تحليلات اخبارية من السودان
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام

ملكيون أكثر من الملك ! بقلم د. جيمس كواجوك - لندن

سودانيزاونلاين.كوم
sudaneseonline.com
9/21/2005 6:18 م

دأبت أجهزة الإعلام والحكومات السودانية المتعاقبة على إلصاق تهمة العمالة لإسرائيل على المعارضة الجنوبية سواء كانت مسلحة أو سلمية. لقد كان ذلك هو الحال منذ تكوين حركة الأنيانيا الأولى مروراً بالأنيانيا الثانية وإنتهاءً بالحركة الشعبية لتحرير السودان. ظلت نفس الإتهامات تردد وتكرر بشكل أعتقد أصاب من يرددونها أنفسهم بالملل والضجر ولكن فى غياب الحجج القوية لامناص من الإستمرار فى بث هذه الأسطوانة المشروخة. فمثلاً ترديد أن النزعات الإنفصالية فى الجنوب هى نتيجة مباشرة لقانون المناطق المقفولة لم يعد ينطلى حتى على المعتوهين من الجنوبيين ناهيك الراشدين. والزعم أن كل مشاكل الجنوب من صنع الإستعمار يرفضه الجنوبى البسيط لأنه يرى من هو أسوأ من المستعمر ماثلاً أمامه وجاثماً على صدره. بل أن المستعمر كان أعطف وأرحم من ذلك الذى شرده من دياره وأذاقه مر العذاب.

والعجيب فى الأمر، أن معسكر الداعمين للجنوبيين حسب زعمهم جمع كل متناقضات الدنيا. فقد إتهمت الحركة الشعبية بتلقى الدعم من إسرائيل وأمريكا ودول أوربا الغربية. كما أٌضيفت إلى القائمة دولة الفاتيكان والمنظمات الكنسية وكل ما يخطر على البال من المنظمات الخيرية والإغاثية. حتى منظمة الأمم المتحدة لم تسلم من الإتهام بمساندة الحركة. وفى مرحلة من المراحل إتهم زعيم الحركة قرنق بالشيوعية وبتلقى الدعم من الشيوعيين والإشتراكيين. فحسب هذه المزاعم، فإن الحركة الشعبية هى الجهة الوحيدة فى العالم التى تمكنت من الحصول على دعم الغرب والشرق واليهود والمنظمات الكنسية فى آن واحد. فالرأسماليون تناسوا عداءهم التقليدى للإشتراكيين وتحالفوا معهم لدعم الحركة. وبابا الفاتيكان لم يجد أى مانع من العمل مع الشيوعيين اللا دينيين من أجل عيون الحركة. حتى القذافى، والمعروف بعدائه الشديد لإسرائيل، لم يجد أى غضاضة فى العمل سوياً مع اليهود لمساعدة الحركة. ورغم هذا العدد الهائل من الداعمين والذى ضم قوى عظمى، تمكن السودان العجيب من الصمود وهى الدولة التى لم تستطع الذود عن قيادتها العامة أمام قوات غير نظامية قادمة عبر الصحراء الليبية. ومؤخراً طال الإتهام ثوار دارفور فى محاولة واضحة للتضليل والهروب من مواجهة أسباب الأزمة. نعلم أن إسرائيل أذاقت العرب شر الهزائم وأن أسرع هزيمة فى التاريخ الحديث تلقاها العرب على يد إسرائيل فى يونيو عام 1967 فى ما عرف بحرب الأيام الستة. فإذا إفترضنا أن إسرائيل قدمت بالفعل دعماً غير محدود لثوار دارفور. هل يستطيع جيش عجز عن إسترداد الكرمك، الصمود أمام هؤلاء الثوار المدعومين بالآلة العسكرية الإسرائيلية؟! الا ترون أن الأقرب إلى الصواب هو دخول ثوار دارفور الخرطوم وفرار البشير وجماعته إلى ماليزيا أو اندونيسيا وكل فج عميق !

يبدو أن الزج بإسم إسرائيل ووصم الآخرين بالعمالة لها يهدف إلى امرين، الأول هو - الإستقواء بالعرب عن طريق إيهامهم بأن السودان مستهدف من قبل إسرائيل، العدو اللدود للعرب وبالتالى يتوجب مساعدته ودعمه بكل السبل حيث أن المعركة واحدة سواء دارت فى فلسطين أو فى أدغال جنوب السودان.
والأمر الثانى هو - إظهار الغيرة الفائقة على العروبة والحرص على صون مصالح العرب مما يصب فى خانة قبول السودان كعضو أصيل فى الوسط العربى. فرفض بعض الدول العربية دخول السودان إلى الجامعة العربية بدعوى إفراغ الجامعة عن هويتها، لا يزال فى الأذهان.

ويحضرنى بعض الأمثلة، فخلال حرب اكتوبر عام 1973، وفى غمرة معارك الدبابات وعبور شارون إلى الضفة الغربية للقنال، وقطع خط الإمداد عن الجيش الثالث المصرى داخل سيناء، طلع علينا أحد كتاب الأعمدة السودانيين محذراً الجيش المصرى والعرب عامة بضرورة أخذ الحيطة والحذر من وحدات الجيش السودانى الموجودة فى جبهة القتال. قال بأن هذه الوحدات تضم جنوبيين وقد يكون من بينهم جواسيس يعملون لصالح إسرائيل. لم يجد ذلك الكاتب أى حرج من سوق ذلك الإتهام الخطير ضد جيش بلاده، فالمهم لديه هو الظهور بمظهر الشخص شديد الغيرة على العروبة وفائق التنبه للمخاطر المحدقة بالعرب. وقد يذكر بعض القراء قصة الشاب الجنوبى الذى تقطعت به الدروب فى الدنيا وإنتهى به الأمر إلى دخول إسرائيل بطريقة غير مشروعة. قامت إسرائيل بإبعاده إلى الأردن وما لبثت هذه أن سلمته إلى حكومة الجبهة والتى أعدمته بسرعة مذهلة. ما هى التهمة هنا ؟! فلا يعقل أن تكون التهمة التجسس لصالح إسرائيل لأنها أبعدته عن أراضيها. فهل إعدامه هو بسبب أن أقدامه وطئت أرض إسرائيل ؟! وهل يعنى ذلك أن كل من ذهب إلى إسرائيل من السودانيين مصيره الإعدام ؟! ولماذا إذن لا يكون ما يكتب على الجوازات أكثر وضوحاً بحيث تكون العبارة : الإعدام لمن دخل إسرائيل بدلاً من كل الأقطار ما عدا إسرائيل. إن المسئولين عن هدر دم ذلك الشاب الجنوبى المسكين يحتضنون أمثال الفاتح عروة منسق عملية ترحيل اليهود الفلاشا إلى إسرائيل تحت إمرة النميرى ونائبه عمر الطيب. إننى أترك للقارىء الكريم الحكم فيمن يستحق نيل العقاب والوصم بالعمالة على ضوء ما تقدم.

إن الشماليين ( ولا أقصد هنا الشمال الجغرافى ) قد ذهبوا بعيداً فى عداءهم لإسرائيل، بل نافسوا الفلسطينيين أصحاب القضية. ففى الوقت الذى إختفى فيه عبارة العدو الإسرائيلى حتى من القاموس السياسى للسلطة الوطنية الفلسطينية، نجد أن الشماليين تمسكوا بها تمسكاً عجيباً، وظلوا يتداولونها فى صحافتهم وعلى ألسنة المسئولين الحكوميين. عشرات المظاهرات والمواكب تسير سنوياً ضد إسرائيل. تجمعات صاخبة وهتافات تصم الآذان. مشاهد مكررة لحرق الأعلام والدمى الإسرائيلية وشعارات نارية تحمل التهديد والوعيد بتدمير إسرائيل وإفناءها. كل هذا والدولة العبرية لا تبالى ولا توليهم أدنى إهتمام. من المؤكد أن الإسرائيليين يحفظون عن ظهر قلب قول جرير : فأبشر بطول سلامة يا مربعا !

لقد تطور الموقف العربى تجاه إسرائيل تدريجياً من رفض بات لأى شكل من أشكال التفاوض والتهديد بإلقاء إسرائيل فى البحر، إلى مواقف أكثر إعتدالاً. ولعل الإقتراح العقلانى للحبيب بورقيبة بفتح قنوات الحوار مع إسرائيل، هو أولى محاولات كسر الجمود. لقد تعرض الرئيس التونسى السابق إلى حملة عنيفة من الإنتقادات بلغت حد التخوين، ولكن الأيام أثبتت صحة موقفه وقوة بصيرته. فهاهم العرب يتبادلون التمثيل الدبلوماسى ويقيمون العلاقات التجارية وغيرها مع إسرائيل. وقد شهدت علاقات إسرائيل مع الدول العربية نمواً مضطرداً شملت قطر فى أقصى الشرق مروراً بالأردن ومصر وإنتهاءً بالمغرب وموريتانيا فى أقصى الغرب. فى السياسة ليس هناك عدو دائم أو صديق دائم بل هناك مصالح دائمة يجب المحافظة عليها.

فى أول لقاء لرئيس حكومة جنوب السودان، سالفا كير ميارديت مع الإعلام السودانى، تم سؤاله بإلحاح شديد عن علاقة الحركة بإسرائيل. فبدلاً من التركيز على الأولويات مثل تنفيذ بنود إتفاقية السلام وخطط إعادة إعمار ما دمرته الحرب ومعالجة آثار الحرب النفسية والإقتصادية والإجتماعية، تم إقحام أمر إسرائيل كأنه أهم هموم المواطن الجنوبى خاصة والسودانى عامة. فموقف ميارديت من إسرائيل أهم لدى هؤلاء من ما فى جعبته من خطط للنهوض بالمهمشين ورفع المعاناة عن النازحين الجنوبيين فى أطراف العاصمة. لماذا يراد لنا إستعداء إسرائيل ؟ ما هى مصلحتنا فى ذلك ؟ فإسرائيل لم تقصفنا بالأنتينوف، ولم ترتكب فى حقنا الفظائع، ولم تجعلنا لاجئين نهيم على وجوهنا فى أصقاع الأرض. فى هذه المرحلة المصيرية، نحن أكثر حاجة إلى كسب الأصدقاء وتجنب خلق أعداء من دون داع. إننا على ثقة بأن قادتنا سيضعون نصب أعينهم مصالح الشعب فى كل خطوة يخطونها. إذا كانت المصلحة تستدعى إقامة علاقات وتعاون مع إسرائيل، فليكن ذلك. فإسرائيل دولة متطورة فى مجالات عدة. فمثلاً فى المجال الزراعى، التقنية الإسرائيلية تحظى بتقدير كبير وتأتى فى المراتب الأولى على نطاق العالم. ولدى إسرائيل باع طويل فى هندسة الإلكترونيات والكمبيوتر والصناعات التحويلية. وفى المجال الطبى، نجد أن إسرائيل متقدمة على مستوى العالم فى أبحاث وعلاج مرض الليشمانيا الجلدية الذى ينقله الذبابة الرملية. وقد أصابت إسرائيل نجاحات مقدرة فى مكافحة وعلاج مرض الملاريا، ونذكر قبل سنوات نقل الرئيس أسياس أفورقى على عجل لعلاجه من الملاريا الدماغية فى إسرائيل.

من الواضح أن الجنوب يستطيع الإستفادة من التقنية والخبرة الإسرائيلية فى المجالات التى ورد ذكرها وغيرها. وهناك عامل مهم هو أن التكلفة قد تكون أقل نظراً لحاجة إسرائيل إلى الأسواق للخروج من طوق المقاطعة الإقتصادية المضروب حولها. أما إذا كان الشماليون يريدون عداوة أبدية مع إسرائيل حتى بعد حل المشكلة الفلسطينية، فهذا شأنهم ولهم مطلق الحرية فى الإستمرار. ففى ذلك تنطبق عليهم بحق عبارة : ملكيون أكثر من الملك ! تمت

د. جيمس كواجوك - لندن

للمزيد من االمقالات
للمزيد من هذه الاخبار للمزيد من هذه البيانات و المنشورات
الأخبار المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع


| اغانى سودانية | آراء حرة و مقالات | ارشيف الاخبار لعام 2004 | المنبر العام| دليل الخريجين | | مكتبة الراحل على المك | مواضيع توثيقية و متميزة | أرشيف المنبر العام للنصف الاول من عام 2005

الصفحة الرئيسية| دليل الاحباب |English Forum| مكتبة الاستاذ محمود محمد طه | مكتبة الراحل المقيم الاستاذ الخاتم عدلان | مواقع سودانية| اخر الاخبار| مكتبة الراحل مصطفى سيد احمد


Copyright 2000-2004
SudaneseOnline.Com All rights reserved