![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
دخلنا فى الجامعة وتوجهت إلى حيث الإعداد لإنطلاق الكرنفال ووجدت خلقا كثيرا صعب معهم التعرف على من هو المسؤول فى يوم هذا الحفل من غيره وصعب على من أين أبدأ ولكن بلاد الغرب إعتادت أن تجيد تنظيم مناسباتها وليس هناك ميكرفون يظل غير متأكدا من صلاحيته حتى إذا حضر المسؤول الكبير فى بلادنا ظل فنى الكهرباء وعدد من منظمى الحفل ينفخون فى الميكرفون: واحد إثنين ثلاثة.. ثلاثة إثنين واحد..بسم الله الرحمن الرحيم، بسم الله الرحمن الرحيم... وسألت إحدى السيدات اللائى يقبعن فى مكاتب خلفية عن كيف أبدأ فدلتنى على أخذ بطاقة مقعدى من مسؤولى المراسم الذين يوجدون بداخل قاعة الإعداد ولكن كثرة تجمهر الناس حجب رؤية هذا المكان المخصص.
بدأ مسؤول المراسم فى دعوة الضيوف بأسمائهم فى ميكرفونه الداخلى لكى ينتظموا فى كرنفال للتوجه إلى قاعة الإحتفال الكبرى يتقدمهم مدراء جامعات من جامعات من شتى أنحاء العالم ومسؤولى الإقليم من وزراء وسياسيين وقيادات عسكرية ونواب برلمان ورجال قضاء وحضور لبعض أعضاء السلك الدبلوماسى. جاء دورى فانتظمت فى مسيرة الكرنفال ودخلنا إلى القاعة حيث أخذنا أماكننا التى حددت ورسمت فى بطاقة الدخول لتسهل على الناس إيجاد مقاعدهم، التى كتب عليها كذلك أسمائهم، دون عناء. كنت فى صفوف المقدمة وبجانبى ممثل الإقليم الجرمانى والذى يمثل أحد الأقاليم اللغوية لبلجيكا الفيدرالية وهو إقليم ناطق بالألمانية. وقال لى أحد الحضور من المسؤولين البلجيك: لقد ظل السودان منسيا لفترة طويلة ولكنه ليس هو الحال الآن فهتفت فى وجهه بثقة تامة: "نحن هنا" وأكملت فى نفسى: "ولن نغادر مكاننا بعد اليوم أبدا.. لن نستسلم للحصار وندعه يتلف حولنا مثل النباتات المتسلقة ولن نترك بعد اليوم من يقوم من بيننا بالمساعدة على حصار بلادنا وحجب منافع كثيرة عنها".
الجامعات لتدعيم الوطنية ولخدمة الإنسانية:
بدأ البارون ويلى ليقروس مدير جامعة لييج وهو فى لحظاته الأخيرة لتسليم الراية لإدارة جديدة بدأ فى حلة بهية؛ قفطان من لون أسود عليه نجوم وميداليات متدلية بأشرطة حمراء وفراء من الأصواف الحيوانية الراقية يتدلى على يمينه كلبسة "الشال" عندنا دليلا على توليه الإدارة وهو كذلك حال الضيوف من مدراء الجامعات الأخرى. تحدث الرجل حديث العالم من ورقة مكتوبة يعود إليها سريعا من وقت لآخر حتى تضبط إيقاعه الزمنى والفكرى ولا تتجاوز رسالته التى حددها بعناية فكان طلق اللسان رصين البيان لا ينكب على أوراقه لكى تحبس بلاغته العفوية التى تستوعب الأحداث داخل القاعة ولا يهجر هذه الأوراق لكى يسترسل بعيدا ويطلق العنان بلا ضابط فقط لكى يقال عنه أنه خطيب. وقفت عند هذا وقلت لماذا لا يقوم مساعدى المسؤولين الكبار عندنا فى إعداد كلمات أو عناصر أساسية خاصة فى المناسبات الرسمية غير الجماهيرية التى تقتضى أن تكون الرؤية فيها محددة بالمعانى والكلمات ولا نترك ذلك للخطابة فقط لأن ضبط الحديث وإختياره فى مثل هذه المناسبات بعناية يشكل برنامج عمل أو وثيقة يمكن الإحتكام إليها. وأهم ما أستعرض مدير الجامعة فى كلمته دور الجامعة العلمى والبحثى والأكاديمى والسياسى ليس ضمن منظومة حزب لتتشتت بسببه وحدة المؤسسة العلمية ولكن ضمن قضايا أخلاقية وطنية ودولية. تناول قضايا مثل الأستعمار وممارسة الرقيق وكيف أن دولهم كانت تمارسه وتبرره على شعوب أخرى تحت مسميات وتبريرات غير أخلاقية. تحدث عما كان يسود مجتمعاتهم من إستعلاء عرقى وتحدث عن تبريرات بعضهم فى السابق لممارسات حرب الإبادة وتطرق للعولمة وما تسببه من أضرار لمجتمعات أخرى وتحدث عما يمكن أن تشكله هذه المؤسسات العلمية والبحثية من وعى لفضح الممارسات اللاأخلاقية فى الساحة الدولية. وفى مشهد مهيب ومؤثر يليق بمثل هذه المؤسسة العلمية ترجل البارون من المنصة لكى يسلم "الشال" المصنوع من الفراء لخلفه ويلبسه إياه معلنا نهاية حقبة دامت ستة عشر عاما من رعايته لهذه المؤسسة والتى وصفها بأنها كانت شريكة أنسه وأنها بمثابة زوجته ويصعب عليه فراقها ولكن سنة الحياة فى تداول المسؤولية وتجديد الدماء والبناء على ما سبق. عانق الشيخ طويلا خلفه الشاب الذى آلت إليه المسؤولية فصفقت القاعة وأنا من بينهم وأستمر التصفيق حتى حسبت أنهم لن يتوقفوا حتى جلس المدير السابق على الكرسى لكى يأذن لهم بإنهاء هذا التصفيق والإحتفاء وعندها عزفت فرقة الموسيقى مقطوعة حزينة تعبر عن حزن الجامعة لفراق أحد كفاءاتها العلمية والأكاديمية والأدارية وجاء دور الإدارة الجديدة فصعد المدير الجديد المنصة وتم إستقباله بالتصفيق ثم عزفت الموسيقى مرة أخرى مقطوعة تقول كلماتها " إذا أردت أن تحكم على العالم يجب أن تتأمله من بعيد وأن تكون قد تأملته كثيرا من قرب" (pour juger le monde il faut le voir de loin et l’avoir beaucoup vu de prés) وهى بلا شك حكمة لمن يريد أن يحكم كما هو الحال فى حالة إدارة الجامعة الجديدة. وقلت فى نفسى ماذا يريد أن يقول هذا الشاب فى أعقاب حكمة الشيخ الذى سبقه ولكنه بدأ بما ينزع الإحترام من نفوس الحضور بذكر مآثر سلفه وتواضع جهده هو شخصيا وترك المنصة ليعانق سلفه فى مشهد وفاء صفقنا له جميعا ولا أدرى متى توقفنا عن التصفيق ثم إستعرض ضيوفه الذين إختارهم بإنتقاء وهم مدراء أو مساعدوهم فى جامعات كندية وفرنسية وبلجيكية ومن لكسمبورغ ومن جارتهم جامعة ماستريخت بهولندا والتى تبعد عشرة دقائق من لييج ومن جامعة رواندا ومن الجامعات الصينية كل هؤلاء لم يدعو تمامة جرتق ولكن كان بينه وبينهم صداقات إنبنت بفعل المشاركات العلمية والبحثية التى تجمع بينهم من وقت لآخر. واستعرض برنامجة المستقبلى فى سبعة مرتكزات وأشار لضعف ميزانية الجامعة البالغة عشرة ملايين يورو فى السنة ودعا لخلق استثمار مشترك مع جامعات بلجيكية فى الإقليم الفرنسى ثم تحدث ممثل اتحاد الطلاب عن برنامج التبادل الأكاديمى الصيفى بينهم وبين جامعات أوربية أخرى كما طالب باشراكهم فى مراقبة هذا الاستثمار. وهذه رسالة أخرى يجب أن نتوقف عندها لنتساءل: أى رسالة نريد لجامعاتنا أن تؤديها؟ وما هى حجم مشاركاتها الخارجية فى مثل هذه الملتقيات العلمية والتى ستوفر لها كثيرا من المساعدات والفرص العلمية وتبادل المنافع؟ وكم هى فرص الإستقرار لهذه الشخصيات العلمية التى يجب أن تشكل الدولة فى كل مفاصلها بما فى ذلك تشكيلها للسياسيين وليس العكس؟ وهل ينتخب هؤلاء بواسطة مجالس علمية تراعى الكفاءة والمشاركات البحثية والإلمام بأكثر من لغة للتواصل مع العالم الخارجى أم هى أمزجة السياسيين الذين ينعكس عدم إستقرار حكمهم على عدم إستقرار هذه المؤسسات الأكاديمية؟ وكم هو حجم الإستقرار الأكاديمى فى بلادنا؟ وأبنتى الكبرى قبل أن تهنأ بوضع قدمها فى اليوم الأول فى الكلية قيل لها أنها ستكون مغلقة إلى أجل غير مسمى. بعد الحفل تخطيت حشد الناس لكى أصل إلى نائب مدير الجامعة الجديد وبعد التهنئة قلت له أحتاج معه لمقابلة طويلة أبحث فيها فرص مجالات التعاون بين جامعته وجامعاتنا فى ظل السلام وتعويض ما فاتنا فى السابق تبسم وسلمنى بطاقة زيارته الشخصية عليها عنوانه وقال لى من حسن حظك سأكون المسؤول الأكاديمى وعن التبادل الأكاديمى والعلمى مع العالم الخارجى. هتفت فى نفسى "إهنأ يابلدى سنقلب لك أحجار الأرض لنستخرج لك ذهبا"
وكل رمضان والجميع فى خير وهناء،،،