طالعتنا الاخبار أن الحركتين المسلحتين بدارفور قد طالبتا كتابة بأشراك الحركة الشعبية لتحرير السودان بالمفاوضات بين حركات دارفور و بين الحكومةالمركزية.
ما نريده من هذه المفاوضات ليس زيادة عدد الأطراف أو الوسطاء أو المراقبين أو الصحفيين أو عدد الوفود . ما نريده هو حل قضية دارفور و علي رأسها رجوع النازحين الي أراضيهم و تعويض كل المتضررين و حكم أهل دارفور أنفسهم بأنفسهم و منحهم حق التصرف في مواردهم و أقليمهم مع كل الحريات و الحقوق و التوزيع العادل للثروة و المشاركة في السلطة . هذه المطالب لا نعتقد أنه يمكن تحقيقها مع هذه الحكومة المراوغة بالظروف الحالية و دون تمتع الحركات بأي أدوات ضغط تحقق بها مطالبها أو ضمانات تؤمن بها مكتسباتها عدا المقاومة المسلحة .
علي ضوء ما خاضته الحركة الشعبية لتحرير السودان من صراع حول تشكيل الحكومة مع المؤتمر الوطني و الذي تمخض عن سيطرة المؤتمر الوطني علي كل الوزارات الرئيسة في الحكومة و بالتالي يعتبر المؤتمر الوطني هو الكيان الحاكم الفعلي للسودان فأنه علي مفاوضي دارفور عدم أقحام الحركة الشعبية في المفاوضات مع حكومة المؤتمر الوطني :
ليس لأن الحركة الشعبية لها حسابات تخصها ( و هذه حقيقة )
و ليس لأن الحركة الشعبية ليست الشريك المؤثر في هذه الحكومة و بالتالي ما تراه عادلا و منصفا بحق أهل دارفور قد لا يوافق عليه المؤتمر الوطني ( و هذه حقيقة )
و ليس لأن الحركة الشعبية و هي خارجة توا بكدمات من صراع مع الشريك الجديد و لا شهية لها الآن في الدخول في خلافات جديدة مع المؤتمر الوطني و من أجل أطراف غير جنوبية ( و هذه حقيقة )
و ليس لأن الحركة الشعبية قد حددت أولوياتها عند قبولها بتشكيلة هذه الحكومة الراهنة بالتركيز علي تطوير الجنوب في الفترة الانتقالية المقبلة و أي شئ آخر ( بما فيه درافور و الشرق ) سيأتي في المرتبة الثانية أو العاشرة ( و هذه حقيقة محتملة )...
بل لأن المفاوضات القادمة هي مصيرية و يجب علي أبناء و بنات دارفور وحدهم تحديد نتائجها و تبعاتها بأنفسهم دون الأعتماد علي الآخرين . يجب عليهم تحمل مسؤولية الفشل أو النجاح دون التلفت للوم أي طرف ( لقد شبعنا مقولة ضغوط المجتمع الدولي و الوسطاء).
لكن مع الظرف الراهن فأنه من المستحيل الخروج بأي نتائج عادلة لاهل دارفور من أي مفاوضات مع حكومة المؤتمر الوطني للأسباب التالية:
1- حكومة المؤتمر الوطني الآن في أقوي حالاتها ( بعكس ما يعتقد البعض ) . فهي أستطاعت أن تحيد جل المعارضة و تضعف الباقي . شريان بقائها هو بترول السودان . بأيراده يمكنها شراء من يقف أمامها و رشوة آخرين محليا و دوليا . و من أستعصي عليه الدولار ( الولايات المتحدة و أوربا ) فليس هناك وازع أخلاقي لهذه الحكومة أو رادع ديني يمنعها من تلبية كل طلباتهم مهما تنوعت .
هناك دوائر قرار في تلك البلاد موكلون بحماية الأمن القومي لبلادهم و رعاية مصالح شعوبهم . أنهم عمليون جدا و واقعيون . فالمهام محددة . لذا يفضلون التعامل مع القوي الفاسد الذي يلبي طلباتهم و زيادة علي المثالي الضعيف ذي القضية العادلة . صقور الانقاذ أستوعبوا هذه النقطة جيدا و عليها علقوا كل أمال و أسباب بقائهم.
2 – الصين و الهند و ماليزيا و دول أسيوية أخري بالاضافة الي روسيا ربطتهم الانقاذ بعقودات و تعاملات أقتصادية و تجارية في غاية الأغراء فضمنت دفاعا متحمسا عنها في المحافل الدولية كلما تعرضت للأدانة أو عقوبات .
3 – دول الغرب و الولايات المتحدة علي وجه الخصوص و برغم أقتناعها بعدالة قضية دارفور ألا أنها أكتشفت في الأنقاذ أداة أطوع لها من بنانها . فمع حربها مع الارهاب و زيادة الطلب علي البترول و غلاء سعره مع هشاشة الاوضاع السياسية بأفريقيا عموما ( السوق التنافسية القادمة ) فان الولايات المتحدةلا تود المغامرة بذهاب الانقاذ و نتاج فراغ سياسي فيتفتت أو يتصومل السودان . فالحركة الشعبية ستركز أكثر في الجنوب . و الأحزاب السياسية السودانية القائمة هي هياكل عظمية تنتظر الدفن ( لقد دعت أمريكا السيدين كل علي حدة الي واشنطن و سبرت غورهم و لم تجد فيهم ما وجدته في رجال الانقاذ فصرفت النظر عنهم ).
4 – الحركة الشعبية لديها كوادر مؤهلة سياسيا و أكاديميا تأهيلا عاليا ألا انهم في عالم المناورات السياسية و التحرك السريع و التنظيم الدقيق ( المافيا ) جعلت دوائر الغرب تراهن أكثر علي الذي ينجز ( بغض النظر عن الكيفية ) علي المثالي الذي قد تكبله موانع اخلاقية أو مبادئ .
كل الذي سبق سوف تجعل حكومة المؤتمر الوطني أكثر جرأة علي أستخدام الحركة لتمرير أجندتها في المفاوضات أو جعلها ذريعة لأي فشل في الوصول لأتفاق أو تضييع الزمن في المراوغة.
أذا ما العمل ؟ ماذا علي ثوار دارفور فعله الآن ؟
لنتحدث بصراحة تامة و بلا أنفعالات عاطفية:
أولا: يجب نبذ هذا التشرذم و الأستيقاظ من أحلام ان حقوق دارفور سيتكرم بها هذا الخصم علي طاولة المفاوضات .
ثانيا: عليهم أدراك أن ما يجابهونه الآن هو عدو أصبح الآن أكثر شراسة من ذي قبل . فالحكومة التي ترونها تشكلت أمامكم هي حكومة حرب . أمنت علي بقائها بوضع يدها علي كل مصادر دخل البلاد و كل مقدراتها الأمنية و العسكرية. أتت مزودة بخبرات عملية في كيفية تحييد كل الأطراف . فقد عرفت أين تكمن مصالح الولايات المتحدة فبادرت الي طمأنتها . و عرفت ان التجمع و الاحزاب بعد ان القت السلاح أصبحت تلهث وراء أطماع كراسي الحكم فباعت لهم سراب وزارات و مناصب . و وعدت الحركة الشعبية بالكثير المثير . و الآن عقدت النية في الدخول في مفاوضات ماراثونية لا نهاية لها مع حركات متشرذمة من دارفور بعد ان وزعت و ما تزال توزع أراضي النازحين لحلفائها الجنجويد . فعينها علي أراضي جبل مرة و وادي صالح و كبكابية و أي قطعة أرض خصبة طرد منها أصحابها . فقد أوكلت مهمة توزيع هذه الاراضي الي سمسارها الحاج عطا المنان . كل هذا له معني واحد: أن هذه الحكومة لا مصلحة لها أبدا في عودة النازحين و اللاجئين الي أراضيهم و قراهم و بيوتهم .
أنها تريد أستخدام المفاوضات لتأكيد مصادرة الأرض كحقيقة واقعة و أنهاك المفاوضين في قضايا أنصراقية .
الخيار الوحيد المفروض الآن للتعامل مع هذه الحكومة هو خيار المقاومة المسلحة لرد حقوق أهل دارفور.
نحن لا نعيش في جمهورية فضلي أو عالم مثالي حيث يجبر المعتدي علي رد حقوق الضحية . نحن في عالم لا توجد فيه عداوات دائمة أو صداقات دائمة بل مصالح دائمة .
مصالح أمريكا و دول مجلس الامن و المؤتمر الوطني هو طي قضية دارفور حتي و لو بأستقرار مزيف و ضغط حركاتها المسلحة بالقبول بتسويات باهتة علي حساب أهل دارفور .
حسنا .... لا أحد بأمكانه أن يجبر أبناء دارفور قبول فتات أتفاقية. بل العكس هو الصحيح . بأمكان أهل دارفور و أبناؤهم حرمان هذا المجتمع الدولي من هذا الاستقرار المزيف بالمضي قدما في محاربة هذه الحكومة و حلفائها و قلقلتهم مما يجبر المجتمع الدولي يهرول مرة أخري الي دارفور لرد حقوق اهل دارفور بعد أن يفهم الكل أنه أن كان أهل دارفور لا ينعمون بالعدالة .... فلا يحلم أي أحد بالسلام .... و لتذهب مصالحهم الي الجحيم .