![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
هاشم كرار ـ جريدة الوطن الدوحة
أول درس تعلمته في الصحافة ألا أنشر صورتي‚ كان ذلك ذات شباب: الشعر صحو والوجه يتدفق بماء الحياة‚
ظننت‚ أول ما تلقيت الدرس‚ أن الذي يريد أن يعلمني الصحافة‚ لا يريدني أن أنافسه ــ حتى وهو في تلك السن التي لم يعد فيها ماء الحياة يتدفق في تقاطيع وجهه كما ينبغي ــ أنافسه في رفرفة قلوب القارئات!
لم يطل بي الانتظار لأنهم ‚‚
بدد هو ظني الآثم‚ حين قال: الصحفي مثل البوليس السري‚ عليه ألا يكشف هويته على الاطلاق!
لم أتردد ‚‚ ولم أتلعثم‚ قلت له «ولهذا أراك يا استاذ تنشر صورتك ‚‚ حتى تلك التي تقول باختصار انك لست أنت؟
فهم سؤالي الملغوم‚ ضحك يقول: لم يعد لي وقت‚ حتى لأجلس أمام المصور ليلتقط لي الصورة التي تقول باختصار انني أنا ‚‚ أنا!
أتذكر ان ابتسامة رفت في فمي بجناح واحد‚ و ‚‚ قبل أن ترف بجناحين ابيضين‚ أتذكر انني وضعت أذني في فمه: اسمع يا ابني ‚‚ أنت الآن تطارد الأخبار‚ وتطاردك ‚‚ وتحقق ‚‚ والصحفي الذي يطارد الأخبار والتحقيقات‚ لا ينبغي ان يكشف عن صورته!
و ‚‚ ظللت وراء الأخبار خبرا وراء خبر ‚‚ اكتب اسمي‚ ولا انشر صورة‚ ظللت احقق واحقق‚ وما كان لي اطلاقا ان احقق انجازا صحفيا واحدا‚ في التحقيقات‚ لو أنني كنت أمشي بين الناس بصورة يطالعونها‚ وهو لماما في الصحيفة!
بلى ‚‚ حققت نجاحات مهنية ‚‚ وفشلت في اختراق قلب قارئة واحدة‚ من اولئك اللاتي‚ تتصبب قلوبهن لهفة لاؤلئك الذين شعرهم صحو‚ ووجوههم تتدفق بماء الحياة» من أمثالي ‚‚ زما آ ‚‚ ن!
و ‚‚ فوت يا زمان‚ وتعال يا زمان‚ وجاء الزمان الذي أصبحت فيه مديرا للتحرير‚ ونائبا لرئيس التحرير‚ وهو الزمان الذي يجعل الصحفي «يأخذ أنفاسه» بعد طول لهاث في العمل الميداني: مطاردا للخبر‚ أو محققا في كارثة‚ او فضيحة‚ أو جريمة‚
كان الذي علمني أول درس‚ لا يزال يلقي علي ما تبقى من دروس‚ كان شعره لم يعد صحوا على الاطلاق‚ وكان وجهه قد تيبس تماما من أي ذرة من ماء الحياة‚ و ‚‚ كانت صورته الأولى لا تزال تحتل مكانها للائق حين يكتب‚ او يروح أو يجيء في مهمة صحفية‚ أو اجتماعية‚
ــ الان‚ يمكن ان تنشر صورتك! هكذا علمني‚ أخيرا جدا‚
و ‚‚ نشرت الصورة‚ ولأنه لم يعد لي وقت لأجلس أمام المصور ليلتقط لي الصورة التي تقول باختصار «انني أنا ‚‚ أنا»‚ ولست أنا في الزمان «الغابر»‚ نشرت صورة قديمة: كان الشعر صحوا ‚‚ والوجه ممتلئا بماء الحياة‚
بالطبع‚ رفت قلوب قارئات كثيرات‚ في اليوم التالي‚ وتزاحمت الأصوات في هاتفي‚ و ‚‚ حين تأنقت ذات مساء‚ وتعطرت‚ وحملت ساقي في قلبي لأول موعد مع قارئة ‚‚ كانت القارئة بعد لحظة واحدة من اللقاء الأول في المستشفى مصابة ــ المسكينة ــ بـ (Shock) كما قال الطبيب الهُمام!
و ‚‚ لأنني «انسان»‚ لا يريد أن يدخل بقية قارئاته في صدمات‚ ظللت اعتذر عن «المواعدة» ‚‚ وظلت صورتي ‚‚ وظل هاتفي‚ يرن ‚‚ ويرن ‚‚ في كل صباح جديد!
مناسبة هذا الحديث‚ كله ‚‚ صورتي هذه التي ترونها الآن‚ والتي فرضتها لوزام الاخراج الفني‚ فرضا‚
و ‚‚ حتى لا يرن هاتفي اليوم‚ أقول لكل القارئات‚ ان هذه الصورة كانت في الزمن الذي لم يكن «غابرا» في ذلك الزمان وكفى الله القارئات شر الـ (shock)!