ابونمو وادى[email protected]
الرياض – السعودية
كنت ولا زلت من اشد المعجبين لبرنامج ترفيهى يابانى يسمى " الحصن "، كان يعرضه التلفزيون السعودى حتى الى وقت قريب، اعجابى الشديد لهذا البرنامج تكمن فى ان فعالياته تجسد بصدق، جسارة وتضحية وعناد وقوة شكيمة الشعب اليابانى فى الدفاع عن نفسه فى حالة الحرب وبنفس القدر فى حالة السلم، وذلك بالعمل الدؤوب على تذليل كل الصعاب فى طريق البناء والتطور التقنى والاقتصادى والاجتماعى. البرنامج عبارة عن مسابقة شعبية يشترك فيها المئات من الجنسين وتتكون من فريقين، فريق يستميت فى الدفاع عن قلعة حصينة " الحصن " ويحول دونه بدفاعات متراصة، صناعية وطبيعية وبشرية، يبدأ القتال فيها من ابعد الدفاعات فى مواجهة العدو وتتعقد اجتياز هذه الدفاعات كلما تتقدم نحو القلعة. الفريق المهاجم من الطرف الاخر يتم اعداده جيدا، نفسيا ولوجستيا، و يفتتح الهجوم بعد محاضرة حماسية (توجيه معنوى ) من قائد الفريق يحثهم فيها على القتال وبذل الغالى والنفيس فى سبيل الوصول الى الهدف، اى اقتحام الحصن وانزال الهزيمة بالمدافعين. وفى الغالب يسقط معظم المهاجمون فى الطريق ويصل فقط قلة منهم بعد اجتياز كل الدفاعات فى طريق
" الحصن " لتدور معركة فاصلة على اعتاب ابواب " الحصن " نتيجتها اما ان يتم دحر المدافعين لينال هذه القلة المهاجمة النصر المعزز بمباركة زعماء الفريق او يتم دحر المهاجمين وصدهم وهزيمتهم، و كل ذلك يتم فى قالب هزلى ممتع.
ما يدور الآن من نقاشات فى قضية دار فور من بعض ابناء دار فور فى منتديات الانترنت، يجعلنا تشبيه ما جرى من حرب التحرير فى دار فور بفعاليات هذا البرنامج من حيث الاحداث المتسلسلة والصعوبات والعراقيل التى واجهت الثوار الى ان وصلوا الى مرحلة المفاوضات النهائية مع " نظام الانقاذ"، مع بقاء الاختلاف الجوهرى بالطبع، الترفيهى فى حالة البرنامج اليابانى والتراجيدى فى حالة دار فور مع وجود مفارقة صارخة فى سلوك "المشاركين " فى الحالة الدارفورية وخاصة فى المرحلة النهائية، ولكن نأتى لشرح تلك المفارقة لاحقا.
المتابع لتصريحات السيد / عبدالواحد محمد احمد نور رئيس حركة تحرير السودان فى هذه الايام، وربط تلك التصريحات بكتابات بعض ابناء دار فور فى الانترنت - والمحسوبون اصلا للمعسكر المناوئ (السلمى ) لحركته فى السابق - يلاحظ نوعا غريبا من "التناغم " والغزل الجديد والذى لم نجد له مسمى غير " الاصطياد فى الماء العكر "، وذلك لتوسيع هوة الخلاف بينه وبين المناديين بضرورة قيام المؤتمر وعلى راسهم الامين العام الاخ / منى اركو مناوى ! . الاخ /عبدالواحد بعد ان عزل نفسه عن حركته عندما مشى الجميع فى اتجاه تنفيذ امر هام تم الاتفاق حوله فى السابق فى موعد محدد، وهو موضوع عقد مؤتمر عام للحركة فى الاراضى المحررة (قرار عقد المؤتمر تم فى اجتماع برئاسته شخصيا فى اسمرا ضم الامين العام للحركة وبقية القادة السياسيين والمفاوضين وبالتنسيق مع القادة العسكريين فى الميدان)، وجد نفسه وحيدا فى الساحة واصبح يلتفت يمنة ويسرى لحشد المناصرين لايقاف عقد المؤتمر، ولكن بلا جدوى. مشكلة عبدالواحد المستعصية طوال فترة الكفاح هى انه يعتقد خاطئا ان الجميع يتآمر ضده. ولكن الضربة القوية هذه المرة جاءته من المجتمع الدولى ممثلا فى الامم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الافريقى والاوروبى وكل اعضاء منبر ابوجا، وذلك عندما تقاطر مناديبهم الى الاراضى المحررة حيث الامين العام للحركة وذلك من اجل ابداء تأييدهم وحثهم على عقد المؤتمر لغرض اعمال مؤسسية قوية للدخول الى المفاوضاوت القادمة والتى ينظر اليها البعض بانها ستكون فاصلة ونهائية. نفس هذه الكتابات "المتناغمة " عملت خلال الفترة الماضية ومنذ قيام الثورة على تصوير الاخ/ عبد الواحد بانه الرئيس "الصورى " للحركة وان كل خيوط الحركة فى يد الاخ / منى اركو مناوى، وذلك بالطبع لغرض الايقاع بين الرجلين حتى تضعف الحركة. الجديد فى هذه " الكتابات " المذكورة انها تصور الاخ / عبدالواحد هذه الايام بانه " الحمام المنفتح " على الآخرين من المجموعات العربية وغيرهم فى دار فور، وسط صقور جارحة لا تسمح بالتقرب منها كل من ليس من جنسها، او اولئك الذين يحلو للبعض تسميتهم ب " مجموعة منى اركو " المتشددة ! . ساعدت على هذه " الكتابات " والتى اسميها الغير امينة والغير صادقة كتابات اخرى من بعض الاخوة الذين كانوا فى صفوف الثوار واعلنوا عن " طلاقهم " من هذه الحركات فجأة لاسباب لا نعلمها حتى الآن، وربما تكون ذاتية. كتابات هذه الفئة الاخيرة المتمردة (من الحركات المتمردة) لاقت هوىً وتشجيعا من الذين يصطادون فى الماء العكر عندما طرحت فكرة ضرورة " إشراك المجموعات العربية " سواء كان فى مؤتمر الحركة المرتقب او فى المفاوضات الجارية فى ابو جا وربط نجاح تلك المؤتمرات او جولات المفاوضات بتحقيق تلك الرغبة، اى اشراك "المجموعات العربية ".
بعد فضح فرية " امبراطورية الزغاوة الكبرى " التى نسجها حكومة الانقاذ فى الاساس، ووقوف امبراطورها المفترض (ادريس دبى ) الى جانب الحكومة السودانية(بذكاء ) كأقوى حليف ضد ثوار دار فور، زال التوجس عند البعض و اصبحت الساحة منذ فترة طويلة جاهزة لانضمام كل اهل دار فور للثورة وخاصة " المجموعات العربية " التى لا توجد لها افراد مع الثوار فى الميدان، ولكن اثناء ذلك هنالك اسئلة ملحة تطرح نفسها بشدة نأمل الاجابة عليها وخاصة من الإخوة الذين يطرحون ضرورة مشاركة " المجموعات العربية " وتلك الفئات التي تقف خارج اسوار " حصن " دار فور المنهار وتنادى بضرورة إشراكهم، والأسئلة هي على النحو التالى:
v هل الانضمام للحركات المسلحة يتم على اساس مجموعات قبلية سواء كانت عربية او غير عربية ؟
v على افتراض ان اجابة السؤال اعلاه هو "نعم "، هل سافرت اى مجموعة قبلية عربية الى معاقل الثوار فى الصحارى والاحراش للانضمام اليها واقفلت راجعة الى حواكيرها " الآمنة " نتيجة لرفض الثوار الانضمام اليهم ؟
v لم دائما تترك المبادرة فى قضية دار فور لثوار دار فور وقادتهم، وكأن " الآخرين " لا تهمهم امر دار فور، وبالتالى اين مبادرات الآخرين فيما يطرحونه من امر المشاركة ؟
v هل عقدت قبائل الزغاوة والفور والمساليت مؤتمرات "قاعدية" لافرادها قبل اندلاع ثورة دار فور ورشحت المقاتلين لحمل السلاح ضد الحكومة، وهل كل افراد هذه القبائل مع ثورة دار فور ؟
v اذا كان لا بد من اشراك "المجموعات العربية " فى المؤتمر او المفاوضات، اذن ما هى الآليات
( mechanisms) التى تنظم اشراك هؤلاء للمؤتمر او المفاوضات؟
v اليس من الضرورة "انضمام " اى فرد او مجموعة الى هذه الحركات بصورة تنظيمية او نظامية وفق اسس متفق عليها تنظيميا لضمان اخلاصهم كما الآخرون، قبل الحديث عن " اشراكهم " ؟
v اين هذه "المجموعات " التى هى الآن قلقة على " المشاركة " طوال فترة الكفاح الدموى بين الثوار وجيش الحكومة ومليشياتها العميلة ؟
v اين كان هؤلاء "الشركاء الجدد " عندما اعلن رئيس النظام ان الحكومة قضت على الحركات المسلحة فى دار فور وبالتالى وقف العمليات العسكرية، اليس من الواجب اقامة سراديب العزاء لاخوة الجيرة والدم الذين قضوا فى سبيل رفعة اهل دار فور، على افتراض ان الحكومة قد قضت عليهم فعلا ؟
v هنالك حديث يتداول بخبث ،وهوان نسبة كبيرة من جيش الحركات المسلحة فى دار فور تتكون من عرقية او قبيلة واحدة وهو امر صحيح الى حد كبير ، ولكن ما هى الخطوة العملية لتغيير هذه التركيبة "المشوة " ، الم تكمن الحل فى جلب الآلاف من المقاتلين من المجموعات "الغائبة" الآن ودمجهم مع المقاتلين حتى نضمن خلطة " عرقية " منسجمة لجيشنا التى تقاتل من اجل دار فور ، و هل الاخوة " الشركاء الجدد " مستعدون لحشد وتجنيد هذه القوة الجديدة من القبائل العربية لخلق التوازن القبلى المنشود ؟
v وهل افراد هذه القبيلة الغالبة الآن فى جيش الحركة هم هواة حرب وقتال والتضحية من اجل الآخرين ام ان الامر قد فرض عليهم وارتضوا بالتحدى الى حين انضمام الآخرون الذين طال انتظارهم ؟
v ثم نأتى اخيرا الى السؤال الحرج وهو، هذه الدعوة الى المشاركة فى هذا الوقت المتأخر من مسيرة الثورة جاءت فى وقت دنا فيه قطف ثمار الكفاح ولكنها اثبتت فى نفس الوقت ان الذين حملوا السلاح وضحوا بالآلاف من خيرة شبابهم هم كانوا على حق وان نيتهم من المبتدأ هى انتزاع حقوق دار فور لكل اهل دار فور وليس بناء الامبراطوريات الوهمية كما يروج لها الأمن الانقاذى لغرض إبعاد انضمام كل أهل دار فور للثورة، إذن الم تحمل هذه الدعوة معها نوع من الانانية والانتهازية، لماذا يقدم البعض آلاف الشهداء من ا جل دار فور ويكتفى الآخرون بقطف الثمرات الجاهزية windfall gains ) ) ؟
وهذا التساؤل الاخير ايضا يقودنا الى المفارقة التى اشرنا اليها فى بداية المقال عند تشبيهنا لاحداث البرنامج الترفيهى اليابانى (الحصن ) باحداث الحرب فى دار فور، حيث قلنا ان سلوك بعض المشاركين فى احداث دار فور ينم عن مفارقة صارخة. والمفارقة التى اعنيها هى ان المشاركين فى البرنامج الترفيهى يبدأون الهجوم على " الحصن" من ابعد الدفاعات ويزحفون نحوه لاجتياز الدفاعات بصورة مرحلية، ويسقط معظم المهاجمين "شهداء " فى سبيل اجتياز الدفاعات المتراصة ويصل فقط قلة منهم كما اسلفنا الى الهدف قبل اقتحامه فى المعركة الفاصلة. بالمثل ثوار دار فور قد اجتازوا كل مراحل الزحف تجاه "الحصن " وقدموا فى سبيل ذلك آلاف الشهداء وهم الآن على اعتاب ابواب الحصن، وتجرى المفاوضات الآن لدخولهم الى " الحصن " سلميا بدل الاقتحام، ولكن المفاجأة التى وجدوها على ابواب "الحصن " ان هنالك من ينتظرهم " المجموعات العربية " لمشاركتهم شرف دخول " الحصن " وكل دورهم فى الكفاح سيكون فقط "حكى " (بلغة اهل الشام ) لاقناع حكومة الانقاذ للسماح للثوار- وهم منهم - للدخول سلميا الى الحصن بدل الاقتحام !. اذا كان البعض من اهل دار فور قد حمل السلاح ووقف الى جانب حكومة الانقاذ لمقاتلة الثوار، فان هذا يعتبر موقف واضح ومفهوم وهم يتحملون تبعاته، اما الذين كانوا يتفرجون طوال فترة الكفاح وبل عمل بعضهم على بذر الشقاق بين الثوار، وعندما دنا قطف الثمار جاءوا يهرولون لمشاركة مجاهدات الثوار فى الزمن الضائع، فاننا نقول لهم مرحبا بكم ولكن عليكم الاعتذار. نعم الاعتذار من خذل اخوة الدم فى معارك الدم و الاعتذار ايضا من العمل فى السابق على محاولة إفشال ثورة دار فور ببذر الشقاق بين الثوار ، الم اكن محقا فى هذه الدعوة سادتى ؟!
الرياض – السعودية
__________________________________________________