قال وليام جيمس العالم الذي أحدث نقلة عظيمة في علم النفس :-( يجب أن نستدبر المبادئ والمقولات والضرورات المزعومة الأولى ونستقبل النتائج والثمرات والوقائع الأخيرة ) ومن
هذه النتائج والثمرات ،ما نحن عليه اليوم في جميع المجالات المعرفية ،فلن يجادل أحد في أننا بلد فقير تفتك به الأمراض البدائية ،الزراعة والرعي عندنا لم يحدث بها أي تطور علمي يذكر، الغابات وصناعة الأخشاب كما كان العهد بها قبل الثورة الصناعية العالمية ،أبقارنا يصنفها علماء الجغرافية بأنها لا تصلح إلا لإنتاج الجلود ،إستحالت علينا تقنية التقاوي التي تسود عالمنا اليوم إلا أن يتبرع لنا بها الريغانيون ،أساليب الري مع وفرة المياه في مناطق وندرتها في أخرى،ويكفي أن نعرف بأن علم الإقتصاد يعرّف بفن استغلال الموارد، ولم نفعل، بل رميناها وراء ظهورنا وجلسنا ننتظر ونحلم بغودو (البترول) لأننا نريد ثراء جاهزا على طريقة الخليج . وعن النظام السياسي الذي ندير به بلادنا وصاحب القدح المعلى في ترتيب الأولويات والذي أثر ويؤثر على كل المتطلبات الأخرى حدث ولا حرج فما زلنا نتصارع على بديهيات تخطتها البشرية منذ عدة قرون وحسمت أمرها و لم نستطع حتى التوصل الى فهمها وإدراكها ناهيك عن أن نبتكر نظاما يلائم ظروفنا الثقافية والإجتماعية والإقتصادية أفلا يحق لنا بعد هذا أن نسأل :
من أين أتى كل هذا الفشل ؟
قال الأستاذ محمود محمد طه : (آفة التفكير في إثنين ،في قلته و إلتوائه) أمّا القلة فهي نقص المعرفة والتي هي من صميم العملية التعليمية ، والإلتواء يلحق بالسلوك الذي هو في جانب التربية وطرائقها والتي تدخل أيضا في جانب العلم لأنه ما فتئ يبحث في كيفية التحكم في سلوك الإنسان وتوجيهه نحو الأحسن و الذي قد يعلم شيئا ولكن لا يعمل به لظرف أوجده غيره، طبيعيا كان، أم بشريا سياسيا ، أو أكاديميا أو لأنه يتبع هواه ويترك لطبيعته الحبل على الغارب.
إذن لا مناص من أن نقول أن فشلنا في جملته يعزى الى هذين العاملين التربية والتعليم، فالأولى تقوم بضبط السلوك وتهذيبه والثانية بتنمية العقل ليتقن التفكير ويدرك العلاقات الذي هو الذكاء كما قال علماء الإجتماع .فحسن التفكير والتدبير من الأسباب الإلهية التي يتطور بها الإنسان ويغير الطبيعة من حوله وقد كان لإكتشاف علم الفيزياء الأثر الأكبر في تقدم أوروبا والغرب كما قال فرانسيس فوكوياما، والفيزياء لم تأت بشئ غير موجود في الطبيعة كعناصر منفردة أوأحيانا مجتمعة ولكنها أدركت العلاقات بين هذه العناصر وأسباب تكونها والقوانين التي تعمل بها وقال الله تعالى عن ذي القرنين وهو مثال ورمز للجنس البشري :( انّا مكنا له في الأرض وآتيناه من كل شئ سببا84 فاتبع سببا 85 (الكهف) وقد ضرب لنا سبحانه وتعالي المثل في اتباع الأسباب التي هي محصلة ادراك العلاقات في قوله تعالى: (إنّا كل شئ خلقناه بقدر)49(القمر) والقدر يعني ترتيب الأسباب وفي ذلك قال تعالي:(ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين 12 ثم جعلناه نطفة في قرار مكين 13 ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين 14)(المؤمنون) وقال تعالى: (وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا وكان ربك قديرا) 54( الفرقان) فمع قدرته بكن فيكون رتب الأسباب وشرحها لنا لنتعلم منها .
ولمحاكاة هذه الطبيعة التي فطرها الله لنا يجب أن نرتب الأسباب وندرك العلاقات بينها وما من سبيل إلى ذلك إلا بإتباع الأسباب أيضا وقد تقدم العلم في هذا المجال عما كان عليه في الماضي وهو كيفية التعلم وتعليم التعلم .فالعملية التعليمية تقوم على ثلاث مرتكزات أساسية بعد تحديد الهدف (أفندي أم عالم مبدع!!!؟)هي: معلم ،ومادة للتعليم ،وطريقة لتعليم هذه المادة قال الله تعالي : ( إقرأ باسم ربك الذي خلق 1 خلق الإنسان من علق2) (العلق) فعندما تتمعن في هذه الآية تجد المرتكزات الثلاثة المعلم المقتدر الله عز وجل وهو في نفس الوقت العالم المبدع وليست الأفندي الذي يكررعلمه، ومادة التعليم وهي الطبيعة المخلوقة بالأسباب في (علق) ووسيلة التعلم في ممارسة الفعل (خلق) وهو أيضا إشارة للإبداع و بعبارة أخري يقول لنا الله افعلوا لتدركوا العلاقات والأسباب لتخلقوا وتبدعوا، فكيف تعاملنا مع هذه المرتكزات ؟وهل المعلم مؤهل ومن الناحيتين الأخلاقية والفنية الأكاديمية ؟ وهل مادة التعليم عندنا بحث في الأسباب وتحليل للطبيعة المخلوقة ؟وطريقة التعليم بالفعل والممارسة ؟ والناتج خالق ومبدع؟ أزعم وبكل ما أملك من عقل أن الجواب بالنفي لأن الشاب الذي تخرج من كليات التربية ومعاهد المعلمين ولم يتجاوز عمره العشرين عاما يفتقر الى الأثنين معا مع أنه من أهم خطوط الأنتاج في إبداع وخلق رجال القضاء العادلين والأطباء المهرة الأنسانيين والساسة المقتدرين الذين يديرون الساحة الأجتماعية بفن ومهارة توجد التناغم بين كل هذه الفئات لأنها كحجارة الدومينو إذا سقط أحدها أوقع الجميع .
فهذا المعلم بحكم سنه مازال يملك طيش الشباب وأحاديته الفكرية ويحضرني بحث قام به أحد المعيدين في كلية الإقتصاد في آخر السبعينات وهو الآن الدكتور عبدالله محمد قسم السيد وجد أن من أكثر الفئات إستخداما للبنقو هم المعلمين في مرحلة الأساس وذلك لسبب رئيس سنأتي على ذكره كما أن نقص خبرتهم هو نقص في المعرفة أيضا لأن المعرفة لا تأتي إلا عن طريق الخبرة كما سنثبت لاحقا، ناهيك عن الطريقة التي تم إعداده بها فالذي درس بالطريقة السائدة عندنا لا يمكن له إلا أن يكون غير مؤهل وكما قال الله تعالى على لسان نوح في قومه ( أنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا)27( نوح) فهؤلاء المعلمين لن ينتجوا إلا فشلا لأنهم لايملكون غيره ،فالمكانة الإجتماعية التي أوصلتهم إليها السياسات الخرقاء وجعلتها من أدنى المهن والحرف ماليا وأدبيا" ساهمت بنصيب وافر في أخلاق المعلمين وكما قال علماء الإجتماع،( الأخلاق تشكلها الظروف)، وذلك بدلا من أن نجعلها من المهن الجاذبة ، فالراتب على قلته لا يصرف إلا مرة واحدة في العام ولأننا في مرحلة تاريخية مختلفة عن الآخرين كان يجب أن نهتم بالعلم ومن يمتهنونه ونعلي من شأنهم أكثر من أي فئة أخرى حتى لا تكون مهنة التعليم محطة للسفر منها إلي مهنة أخرى وحتى يستطيع المعلم أن يكتسب خبرة ينفع بها تلاميذه وزملائه المعلمين الجدد ونحافظ له على تماسكه الأخلاقي ليكون قدوة لتلاميذه والمجتمع من حوله وتتواصل الأجيال كل منها يمد الذي يليه بجرعة من المعرفة وأخرى من الأخلاق لنصل إلى مرحلة يكون فيها التعليم مسألة تهم صاحبها فيبحث عنها بنفسه لأنها تمثل له مصلحته الخاصة، والأخلاق وحسن السلوك طبعا أصيلا في المجتمع وكما قال الأستاذ محمود محمد طه :( المجتمع الصالح أفضل وسيلة لإنتاج الفرد الصالح).
وأما مادة التعليم فهي إدراك الأسباب والعلاقات فيما خلق الله في هذا الكون دون إستثناء وإجادة مناهج البحث فيها، قال تعالى :( قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق )20 العنكبوت فالذي يريد معرفة كيف بدأ الخلق عليه أن يبحث في العلاقات الرياضية والكيميائية والفيزيائية، وعلم الآثار والجيولوجيا ويدرك علاقاتها الداخلية وعلاقاتها بالعلوم الأخرى ولأن المصدر واحد يجب أن تكون العلوم وحدة (حتى لا نخرج طبيبا متطرفا أحاديا وإستئصاليا ،يتصور أنه صاحب الحق المطلق، ومهندسا لا يفقه في أحوال مجتمعه ولا عصره إلا ربطة العنق وحمل المسطرة )، نأخذ منها ما نحتاجه أولا، وما يتلاءم مع مرحلتنا ثانيا، ولأن المعرفة تراكمية ومطلقة فلا يمكن أن نصنع قداحة إذا لم نكتشف النار ولا يمكن أن نقيم إقتصادا إنتاجيا إذا لم نراجع سياساتنا التعليمية ونوعية الخريجين كما قال البروفيسور محمد عمر بشيروكيلا ينقطع البحث بموت الباحث وفنائه فعليه أن يأكل ويتداوى ويفض النزاعات بين مجموع الباحثين حتى يتسنى لهم الإستمرار في المهمة الموكولة إليهم .إذن فمن الغباء أن نختار من هذه الطبيعة ما لانحتاجه في مرحلتنا المعينة فنصبح كمن قالوا عليه ( عريان ويكوس للنسوان ) فالعريان يجب عليه أن يستر عريه أولا ثم ينتقل للبحث عن الزواج .الأمر الآخر وهو الأهم أن مادة التعليم وأعني بها البحث والتقصي غاية ووسيلة في آن معا فمن جهة ندرسها لذاتها لنتعلم أساليب البحث وإدراك العلاقات والأسباب ، ومن أخرى ندرسها لأنها الوسيلة لنمو العقل وشحذ الذكاء وهو الهدف الرئيس من العملية التعليمية برمتها لأن بها ندرك العلاقات والأسباب فننتج ونبتكر ونضيف إلى المخزون المعرفي البشري ، لا أن نجلس ليل نهار نلوك في أقوال إبن تيمية وتفسير أبن كثيرونتفاخر بحفظهمها،مع أن الحفظ وسيلة وليست غاية، فعلينا أن نختار منها بعناية مسترشدين بالهدف العام للحياة و بتجارب الآخرين وعلومهم نجاحا وإخفاقا".
أما وسيلة التعليم سأتناولها من جانبين ،الجانب الأول ما توصل إليه العلم الحديث من معارف في هذا الصدد ،والجانب الثاني ما أرشدنا إليه الدين في القرآن والسنة .أما في الجانب الأول أورد ما جاء في فلسفة الخبرة لجون ديوي حين قال إن العقل لايمتلك معرفة مسبقة وهو إستعداد للتعلم ولكنه يكتسب العلم والمعرفة عن طريق الخبرة والتجربة بل زاد وقال درهم من الخبرة خير من قنطار من النظريات لأن كل نظرية لا يكون لها معنى حي قابل للتطبيق إلا عن طريق الخبرة ولا أعتقد أن هناك اليوم من يجادل في ذلك فكلما أكثرنا من التجارب والخبرات إزدادت معرفتنا. فهل أدخلنا هذه المعرفة في مناهجنا التعليمية وأكثرنا من الدراسات الميدانية العملية للتلاميذ ؟وهل ربطنا بين اكتساب المعرفة والممارسة الفعلية ؟أم أننا مازلنا نمارس نفس الأسلوب القديم وهو التلقين وحشو أدمغة الصغار بكمية كبيرة من المحفوظات التي لا تغني ولا تسمن من جوع ؟ ثم لا تخرّج إلا منظرين نراهم على شاشات التلفاز كل يوم ،وهل أعدنا النظر في المعيار المستخدم لنيل الدّرجات العلميّة وبالتالي الوظائف والمناصب والتي تقوم علي اخذ الوسيلة وهي الذاكرة التي تمثل الماضي وتعنى بالحفظ وترك الغاية( الذكاء) وهو الجزأ المفكر من الذاكرة الذي يعنى بالمستقبل ويدرك العلاقات مستعينا بوسيلة ذاكرة الحفظ ؟وقدربط علماء النفس بين تعلم المهارات في الطفولة الباكرة وسعة الخيال الذي هو الذكاء وإدراك العلاقات،فهل زادت لدينا حصص الأعمال اليدوية في المدارس الإبتدائية ؟ وهل أدخلنا أسلوب البحوث والتقارير الذي أثبت نجاعته عند ألآخرين في تعليم الأساس ؟أم مازال في طور محو الأمية في الجامعات؟
وبما أن هذا المقال لا يتسع لمناقشة كل ما يتعلق بالفلسفة التعليمية سأ كتفي بالإشارة إلى ما جاء به هنري موريسون 1926 من أسلوب جديد عندما قرر أن تعليم المواد كجزئيات لا يفيد وصمم منهجا يكون فيه التعليم وحدة مترابطة تم تطويره في نهاية الأمر لإستهداف التكامل بين أوضاع الخبرة ونشاطات التلاميذ ،وإتصال البيئة والحياة بالدراسة حتى لا يخرج إلينا إقتصادي يشكو شح الإمكانيات المالية، وسياسي يريد أن يعود بنا إلى عهد معاوية بن حرب .
أتيحت لي فرصة مشاهدة المنافسات التي تقيمها الجامعات الأمريكية لطلاب الهندسة والقانون وشد إنتباهي أن المنافسة ليس فيها شئ من التسميع والحفظ على طريقة استاذ العقيل بل تعتمد
إعتمادا كليا علي الذكاء مستفيدين من النمو العقلي الذي حدث لهم في الخلق والإجتراح وليست في تكرار ما تم تلقينهم أياه في مقاعد الدراسة وكنت أتمنى لو أن الأستاذ العقيل جعل أسئلته للطلبة في الفقه أسئلة تحليلية نقدية، ومن تكون له فكرة ثاقبة وإحتواء للموضوع من كل جوانبه يأخذ الدرجة العليا كدراسة التاريخ في المدارس الغربية .
أما الجانب الثاني ما أخبرنا به القرآن الكريم عن كيفية الحصول على المعرفة والعلم في هذه الآيات قال تعالى: (يأيها الذين آمنوا لم تقولون مالا تفعلون 2كبر مقتا عند الله أن تقولوا مالا تفعلون)3 الصف وهي تعني ،يامن صدقتم وأعتقدتم ،أفعلوا ما أعتقدتم به . قال الكسندر بين وهو عند شيوخنا وعامتنا كافر ،قال: (إن الأعتقاد هوما يجعل الإنسان مستعدا للفعل ) فهل ياترى قرأ بين هذا القرآن من ورآنا ؟أم أن أحد الرحالة العرب غششه ؟ ومن المعلوم أن التقوي هي مخافة الله ،ومخافة الله هي إجتناب نواهيه وإطاعة أوامره إذن أمر الله لنا بفعل ما نقول هو أدنى درجات التقوى والتقوى هي مصدر العلم إذ قال تعالى:(واتقوا الله ويعلمكم الله ،والله بكل شئ عليم ) إذن فالعمل هو مصدر العلم لأنه بداية التقوى ولذلك قال الرسول (ص)(من عمل بما علم أورثه الله علم مالم يعلم ) ولا أظن أن هذا القول في حاجة الى تعليق.
أما الإلتواء الذي هو ترك المعرفة الصائبة إلى ماتهواه النفس وتميل إليه بما فطرت عليه من خلق وطبع ،هو أساس التحدي والإبتلاء الإلهي(إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا)7 (الكهف) في (وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى)40(النازعات) والجنة هي الثمرة الطيبة للنجاح في هذه المسابقة في الدنيا قبل الآخرة لأن حصادها رجال يفعلون ما يقولون ، وهو مضمار التربية الذي يعنى بتهذيب النفس وتمدنها والإرتقاء بها من مرحلة الحيوان إلي مرحلة الإنسان أي من أسفل سافلين إلى أحسن تقويم وهى رحلة تاريخية سرمدية مرتبطة بالزمان والمكان فلا أحلم بسلوك لا يمكن تطبيقه في المرحلة التاريخية المعينة والحكمة البسيطة تقول إذا أردت أن تطاع فأمر بما يستطاع وقد علمنا الله سبحانه وتعالى هذا النهج عندما تنزل من زكاة العفو إلى زكاة النصاب والحول ،ومن حق التقوى إلى ما أستطعنا من هذه التقوى على حسب المرحلة وهى تزيد تدريجيا كلما دخلنا في مرحلة تاريخية جديدة .وقد تناول هذا الأمر فلاسفة البراجماتية أيضا من أمثال ريتشارد ساندرز بيرس وجون ديوي ونادوا بالواقعية والذرائعية أي إتخاذ الأدوات المتاحة، وتنفيذ الممكن لأن الممكن ينقلنا إلى ممكن آخر، والتربية وحسن السلوك مرتبطان عضويا بالمجتمع فكلما ارتقى المجتمع معرفيا ، تحسنت فرصته في التمدن وبالتالي تحسنت فرصة الفرد في التمدن لأنه يجد على الخير أعوانا وهو بدوره يؤثر في زيادة الخيرين فيتضاعف العدد وتتسارع عملية التحسن والإرتقاء وكان الله بكل ذلك عليما لأنه من الأسباب التي سطرها ليتطور الأنسان بواسطة الجهاز المكنوز فيه وهو العقل الذي زوده بالمقدرة على التعلم من الخبرة والتراكم والمقدرة على التحليل وربط العلاقات .ومن العلاقات القوية بمسألة التربية القدوة الحسنة فيما هو مطلوب من الناشئة أن يتعلموه لذلك قال: الرسول (ص) (ما من مولود إلا ويولد على الفطرة فأبواه يمجسانه أو يهودانه أو ينصرانه ) فالأبوان يمثلان الظروف المحيطة، والفطرة هي السلامة من كل سوء والإستعداد للتلقي والتعلم من هذه الظروف التي حوله فإن كانت الظروف جيدة خرج المولود جيدا وإن كانت سيئة كان المولود سيئا" .
ومن الظروف المحيطة، السياسة والإقتصاد والأمراض العضوية والسلوكية كالنفاق الذي تعيش فيه الأمة الإسلامية التي تجتر في أحلام لاتفعل منها شئ فترى الواحد منا يطالب بطهر عيسي وزهد محمد وهو غارق في إكتناز الحياة بكل قواه لايصمد أمام أي موقف ولا يصدق في حال مع أن القاعدة (الطريق لمن صدق وليست لمن سبق) ومن أراد أن يكون صادقا في إتجاه يراه صحيحا ليأخذ فرصته بالتعلم من خبرته تصدى له شيوخ النفاق الذين يهربون كالنعام أمام الأقوياء و يستأسدون عندما يجدون فرصتهم في النساء والضعفاء فبمثل هذه الإزدواجية السائدة لن ننشئ إلا منافقين لأن في دواخلهم عقيدة بنفاق الكبار( ولن يلدوا إلا فاجرا كفارا) لأن الظروف المحيطة قدوة سيئة ولا يكون نتاجها إلا سوءا و أجد نفسي مضطرا للإشارة للحرية وهي أهم عنصر في العملية التربوية والتعليمية فإن فقدت فلا نسأل إلا شيوخنا وخريجينا الذين لم يتواطأوا على بسط الحرية لأنها أقوى صلة وقربى بكل مانرجو من التربية والتعليم لذلك قال الله تعالى : (قل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر)29 الكهف وقال : ( لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي )256 البقرة لأن الدين معتقد والمعتقد يوجب العمل به فلا أحد يعلم معتقد أحد إلا الله لأنه في الضمير والسريرة أما من يريد أن يجادل في هذه الجزئية نقول له بكلمة واحدة هذا هو الزمان والمكان وسير التاريخ والتطور التراكمي والمرحلي الذي عنيناه في صدر المقال وما الشكوى بضعف الإسلام والمسلمين التي تتكرر في المساجد وشاشات التلفزة إلا عملا بموجب المعتقد الذي ترسخ في السرائر بأن الكل يكذب على الكل والكل يتظاهر بما يرضي الآخرين عنه وليس ما يرضيه هو أو يرضي ربه إن كان له قناعة بالذي بين يديه.
مع أن الحديث في موضوع التربية والتعليم طويل ويحتاج إلى كتب سأكتفي بهذا القدر ولي عودة إن شاء الله وقبل أن أختم هذا المقال أذكر التربويين والأكاديميين لأن رجال الدين قد ثبت إفلاسهم ولم يعد بإستطاعتهم إبتكار أسلوب نربي به صغارنا وكبارنا أذكرهم بأن قوة الإرادة وروح النضال، والشجاعة والمروءة، والإثرة وروح التعاون، لها أسباب جينية وأخرى تربوية فأبحثوا لنا في الثانية وأتركوا الأولي لأهلها ولكن أستخدموا ما يتوصلوا إليه من معرفة .
كما أطلب إليهم أن يجيبوا على هذا السؤال :أين الخطأ ؟ هل هو في المعلم ؟أم مادة التعليم ؟أم أسلوب التعليم ؟أم أن الخطأ الرئيسي والجامع هو في نظامنا الإجتماعي ؟.