم الحقوق بين الطرفين .

- ويتكشف ذلك منذ أول سطر فى الجزء (أ) من الإتفاقية والمعنون بـ " المبادئ المتفق عليها " حيث جاء فى البند 1-1 : إن وحدة السودان تقوم على أساس الإرادة الحرة لشعبه والحكم الديمقراطى ، والمساءلة ، والمساواة ، والإحترام ، والعدالة لجميع مواطنى السودان ستظل هى الأولوية بالنسبة للطرفين ، وأنه من الممكن رد مظالم شعب جنوب السودان وتلبية طموحاته ضمن هذا الإطار .

ويتبين مما سبق ؛ أن الإتفاقية تسعى ؛ - أو سعت بالفعل – إلى وضع حل شامل لكافة أقاليم السودان ، ويمكن وفق هذا الحل القومى أن تطرح إشكالية الجنوب أو أى إقليم آخر من خلاله ( ضمن هذا الإطار ).

أى أن الإتفاقية تتضمن نصوصا تمثل فى أغلبيتها نصوصا عامة مجردة ، قادرة على أن تنسحب على كافة أقاليم السودان ...

وهذا ماحدث بالفعل :

فعند قراءة الجزء ( ج ) : المعنون بــ " الدين والدولة " نجده مذيلا بالآتى : " إقرارا بأن السودان بلد متعدد الثقافات ، ومتعدد الجنسيات ومتعدد الأعراق ، ومتعدد الديانات ، ومتعدد اللغات ، وتأكيدا بأن الديانة لا تستخدم كعامل تفرقة ، بموجب هذا تتفق الأطراف على مايلى :

6-1 الديانات والعادات والمعتقدات هى مصدر للقوة المعنوية والإلهام بالنسبة للشعب السودانى .

ويستطرد هذا الجزء باقى بنوده وفق هذا المضمون القومى سواءا فيما يتعلق بأهلية المناصب العامة بما فى ذلك رئاسة الجمهورية ( بند 6-3 ) ، أم التمتع بالخدمات ، والنظام القانونى الذى يحكم مسائل الأحوال الشخصية ، واحترام العبادات ..... ألخ .

وتقابلنا هذه الصبغة القومية ، كلما تصفحنا أجزاء وبنود الإتفاقية ؛ اللهم إلا ما يتعلق بجزئيات ذات طابع ذاتى بالضرورة ؛ كالجزئيات المتعلقة بنزع الأسلحة ومشكلة أبيى وخلافه مما تستدعيه أطر التحاور بين متفاوضين دائما حول إشكالية معينة .

فعند قراءة الجزء (د) : والمعنون بـ " هياكل الحكم " نجد البند 3-1 والذى ينظم القانون الأعلى فى الدولة ؛ ينص على الآتى :

" الدستور القومى للسودان هو القانون الأعلى للبلاد ، ويجب أن تتوافق جميع القوانين مع الدستور القومى . وينظم هذا الدستور العلاقات ويحدد السلطات والمهام بين مختلف مستويات الحكم علاوة على أنه يحدد ترتيبات إقتسام الثروة بين نفس الجهات ( يلاحظ أن الصيغة قد جاءت بكلمات قومية مثل ؛ ( مستويات الحكم ) ، ( إقتسام الثروة بين نفس الجهات ) .

وأنظر كذلك البند 3-1-2 :

" يتم تشكيل مفوضية قومية تمثيلية لمراجعة الدستور خلال الفترة قبل الإنتقالية ( يلاحظ النطاق الزمانى المؤقت للدستور ومن ثم تقاسم السلطة و الثروة كذلك ) .

ثم أنظر البند 3-2 المعنون بـ "الحكومة القومية ":

" تكون هناك حكومة قومية تمارس المهام وتجيز القوانين ....، وتأخذ الحكومة القومية فى الحسبان فى جميع القوانين ، التنوع الدينى والثقافى للشعب السودانى "

يلاحظ أن الصيغة لم تقتصر على التباين الدينى والثقافى بين الشمال والجنوب ، بل تم تعميم ذلك بما يسع كافة أقاليم السودان .

تلاحظ الصبغة القومية حتى فى الفصل الثانى والمعنون بـ " إقتسام السلطة " :

فوفقا للبند 1-3 ؛ فإن " هياكل الحكم فى السودان تكون على النحو التالى خلال الفترة الإنتقالية ( يلاحظ النطاق الزمانى ) :

1-3-1 الحكومة على المستوى القومى ...... ألخ .

1-3-2 الحكومة على مستوى جنوب السودان .....ألخ .

1-3-3 الولايات فى أرجاء السودان .....ألخ .

ويذكرنى هذا النص بمقولة الرسول (ص) : " من دخل داره فهو آمن ومن دخل دار أبى سفيان فهو آمن "

ففى حقيقة الأمر كان البند المتعلق بالولايات كافيا لاحتواء البند المتعلق بالجنوب ؛ وما البند المتعلق بالجنوب إلا إستزادة كـ " أجر الوجاهة " فى حل قضية كانت فى الأصل ذات طابع خاص .أنظر نفس الفكرة فى البند 1-4 الذى ينص على أنه :

" يتفق الطرفان على الإسترشاد بالمبادئ التالية فى توزيع السلطات وإنشاء الهياكل :

1-4-1 الإقرار بسيادة الأمة المجسدة لشعبها وبالحاجة إلى الحكم الذاتى لحكومة جنوب السودان والولايات فى جميع أنحاء السودان .

1-4-2 تأكيد الحاجة إلى وضع معايير ومقاييس قومية ، فضلا عن تلك التى تخص الولايات وجنوب السودان ، بما يعكس وحدة الوطن وتنوع الشعب السودانى .

والجديد فى هذه المادة أن إعتبار عموم الولايات سبق الخصوصية المتعلقة بولايات الجنوب .

وهكذا تستمر الصيغة القومية فى كافة البنود .

إن فكرة الإختصاص المؤقت ( الفترة الإنتقالية ) للحكومة والحركة بأغلبية المقاعد البرلمانية ؛ لهو أمر لازم بل وواقعى ؛ فهذه الفترة الإنتقالية ؛ حساسة جدا ، فهى كالجنين داخل الرحم تحتاج لعناية خاصة حتى لا يتم إجهاضها قبل أوانها ؛ فهى نوع من تثبيت الثقة ودعم وجودها بعد إنعدام دام عقودا من الزمن .... حتى إذا انقضت الست سنوات ؛ إتضحت معالم الجنين سواء " بانفصال أم بوحدة " لتبدأ بعدها عملية التغيير الشامل . ويظهر هذا من داخل نصوص الإتفاقية ؛ أنظر على سبيل المثال لا الحصر البند 1-7 والذى ينص على أنه " يتفق الطرفان على بدء عملية مصالحة وطنية شاملة وتضميد الجراح فى جميع أرجاء القطر كجزء من عملية بناء السلام ..."

وأنظر البند 2-2-3-3 الذى ينص على أنه :

" تجرى إنتخابات حرة ونزيهة لعضوية المجلس الوطنى وفقا للدستور القومى الإنتقالى ( يلاحظ النطاق الزمانى ) الذى يحكم الفترة الإنتقالية ويحدد موعدها الطرفان الموقعان على هذا الإتفاق ، بعد التشاور مع مفوضية الإنتخابات "

فيلاحظ وجود دستورين ؛ أحدهما يحكم الفترة الإنتقالية ( الثقل فيه للطرفين كعملية واجبة لقيادة مركب التغيير بقوتين على الأكثر ) ؛ وآخر يتم وضعه بموجب حكومة قومية شاملة تتم بانتخابات بنسب متساوية ، أما النسب المقررة للفترة الإنتقالية وهى ( 52% للمؤتمر الوطنى ، 28% للحركة الشعبية ، 14% قوى من الشمال ، 6% قوى من الجنوب ) فليست سوى نسب مؤقتة تحكم الفترة الإنتقالية فقط ، وهو كما سبق القول ؛ أمر واقعى بل وضرورى لابد أن يكون لأى فترة إنتقالية ؛ حتى لا يأتى الإنتقال فجائيا وسريعا ، فيقتلع ماتم غرسه ويحول دون غرس ماهو جديد .

وهكذا تتواصل الصيغة القومية من جانب ، توازيها من جانب آخر حتميات خاصة بإشكالية الجنوب كأبيى وخلافه ، ويكشف لنا هذا الأسلوب ، عن إحساس عميق بين الطرفين ( الحكومة والحركة ) ، بأهمية عدم التقوقع داخل إشكالية الجنوب ، وخطر جعل الإتفاقية منحصرة فيها ، سواء بالنسبة للحركة أم للحكومة ، كما تكشف الإتفاقية عن روح صادقة لحل قومى شامل لإشكالية السودان وبث السلام الإجتماعى وحقوق المواطنة ( أنظر البنود من 1 إلى البند 1-8-9 من الجزء الأول ) على وجه الخصوص ، وباقى بنود الإتفاقية على وجه العموم .



للمزيد من االمقالات

للمزيد من هذه الاخبار للمزيد من هذه البيانات و المنشورات
الأخبار المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع


| اغانى سودانية | آراء حرة و مقالات | ارشيف الاخبار لعام 2004 | المنبر العام| دليل الخريجين | | مكتبة الراحل على المك | مواضيع توثيقية و متميزة | أرشيف المنبر العام للنصف الاول من عام 2005

الصفحة الرئيسية| دليل الاحباب |English Forum| مكتبة الاستاذ محمود محمد طه | مكتبة الراحل المقيم الاستاذ الخاتم عدلان | مواقع سودانية| اخر الاخبار| مكتبة الراحل مصطفى سيد احمد


Copyright 2000-2004
SudaneseOnline.Com All rights reserved