الصحفى / سعيد مراد
قبل سنوات ، وقعت فى يدى ورقة هى عبارة عن صورة لبيان ما ...، ألقيت نظرة على هذا البيان فغرقت فى الضحك ؛ كان البيان هزيل اللغة مكثر فى الأخطاء النحوية واللغوية ، ركيك العبارة ، وتشير كافة الدلائل على أن كاتبه لم يقرأ فى يوم من الأيام رواية أدبية لطه حسين أو صنع الله إبراهيم أو الطيب صالح ، أو قصيدة لأحمد عبد المعطى حجازى ولا لسميح القاسم ولا لأحمد درويش ولا الفيتورى ... ولا قصة قصيرة ولو إحدى مترجمات لتولستوى أو مكسيم غوركى ... ؛ فلم أجد سوى فاعل منصوب ومفعول به مرفوع .. أما عن الأسماء والأفعال الخمسة فحدث ولا حرج .
وبعد تململ وامتعاض ألقيت نظرة على هامش الورقة فألفيتها مذيلة بإسم وسيرة ذاتية هى كالآتى :
- خريج كلية الحقوق .
- سافر إلى كينيا وليبيا ... ودولة أفريقية ثالثة لا أذكرها .
على أية حال ؛ فإنه ليس كل من تخرج من كلية الحقوق فى زماننا هذا قد تخرج بتقدير ، فكم من خريجى الجامعات اليوم غير قادرين حتى على كتابة أسمائهم .
لكن المضحك المبكى ؛ أن يكون السفر إلى الدول الأفريقية ، هو دليل على الكفاءة والتأهيل اللهم إلا أمام البسطاء من الناس .
ولم تمض سنة ، حتى وجدت هذا البيان يتحول من طور السكون إلى طور الحركة ؛ لتنشأ بموجبه حركة تدعى العدل والمساواة .
فعجبت لأمر السودان ، وهو هذا البلد الذى أضحى فيه كل من هب ودب قادرا على زعزعة أمنه ومستقبله ولو قاده الجهلاء والعياذ بالله ، وهل تضيع البلاد إلا بتولية المناصب لمن ليس أهلا لها .
وكديدن العقيد الليبى ؛ فى دعم الحركات المسلحة والمرتزقة فى السودان ... وسيظل ، لم يألو جهدا فى دعم حركات التمرد فى غرب السودان .. وفرش لها البسيطة داخل خيامه وأمدها بالدعم اللوجيستى والقاعدى .... ، مستخفا بسيادة السودان كما فعل مع مصر التى شنت عليه حملة تأديبية ، فأضحى إلى يومنا هذا يسبح بحمد مصر ولا يتجرأ على ذكر سيرتها ، كما تجرأ على أهل بيت رسول الله وعلى خادم بيت الله الحرام فى مؤتمر القمة العربية الشهير ؛ فهاهو فى لقاء مع قناة الجزيرة العربية يقول فى غير مناسبة :
" حسنى مبارك رفض التحالف مع أمريكا ضد أفغانستان " .
فما الذى أتى بسيرة الرئيس المصرى حتى يقحم هذه الجملة إقحاما ، سوى إنتفاض قلبه المروَّع من ذكرى الماضى فى حوار إمتلأ بالنفاق لأمريكا .
ويظل القذافى يتجرأ على السودان فى كل محفل ومقام داعما كل ما يخلخل وحدته وأمنه واستقراره ، ولا حاجة إلى ذكر الماضى فكلنا أدرى به .
وإذا كنا نسكت على هذا التدخل على مضض ؛ على أنه جزء من السياسة الإقليمية لليبيا التى تنشد السيطرة على شاد ( كأحد الأوهام التى تجهضها معطيات اليوم ) ، أو لمجرد الحقد على السودان ، فإننا لا نتقبله عندما يتحول الأمر من مجرد حروب أهليه إلى عمليات إرهابية ؛ تطول المدنيين والأبرياء ، والممتلكات ، فى الوقت الذى تقوم فيه حركات التمرد بإرسال التحايا إلى القذافى إحتفاءاَ معه بالفاتح من سبتمبر ، وهى ألتى ضمنت أجندتها أفكارا عن الديموقراطية والتوزيع العادل للسلطة والثروة ، فهل من كفل لهم الإيواء والدعم قد حقق هذا لشعبه قبل أن يعطيه للآخرين ، واسألوا أهل الذكر من المعارضين الليبيين والمسحوقين الصامتين الذين اكتووا بنار القذافى لعلكم تعلمون ، إن كنتم لا تعلمون .
وهاهى الإنشقاقات داخل الحركة تكشف عن المشاعر الإستحوازية التى تكتنف نفس كل مدع لزعامة داخلها . فى وقت يضيع فيه آلآف من الأبرياء كل يوم نتيجة سياسات حركة التمرد الإرهابية التى تعمل على تحقيق قوتها مشيا فوق جماجم الأبرياء والمدنيين . وانتهاك أعراض النساء والأطفال .
ولم تسلم من إرهابهم ؛ المنظمات الإنسانية التى تعمل جاهدة على تحقيق الحد الأدنى اللازم للحياة ، كما حدث لمديرة منظمة " أغنام من أجل الأطفال " والتى تم اختطافها وابنها بمنطقة " أزقرفة " على بعد (50) كلم شمال الفاشر ، ولم ترعوى الحركة الإرهابية أو ماتسمى بـ جيش تحرير السودان إلا بعد ضغوط وتهديد من جهات رسمية ومنظمات دولية والسفارة البريطانية بالخرطوم .. فأطلقت سراح المسكينين ( الأم وابنها ) .
وماورد على لسان المتحدث الرسمى بإسم الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة بالسودان " راضية عاشورى " من قيام الحركة بمهاجمة المواطنين وسرقة أعداد من الأبقار وقتل شخصين وحرق واستيلاء على عدد من الشاحنات .
ثم إختطاف نائب معتمد " كتم " إسماعيل بشير فى " شق النخرة " غرب الفاشر .
ولم تتوقف أعمال النهب والقتل الإرهابية ، بل وصل الأمر إلى قيام هذه الحركات بالإعتداء على 123 حاجا نيجيريا ونهبهم عند عبور موكب الحجيج من الجنينة إلى ولاية شمال دارفور . بل وقامت الحركات بسلب كافة ممتلكات الموكب وتركوا أفراده فى العراء ليوم كامل دون ماء أو طعام ، ولولا أرسل الله لهم المعونة بوصول قلة من السلطات لكانوا من الهالكين فى هذه المنطقة الخالية ، ليتم بعد ذلك تبليغ السلطات الإتحادية والسفارة النيجيرية بالخرطوم .
ومانذكره ، وما لا ينسى يوم أن قامت هذه الحركات الإرهابية بقتل ثمانية من المواطنيين الأبرياء من بينهم عدد من الطلاب وطفل صغير ، إضافة إلى جرح أربعة من بينهم إثنين من التلاميذ ونهب عدد ستة عربات لاندكروزر وكمية من الأموال قبل أن يلوذوا بالفرار مبتعدين عن مدينة " غبيش " المكلومة . تاركين الجثث والدماء والدموع خلفهم .
وهل نذكر مما نذكر الإعتداءات المتواصلة على محطات جمرك ( مليط ، كتم ، كرنوى ،الطينة ، خور برنقة ، أم دخن ، كلبس ) وهى المحطات التى يتبادل فيها المواطنون الأبرياء السلع مع أفريقيا الوسطى وتشاد .
أم نذكر الإعتداءات على اللعيت وجار النبى ألتى أزهقت فيها أرواح الأطفال والأبرياء بمحافظة أم كدادة .
أم نقتصد ، فنقول " متفرقات " . لأننا لا نشعر بالكارثة إلا إذا طالت أهلنا فى الخرطوم .
لقد بلغ إجرام هذه الحركات ؛ التى تتمسح بقبائل دارفور ؛ الذبى وهى تزعم ماتزعم وقد تبرأت منها القبائل الدارفورية على يد هيلدا جونسون يوم وقعت قبائل " الترجم ، الداجو ، الفور ، الزغاوة ، الحوطية ، والثعالبة " على ضرورة الإلتزام بقيم الدين والأعراف بدارفور وعدم التعدى على الأموال والأعراض وعدم اللجوء إلى العنف والإحتكام إلى القانون من قبل الأفراد والقبائل وعدم مهادنة الذين يروعون المواطن سواء للنهب أو التمرد أو التستر عليهم . وغيرها من القبائل التى كانت هى أكبر من تضرر من الإنفلات الأمنى الذى أحدثته الحركات الإرهابية ، فلم يعد أحد من أطفالهم أو نسائهم آمنا .. لا على نفسه ولا ماله ولا عرضه .
ومع ذلك إستمر الدعم الليبى لهذا الإرهاب ، ولا ندرى من أى ثقب آخر سينفذ لنا الأخ العقيد فى المستقبل .
غير أننا سندعوه لآخر مرة أن يكف يده عن السودان ، وأن يعوض من أرهقهم من أمره عسرا ، ولإن كان التعويض المادى لن ينفخ الحياة فى الصرعى من أهالى الضحايا ، ولن يكفكف الدموع ، وإلا فإن التاريخ سيكتب بيننا وبينه العداوة والبغضاء إلى يوم الدين . وحينها لن يفلح الذين بغوا والذين أجرموا ومالهم من ناصرين .