تحليلات اخبارية من السودان
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام

كنت سجينة في دهلك .. إعترافات المرحلين من مالطا بقلم : أيلسا جيروم ترجمة : فرجت

سودانيزاونلاين.كوم
sudaneseonline.com
9/3/2005 8:55 م

كنت سجينة في دهلك ..
إعترافات المرحلين من مالطا
بقلم : أيلسا جيروم
ترجمة : فرجت
هذا الموضوع نشر في موقع عواتي باللغة الإنجليزية مترجماً من نسخته الأصلية المكتوبة باللغة التجرنية . بدورنا نترجمه إلى العربية حتي يستفيد من قراءته قطاع كبير من الإرتريين .
كاتبة الموضوع هي من الناشطات في مجال حقوق الإنسان وكان لها دوراً كبيراً في مساعدة الإرتريين الذين احتجزتهم السلطات المالطية بغية إرجاعهم إلى إرتريا لعدم استيفائهم شروط اللجوء حسب زعم السلطات هناك ، وتمكنت الأخت ( إيلسا ) بمجهودها الفردي وجهود ناشطين آخرين من إبقاء بعض الإخوة الذين كان من المفترض ترحيلهم ، هذا الترحيل التذي تم مخالفاً لكل القوانين والمواثيق الدولية ووثيقة الأمم المتحدة المتعلقة باللاجئين .
الترجمة
بتاريخ 29 من شهر سبتمبر سنة 2002م وفي تمام الساعة التاسعة صباحاً هبطت طائرة مالطية في مطار أسمرا ، وعلى متنها (55) لاجئاً مرحلين من مالطا ، أثناء الهبوط لاحظنا أن المطار محاطاً بجنود مدججين بالسلاح ، كما لاحظنا عند دخول الصالة أن المطار خالي تماماً من الموظفين والمسافرين سوى حفنة من رجال الجوازات ، وأفراد الأمن المرتدين لملابس مدنية . عند إقلاع الطائرة التي أتينا بها أمرنا رجال الأمن أن ( أمشو ) مشيرين إلى بص عسكري في إنتظارنا ، صعدنا إلى البص ونحن في حراسة العسكر المدججين بالسلاح ، وهم يطلبون منا مراراً بأن لا نتحدث إلى بعضنا البعض وأن نحني رؤسنا وننظر إلى الأرض وهم يتوعدوننا ( سوف ترون ما سيحدث لكم ) وشق بنا البص وسط العاصمة أسمرا ، مدينة دفعا الكثير من الدماء والعرق من أجلها نشقها الآن ونحن مطأطأو الرؤوس وأيادينا في الأصفاد ، مثل أسرى الحرب ونحن في طريقنا إلى محطتنا الأخيرة .
توقف بنا البص في ( عَدِي ابيتو ) ثم قام العسكر بتفتيشنا وأخذوا كل ممتلكاتنا الشخصية وطلب منا خلع الأحذية ، فقط تركوا الملابس التي نرتديها بعد مصادرة كل شيء . ثم أدخلونا إلى مخزن ذي سقف حديدي صدئ ، وأرضه خالية من كل شيء سوى جالون حديدي عند طرف البوابة موضوع للتبول . ثم رجع إلينا العسكر وصرفوا لنا رغيفين لكل فرد ومعلبات من التي تستخدم لتغذية الجيش ، و25 لتراً من الماء قبل قبل ذهابهم سألناهم عن شيء حاد لفتح المعلبات كان ردهم بأن نتصرف . هذا ربما نحن المتمردين على النظام ورافضيه كنا نعلم تماماً أنها حيلة الشيطان الذي نعرف . فهذه المعلبات يمكن فتحها عن طريق احتكاكها المستمر بالبلاط أو الحجر . شرحنا هذه الطريقة للبقية . على أي حالة فمعظمنا لم يأكل شيئاً . الأيام الأولى مرت ونحن نحاول أن نطعم أنفسنا بأي صورة كانت حتى نتجنب خطر الجوع القاتل .. ولكن ما خفي كان أعظم أي التحقيق معنا ومحاولة انتزاع الاعترافات منا فأخذونا فرداً فرداً ، إلى التحقيق ونحن مقيدين ، وعند الوصول إلى الغرفة يبدأ التحقيق بسيل من الأسئلة التي يمكن تلخيصها في التالي :
1 – كيف خرجت من إرتريا ؟ .
2 – من ساعدك على الخروج ؟ .
3 – من أعطاك تصريح التحرك ( الشباب من 16 – 44 يحتاجون لتصريح للتحرك ) ؟ .
4 – هل عائلتك على علم بالأمر ؟ وهل قاموا بمساعدتك ؟ .
5 – في مالطا بمن التقيت من مجموعات المعارضة ؟ .
6 – من كان ينظمكم هناك ؟ ...الخ .
بالإضافة إلى أسئلة أخرى . ومن لم يعطهم الإجابة التي كانوا في انتظارها تسمع صراخه في غرف التعذيب .
في نفس الوقت نتيجة للترحيل المستمر من مالطا انضم إلينا الشيوخ والأطفال والنساء الحوامل ونساء حديثات الولادة مع اطفالهن الرضع ليصل عددنا إلى 230 شخص . كنا نفترش الأرض والبرد القارص يفعل بنا الأفاعيل ، كل ما كان يضع رأسه على كتف الآخر للنوم ، لأنهم لم يصرفوا لنا أي أغطية أو ملاءات إلا بعد مرور ثلاثة عشر يوماً ، حيث صرفوا ملاءة لكل شخص . لم نستحم لشهر كامل مما أدى إلى انبعاث الروائح الكريهة من أجسادنا ، بينما انتشرت البراغيث والقمل في الملابس التي نرتديها ، وأول شيء كنا نفعله في الصباح كان خلع الملابس وتصيد القمل والبراغيث منها ، حتى أن البعض كان يعلق تعليقاً طريفاً وهو ( أن قمل فلان أو علان لا يمكن قتلها إن لم تمت من الشيخوخة ) حتى مثل هذه القفشات لم تقلل من حالة اليأس التي وصلت بالبعض ، أن وضع 27 من النزلاء خطة للهرب : كل يوم نخرج تحت الحراسة المشددة حفاة إلى فضاء يبعد 100 متر من العنبر بغرض غضاء الحاجة . وكانت خطة الهرب تتكون من مهاجمة الحراس بالحجارة بصورة فجائية ليتمكنوا من الهرب .
ولما كان التنظير والتطبيق شيئان مختلفان لم تنجح الخطة فقد تم إطلاق النار على أخونا ( روبل ) وأصيب بطلق ناري في حوضه ، بينما تم أسر الـ 26 شخصاً الباقون وتم ارجاعهم إلينا تحت الحراسة المشددة ، وبقي ( روبل ) المسكين يستصرخهم عندما رأى أنهم يتركونه ماذا عني .. ساعدوني .. ألست أخيكم ؟ ( والرد الذي تلقاة كان موت .. موت ، وفعلاً تركوه ينزف حتى الموت . مات . كان في مكانه حتى صباح اليوم التالي !! أما البقية فقدد حبسوا انفرادياً عندما لم تعد لديهم أي طاقة لتحمل التعذيب كانوا يصرخون .
إن واضع الخطة هو ارمياس زقاي الذي بقي في الحبس الانفرادي ويديه ورجليه مقيدين بالسلاسل الثقيلة حتى يوم نقلنا إلى دهلك .
الطريق إلى مصوع :
بعد شهر قاموا بفصل الشيوخ والنساء عنا ، وسمعنا فيما بعد أنهم أطلقوا سراحهم . في يوم 15 ديسمبر عام 2002م في تمام الساعة الرابعة صباحاً وبعد شهرين و15 يوماً قضيناهم في ( عَدِي ابيتو ) تم وضعنا في شاحنات النقل الكبيرة المعروف بالـ N-3 أربعون جندياً لكل شاحنة ، وكالعادة امرنا بالانحناء لدرجة أن الأصداغ كانت تلامس الركب ، وكان من الصعب التنفس أو التحرك من شدة الازدحام ، ولم نكن نعلم وجهتنا حتى لحظة وصولنا إلى حي ( أربعا ربوع ) في الجزء الشرقي من المدينة حيث خمن البعض أن وجهتنا هي ( عصب ) أو ( طيعو ) أو ( قلعوا ) .
نتيجة للازدحام والجوع وسوء الطريق والاختناق أصيب الكثيرين بالغثيان ، ولما كان الوقوف أو الاقتراب من طرف الشاحنة ممنوعاً لم يكن بد من استفراغ البعض على الشخص الجالس أمامه . انتهت بنا الرحلة بعد ثلاثة ساعات في مصوع . رحلة تمنى الكثيرين أن تنزلق عجلات شاحنتها نحو الهاوية .
الطريق إلى دهلك :
في مصوع تم نقلنا مباشرة ونحن نحمل المرضى منا والمغمى عليهم إلى زوارق بحرية عسكرية كانت بانتظارنا عند بدء الرحلة ، كانت عنالك محاولتين للانتحار ؟ أولاً حاول أرمياس ودي جيرمن الهرب برمي نفسه في البحر ولكن الحراس كانوا له بالمرصاد ولم تنجح المحاولة . ثم حاول ( والتاهيلي ) الانتحار بربط يديه ورجليه ، ثم رمى بنفسه في البحر ولم تنجح المحاولة وتم انتشاله من الماء ولكن وجهه كان مغطي بالدماء ، لابد وأنه ضرب رأسه في شيء .
بعد ساعتين من الرحلة رست الزوارق في جزيرة ( دهلك ) وعند نزولنا إلى الشاطئ تم اجلاسنا على الرمل ، وجاء المسؤول نافشاً ريشه ونادى بكل استهزاء ( خونة ) ثم أردف : هل ارتريا أنجبت هذه ( القمامة ) بعض الحراس تقدم إلى المسؤول وهمس في أذنه : أن أحدهم حاول الانتحار .. فصاح هائجاً : ( لماذا لم تتركوه .. لماذا لم تتركوه يموت ؟ ) .
بعد دخولنا إلى العنابر نادى الحراس على ( أرمياس ودي جيري ) وتم ربطه ربطة الهيليكوبتر أي ربط أرجله ويديه بعد جمعهم في نقطة واحدة خلف الظهر . كانت الحرارة لا تطاق أكثر من 33 درجة مئوية ، رغم أننا في ديسمبر عنابر السجن هنا أيضاً كانت عبارة مخازن غلال بنيت في عهد الدرق . كل مخزن به شباكين مقفولين على الدوام مما أدى إلى رداءة الهواء ، كان بكل عنبر حوالي 115 شخصاً كل شخص نصيبه مساحة 60 سنتميتراً ، فرغم دعاء الآباء الذي يقول ( ربنا يوسع قبرك ) ولكن ليس من متسع هنا !.

طاقة فيل :
ما رأينا من عذاب كان أسوأ من أن تتحملة الفيلة على حسب التعبير الدارج ، لا تكفي كل المساحات البيضاء من كتابة ما عانينا . لم يكن هنالك دواءً كافياً ولم يكن مسموحاً من زيارة دورة المياه سوى مرتين في اليوم . هذه غير سوء المعاملة المستمرة . عدم معرفة ما سيؤول عليه مصيرنا كان هوله أعظم على النفوس ، فيومنا يبدأ في تمام الساعة السادسة صباحاً نستيقظ – نذهب إلى الخلاء – منتصف النهار نتناول الفطور وهي الوجبة الأولى والثانية في حوالي الساعة الرابعة مساء وهي العشاء ثم نذهب إلى الخلاء – انتهى تقفل الأبواب علينا !.
أكلنا نفس الطعام مرات ومرات دون أن يتغير فيه شيء ، أما حصة الماء فهي 25 لتراً يشارك فيها شخص آخر . الصابون يصرف مرة كل شهر لغسل الملابس والحمام . أما مياه الشرب فهي إما مليئة بالحشرات أو بها طعم صدأ الأواني التي تحفظ بها – أما محاولات النظر إلى الخارج عبر شبابيك العنبر فهي غالباً تجلب عقاباً عسكرياً .
لا يسمح بالصلاة أو الدعاء أو قراءة القرآن والانجيل . مخالفتك لمثل هذه الأوامر غالباً ما تنتهي بربطة الهيليوكبتر فهي أصبحت شيئاً عادياً تصرف للأشقياء كل يوم !.
أحد الحراس أخبرنا يوماً أن سجناء جدد من مجموعة الـ 15 قادمون إلى هنا وقال أنهم أخبروهم قائلين ( أن هؤلاء الخونة أرادوا بيع البلاد إلى الأجنبي .. لا تحاولوا التحدث معهم ووسيلة اتصالهم الوحيدة معهم هي العصي ؟ كان في دهلك حال وصولنا 130 سجيناً وبعد وصولنا أضيف إليها عدداً جديداً من السجناء ، يتكون جلهم من الذين حاولوا الهرب عبر الحدود والموانئ ، بالإضافة إلى مواني ( عدي سهيل ) الذين رفضوا توزيع أراضيهم للغرباء ، بعض من الشيوخ وحوالي 12 إمرأة كانوا هناك لأسباب مختلفة ، فيمكن القول أن المجموع يصل إلى حوالي 900 سجين .
بالرغم من أن دهلك جزيرة محاطة بالماء من كل جانب ، كانت هنالك محاولات للهرب خاصة من هؤلاء الذين يئسوا من الحياة مثالاً : حاول كل من ( أرمياس ودي جيرمن ) و ( قيتؤوم ) الهرب ولكن قبض عليهم بعد أسبوع وتمت إعادتهم وهم يترنحون من الضرب المبرح . وتم ربطهم ( الهيليوكوبتر ) لمدة 23 يوماً ولكن ( أرمياس ) حاول مرة ثانية قبض عليه بعد يومين وكان نصيبه ( الهيليوكبتر ) لمدة 55 يوماً ! .
كان معنا في العنبر مرضى نسمع أنينهم وصراخهم طوال الليل ، هناك أثنين أصيبا بلوثة عقلية وهم ( فؤاد ) و ( مرهاوي ) .
بعد ثمانية أشهر وأسبوعين من هذه المعاملة تم فصل المدنيين إلى سجون خارج الجزيرة أما الذين تبقوا هنالك فهم في حالة يرثى لها ويعانون من الأمراض الخطيرة والتي يتضاعف أثرها نتيجة الاهمال الطبي ، فهنالك الشاب ( موسى ) الملقب بـ ( أمجي ) نتيجة هذا الاهمال الطبي مات في سجن دهلك في أغسطس عام 2003 م كما كنا نسمع عن حالات مماثلة .


للمزيد من االمقالات

للمزيد من هذه الاخبار للمزيد من هذه البيانات و المنشورات
الأخبار المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع


| اغانى سودانية | آراء حرة و مقالات | ارشيف الاخبار لعام 2004 | المنبر العام| دليل الخريجين | | مكتبة الراحل على المك | مواضيع توثيقية و متميزة | أرشيف المنبر العام للنصف الاول من عام 2005

الصفحة الرئيسية| دليل الاحباب |English Forum| مكتبة الاستاذ محمود محمد طه | مكتبة الراحل المقيم الاستاذ الخاتم عدلان | مواقع سودانية| اخر الاخبار| مكتبة الراحل مصطفى سيد احمد


Copyright 2000-2004
SudaneseOnline.Com All rights reserved