رجال من دارفور ... ونساء أيضا (2)
بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى ( والعصر إن الإنسان لفي خسر * إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر ) صدق الله العظيم .
رأينا كيف تعاملت قيادتي بنى هلبة والرزيقات مع ذلك الحدث حينئذ فماذا بعد ، عندما وصلت الأبقار وسارقيها إلى ناظر عموم الرزيقات إبراهيم موسى مادبو ما كان منه إلا أن أطلق صراح الحرامية بعد أن تعهدوا له بعدم تكرار ذلك مستقبلا فأعطاهم كسوة وملابس لزوجاتهم وابنائهم وارجعهم إلى ديارهم معززين مكرمين ، أما قرار الناظر عيسى دبكة بتغريم أهل ذلك السوق بالأبقار لعلمه أن الأبقار المنهوبة قد ضاعت وهنالك وعد مقطوع وزمن محدد علاوة على سمعة القبيلة ومكانتها حيث لا تخلى قاعدة من شواذ ، فأى الرجلين أبخس ؟ تلك هي دارفور وأهلها في توادهم وتراحمهم كالجسد الواحد فكان السلام والاحترام والمحبة والوئام .
أما حي الوادي وما يؤكد أنه نيالا القديمة فقد أنشئت فيه أول مدرسة صغرى في العام 1921 مدرسة نيالا الشمالية ثم تلتها المدرسة المتوسطة الأميرية جوار هيئة توفير المياه الحالية ثم مدرسة نيالا الشرقية الأولية علاوة على مبنى قيادة المركز في ذلك الوقت المقدومية التي يجاورها منزل المقدوم عبدالرحمن رجال ، وما وجود بيطريين غربي وشرقي على امتداد هذا الحي إلا لوجود أبقار وألبل البني هلبة والرزيقات وقتها ، حيث كانت أول ثلاثة أحياء لمدينة نيالا حي الوادي الذي كان يسكنه ضمن أهل نيالا الداجو والبرتى والبرقد وأيضا بعضا من تجار الشمال أهل دار صباح أمثال الكوارتى خضر الأمين كمبال ومن المسلمية محمد احمد الزيلعى والصادق حمد النيل والد الأستاذة والأديبة الكبيرة عفاف الصادق حمد النيل وشيخ الريح والشايقى حسن الإمام والد الضابط العظيم محمد ( بيرك ) و محمد احمد حمري والغبشاوى والدنقلاوى محمد شريف والد الطبيب البيطري والوزير الولائى عبداللطيف وكثيرين غيرهم من أهل نيالا ، أما الحي الثاني فهو حي كوريا ( كرري حاليا ) والذي أنشئت فيه أول مدرسة إبتدائية مدرسة نيالا الجنوبية لتتبعها مدرسة نيالا جنوب المتوسطة الصناعية ومؤخرا أضيفت مدرسة نيالا الثانوية الصناعية ، أما الحي الثالث والذي يعتبر إضافة حقيقية فهو حي رجال بانو ( حي السينما ) حاليا الذي أقامه تجار نيالا أهل دار صباح وأنشأوا فيه مدرستين كاملتين أهليتين متوسطتين هي مدرستي جنوب دارفور ( أ) و ( ب) ومدرسة إبتدائية هي مدرسة نيالا الغربية علاوة على المدرسة الحكومية حي المجلس الابتدائية لتكملة الدائرة التعليمية لكل مدينة نيالا بحدودها تلك في ذلك الوقت والتي كانت أنموذجا للسودان المصغر وكان الناس فيها عسل يعيشون في سلام ومودة وإحترام .
سلطنة الداجو التي سادة ما بين ( 1150 – 1350 ) أول سلاطينها أحمد الداج والذي اشتقت السلطنة إسمها منه يعتبر من أعظم سلاطين الداجو فقد عرف عهده بالعدل والإنصاف كما كان مهتما بنشر الدين الاسلامى وتثبيته في السلطنة فقد كان يجمع العلماء ويدعوهم لزيارة بلاطه لتعليم الناس شئون دينهم ودنياهم وأيضا كان يجمع الفقهاء (جمع فكي ) وحفظة القرآن في سلطنته في خلوة كبيرة لسببين الأول تلاوة القرا ن وتحفيظه الآخرين والثاني الابتهال بالدعاء لله أن يحفظ سلطته ومملكته من كل شر ومكروه ، يبدو أن هذه الفكرة توارثها حكام السودان وراقت للكثيرين منهم حتى في زماننا هذا لا بل ذهبوا إلى أبعد من ذلك في تحضير الجن أيضا لذلك والله أعلم .. اللهم أرحم شيخنا البرعى والشيخ غريب الله الجعلى رحمة واسعة .
خلف السلطان أحمد الداج إبنه سلا مؤسس دار سلا الحالية وسار على نهج والده في حكم البلاد حيث كان يؤمن بأن مجالسة أهل الدين تجلو عن النفس صدأ الذنوب ، ومجالسة ذوى المروءات تدل على مكارم الأخلاق ، ومجالسة العلماء تذكى القلوب ، إلى أن تسلم الحكم السلطان الجائر القاسي كسفرو ، أول ما بدأ به هذا السلطان الظالم طرد الميرم أم المؤمنين زوجة السلطان السابق من القصر وكانت ذات صيت بما عرف فيها من ورع وتقوى ورجاحة عقل فقد كانت تلقب بأم المؤمنين لرأيها الصائب ومعاملتها الحسنة لرعاياها ، لم يقف السلطان كسفرو إلى هذا الحد بل تمادى في غيه بظلم الناس وشدة التسلط عليهم ، إلى أن بلغه من بطانتة السيئة أن سلسلة جبل مرة تتكون من 99 جبلا ولابد من أن ينقل الجبل أم كردوس من شرق نيالا إلى هناك حيث أنه أحد معالم سلطنة الداجو إلى تلك السلسلة الجبلية حتى تكتمل تمام المائة وبذلك يكون هو سلطان الدنيا وملك الأرض فما كان منه إلا أن صدق ذلك وأمر أهل السلطنة بأن يحمل ذلك الجبل ويحول إلى سلسلة جبل مرة ليكملها تمام المائة ، وبدأ الأهالي في حفر الجبل لحمله ، حيث أدى ذلك في هلاك الكثير من أهالي السلطنة وانتشر الخوف والهلع بين الناس ، وعندما ضاقت الأرض بهم ذهب عقالهم إلى أم المؤمنين مستنجدين فهي الميرم وهى الرأي وبعدما أكرمتهم وأحسنت وفادتهم بادرتهم بالقول عندما ترأى لها من غم وحسرة وهم في وجوه الرعية ( سلطان المشوطن دى كمل ناس كن قعدتوا ساكت وخليتوا كدى زول واحد فوقكم يفضل مافى لكن الله كريم ) وما أن قالت ذلك حتى بادرها كبيرهم بالقول ( يا أمنا وأم المؤمنين جيناكى عشان كدى والله ينصريك ) ( سبحان الله إن كيدهن عظيم ) ، قالت ( لهم هذا السلطان سميع وبقى يقتل الناس الأن بكلام كضب... في مشروعه الحضاري دى... إنشاء الله نلقى ليه طريقة نريح الناس من شره هو فرعون ذاتو راحت زول دى ما بخاف الله ولا حتى من الموت البشيلى الناس دى ) فقالت لهم إذهبوا إليه وقولوا له الميرم أم المؤمنين تقول ( الملوك في الدنيا دى كل شغل ركبوه الحصان ، النعام ، الفيل عشان يكونوا ملوك الدنيا والأرض وما قدروا لكن في شغل واحد بس ما ركبوه البحقيقى غرضهم تيتل الخلاء النكاس ) وما أن سمع كسفرو ذلك حتى طلب من الناس أن يوقفوا نقل الجبل وأمرهم بأن يوجدوا له تيتل الخلاء النكاس ، وبالفعل إستطاعوا أن يمسكوا به وكانوا في حيرة من أمرهم في كيفية ركوب كسفروا ذلك التيس المتوحش النكور ، فقالت لهم أم المؤمنين أذبحوا ثورا كلاليا وأسلخوه وأجعلوا من جلده الني سيورا وضعوه على السرج فوق ظهر التيتل واربطوه بهم ربطا محكما حتى لا يقع سلطانكم وقد كان ، وعندما أطلق التيتل اخذ يعدو كأن به جنة مرة يصدم الأشجار وتارة يقوم ويقع حتى غاب عن الأنظار ومن يومها لم يعد السلطان كاسفرو وارتاح الناس من شره ولا زال جبل أم كردوس شامخا قابعا ساكنا في مكانه ينوم على عظام تلك الأجسام ويحفظ في حناياه قصصا أقرب إلى الخيال .. دائما وأبدا الكبر والتعالى والتسلط وصف يسلب من الإنسان الفضائل ويكسبه النقائض والرذائل ، يوغر صدور الإخوان ، ويبعد مودة الخلان ، يظهر السيئة ويخفى الحسنة ويهدم كل فضيلة مستحسنة ، يثير الحقد والحسد ويوجب لصاحبه الذم والنكد ... ومثل ما هناك رجال هنالك نساء صويحبات رأى وعقول مفكرة حيث أنه خلف كل شأن عظيم إمراة فهى الأم والأخت والحبيبة .. ونتابع إذا هنالك عرق ينبض وحياة تسود إن شاء الله .
آدم محمد إسماعيل الهلباوى