*- لقد أخفق القادة السودانيين في تحقيق مطالب الشعب في أول ديمقراطية حقيقية حصل عليها السودان بعد الاستقلال مباشرة وعليه في 17 نوفمبر 1958م وعلى يد العسكر بقيادة الفريق إبراهيم عبود ولأول مرة في تاريخ السودان الحديث تم الانقلاب على الديمقرطية وتسلم السلطة من الأمين العام لحزب الأمة الأميرلاي عبد الله خليل وهذه أول ضربة من العسكر على أنكل الديمقراطية .
*-
عهد حكومة مايو
في 25 مايو 1969م تحالف الشيوعين كقوة سياسية مدنية يدعمها بعض الضباط العسكريين مثل هاشم العطا مع بقية العسكر نجاح جعفر نميري حسب ما ظهر وذلك بغرض استغلال العسكر للوصول إلى مقاليد السلطة
ولكن عندما نجح الانقلاب ظهر العسكر بقوتهم ولقد فطنت القيادة مجلس الثورة للعبة السياسية الشيوعية وبدأت المناورات والتكتيكات داخل أروقة قيادة الثورة وجلسات مجموعات الحزب الشيوعي السوداني ولقد تواصلت المناوشات والمنازعات بين القطبين الشركين في السلطة حتى عام 3/ يوليو1971م نفد الصبر بين الفريقان وحدث أن أنقلب النظام على نفسه بقيادة عسكرية متمثلة في الرائد/ هاشم العطا يسندها بعض قيادات بارزة في عمل الحزب الشيوعي السوداني ومنهم المقدم بابكر النور وفاروق حمد الله والشفيع مدنية كانت تقيم خارج السودان الأمر الذي أدى إلى فشل الانقلاب واسترداد جعفر نميري الحكومة مرة أخرى ومنها سميت عودة مايو وهناك مدن كثيرة سميت العودة وطريق العودة ألخ.
وكان يبدو أن الانشقاق بين قيادات مجلس الثورة في حكومة مايو وبدون أن يعي الشارع السوداني بما يجري في أروقة الحكم وما يحاك البعض ضد البعض وكنتاج طبيعي للتركيبة المتفردة التي أجتمعت في وعاء الحزب الشيوعي السوداني وهي أن اقطاب العمل السياسي كانوا يحملون افكارا متباينة حول مسيرة نظام الحكم في السودان حيث كان يوجد فيهم القوميون ( بابكر النور ) والناصريون ( فاروق حمد الله ) وغيرهم من ذوي الاتجاهات المغايرة للنظام الثوري المايوي تميز هذا الانقلاب عن غيره بأنه كان مخططا جيد حيث اعتماد مخططوه على الزكاء الخارق وتم ترتيبه على سيناريو عمل القوات المسلحة في علمية التناوب في الخدمة على أن الوردية التي ستحل محل الوردية من الساعة الثانية ظهرا وبعد نهاية ساعات العمل اليومية حيث يخرج الموظفين من مكاتبهم كانت هي ساعة الصفر وكان كل جندي في أي قيادة يأتي ليحل محل جندي أخر كان هو من عناصر الانقلاب ولقد استطاع الشيوعيون تنفيذ انقلابهم بسلاسة ونعومة دةن أراقة دماء ( ذلك في البداية فقط ) ولكن فشل الانقلاب وما كان له أن يفشل لولا شعبية المشير جعفر نميري آنذاك وكذلك وجود قادة الانقلابيين خارج السودان والتدخل الاجنبي من جانب ليبيا حيث اعترضت السلطات الليبية سبيل الطائرة التى كانت تقل قادة الانقلابيين من احدى الدول الأوربية متجهة إلى السودان عبر الأجواء الليبية وكان ذلك القشة التي قصمت ظهر البعير واكد فشل الانقلاب وثار الشعب وضد الانقلابيين وشهدت العاصمة الخرطوم مذبحة في القصر الجمهوري لمجموعة من الضباط كما شهدت شوارع الخرطوم حرب الشوارع ترشق بالنيران الخفيفة والثقيلة مدفعيات ودبابات وحتى طائرات المروحية شاركت في المعركة .
في عهد حكومة مايو استطاع الساسة السودانيون أن يجعلوا من سكنات العسكر ميادين للصراع من أجل الحصول على السلطة مما أكسب ذلك المنهج عناصر من القوات المسلحة الطمع والشغف الوصول إلى كرسي السلطة وعندها نشطت العمليات العسكرية في صورة كثرة الانقلابات الفاشلة بطريقة درامتكية حيث اتصف ذلك العهد بالنكتة القائلة أن من يصحو من النوم في السودان مبكرا يستطيع أن يستولى على الحكم أو من يستطيع أن يستولى على الإذاعة فأنه قد يصبح الرئيس للسودان ومع كل هذا استطاع المشير/ جعفر نميري وزمرته قيادة دفه الحكم والمجابهة بجدارة إلى أن كان مصيره الإقامة الجبرية في مصر .
في عهد حكومة ثورة 25 مايو ( 1969 – 1985م ) اشتد الرباط بين الشعبين حيث قاد رئيس الحكومة المشير جعفر نميري مسيرة العلاقات السودانية المصرية بجدارة واقتدار واستطاع أن يعمق أواصر الأخوة بين الشعبين ولقد تعدت العلاقات بين القطرين الشقيقين مرحلة التطبيع متجاوزة كل الحواجز الدبلوماسية والسياسية إلى مرحلة متقدمة من العلاقات أراد لها مهندسوها أن تصبح تكاملا بين الشعبين ولقد عملت الحكومتين على تمهيد الطريق وصولا إلى الهدف وفي مرحلة من المراحل السياسية كان هناك شعارات وطنية بين الشعبين وهتاف مشترك وهي غاية الحب والتفاهم والروابط الأزلية بين الشعبين حيث أن منطقة وادي النيل هي مسرح تاريخ شعب مصر والسودان والأحداث التاريخية التي جسدت الكثيرة من مضامين الترابط الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بين الشعبين ليس من السهل تجاهلها أو تخطيها هكذا على هوى بعض المغرضين من الساسة والمنتفعين وعندما كان العالم العربي كله يقف معادياً لمصر ولشعب مصر كان الشعب السوداني هو الصديق وقت الضيق وعلى ذلك مثلا عندما تم توقيع اتفاقية السلام في كامب دافيد في 27 سبتمبر 1978م بين الرئيس المصري الراحل أنور السادات ورئيس وزراء اسرائيل مناحيم بيغن وبرعاية الولايات المتحدة في عهد الرئيس جيمي كارتر تلك الاتفاقية التي أغضبت العديد من العالم العربي وخنقت فجوة عميقة في علاقات الدول العربية بعضها ببعض كان الشعب السوداني وهو من القليلون الذين يقفون بجانب مصر ويشد من أزرها ولا يتأخر في الوقوف معها في خندق واحد وكيف لا وهما شعب في حضن وادي واحد ( وادي النيل ).
وكما يقال دوام الحال من المحال لقد جرت الرياح بما لا تشتهي السفن نقصد في الاتجاه المعاكس ولقد اختلف الرأي والرأي الأخر ففي عام 1985م كانت الانتفاضة الشعبية التي أطاحت بنظام جعفر نميري وجاء على سدة الحكم الفريق عبد الرحمن سوار الدهب ولما كانت حكومة تلك الحقبة هي حكومة مؤقتة وضرورة شعبية وجاءت في ظروف معينة بانتفاضة شعبية ومشاركة من ضباط الجيش السوداني في آنذاك لم يكن بالإمكان لجمهورية مصر أو أي دولة مجاورة أن تتعامل مع تلك النموذج من الحكم بجدية وخصوصاً في القضايا الأساسية الدبلوماسية التي اعتاد تناولها بين الدول المتجاورة أو المتصادقة لم تمكث تلك لحكومة المؤقتة كثيراً حيث مضت سنة واحدة.
أنقلاب حسن حسين
وفي تركيبة مماثلة أتحد الاسلاميين والاتحاديين في استخدام العسكر للوصول إلى السلطة وكان في 4سبتمبر 1975م الانقلاب الفاشل بقيادة المقدم حسن حسين هذا الانقلاب اتسم بكثير من المغالطات وأبرز ما فيه أنه أبان النعرة العنصرية التي تختمر في عقول بعض السودانين من أبناء الشمال والوسط وظهر ذلك جلياً عندما فشل الانقلاب وكان يشترك فيه مجموع من أبناء منطقة جبال النوبة وهم ضابط / حماد الاحيمر وطالب الحقوق/ عباس برشم والضابط /عبد الحمن شومبي عندما برزت هذه الأسماء وصف هذا الانقلاب بأنه محاولة أنقلاب لمجموعة عنصرية وركزت البيانات على تأكيد تورط الاسماء العربية من ابناء الشمال والوسط في عمل عنصرية اجرامي وتعالت الأصوات ضد ابناء النوبة المشاركين في الانقلاب استكثر ابناء الشمال على النوبة أن يقوموا أو يشاركوا في أنقلاب يمكنهم من المشاركة في حكم السودان لدرجة أن بعض قادة النظام أنذاك اطلق شائعة مشينة ضد النوبة حيث قال وما معناه أنا للنوبة أن يحكموا السودان وهم ما يزالون يحملون الجرادل على رؤوسهم ( يعني الاهانة والاستخفاف بالنوبة ) ولقد قام بعض المسئولين من الضباط في الحكومة بضرب بالآنفرد بأولئك المعتقلين في معسكرات الجيش وضربهم حتى كسر اجزاء من اجسامهم وذلك قبل المحاكمة ولم تعقد ذلك محكمة عادلة بل تم تلفيق التهم والوصف بالخيانة والتأمر ضد النظام وسرعان ما شكلت محكمة عسكرية وحكمت على الانقلابيين بالاعدام ويستطيع أي شخص أن يتصور شكل المحكمة والقضاة الذين يحكمون فيها في ظروف لا يوجد فيها حقوق للإنسان ولا يسمح للمتهم أن يتكلم وحكي أن المتهم عباس برشم طلب من العسكر أن تتم محاكمته في محاكم مدنية ذلك لأنه مدني وطالب في كلية الحقوق ولكن تم أنها نطقه ومنعه من كلام بيد السجانين لقد تم ضربه حتى كسر فكه الأسفل وعندما حضر إلى المحكمة لم يستطع الكلام وحاول ان يفتح فمه عبساً وعاجله القاضي بحكم الأعدام .
لا يوجد دستور يحمي الإنسان السوداني فقط نظام عسكري مستبد يستمد سلطاته من مجموعة من الحاقدين والطغاة وكان ما كان من فظائع وأحداث تقشعر لها الابدان دفنت مع أصحابها .
سودانيون غزاة للسودان
لأول مرة في التاريخ يعرف السودانيون أنواع جديدة من الأسلحة وكان منها الكلاشنكوف والبازوكا ويبدو أن الشهر يوليو هو شهر مميز في تاريخ السودان أو انه يصادف فصل من السنة يكون فيه مزاج الناس في غير موقعه الطبيعي أيضا في 5 يوليو 1976م قاد السيد الصادق المهدي عملية غزو للسودان من ليبيا وبدعم من السلطات الليبية ومفادها غزوالسودان ثم الاستيلاء على الحكم وذلك طبعا بعد ان ضرب نظام المشير نمير سياجا حصينا حول السودان ولم يجد الخصم بداً من الاستعانة بالاصدقاء للتعامل مع النظام وبالتحالف مع بعض قيادات حزبية في السودان يشتبه أن تكون الحزب الاتحادى والأخوان المسلمين تمت عملية غزو الخرطوم مستخدما فيها عسكريا العميد محمد نور سعد وهو من أبناء كردفان وشهدت الخرطوم مصادمات عنيفة بين الجيش والغزاة وعندما اطلق إعلام النظام ابواقها ووصفت الغزاة بالمرتزقة ثارت الجماهير وساندت القوات المسلحة وجميع القوات النظامية في حملة هي الأولى من نوعها بعد جلاء الاستعمار عن السودان وبذلك اكتسب النظام شرعية بتعاطف الجماهير معه واستقوى بالجماهير بعد ضعف ودافع الجميع عن الوطن ضد ابناء الوطن وكان النصر حليف أهل البيت وأندحر الغزاة بعد تكبده خسائر فادحة وهي في الواقع خسارة للجميع ولكنها حرب من أجل المال والثروة والنفوذ المتعالي.
فترة حكم الديمقراطية الثالثة
في عام 1986م أعدت الأحزاب السياسية السودانية عدتها ونفذت عملية انتخابية نزيهة ناجحة أفضت على تبوء حزب الأمة المرتبة الأولي والحزب الاتحادي الديمقراطي المرتبة الثانية بينما جاء ت الجماعة الإسلامية بقيادة الدكتور حسن الترابي في المرتبة الثالثة وكانت سياسات حكومة تلك الفترة مرتجفة دولياً لم تكن مرضية لبعض دول الجوار علاوة على أن بعض المراقبين كانوا يشيرون إلى سياسات حكومة الصادق المهدي بأنها تحرض إلى الأصولية وخصوصاً أنها كانت تميل نحو التقارب مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
وظلت السياسات الخارجية لحكومة الصادق المهدي تتمحور حول مغازلة دول الجوار سياسياً وفيها الكثير من الضبابية الغبار والتملق والنفاق السياسي لم تستطع الكثير من حكومات الدول المجاورة للسودان معرف حقيقة النظام وكانت السياسات الداخلية غير مستقرة حيث عمت الفوضى الإدارية والانحلال الأمني الذي أدى إلى تفاقم المشكلات الأمنية وتوسيع دائرة العنف بين المواطنين حيث انتشرت الحروب القبلية وكانت مذبحة الضعين التي وقعت في عام (1987م) في غرب السودان بين العرب وقبيلة الدينكا الجنوبيين والتي جاءت نتيجة لميوعة سياسة الدولة من الناحية الأمنية هي من ابشع الممارسات التي شهدها عهد حكومة السيد الصادق المهدي في عهد الديمقراطية الثالثة.
لقد اتصفت فترة الديمقراطية الثالثة بعدم وجود تناغم بين القيادات الحزبية في ما يخص العمل لمصلحة الدولة السودانية وما يمكن أن يجلب المصلح العامة للشعب السوداني، الأمر الذي جعل عملية الائتلاف والانفصال بين مثلث الأحزاب الثلاثة الأمة الميال لإيران آنذاك في الوقت الذي لم تكن العلاقات بين إيران والشقيقة مصر على ما يرام والحزب الاتحاد الديمقراطي الميال لمصر سياسيا لذلك تضاربت البرامج واختلطت الأوراق أصبحت حكومة الديمقراطية الثالثة غير مثمر وغير فعالة خارجياً وداخلياً مما خلق ذلك انعدام الاستقرار السياسي واستشراء الفوضى السياسية والفساد وليس هناك حزم في الأمور مما شكل ذلك ذريعة قوية وحجج متفاقمة لدي ذوي النزعات البيروقراطية وتنامت شعور الانتهازيين وبذلك لم تستمر الحكومة المنتخبة لمدة رئاستها المقررة دستورياً وسرعان ما توثب العسكر للنيل منها وبدأت المناورات والمؤامرات والمواقف السلبية من قبل العسكر ضد حكومة الصادق المهدي وفيما بعد تمكن الجماعة الإسلامية بقيادة الدكتور حسن الترابي وبأستخدام جناحها العسكري تم الانقضاض على الحكومة والانفراد بمقاليد السلطة والعمل على حرمان الآخرين منها.
فشلت الأحزب السياسية السودانية في تثبيت دعائم الديمقراطية الثالثة وفي 6 يونيو 1989م هندست الجبهة القومية الإسلامية خططها واستخمت جناحها العسكري بقيادة العقيد حسن البشير للاستلاء على السلطة وكان الشيخ الدكتور حسن الترابي مهندس تلك العملية التي سيطرت على السودان بنظام له وجهان الوجه الظاهر منه هو الحكومة العسكرية المسماءة حكومة الإنقاذ بقيادة البشير ومجموعته وظل هذا النظام يخادع جماهير الشعب السوداني سنين طويلة إلى أن تم الانشقاق بينهم وكما هو معلوم استخدم العسكر قوتهم في كبح جماح مجموعة الشيخ الترابي ومنعه عن تنفيذ برامجه،
هذا النظام ( الإنقاذ ) قاد إلى تحول وجهة السودان السياسية حيث يسعى كل طرف للمشاركة في السلطة والاقتصادية أيضا حفز الجميع السعي لاقتسام الثروة مع الأجرين وهذا ما يطابق المثل القائل الشيء إذا زاد عن حده انقلب على ضده حيث دارت الاحداث من المنازعات السياسية والحزبية إلى حرب الجنوب وضروتها مرورا بالمعاهدات والاتفاقات وصولا لاتفاقات السلام التي تم توقيعها بنيفاشا ( كينيا ) فأحدا هذا الانقلاب مازالت تجري على أرض السودان حتى عام 2012م أو حسبما ستنتهي به عملية السلام وبعدها قد نرى السودان الجديد أو لا نره ابدا لا سمح الله نعلم أن الحركة هي ألقوي وأكثر تحمل في مجابهة المتآمرين ضد السلام ولن تعود الحركة لحمل السلاح في أحراش الجنوب وجبال النوبة وجنوب النيل الأزرق مرة أخرى وهي أخر من يشهر السلاح ضد بني وطنه. ******
تلك الاحداث وما خفي أعظم هي التي جعلتنا أن نقول إذا أردنا أن نقويم العمل السياسي حتى يكون عملا صالح مفيد للإنسانية لأبد لنا أن نخلق علم يعنى برصد سلوك أولئك الذين يتاجرون بمصائر الشعوب والتلاعب بالألفاظ وسحر عقول الناس بالكلام المنمق الرخيم ولابد لنا أن نبطل الوسائل التي يطبق بها النفاق السياسي وعلى رأسها وسائل الإعلام الموجه لخدمة شرائح معينة من الناس ذلك حتى نضمن صلاح أخلاق القائمين بالعمل السياسي والدبلوماسي ونضمن انضباط أدائه والمصداقية والشفافية في الإنجاز ويجب عدم إتاحة الفرصة للموكلين بإدارة شئون الناس لاعتماد الكذب والنفاق كوسائل لتحقيق الأهداف حتى لا يؤدي ذلك إلى فساد وتشويش مفاهيم النش ويفرز أجيالا مصابة بداء الضعف وقصر البصيرة والوهن والتخبط وينتشر في الدولة شعب من المنافقين والدجالين والنصابين والهباشين والمرتشين، ولا تقل لي إن لم يعتمد الكذب والنفاق لما أصبحت سياسة سأقول لك ببساطة كل ما بني على باطل فهو باطل والسياسي الذي يعتمد الكذب من أجل الفوز في الانتخابات لن يفلح للفوز مرتين.
لقد افرز الاتفاق الذي وقع في 20 يوليو2002 م بمشاكوس بين الحركة الشعيبة لتحرير السودان بقيادة الدكتور جون قرنق والحكومة السودانية بزعامة الفريق الركن عمر البشير الكثير من الضجيج واللغط في أوساط التيارات السياسية المسماة التجمع الوطني الديمقراطي والمتمثلة في أحزاب المعارضة ضد حكومة السودان بقيادة الحزب الاتحادي الديمقراطي ويجابه حزب المؤتمر الوطني الذي يتزعمه الفريق عمر البشير ضغوطاً عظيمة من جهات عدة ولقد تمددت القضايا السودانية وجذبت معها أطراف من خارج دائرة النزاع السوداني سوداني لتكون تلك الأطراف شركاء في القرار الذي ما من شأنه إنهاء الخلافات السياسية والصراع المسلح مثل جماعة الايقاد وأصدقائها والولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وكندا وغيرهم.
ولقد ظلت الأحزاب السياسية السودانية تحوم حول السور السوداني وعلي رأسها الحزب الاتحادي الديمقراطي بزعامة مولانا محمد عثمان الميرعني وحزب الأمة بزعامة السيد الصادق المهدي تحاول الدخول إلى مرمى الهدف وهو السلطة والنفوذ ولكن عبساً لم تفلح حتى في الصمود أمام عناد حكومة الإنقاذ ولقد استطاعت حكومة الإنقاذ أن تراهن على تفكيك عرى تحالف الأحزاب السياسية ( التجمع الوطني الديمقراطي ) وعملت على ذلك بجدية حيث استطاعت أن تبتلع الأحزاب الصغيرة التي ظلت تناطح الصخر ( نظام الإنقاذ ) وهي داخل الوطن.
وحكومة الإنقاذ نفسها وهي قد تكون أخر حكومة عسكرية تحكم السودان الموحد منذ عام 1989م لقد عانت من التصدعات والصراعات الداخلية بين التيارات القيادية التي أدت إلى فلق النظام وانشطاره حيث تمخط عنه طلاق الزوجين وفراقهما حزب المؤتمر الشعبي بزعامة الدكتور حسن الترابي مهندس اللعبة السياسية ومخطط توجهات نظام الإنقاذ وحزب المؤتمر الوطني بزعامة الفريق عمر البشير والذي استحوذ على السلطة دون غيره والحكام العسكريين متساوين في الفكر القمعي والتسلط باستثناء المشير عبد الرحمن سوار الذهب الرجل الوحيد الذي بمكن وصفه بكرم الأخلاق والشهامة في ما أن كل حاكم عسكري يتمكن من الاستيلاء على السلطة يصبح كالمثل القائل ( الكلب الذي يمسك عظمة بين فكيه ولا يريد أحد أن يقترب منه ) في ذات الوقت تبقى الجماعات الأخرى تلهث ورآه .
ومن السيناريوهات التي اعتاد عليها قادة العمل السياسي في السودان عبر التاريخ هي المنازعات التنظيمية واختلاف الرؤى الذي يودي إلى انشقاق الحزب الواحد لصبح شقين وأحيانا إلى عدة انشقاق ذلك يعني أن قيادات السياسة السودانية تعاني من علل كثيرة أهما عدم المرونة في الأخذ والرد وضيق الرئة وتصلب الشرايين ( عدم الصبر والمثابرة ) مما يودي ذلك إلى الفجور ومن ثم الخصام.
نحن كعامة الناس لا ندري عن طبيعة النزاعات التي تنشأ بين القادة السياسيين ولا نعلم الحقائق التي تنبني عليها تلك المنازعات والتي غالباً من تلقي بظلالها سلباً على مجريات الأمور والحال في السودان ولعل المصاهرة بين أقطاب القادة السياسيين السودانيين لها أثر سلبي في مجريات العمل السياسي مما يمكن أن يكون العواطف والتعاطف الأسري له دور فعال في اتخاذ القرار السياسي في الاتجاه عكس تطلعات ومتطلبات الشعب السوداني.
ذلك أمر خلق تشويشا في الفهم التفاعلي بين الحركة السياسية وجماهير الشعب السوداني ولقد جعل غالبية الشعب السوداني في حيرة من أمره وتردد في الانتماء الفكري لآي من التوجهات السياسية وهذا نتاج طبيعي من لتلك الوضعية المتذبذبة بين الحكم الديمقراطي الذي يطلبه العقلاء من الشعب حيث ويعمل له البروتوكولات المتعارف عليها مثل ( الانتخابات الحرة أالخ ) وهي تبدأ برغبة الناس في الحرية والعدالة والمساواة لتحقيق الرفاهية والبناء ولكن سرعان ما تدب فيها الفوضى ويتوثب العسكر ثم ينقض عليها بدعوى وضع حدا للفوضى وبذلك يتم ذبح الديمقراطية وذلك ظرف لقد تعود عليه الشعب السوداني.
أصبح ذلك نمطا مألوفا خلق مجال لصراع فكري سياسي مدني بين الديمقراطية والحكم العسكري الدكتاتوري الذي أيضا قد آلفه الكثير من الشعب السوداني ذوي الاتجاهات المعينية والفكر الأحادي ومن المسلم به أن العسكر يمتلك القوة ويستخدم تلك القوة للحصول على السلطة وقهر الديمقراطيين وبذلك كان للعسكر نصيب الأسد في إدارة دفة الحكم في السودان من جرا الفرص المواتية التي توفرها لها الحكومات الديمقراطية الهشة.
في (يوليو 2002) انشق حزب الأمة على نفسه وأصبح له جناحين جناح الصادق وجناح أبن عمه مبارك الفاضل ولقد بدأ ذلك على ضوء تحسس قيادة حزب الأمة ببعض العلل الداخلية فيما أتهم السيد الصادق المهدي صراحة حكومة البشير بأنها السبب الرئيسي في أحداث ذلك الشرخ وأن حكومة الإنقاذ عملت على إغراء السيد مبارك الفاضل مما جعله ينسلخ ومن معه من كتلة الحزب التقليدي والذي كان هذا الحزب صاحب الأغلبية الشعبية في السودان بعده الحزب الاتحادي الديمقراطي.
في اليوم التالي لتوقيع بعض من الاتفاقات بين الحكومة والحركة الشعبية لتحرير السودان تناولت بعد وكالات الأنباء والصحف العربية أقوال مفادها أن أطراف عربية وبالتحديد الشقيقة مصر غير راضية عما تم في مشاكوس زاعمة أن مصر تخشى على أمنه القومي مما جاء في حيثيات الاتفاق وعلى وجه الخصوص موضوع تقرير المصير ذلك الشي ألم الجارة الشقيقة وأشغل تفكيرها وذلك لأن شعب مصر هم أقرب الاقربين لشعب السودان وكان المصريين هم الذين دعموا الشعب السوداني لنيل استقلاله من الإنجليز في عام 1956م ومنذ تلك الفترة ظلت الحكومات المصرية ترعى وتوجه الحكومات وتآزر الشعب السوداني إلا أن معظم جماهير الشعب المصري لا يعرف من السودان إلا النيل.
التاريخ الأسود لحكومة الانقاذ
جاءت فترة حكومة الإنقاذ بزعامة الفريق عمر البشير الجناح العسكري والقيادة الروحية لجماعات الإسلامية في السودان بزعامة الدكتور حسن الترابي لقد جاءت تلك الفترة ويكون السودان قد دخل مرحلة جديدة من التاريخ لقد انقلب فيها المؤشر السياسي والعسكري مائة وثمانون درجة ساءت العلاقات الخارجية أكثر من أي وقت مضى كانت أقرب دولة للسودان عبر التاريخ القديم والحديث هي الشقيقة مصر لذلك كان أول من وقف على عتبة البيت السوداني بعد انقلاب في (30 يوليو 1989م ) لقد جاء نظام الإنقاذ إلى سدة الحكم في السودان يرتدي ثوبه الرمادي الذي احتفظ به زهاء العشر سنوات حتى تكشف ذلك صراحة وبعدما اعترى ذلك الوهن والتشقق وجاء على أثر ذلك إقصاء الشيخ الترابي وإبعاده من منصة الحكم ليقبع حبيس النظام من الجهة العسكرية بقيادة البشير.
و منذ البداية لم تستطع الإدارة المصرية كشف حقيقة النظام الجديد في السودان ولا حتى معرفة الوجهة السياسية للنظام ولقد أربك ذلك الوضع النظام المصري ومما دفع المصريين إلى أخذ الحيطة والحذر وتجنب الصدام المبكر مع حكومة الإنقاذ ومن خطب قادة حكومة الإنقاذ والتحركات البهلوانية تبين للعالم أن الحكومة في الخرطوم غير مرضية وغير متوافقة مع توجهات بعض دول الجوار فيما ظلت الشقيقة مصر تراقب الموقف عن كثب وكانت حكومة الإنقاذ اعتمدت نهج الأصولية الدينية مغطاة بالشعارات الفضفاضة التي تلهب أفئدة الضعفاء من الناس مثل اتخاذ الجهاد في سبيل الله كدعوة لجذب انتباه المسلمين وكسب عواطفهم وكذلك النهج العنصري المتمثل في دعوة العروبة وبأن السودان دولة عربية أي أن العرب هم أصحاب ذلك البلد الإفريقي وخلصت الأحداث بأن قامت حكومة الإنقاذ باقتفاء أثر السابقين لها والذين وضعوا اللبنة لسياسات الفصل العنصري في السودان والعمل على تنفيذ إجراءات فعلية خلصت إلى تكوين جماعات عربية تم تسليحها من قبل قياديين في عهد حكومة السيد الصادق المهدي السابقة لحكومة الإنقاذ و كان ذلك بمباركة الحكومة وتنفيذ من قياديي الحكومة المنتخبة وهم ( ) ومن هنا قامت تلك الجماعات بشن هجمات منتظمة ضد الأهالي الآمنين في مختلف مناطق جبال النوبة بدعوة كاذبة مفادها أن النوبة يساندون جماعة المتمردين في الجنوب السوداني وتارة يدعون أن النوبة وثنيين وكفار يجب الجهاد ضدهم والحقيقة أن تلك الممارسات والعدوان الآثم ضد شعوب منطقة جبال النوبة الذي أدى إلى تدمير كامل مناطق جبال النوبة حرمت أهلها من نعمة الأمن والاستقرار كان ينفذ وفق مخططات الحكومة في الخرطوم وهي التي ترعى تلك الجماعات العربية المسلحة ( المراحيل والميليشيات ) والتي سميت فيما بعد وفي عهد حكومة الإنقاذ بقوات الدفاع الشعبي حيث اكتسبت شرعية وحصلت على الدعم المادي والعيني واللوجستى من تدريب وعتاد من حكومة الإنقاذ ولقد شنت عمليات حرب إبادة ضد شعب النوبة وتلفيق التهم الباطلة ضد النوبة واتهام النوبة المسلمين والمسيحيين بالوثنية واتباع الديانات الإفريقية على الرغم من أن النوبة لقد اعتنقوا الديانات السماوية قبل أولئك الذين يتشدقون بالقول فيهم زورا وفي عام 1994م في مدينة الأبيض شمال كردفان قام بعض الشيوخ بإصدار فتوة تبيح الجهاد ضد النوبة
ولمن أراد أن يتحقق من الفظائع التي ارتكبها هولا الجناة ضد شعب النوبة عليه الرجوع إلى الكتاب الموثق وهو بعنوان النوبة في مواجهة حرب الإبادة الذي صدر من ( المنظمات التي تعنى بحقوق الإنسان ومنها Human Right / African Watch ) ) وغيرها بتاريخ.
سعت حكومة الإنقاذ سعيها الحثيث من أجل بلوغ ما يطمح إليه قادتها وافتعلت فرية الثوابت التي هي عمدة المنهج الأصولي والعنصري في سياسة الحكومة وصمت وعمت عن حقائق الأمور في الدولة السودانية والمعضلات المتفاقمة التي يعاني منها غالبية الشعب السوداني ولم تكترس لجهود المواطنين المخلصين الذين افنوا حياتهم من أجل وحدة السودان ولقد زادت حكومة الإنقاذ من اشتعال نار الفتنة ( الحرب بين الحكومة ومتمردي جنوب السودان ) التي كادت أن تخمد عندما تم الاتفاق بين زعيم الحزب الاتحادي الديمقراطي محمد عثمان الميرغني والدكتور جون قرنق في (اديس ابابا عام1989م ) في عهد الديمقراطية الثالثة، ذلك الاتفاق الذي كاد أن يتم قبيل الانقلاب العسكري بقيادة البشير والذي أطاح بحكومة السيد الصادق المهدي قبل توقيع الاتفاقية بيوم واحد عام 1989م و ظلت حكومة الإنقاذ تتقلب في دائرة مغلقة وهي دائرة العنف المتمثلة في حرب الجنوب وحشد كل طاقاتها لتلك الحرب اللعينة والتي حصدت أكثر من مليوني مواطن سوداني من الطرفين وشردت أكثر من أربعة مليون سوداني من مواطنهم داخلياً وخارجياً.
في البداية زعمت حكومة الإنقاذ على أن قادتها جاءوا إلى سدة الحكم من أجل إنقاذ السودان وإنهاء الحرب الدائرة بين الجنوب والشمال منذ نقض اتفاقية السلام الموقعة في أديس ابابا عام 1972م بين رئيس حكومة السودان جعفر نميري والقائد جوزيف لاقو زعيم حركة التمرد ( أنجا نجا ) وذلك بسبب إعلان الرئيس جعفر نميري للقرار الجمهوري رقم ( 1 ) قوانين سبتمبر المتمثلة في الشريعة الإسلامية عام في سبتمبر عام1983م.
لقد صرح رئيس مجلس قيادة الثور العقيد / عمر حسن البشير في أكثر من لقاء جماهيري أن ثورته جاءت لإنقاذ البلاد من الحرب عملياً وميدانياً والسعي إلى حسمها عسكرياً ولذلك وشمر قادة النظام سواعدهم وحولوا وجهة الحرب الأهلية من أنها حرب شنها الجنوبيين ضد الحكومات الشمالية التي تعاقبت في الخرطوم من أجل تحقيق العدالة والمساواة ورفع الظلم والضيم عن كاهل المجتمعات المضطهدة اقتصادياً وسياسياً وثقافياً واجتماعياً وبسط المسواة بين جميع المجتمعات السودانية على حدا سوأ حولت إلى حرب دينية وأدخلوا فيها بربقندا الجهاد ووظفوا كل وسائل الإعلام من أجل إثارة مشاعر الجمهور الإسلامي وكسب عواطف العرب من أجل الحصول على الدعم المادي والمعنوي والسياسي وكانت لهم جولات وصولات ومغامرات سياسية استطاعوا أن يقنعوا بها بعض دول العالم الإسلامي والحصول على الدعم منها سوأ أن كان مادياً أو عسكريا المهم الحصول على الدعم أي كان نوعه.
العون والمساندة
كان يمكن لحكومة الإنقاذ الاستمرار في الحصول على العون والمساندة المادية والعينية من مجموعة الدول العربية والإسلامية وخصوصاً من دول الخليج العربي الأغنى مادية والأقوى نفوذاً في عصرها الذهبي ولكن أحياناً كما يقال أن الفارس يندفع إلى ميدان القتال فيتعثر ويقع على سيفه المسلول ويبعج بطنه فيموت أو كما يقولون غلطة الشاطر بعشر وفي2 أغسطس عام 1990م احتلت العراق دولة الكويت واغتصبت الأرض وقتلت الناس وسرقت الأموال وعاس جنودها في الأرض فساداً، ولما كان عهد النزال بالسيوف قد انتهى وجاء عهد الصواريخ عابرات القارات وحاملات الرؤوس النووية والكيمائية انتشرت أسلحة الدمار الشامل والحروب البيولوجية والتكنولوجية وكافة وسائل تدمير الإنسانية وعلى جراء اجتياح العراق للكويت ثارت العرب تبحث عن وسيلة تقيها من شر العدوان وتعالج به الموقف المتأزم في كافة الوطن العربي وضماد للجروح العميقة بين الأخوين ( الكويت والعراق ) وفي تجمع للعرب في القاهرة بصفة استثنائية لمناقشة الموقف هناك كان لحكومة الإنقاذ موقفاً مغاير وصفها بالخروج عن الجماعة ولأن الجماعة أرادوا أن تحل مشكلة احتلال العراق للكويت بالطريقة التي هندستها الولايات المتحدة بالمشاركة مع الدول الغربية فيما كان السودان ومجموعة بسيطة من الدول ترى ضرورة حل تلك المشكلة داخل البيت العربي ورفض تسليمها ليد الولايات المتحدة التي كانت تتزعم الموقف برمته ومن هنا خرج السودان منبوذاً مرفوضاً لم يجني من ذلك الجمع غير وجه القباحة ونال سخط دول الخليج العربي وخصوصاً السعودية والكويت ومن هنا أيضاً وضعت الولايات المتحدة حكومة الإنقاذ في الميزان ولقد خرج السودان ومن معه من المولد بلا حمص وأغلق الباب من خلفه وانقطعت صلته بمعظم دول العالم العربي
وفي 16 يناير عام 1991م بدأت عمليات عاصفة الصحراء بقيادة الولايات المتحدة وحلف ضم أكثر من أربعين دولة غربية وآسيوية وعربية تم فيها تدمير العرق من البنية التحتية إلى الفوقية ومن ثم إفقار الشعب العراقي وتجويعهم وتركهم في المعاناة مع المرض وشتى مآسي الدنيا أما من وسيلة لتحرير الكويت إلا بذبح الأبرياء من الشيوخ والأطفال والنساء؟
من أجل الكويت شرد شعب اليمن وفلسطين وطرد من معظم دول الخليج ولا أحد يعلم تماما معالم تلك الحرب الشرسة التي هندسها الخواجات لكسر شوكة العرب والمسلمين من خلال ضرب العراق وهي تمتلك أكبر قوة عسكرية في الوطن العربي وأكبر ترسانة من الأسلحة المتقدمة الكيميائية والبيولوجية علاوة على وجود عدد كبير من الخبراء في شتى مجالات التقفية الحربية ولقد حصدت تلك الحرب اللعينة الملايين من أبناء العراق الأبرياء وتركت الرئيس صدام حسين واتباعه ينعمون في رغد الحياة كما جعلت من النظام العراقي بعبع العالم العربي وكرباج يهدد به كل من يريد أن يقول لا لقرارات الخواجات أو يرفض الانصياع لهم.
أضحى التنائي بديلا من تدانينا
ابتعدت الشقيقة مصر عن السودان وطفحت بعض القضايا التاريخية بين الدولتان على سطحية العلاقات المتردية أثيرت مشكلة حلايب والشلاتين وهي مشكلة سياسية وهي مشكلة مستحدثة لا يعرف عنها الكثير من الناس أي معلومات تذكر في ما مضى أوجدت من عدم لأغراض سياسية بحتة وعامل ضغط من الحكومة المصرية ضد نظام الإنقاذ وذريعة تساعد الحكومة المصرية على وغلق الباب أمام السودانيين والتحكم في الحدود السودانية المصرية بعد اشتدت الحرب في الجنوب وساءت الأحوال المعيشية وضاق الحال بالشعب السوداني وبدأ يضرب في الأرض سعياً للرزق وكان لمصر نصيب الأسد من السودانيين الذي تدفقوا إليها أرتالاً حتى وصل عددهم أكثر من أربعة مليون سوداني يعيشون في مصر لقربها من السودان ولسهولة الوصول إليها .
عاش قادة النظام السوداني حالة من الفوضى والتخبط السياسي وإطلاق الشعارات النارية التي اتسمت بترهيب الناس وخصوصاً الجيران مثل أن الدعوة الداخلية للدين الإسلامي قد اكتملت وأن الإنقاذ ستتبنى عالمية الدعوة الإسلامية أو تصدير الثورة إلى خارج السودان بإجراء اتصالات مع الجماعات الإسلامية النشطة المتواجدة في بعض الدول العربية وتحريكها وتشجيعها للعمل من أجل الوصول إلى كرسي الحكم في ذات البلد وكان الشيخ الترابي هو الشخصية النشطة في هذا البند.
وفي غضون تنامي الأنشطة الإرهابية في مصر وحدوث خرق أمني شنيع أدى إلى وقوع حوادث انفجارات نفذتها عناصر الجماعات الإسلامية ولقد أودت بحياة الكثير من الضحايا الأبرياء اشتد القلق وأصبحت العلاقات المصرية السودانية بسيئاتها تراوح مكانها إلا أن هناك تفاهم شعبي وانسياب نسبي بالنسبة للعلاقات الإنسانية بين الشعبين ظلت الحدود مفتوحة والتعاملات على المستوى المدني طبيعية على الرغم من وجود تزمر بين النظامين في الخرطوم والقاهرة.
وفي عام ( 1992م ) قام بعض المسلحين المصريين من الجماعات الإسلامية بمحاولة اغتيال الرئيس محمد حسني مبارك في أديس ابابا ولقد نجا الرئيس من تلك المحاول وهرع إلى القاهرة حيث بادر بتوجيه التهمة ضد الحكومة السودانية حتى قبل أن تتكشف كل الحقائق وكأنه مخطط متفق عليه مسبقاً من قبل الحكومة المصرية وعلى الفور انهمكت الدوائر الأمنية المصرية في جمع المعلومات عن السودان لإعداد ملف ضد السودان وتسليمه للولايات المتحدة الأمريكية بأي طريقة تبادل معلومات أمنية أو مباحثات دبلوماسية نحن لا ندري بالضبط الكيفية والوسائل التي استعملت لتجميع معلومات أعداد الملف وكذلك كبقية عامة الناس لا نعلم ما كان يجري خلف الكواليس في السياسة بين السودان والشقيقة مصر ولكن بطريقة ما تم إعداد ملف عن السودان وتسميته بالمواضيع التي جعلت السودان حكومة وشعباً متورطين عالمياً بالجرم وموصوفين بالإرهاب وانتهاك حقوق الإنسان ولا نعلم في ذات الوقت بالضبط الكيفية التي تم فيها إقحام أمريكا بشدة في مشاكل السودان الداخلية.
أن محاولة اغتيال الرئيس محمد حسني مبارك هي ما زاد الطين بله وكانت القشة التي قصمت ظهر البعير أصبحت الشقيقة وتوأم السودان ( مصر ) هي أكثر عداً للسودان ومن هنا تم فتح ملف خاص بشئون السودان وعمدت مصر بتنفيذ بعض الإجراءات الوقائية وضيقت الخناق على الشعب السوداني وفرضت على عليه المزيد من القيود وأهمها تأشيرة الدخول إلى مصر وعدم السماح للسودانيين بالإقامة في مصر إلا بعد الحصول على موافقة أمنية من السلطات المصرية ( نظام الإقامة ) بعد أن كان السودانيين وبحكم العلاقات الأزلية التي تربط البلدين مع بعضهم يدخلون مصر بدون تأشيرة ويقيمون قيها بدون شرط أو قيد ويتحركون في مصر ما شأوا ولكن تلك الإجراءات أعاقت عرى العلاقات الإنسانية بين الشعبين وقطعت التواصل والحب بين الشعبين وأدت إلى تباعد الأطراف عن بعضهما أكثر فأكثر وتوسعت فجوة انعدام الثقة ووجد الشعبين أنفسهم في وضع مخزي حزين وهم في الوقع ضحية تضارب أفكار الكبار وليس لهم ذنب ولكن كما جرت العادة في بلادنا العربية عندما يغضب زعيم من زعيم دولة أخرى يحمل السوط وهي عبارة عن إجراءات قمعية فجلد بها شعب الزعيم المغضوب عليه وكأن الشعب هو المتسبب في سوء الفهم بين الزعيمين وذلك قطعاً ظلم بين.
ولقد انتشرت منظمات الغوث العالمية في الأجزاء الجنوبية منه وأصبحت ترصد ما يسمى بممارسات الحكومة المتعلقة بانتهاك حقوق الإنسان وأظهرت التقارير التي تكتبها تلك المنظمات بوضوح ولأول مرة وجود تجارة الرقيق في السودان وممارسات كان يقوم بها ذات المجموعات العربية التي تم تسليحها من قبل الأنظمة في الخرطوم سوأ أن كان عن طريق حكومة الصادق المهدي أو حكومة عمر البشير ولقد أشير بأن وزير الدفاع الأسبق في حكومة السيد الصادق المهدي وأسمه فضل الله برمة وهو شخص ينتمي إلى تلك المجموعات العربية المسلحة كان المسئول الأول عن تحريض القبائل العربية في غرب السودان للعمل المسلح ضد القبائل الإفريقية في دار فور وجبال النوبة ولقد أدت تلك الممارسات إلى نشوب الفوضى في تلك المناطق والقرى التي كانت آمنة وفي رعاية الله حيث امتدت الأعمال الفوضوية إلى خطف الأطفال والنساء والنهب المسلح وحرق القرى والمحاصيل الزراعية، ولقد أجريت لقاءات مع المتورطين في تلك الأفعال المشينة ولقد تم تصوير بعض المجموعات من الأرقاء وكذلك تم اللقاء بهم وتوثيق ذلك في عدة تقارير وردت من منظمات تعنى بحقوق الإنسان مثل أفركان رايتس وأفركان واتش وعلم بأن السودان على الرغم من ادعاءات حكامه بالإسلام بلد متخلف أخلاقيا وأدبياً ويعيش الناس في داخله فوضى كبيرة لا توجد لها مثيل في الدول الإفريقية والعربية المجاورة وفي هذا البلد المسكين الذي يتداعى من كل أركانه وفي هذا العصر التي قال فيه العلم كلمته الكمبيوتر ووسائل الاتصال ويلعب الأطفال بأعقد وسائل الترفيه ويتواصل فيه الناس عبر آلاف الأميال خلال ثوان ( الموبايلات والفضائيات ) ودقائق بل سويعات عبر الأجهزة الإلكترونية والآليات السريعة وما زال السودان يعاني من ممارسات الجاهلية الأولى العنصرية والتمييز بين الناس والرق وخطف النساء والأطفال والنهب المسلح.
لا شك أن الحكومة المصرية استطاعت أن تكون فكرة غاضبة عن الشعب السوداني برمته خصوصاً بعد عملية محاولة اغتيال الرئيس محمد حسني مبارك في أديس وعلى ضوء ذلك ساق الغضب الدوائر الأمنية المصرية إلى عمل غسل مخ الإدارة الأمريكية في عهد الرئيس كلنتون وتكيفه في المسار المصري الساعي إلى الثأر للرئيس المصري من حكومة السودان وفي 7 آب – أغسطس عام 1998م ضربت عصا الإرهاب العملاق الأمريكي فأوجعته الضربة وسببت له ألم بليغ ألا وهي حادثة تفجير السفارتين الأمريكيتين في نيروبي ودار السلام ولقد أدى ذلك الحادث على وفاة 21 أميركياً لأن السودان في البال ومرصود من قبل الولايات المتحدة وبعض دول الجوار كان لابد أن توجه إليه أصابع الاتهام وبالتالي لابد من اتخاذ تدابير نحو الانتقام منه وكانت الشقيقة مصر هي الأكثر معرفة بوديان وهضاب وسهول وجبال وأنهار وغابات وبيوت وشوارع وحواري السودان وبناءً على ذلك قد تناقلت الوثائق بين الولايات المتحدة ومصر ومن ضمنها أوراق مغلوطة عن مصنع الشفاء للأدوية في الخرطوم بأنه مصنع يقوم بصناعة الأسلحة الكيماوية.
سارعت الولايات المتحدة الأمريكية للرد على الهجمات التي أدت على تفجير سفارتيها في نيروبي ودار السلام وبعد يومين فقط من ذاك الحدث وبالتحديد في يوم 10آب- أغسطس 1998م نفذت أمريكا قصف صاروخي منطلقة من بارجات حربية متمركزة في البحر الأحمر إلى الخرطوم حيث هز دوياً هائل أركان العاصمة السودانية وتصاعدت ألسنة الدخان واللهب فأدت الصواريخ إلى تدمير مصنع الشفا تدميراً كاملاً
المعارضة السودانية
عندما انقض العسكر على حكومة السيد الصادق المهدي كان ذلك بمثابة طلقة العسكر التي أصابت قلب الديمقراطية الثالثة فأردتها قتيلة طيلة فترة حكم الانقاذ وحيرت الشعب السوداني في أمره الذي ظل يراوح مكانه ما بين الديمقراطية الحرة وأنظمة الحكم العسكرية التي تتصف بالقمع والبطش والدكتاتورية وكان يوم 30يوليو عام 1989م هو يوم شتات للقوى السياسية السودانية للمرة الثالثة في تاريخ الحركة السياسية السودانية ولقد تمت عملية الانقلاب العسكري على نظام الحكم الديمقراطي في السودان بطريقة دراما تكية كان الدكتور حسن الترابي قد تخفي في عباءته الرمادية وحمل حقيبة ملابسه استعداد للذهاب إلى المعتقل وطبعاً ذلك تم باختياره وحسب سيناريو أحداث المسرحية والأدوار التي يجب على طرف ممثل أن يلعبها وحفاظاً لسلامة المخطط في أبعاد الشبهة عنه والتنائي بنفسه عما حدث من خرق للمواثيق السياسية وآدابها وخيانة المجتمع المدني وعدم الالتزام بمباد الديمقراطية وخوفاً من أن يتهم الشيخ الدكتور حسن الترابي بخيانة العهد الذي قطعه بينه وبقية السياسيين السودانيين رسم لنفسه صورة المتهم من قبل العسكر ولفق لنفسه تهمة البريء المتهم حتى تثبت إدانته.
وفي نفس الوقت قام قادة الانقلاب باعتقال السيد الصادق المهدي رئيس الوزراء آنذاك وجماعته وقيادات الأحزاب السياسية الأخرى مثل الأسقف فيليب عباس غبوش رئيس الحزب القومي السوداني وبقية أقطاب القوى السياسة السودانية ولم يكن مولانا محمد عثمان الميرغني داخل السودان فقد نجا من قبضة العسكر ونفد بجلده ومن معه من زمرة الصالحين وكوادر حزبه الأخيار.
وكان الشيخ حسن الترابي ينكر بشدة انتمائه أو ضلوعه في انقلاب 30 يوليو 1989م وكان كما ذكرنا آنفاً لقد رتب نفسه صورة المتهم البري وأخذ يذر الرماد في العيون ويستخف بعقول الناس ولكن سبحان الله أحاسيس الناس أقوى من خطى إبليس وعقل الإنسان يستدرك الحدث منذ وقوعه ويدرس معانيه وسيتكشف أبعاده حتى يخلص إلى الحقيقة فيأخذ موضعاً للمتابعة والترقب ليتعرى فيخرج الحدث من موقعه الكذوب وبعدها ترتاح الأنفس وتهدأ الأعصاب، لذلك كان الناس وعلى وجه الخصوص السودانيين العاملين في مجال السياسة منذ أول وهلة يعيشون في ريبة في أمر تلك الحكومة التي أتت في ظروف غامضة من ناحية ما كان يجري في أروقة السياسة السودانية ولقد كان هناك الكثير من الفوضى ولكن في ذات الوقت أتيحت حرية التعبير للجميع وكل القطاعات والفئوية والسياسية كانت تشارك الحكومة الديمقراطية وتناقش في قضايا السودان ولقد كان للجيش السوداني موطئ قدم في مسيرة حكومة السيد الصادق المهدي حيث رفع الجيش السوداني عدة مذكرات للحكومة احتجاجا على بعض المواقف السياسية وبعض الممارسات الخاطئة وهذا ما يعني أن الحرية متاحة للجميع وكان يمكن للشعب السوداني أن يستمر في أخذ جرعات من الحرية والتعلم على كيفية الاستفادة منها في تحقيق طموحاته.
ولكن هنا ما يمكن أن نسميه ببعض النفوس المريضة التي لا تقتنع بالمشورة ولا تصبر على المحاورة وتريد دائما أقصر الطرق للوصول إلى مصالح خاصة يستفيد منها أقل نسبة من الناس وإهمال حقوق الأكثرية أو عدم المبالاة بأحقية العدالة والمساواة، ولكن كذلك هولا معذورون لأن بلد مثل السودان في موقعه الجغرافي الذي يفصل بين العرب والأفارقة وتركيبته السكانية المتعددة الأعراق واللغات والديانات ومساحته الكبيرة الشاسعة المترامية الأطراف والتي يحدها ثمان دول إفريقية وعربية لن يسلم من مثل تلك النزاعات والصراع حول السلطة والثروة وما على ذلك ولك فئة أو جماعة تريد أن تجد لنفسها مكان في تكوين الدولة السودانية الموعودة ولكن البعض يغالي في البحث عن ذاته لذلك لن تثمر أي جهود سياسية في أن تجعل السودان دول ذات كيان واحد مترابط متماسك بقوة وصلابة إلا في إتاحة الفرصة للديمقراطية الحرة التي تؤمن للإنسان السوداني حقه في الدفاع عن مكتسباته والتعبير عنها بحرية والمشاركة الفعالة في اتخاذ القرارات التي تخدم مصالحه وتحقق طموحاته.
لقد عاش السودان في ظروف تاريخية صعبة تجاذبته الأمم وما زال كذلك وحتى لحظة كتابة هذا الموضوع أن السودان لم يتخطى مرحلة التفاعل مع عملية البناء وطور التكوين لذلك نجد أن كل فئة تحاول أن تغلب الأخرى وتستأثر بالسلطة دون غيرها حتى تتمكن من السيطرة على مصادر القوة في الدولة السودانية.
عندما تمكنت ثورة الإنقاذ من زمام الأمور وتمزقت الأحزاب السياسية إلى خارج السودان وبعضها أنزوي وبعضاً أخر تقاعس عن العمل السياسي خشية الوقوع في يدي السلطة فيبطش به وينكل به في وقت ابتدعت فيه ثورة الإنقاذ أبشع سبل القمع والتنكيل بأعدائها أو المعارضين لها ولم تتوانى أجهزة الأمن الإنقاذية في استخدام ابشع الوسائل لقمع المعارضين بل وإخفاء بعضهم ومحوهم من الجود بمجرد الشك أو الخوف والتوجس منهم فيما كان سجن كوبر القديم هو مستودع المجرمين المشهور في السودان وظهر للشعب السوداني مسميات جديد وعرفت ببيوت الأشباح يمارس فيها رجال الأمن عملهم الإجرامي بعيد عن الأضواء يتم تعذيب الناس لإجبارهم على الاعتراف بالتهم لموجهة إليهم.
في داخل السودان بقي السيد الصادق المهدي زعيم حزب الأمة وهو الرئيس المغدور به بجانب الدكتور حسن الترابي زعيم الجماعة الإسلامية ( الجبهة الإسلامية القومية ) التي عرفت فيما بعد بحزب المؤتمر الشعبي وكذلك الأب فيليب عباس غبوش رئيس الحزب القومي السوداني ولقد تم الإفراج عنهم وإخراجهم من الحبس الاحترازي بعد أن أمنت حكومة الإنقاذ موقعها.
كان السيد الصادق المهدي هو الأنشط سياسياً وهو الأكثر مجادلة مع حكومة الإنقاذ وظل يتحرك بحرية متميزة نسبية عن غيره وذلك بحكم قربه من بعض أطراف اللعبة السياسية في السودان وخصوصاً إذا علمنا أن معظم القيادات السياسية في السودان بينها تصاهر وترابط أسري حيث كان بين السيد الصادق المهدي والدكتور حسن الترابي علاقة أسرية قوية لم يكن عامة الناس في السودان بعرفها من قبل لولا قيام ثورة الإنقاذ وهي أن الدكتور حسن الترابي متزوج أخت السيد الصادق المهدي وبينما كانت حكومة الإنقاذ تصب الزيت في نار الحرب في الجنوب وتنادي بالجهاد ضد المسلمين في جبال النوبة وجنوب السودان وجنوب النيل الأزرق والإنقسنا ودارفور تحشد لها الطاقات وتثير الشباب ببث الشعارات المعادية لتلك المناطق وتحثهم بالجهاد وتواعدهم بالجنة في غضون ذلك كان السيد الصادق المهدي بنادي بالجهاد المدني وظل يحاور الحكومة ليل نهار استطاع أن يكون مصدر إزعاج لها وكلما بدأت الحكومة في الإخفاق شد عزمه ودفع قواه يستقطب المناوئين لها ويوظف اتباعه في مقاومة حكم الإنقاذ وظل دوماً ينبذ العنف في العمل السياسي حسب خطبه وحسب مناوراته ومضى السيد الصادق المهدي كالأسد الجريح يصول ويجول حول حقه المسلوب دون جدوى وبقيت كل محاولاته لثني عزم حكومة الإنقاذ وإجبار قادتها للاستجابة لمطلب الشعب الديمقراطية والتعددية الحزبية جامدة تراوح مكانها.
التجمع الديمقراطي
في خارج السودان تجمعت قيادات الأحزاب السياسية السودانية وأنشأت تألفاً أسمته التجمع الديمقراطي تكون هذا التجمع بقيادة الحزب الاتحادي الديمقراطي الذي وجدت قياداته نفسها خارج اللعبة السياسية في السودان وعضوية كل من الأعضاء المؤسسين حزب الأمة والحزب القومي السوداني والحزب الشيوعي السوداني وظلت المجموعات المعارضة تتفاعل خارج السودان وتعاظمت الأفكار المعدية لنظام الإنقاذ في الخرطوم وعلى ذات الوتيرة على مجرى العمل السياسي المعارض تم ظهور جماعات جديدة في شكل أحزاب سياسية تحمل رؤى جديدة وتقدم أطروحات جديدة مساهمة منها في حل القضايا السودانية الشائكة ومثل جماعة حق بقيادة ( عدلان ) وجماعة الكونفدرالي بقيادة إحمد إبراهيم دريج ولواء السودان الجديد بقيادة العميد عبد العزيز خالد وتقاوم نظام الإنقاذ إعلامياً
الوجه المشرق لحكومة الانقاذ ومحاذيره
استطاعت حكومة الإنقاذ إكمال مشروع التنقيب عن البترول وهو إنجاز وطني عظيم وخطوة جبارة كان قد بدأها المشير جعفر نميري إلا أن ذلك لم يكن محموداً ولم يكن عمل صالح مادام لم يأتي لتخفيف وطأة البؤس والشقاء والفقر المدقع الذي يعيش فيها غالبية شعب السودان ولقد اتهمت الحكومة أبانها باعت حق امتياز تنقيب البترول في السودان لشركات مقابل مبلغ زهيد من المال لا يكاد يغطي نفقات الدولة السودانية ومقابل أن تتلقى هي سقط رائش الحديد من المبرد ومع ذلك هي تستخدم ذلك المخصص لدعم المجهود الحربي ومن جانب أخر تقول بعض الأوساط أن الحكومة سلمت عملية استخراج البترول وتسويقه لشركات موالية أو متعاطفة مع النظام أي تم الاتفاق بين الحكومة وتلك الشركات على بنود مفادها عدم إفشاء أي معلومات عن عملية استخراج البترول في السودان وبالتالي تسليم مفاتيح إدارة العملية برمتها للموالين للحكومة فقط وليس لبقية الشعب الحق حتى في معرفة مدخلات البترول السوداني.
انفصلت دولة السودان من العالم الخارجي وانغمس قادتها في شهوة السلطة والنفوذ وترجمة معاني معتقداتهم إلى أرض الوقع وعمادها الأسلمة والتعريب القسري للشعوب الإفريقية السودانية والتمسك بمظاهر الأمور وعدم المقدرة على خلق البديل الصالح الذي ينفع الناس وفي بلد مثل السودان تبلغ مساحته مليون ميل مربع تسعون في المائة منه أرض صالحة للزراعة يعاني الناس من الجوع والوعز لدرجة الشحاذة من الجيران والاعتماد على صدقات الكنائس في بعض الأحيان لا شك أن الحرب أنهكت الدولة السودانية ولكن هم المتسبب فيها؟وكيف يكون للإنسان أرض يستطيع أن يزرعها ويقي نفسها من شر الجوع والعوز ويتركها هكذا بوراً حتى تفقد خصوبتها؟.
نعم لقد أجبرت الحرب الأهلية التي توسعت دائرتها في عهد حكومة الإنقاذ الفلاحين لترك الزراعة وشل حركة الرعي على وجه الخصوص في مناطق جبال النوبة حيث هي أغني مناطق الزراعة والرعي علاوة على أن حكومة الإنقاذ تسببت في تهجير الكثير من القرى وإفراغها من المواطنين من جرا برنامجها المزعوم الذي يرمي إلى تدمير أهل السودان القديم وأحداث تغيرات في التركيبة السكانية في مناطق معينة مثل منطقة جبال النوبة وجنوب النيل الأزرق والأنقسنا ودارفور وجنوب السودان حيث عمدت الحكومة إلى تهجير أكثر من مليوني مواطن من أبناء النوبة لقد أندفع بعضهم نحو الجنوب حيث انخرطوا في العمل المسلح مع المتمردين الجنوبيين جماعة الدكتور جون قرنق ضد الحكومة مكرهين على ذلك يما لاقوه من عذاب وتنكيل من قبل الميليشيات المسلحة والجيش السوداني الذي اتصف بتوجهاته الأيديولوجية ( وهي توجهات الحكومة المركزية في الخرطوم ) فيما ذهب كثيرين من أبناء منطقة جبال النوبة أما إلى العاصمة الخرطوم أو إلى المدن الكبيرة ولقد ابتدعت الحكومة السودانية ما تسميه الجهاد ( في منطقة جبال النوبة ضد النوبة المسلمين ) وانتشرت القرى العشوائية في أطراف العاصمة والمدن الكبيرة ومن المعروف أن شعب النوبة هم اكثر الشعوب العاملة في مجال الفلاحة والرعي وتقع منطقتهم على أرض خصبة جدا ونتيجة للنزوح المستمر للفلاحين من القرى إلى المدن توقفت الزراعة تماماً وبينما فشلت الحكومة في تأمين عملية إدارة المشاريع والزراعة الآلية
وعلى الرغم من أن السودان يمتلك كل تلك المساحة الشاسعة من الأرض الزراعية الخصبة إلا أنه ظل يقبع في أنياب الفقر والبؤس والشقاء وأصبح أكسل شعوب العالم يخرجون النكات عن الشعب السوداني ويصفونه بالكسل والخمول وعدم المقدرة على العمل وذلك حتما ناتج عن جهل تلك الشعوب وعدم معرفتها عن طبيعة الحياة لذي الإنسان السوداني وهو الشعب الذي تستيقظ نساءه منذ الفجر والذهاب إلى المزرعة أو الغيط لفلاحة الأرض مع زوجها حتى مغيب الشمس وأن أكثر من خمسة وثمانون في المائة من الشعب السوداني مزارعين مكافحين بيتهم من طين ويصنعون أثاثهم بأيديهم ويمشون على أقدامهم مسافات طويلة ويردون الماء من الآبار ويطهون طعامهم على اللداية ( موقد النار ) ونيران الحطب وأنا لهم أن يكونوا قوم كسالى أن ما يطلق على السودانيين من نكات سخيفة من أفواه السفهاء والمفلسين هي محط افتراء ولأن المثل الشعبي يقول إذا وقع الثور كثرت سكاكينه .
م/ محمود جودات [email protected]