طاقة فيل :
ما رأينا من عذاب كان أسوأ من أن تتحملة الفيلة على حسب التعبير الدارج ، لا تكفي كل المساحات البيضاء من كتابة ما عانينا . لم يكن هنالك دواءً كافياً ولم يكن مسموحاً من زيارة دورة المياه سوى مرتين في اليوم . هذه غير سوء المعاملة المستمرة . عدم معرفة ما سيؤول عليه مصيرنا كان هوله أعظم على النفوس ، فيومنا يبدأ في تمام الساعة السادسة صباحاً نستيقظ – نذهب إلى الخلاء – منتصف النهار نتناول الفطور وهي الوجبة الأولى والثانية في حوالي الساعة الرابعة مساء وهي العشاء ثم نذهب إلى الخلاء – انتهى تقفل الأبواب علينا !.
أكلنا نفس الطعام مرات ومرات دون أن يتغير فيه شيء ، أما حصة الماء فهي 25 لتراً يشارك فيها شخص آخر . الصابون يصرف مرة كل شهر لغسل الملابس والحمام . أما مياه الشرب فهي إما مليئة بالحشرات أو بها طعم صدأ الأواني التي تحفظ بها – أما محاولات النظر إلى الخارج عبر شبابيك العنبر فهي غالباً تجلب عقاباً عسكرياً .
لا يسمح بالصلاة أو الدعاء أو قراءة القرآن والانجيل . مخالفتك لمثل هذه الأوامر غالباً ما تنتهي بربطة الهيليوكبتر فهي أصبحت شيئاً عادياً تصرف للأشقياء كل يوم !.
أحد الحراس أخبرنا يوماً أن سجناء جدد من مجموعة الـ 15 قادمون إلى هنا وقال أنهم أخبروهم قائلين ( أن هؤلاء الخونة أرادوا بيع البلاد إلى الأجنبي .. لا تحاولوا التحدث معهم ووسيلة اتصالهم الوحيدة معهم هي العصي ؟ كان في دهلك حال وصولنا 130 سجيناً وبعد وصولنا أضيف إليها عدداً جديداً من السجناء ، يتكون جلهم من الذين حاولوا الهرب عبر الحدود والموانئ ، بالإضافة إلى مواني ( عدي سهيل ) الذين رفضوا توزيع أراضيهم للغرباء ، بعض من الشيوخ وحوالي 12 إمرأة كانوا هناك لأسباب مختلفة ، فيمكن القول أن المجموع يصل إلى حوالي 900 سجين .
بالرغم من أن دهلك جزيرة محاطة بالماء من كل جانب ، كانت هنالك محاولات للهرب خاصة من هؤلاء الذين يئسوا من الحياة مثالاً : حاول كل من ( أرمياس ودي جيرمن ) و ( قيتؤوم ) الهرب ولكن قبض عليهم بعد أسبوع وتمت إعادتهم وهم يترنحون من الضرب المبرح . وتم ربطهم ( الهيليوكوبتر ) لمدة 23 يوماً ولكن ( أرمياس ) حاول مرة ثانية قبض عليه بعد يومين وكان نصيبه ( الهيليوكبتر ) لمدة 55 يوماً ! .
كان معنا في العنبر مرضى نسمع أنينهم وصراخهم طوال الليل ، هناك أثنين أصيبا بلوثة عقلية وهم ( فؤاد ) و ( مرهاوي ) .
بعد ثمانية أشهر وأسبوعين من هذه المعاملة تم فصل المدنيين إلى سجون خارج الجزيرة أما الذين تبقوا هنالك فهم في حالة يرثى لها ويعانون من الأمراض الخطيرة والتي يتضاعف أثرها نتيجة الاهمال الطبي ، فهنالك الشاب ( موسى ) الملقب بـ ( أمجي ) نتيجة هذا الاهمال الطبي مات في سجن دهلك في أغسطس عام 2003 م كما كنا نسمع عن حالات مماثلة .